تحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات

اشارة

سرشناسه : خمینی، مصطفی، 1356 - 1309

عنوان و نام پديدآور : تحریرات فی الفقه: کتاب الخیارات/ تالیف مصطفی الخمینی

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 14ق. = - 13.

مشخصات ظاهری : ج 4

شابک : 964-335-143-7(دوره) ؛ 964-335-143-29000ریال:(ج.3) ؛ 964-335-144-0(ج.4)

يادداشت : فهرستنویسی براساس جلد سوم: 1378

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : کتاب الخیارات

موضوع : خیارات

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP190/2/خ 8ت 3 1300ی

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی : م 78-11082

الجزء الأول

تذكرة

قد ضاع و للأسف القسم الأوّل من كتاب الخيارات المشتمل علىٰ 540 صفحة من مخطوطة المصنف (قدّس سرّه) و الموجود عندنا من المخطوط مجلد واحد جمع بين دفتيه الجزء الثالث و الرابع من مباحث الخيارات و قد تمّ بعون اللّٰه تبارك و تعالى تحقيقه و الحمد للّٰه ربّ العالمين.

مؤسسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 2

القول في خيار العيب

اشارة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 3

في كيفية خيار العيب بالنسبة إلى الردّ و الأرش

اشارة

ظهور العيب في المبيع يوجب تسلّط المشتري على الردّ و أخذ الأرش بلا خلاف و يدلّ على الردّ الأخبار المستفيضة و أمّا الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدلّ على التخيير بينه و بين الردّ، بل ما دلّ على الأرش يختصّ بصورة التصرّف المانع من الردّ قد أثبتنا بين العضادتين صدر المسألة من كتاب المكاسب للشيخ الأعظم الأنصاري (قدّس سرّه) لتسهيل الأمر على القارئ الكريم ..

بينهما كما صرّح بذلك جمع من الأعلام (رحمهم اللّٰه) فيكون التخيير طوليّاً، لا عَرْضيّاً؛ بمعنى أنّه إن كان المعيب قائماً بعينه فيردّ، و إلّا فله أخذ الأرش.

و نسب إلىٰ مواضع من «المبسوط» «1» الميل إليه، أو الإفتاء به،

______________________________

(1) قال المحقّق الأنصاري: «يظهر من الشيخ في غير موضع من المبسوط أنّ أخذ الأرش مشروط باليأس عن الردّ». المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 25، لاحظ المبسوط 2: 131 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 4

خلافاً لسائر كتبه، و صريحِ موضع منه «1»، و «نهايته» «2».

و حيث إنّ الشهرة بين قدماء أصحابنا ليست بالغة إلىٰ حدّ النصاب؛ لعدم اشتهار الحكم بين المخالفين؛ فإنّ المسألة كأنّها لم تكن كثيرة الدور بين الأصحاب (رحمهم اللّٰه) حتّى يحصل الوثوق بكونها من مبادي الوحي و التنزيل؛ ضرورة ذهاب الشيخ إلىٰ الخلاف أوّلًا، و سكوت جمع من العامّة عن هذا التخيير ثانياً، مع بُعد وجود الأمر التعبّدي في المعاملات ثالثاً، تحصل الشبهة في إمكان إثبات التخيير العَرْضيّ.

نعم، ربّما يوهم ما في «الفقه الرضويّ» أنّ المسألة كانت عندهم مفروغة؛ و ذلك لقوله فيه: و روى في الرّجل يشتري المتاع فيجد به عيباً يوجب الردّ «فإن كان المتاع قائماً بعينه ردّ

علىٰ صاحبه، و إن كان قد قطع أو خيط أو حدثت فيه حادثة، رجع فيه بنقصان العيب علىٰ سبيل الأرش» «3».

و قال في موضع آخر يظهر أنّه فتواه: «فإن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه؛ إن شاء ردّ، و إن شاء أخذه، أو ردّه عليه بالقيمة أرش المعيب.» «4» إلىٰ آخره.

______________________________

(1) المبسوط 2: 138.

(2) النهاية: 392.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 250 251.

(4) هكذا في مستدرك الوسائل 13: 306، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 12، الحديث 3، و في الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 253، ورد «الواو» بدل «أو».

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 5

و كلمة «أو» عدل قوله: «فالخيار إليه» أي أنّ له الخيار، أو يردّ عليه الأرش.

و الإنصاف: أنّ في العبارة غلقاً ظاهراً يحتمل فيه الاحتمالات، فلا يصلح للاستناد.

بحث و تحصيل الاحتمالات في خيار العيب

في المسألة احتمالات:

الخيار فقط.

و الأرش فقط.

و التخيير بينهما عَرْضيّاً.

و أمّا التخيير الطوليّ، فهو مربوط بصورة التصرّف و عدمه. و البحث هنا حول الصورة الأصليّة؛ و هي ما قبل التصرف، و قبل أن تنقلب العين إلىٰ حالة اخرىٰ.

و هنا احتمال رابع: و هو خيار المشتري إن لم يردّ الأرش البائع.

أمّا وجه الخيار فقط فهو واضح؛ لأنّ العيب علىٰ خلاف البناء، و هو كافٍ لحكم العقلاء الممضى بالشرع بالضرورة.

و أمّا وجه الأرش فقط فبدعوىٰ: أنّ البيع وقع علىٰ ما هو العين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 6

الشخصيّة الباقية، و هو لازم حسب إطلاق دليل الوفاء بالعقود «1» الرادع لبناء العقلاء. و التمسّك بهذه الأخبار لإثبات تقييد إطلاق الآية، في غير محلّه، لأنّها مورد الإعراض. مع ضعف جملة منها، كما سيمرّ عليك بتفصيلٍ إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

اللهمّ إلّا أن

يقال: إنّ السيرة مخصّصة، و فيه ما لا يخفىٰ.

نعم، قد مرّ منّا في محلّه أجنبيّة الآية الشريفة عن هذه المواقف «2»، فالسيرة ممضاة.

و أمّا وجه الخيار بعد عدم قبول البائع جبران الأرش؛ فهو أيضاً لحكم العقلاء بأنّ العيب الشخصيّ مورد البيع اللازم الوفاء به، و إذا كان هو الراضي بالجبران فيعطى الأرش، فلا معنىٰ للخيار؛ لأنّ منشأ الخيار- حسب نظر العقلاء جبران الخسارة و الضرر نوعاً، و هو يحصل في مفروض البحث، كما مرّ في خيار الغبن.

و توهّم: أنّ الأخبار في المسألة تنافي هذا الاحتمال، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ مصبّ الأخبار حول بقاء العين و عدمها. و ما ورد في الأرش على الإطلاق يؤيّد ذلك؛ لأنّه إذا كان البائع يقبل فلا خيار له.

نعم، ثبوت الإطلاق المذكور لمثل خبر يونس «3» و عمر بن

______________________________

(1) يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، المائدة (5): 1.

(2) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 27 28.

(3) إسماعيل بن مرار، عن يونس في رجل اشترى جارية على أنّها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنّه صادق.

الكافي 5: 216/ 14، تهذيب الأحكام 7: 64/ 278، وسائل الشيعة 18: 108، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 6، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 7

يزيد «1» و السكوني «2»، غير واضح؛ و إن أصرّ عليه السيّد الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «3».

فبالجملة: فيما هو مفروض البحث- و هو بقاء العين يحتمل أن يكون خيار المشتري في طول جبران الخسارة و إعطاء الأرش من قبل البائع، فإن لم يقبل ذلك فهو بالخيار.

و أمّا دعوى: أنّ الشهرة تنافيه، فهي مندفعة بأنّ القدر المتيقّن من ذلك؛ هو صورة عدم قبول

البائع جبران الخسارة.

مع أنّ ثبوت الشهرة المفيدة غير واضح بعد.

ثمّ إنّ هنا احتمالًا ليس في عَرْض الاحتمالات الأُخر: و هو أنّ البيع

______________________________

(1) الحسن بن عطيّة، عن عمر بن يزيد قال: كنت أنا و عمر بالمدينة فباع عمر جراباً هرويّاً كلّ ثوب بكذا و كذا، فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوباً فيه عيب، فقال لهم عمر: أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به، قالوا: لا و لكنّا نأخذ منك قيمة الثوب، فذكر ذلك عمر لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فقال: يلزمه ذلك.

الكافي 5: 206/ 1، الفقيه 3: 136/ 591، تهذيب الأحكام 7: 60/ 259، وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 1.

(2) النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه أنّ عليّاً (عليه السّلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن، احتكرها حكرة فوجد فيها رُبّاً فخاصمه إلى عليّ (عليه السّلام)، فقال له عليّ (عليه السّلام): لك بكيل الرُّبّ سمناً، فقال له الرجل: إنّما بعته منك حكرة، فقال له عليّ (عليه السّلام): إنّما اشترى منك سمناً، لم يشترِ منك رُبّاً.

تهذيب الأحكام 7: 66/ 286، وسائل الشيعة 18: 110، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 7، الحديث 3.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 8

الواقع على العين الشخصيّة المعيبة، ربّما لا تكون الخصوصيّة الخارجيّة و الشخصيّة، دخيلةً عند العقلاء فيما هو المهمّ من الأغراض، فإذا قبل البائع التبديل- كما في مثل الحنطة و البطّيخ لا يبعد حكم العقلاء بعدم الخيار و الأرش، فالبيع شخصيّ بحسب الإنشاء و المبادلة، إلّا أنّ التبديل لا ينافي تلك الشخصيّة عرفاً.

فبالجملة: لولا مخافة مخالفة تلك الشهرة و هذه الأخبار احتمالًا، كان الاحتمال

المذكور قويّاً؛ و هو ثبوت الخيار بعد امتناع البائع عن الأرش.

و يجوز أن يستشهد علىٰ ما أبدعناه بما ورد عن عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل باع أرضاً علىٰ أنّها عشرة أجربة، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده، و نقد الثمن، و وقّع صفقة البيع و افترقا، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة.

قال: «إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء ردّ البيع، و أخذ ماله كلّه، إلّا أن يكون له إلىٰ جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فليؤخذ، و يكون البيع لازماً» «1».

______________________________

(1) عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل باع أرضاً علىٰ أنّها عشرة أجربة، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده و نقد الثمن، و وقّع صفقة البيع و افترقا، فلمّا مسح الأرض إذ هي خمسة أجربة، قال: إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء ردّ البيع، و أخذ ماله كلّه، إلّا أن يكون له إلىٰ جنب تلك الأرض أيضاً أرضون فليؤخذ، و يكون البيع لازماً له، و عليه الوفاء بتمام البيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء ردّ الأرض و أخذ المال كلّه.

الفقيه 3: 151/ 663، تهذيب الأحكام 7: 153/ 675، وسائل الشيعة 18: 27، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 14، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 9

ما يتكلّف لتوجيه الخيار و الأرش عرضاً

و أمّا التكلّف لتوجيه الخيار و الأرش للمشتري عَرْضاً، فلا حاجة إليه، إلّا أنّ الإشارة إلى بعض الوجوه ممّا لا بأس بها؛ و إن كان الكلّ غير راجع إلىٰ محصّل.

فمنها: ما أُشير

إليه في كلام الشيخ (قدّس سرّه) و هو أنّ وصف الصحّة يقابل جزء الثمن فبتخلّفه يثبت الخيار؛ و هو خيار العيب، لا تبعّض الصفقة؛ و إن كان هناك إمكان وجوده أيضاً زائداً عليه؛ لأنّه من الممكن رجوع جميع الخيارات إليه، إلّا ما كان تعبّدياً صِرفاً؛ و هذا الرجوع ليس عقلائيّاً، انتهىٰ «1» ببيان منّا، و فيه ما لا يخفىٰ.

و منها: ما أُشير إليه في كلام السيّد الفقيه (رحمه اللّٰه) بدعوىٰ: أنّ هناك ثلاث طوائف من الأخبار:

طائفة: تحكم بالأرش على الإطلاق.

و ثانية: تحكم بالخيار على الإطلاق، و هي كثيرة.

و ثالثة: تفصّل بين صورتي التصرّف و عدمه، و تكون مقيّدة للطائفتين

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 10

الأُوليين من حيث التصرّف و عدمه.

فبقيتا متعارضتين بحسب الإطلاق فيما إذا لم يتصرّف، فيؤخذ بهما جميعاً، و نقول بالتخيير؛ إمّا لأجل أنّ التخيير هنا في العمل، لا في الإفتاء، كما عليه مشهور الأُصوليّين، أو لأجل وجود شاهد على الجمع المزبور، و هو «فقه الرضا» أم يكفي الاشتهار و الإجماع الكاشف عن قرينة ناهضة على الجمع المذكور، فلا يكون تبرّعياً «1»، انتهىٰ بتكميل منّا.

و فيه:- مضافاً إلىٰ بعض ما مرّ أنّ الطائفة الثالثة تجمع بين السالفتين، و تكون شاهدة لهما «2».

اللهمّ إلّا أن يقال: هي معرض عنها، بخلاف الأُوليين.

هذا، و لو وصلت النوبة إلى التمسّك بالشهرة، فلا حاجة إلى هذه التمحّلات.

و منها: ما في بعض الحواشي: «من أنّ الأخبار الناطقة بالردّ تشمل ردّ البيع بكلّيته فينحلّ، و هو خيار، أو ردّ بعضه؛ و هو أخذ الأرش» «3».

و فيه:- مضافاً إلىٰ ما فيه أنّ في الأخبار ما يوجب القطع بأنّ المراد من «الردّ» هو ردّ

المبيع، لا البيع، فلا يبقىٰ محلّ لتخيّله.

و منها: أنّ جواز الأرش و عدم هدر مال المشتري، ممّا هو من الأمر الواضح الجليّ بين العالي و الداني، و لا معنىٰ لتخيّل لزوم العقد؛

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 12 22.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 23.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 95/ السطر 29، نقلًا عن بعض أجلّة المحشّين.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 11

و عدم جواز رجوع المشتري إلىٰ البائع، و إنّما الإشكال بين السائل و المجيب و بين الأصحاب حول الخيار، و أنّه خلاف الوفاء اللازم، فاشير في الأخبار إليه، فلا إطلاق فيها لنفي الأرش الذي هو ثابت بالضرورة، كما زعمه الشيخ (قدّس سرّه) «1».

و ليس هذا من الجمع التبرّعي المحتاج إلى الشاهد، كما في كلام السيّد المحشّي (رحمه اللّٰه) «2».

و أنت خبير: بأنّ هذه الاستئناسات ممّا لا بأس بها؛ بعد كون الحكم ثابتاً بدليل آخر، و إلّا فالفقيه المتشرّع أجلّ شأناً من أن يتّكل علىٰ أمثالها للإفتاء و أخذ الحجّة، كما هو الظاهر.

إشكال و دفع: حول ثبوت التخيير بين الردّ و الأرش عرضاً

كيف يعقل التخيير بين الحقّ المتعلّق بالمقدار المعيّن، و بين حقّ المراجعة إلى البائع بالأرش؟! فإنّه يشبه أن يكون التخيير بين نجاسة شي ء، و نجاسة شي ء آخر، و هذا غير التخيير في الواجب المخيّر، فإنّه من التخيير بين الفعلين.

أقول: لو اشترط الخيار لزيدٍ و لعمرو، فإنّه لا يكون من التخيير، إلّا أنّه بإعمال أحدهما لا يبقىٰ محلّ للآخر، و فيما نحن فيه أيضاً كذلك؛ ضرورة أنّه بإعمال الخيار لا يبقىٰ وجه للأرش، و بالمراجعة إلى

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 17.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 68/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 12

الأرش يعتبر سقوط خياره و رضاه بالعقد؛ و هو بحكم العقلاء، و لا يمكن الجمع بينهما، بخلاف المثال المذكور، فإنّه يمكن، إلّا أنّه يجوز أن يكون الشرط علىٰ وجهٍ لا يؤثّر الفسخ حين إعمالهما.

و بالجملة: إذا امتنع الجمع بينهما، فلا بدّ من التخيير على الوجه المذكور؛ جمعاً بين مقتضىٰ الأدلّة.

اللهمّ إلّا أن يقال: ظاهر كلمات الفقهاء و الأخبار؛ هو التخيير بين الفسخ و الإمضاء بالأرش، و هذا غير الخيار الحقيّ، و لا منع من الالتزام به، إلّا أنّ ذلك خلاف بنائهم القطعيّ علىٰ تورّثه، كسائر الخيارات «1».

اللهمّ إلّا أن يقال: لا منع في الاعتبار من تورّث هذا المعنى التخييريّ الحدثيّ إذا اقتضاه الدليل الخاصّ؛ من إجماع و غيره. بل ربّما يكون هو حكم العقلاء، كما إذا جاز للوارث ضرب زيد تقاصّاً، فإنّه لمكان عدم وجوبه التكليفيّ يعتبر حقّا- لا بالمعنى الثابت القطعيّ عليه فيورّث، فتأمّل.

و لو كان ذلك صحيحاً، لا يتوجّه إلىٰ الدفع المذكور إشكالٌ آخر: و هو أنّ كون كلّ من الخيار و حقّ الأرش حقّا ثابتاً تعييناً، من الجزاف و اللغو بعد عدم إمكان الجمع بينهما، و إن يمكن دفعه؛ ضرورة أنّ إمكان الاستيفاء من كلّ واحد كافٍ للفرار من اللغويّة المتوهّمة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 74 75، «المسألة الثالثة: إذا مات من له الخيار انتقل إلى الوارث من أيّ أنواع الخيار كان، بلا خلاف معتد به، بل ظاهرهم الإجماع، بل عن بعضهم دعواه صريحاً».

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 13

و بالجملة تحصّل: أنّ التخيير بين الحقّين، و بين كون الخيار حقّا وضعيّاً، و بين أخذ الأرش و لو كان حدثاً؛ و لو كان محالًا، إلّا أنّ الالتزام بما

ينتج نتيجة التخيير ممكن.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الجمع بينهما ممكن، فالدفع المذكور غير مفيد؛ و ذلك لأنّ في صورة إعمال الخيار لا معنىٰ للأخذ بالأرش أو عكسه، لجواز كون الخيار معلول العيب، و لا يسقط حتّى بعد أخذ الأرش، و لذلك للشرع التصريح به بالضرورة. و ممّا يؤيّده بقاء خيار الشرط و لو أخذ بالأرش، فبحسب الثبوت يمكن الجمع.

فلو كان حقّ الأرش منتفياً، و هكذا حقّ الخيار، ففي صورة أخذ الأرش يبقى الخيار، و هو خلاف الضرورة عند الفقهاء و العقلاء، فالقول: بأنّ التخيير هنا مصبّه المعنى الحدثيّ لا الوضعيّ، أقرب.

و يمكن أن يقال: إنّ ما هو الحقّ الوضعيّ أحد الأمرين تعييناً، و يكشف ذلك بالفسخ، أو الإمضاء و الأرش.

تتميمٌ جريان خيار العيب في المثمن الكلّي

إذا كان المثمن شخصيّاً، فجريان خيار العيب ممّا لا إشكال فيه ثبوتاً؛ و لا إثباتاً.

و أمّا إذا كان كلّياً، ففيه إشكال من ناحيتين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 14

أمّا الاولى: فلأنّ العيب و الصحّة من الاعتبارات المنتزعة من تطابق الخارج مع العنوان المعهود و عدمه؛ فإن لم يكن تطابق بين المبيع و ما يترغّب الكلّي، فلا يكون المقبوض مبيعاً، فلا معنىٰ لخيار العيب في المبيع.

نعم، للمشتري الردّ، لا لأجل أنّه حقّه، بل لعدم وصول المبيع إليه.

و من هنا يظهر: أنّ بناء المعاملة علىٰ أن يكون المبيع صحيحاً في أُفق المتعاملين؛ و إن لم يكن قيداً، و كان مغفولًا بتاتاً.

و لك دعوى: أنّ الأمر و إن كان كذلك، و لكنّ الكلّي غير المقيّد يتشخّص بما قبضه المشتري، و يكون تخلّف الصحّة غير موجب لقصور في الوفاء من ناحية البائع، ففرق بين التقييد الضمنيّ و الصراحة؛ و بين القيد البنائيّ الكلّي.

و فيه ما لا

يخفىٰ، اللهمّ إلّا أن يتشبّث بذيل فهم العرف؛ و انطباق المبيع عليه، كما تحرّر منّا في محلّه «1»، فعليه يكون البيع صحيحاً لازماً، و قد وفّاه البائع بردّ المبيع إليه، و ثبوت الخيار حينئذٍ يحتاج إلىٰ دليل.

و من الغريب ما في كلام العلّامة المحشّي (قدّس سرّه) «2» من تخيّل صحّة المسألة ثبوتاً عقلًا؛ بتوهّم أنّ المبيع هي الذات المحفوظة!! و عليه في

______________________________

(1) هذه المباحث من كتاب البيع للمؤلّف (قدّس سرّه) مفقودة.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 96/ السطر 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 15

جميع الكلّيات المقيّدة بالقيود الكثيرة، يكون الأمر كما أفاده؛ و لا أظنّ التزامه به.

و أمّا الثانية: فقضيّة دليل الوفاء بالعقد و لزومه عدم الخيار، و مقتضى الأخبار الخاصّة اختصاص الحكم- حسب الظاهر بالأعيان الشخصيّة «1»، مع أنّ تلك الأخبار غير ظاهرة حجّيتها؛ لإعراض المشهور عن ظواهرها جدّاً، فيبقىٰ بناء العقلاء غير الصالح للمرجعيّة بعد إطلاق دليل الوفاء الرادع لها، و لا معنىٰ لتقديم حكم العقلاء في فرع علىٰ إطلاق دليل الشرع؛ لعدم إمكان كشف الرضا فيه حتّى يكون مقيّداً لذلك الإطلاق.

نعم، لأحد دعوى القطع باشتراك الحكم و ثبوت الخيار. و لكن في ثبوت الأرش في عَرْض الخيار إشكال حينئذٍ قويّ.

إن قلت: لا معنىٰ لخياره بالنسبة إلى العقد، بل الغاية ثبوت خياره بالنسبة إلى الوفاء، فيجوز له الاستبدال.

قلت: لا معنىٰ لكون الوفاء مورد الخيار الحقّي، و جوازُ الاستبدال غير الخيار المصطلح عليه؛ فما يثبت له يُحتمل أن يكون الخيار في نفس العقد؛ لأجل أنّ المبيع الخارجيّ و الكلّي واحد، فإنّ الطبيعيّ موجود بشخصه، لا بأمر آخر.

و ممّا ذكرناه إلىٰ هنا يظهر مواضع ضعف المحكيّ «2» عن

______________________________

(1) يأتي في الصفحة

34.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 16

«الجواهر» «1» في المقام و أشباهه، كما يظهر مواضع ضعف كلام المحشّي الفقيه اليزديّ (قدّس سرّهم) «2»، و يظهر وجه ذهاب الأصحاب في بيع الصرف إلىٰ خيار العيب بالنسبة إلىٰ أصل العقد «3».

فبالجملة: الأمر دائر بين امتناع جريان خيار العيب؛ لما مرّ، و بين وجوب الوفاء بالعقد من غير خيار؛ لعدم الدليل إثباتاً. و حديث حلّ الوفاء و ردّ المبيع كلّه من الغفلة؛ فإنّه يرجع إلىٰ عدم تشخّص المبيع بما هو المقبوض، فلا تغفل.

______________________________

(1) جواهر الكلام 24: 28 و 331.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 7 و 18.

(3) الوسيلة: 244، شرائع الإسلام 2: 43، إرشاد الأذهان 1: 369، مجمع الفائدة و البرهان 8: 319.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 17

الجهة الثانية في جريان خيار العيب في الثمن

اشارة

بناءً علىٰ جريانه في الكلّي، و إلّا فلا بحث يخصّه، فعليه إذا ظهر العيب فيه، و كان ممّا يوجب الخيار و الأرش فرضاً، فهل قضيّة الأدلّة هو و المثمن واحد، كما استظهره جمع «1»؛ نظراً إلى الاتفاق المفروغ عنه.

و المقصود في كلامهم هو الثمن الشخصيّ و العوض المعيّن، كما أنّ المفروض أنّه من النقود؛ لما يأتي من البحث عن مسألة المعاوضة بين الأجناس.

فعلى كلّ تقدير: ربّما يقال «2» إنّ قضيّة ذات الأخبار الخاصّة جريانه فيه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 32، لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 2.

(2) لاحظ جواهر الكلام 23: 237.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 18

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم تماميّة حجّيتها عدم كفايتها.

و من الغريب أنّ السيّد اليزديّ (رحمه اللّٰه) «1» استظهر منها لأجل الظنّ الصريح في كلامه في أنّه

و إن ليس بحجّة، إلّا أنّه يوجب الاستفادة من اللفظ!! و لا نفهم مراده، كما لا يخفىٰ.

و أمّا قضيّة حكم العقلاء، فهو مردود بدليل الوفاء بالعقد.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الوفاء بالبيع لا دليل له إلّا بناؤهم، و هو غير بعيد جدّاً، و إن كان في الأخبار ما يؤيّدهم، فلا يثبت له الإطلاق الرادع لسيرتهم هنا.

نعم، ثبوت خيار العيب لا يلازم ثبوت الأرش، كما أنّ ثبوت الخيار- حسبما مرّ منّا متفرّع على امتناع البائع و المشتري عن التبديل و ردّ الأرش بالوجه الذي مرّ، فالملازمة غير ثابتة حتى يقال: بأنّه إذا ثبت خيار العيب فالأرش عديله.

تنبيه:

فيما إذا كان العوضان شخصيّين، كما في معاوضة الأعيان الخارجيّة؛ فهي و إن ليست بيعاً عندنا كما تحرّر «2»، و لكنّها محكومة بالأحكام العقلائيّة الثابتة للبيع، دون الشرعيّة التعبّدية، فجريان الأرش فيها محلّ إشكال.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 70/ السطر 1 4.

(2) هذه المباحث من كتاب البيع من تحريرات في الفقه مفقودة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 19

الجهة الثالثة في مواقع اشتراط الصحّة

اشارة

فإن كان الشرط يرجع إلىٰ التأكيد، أو كان هناك خيار العيب زائداً علىٰ خيار الشرط، فلا بحث هاهنا. و أمّا إذا لم يكن في مورد بناء من العقلاء علىٰ الصحّة؛ لغلبة المعيب، أو لعدم تعلّق الأغراض العامّة الفرعيّة بالصحيح، فاشترط المشتري الصحّة، فإن كان المبيع كلّياً- بل و شخصيّاً فربّما يقال: إنّ هذه الشروط بمنزلة التقييد عرفاً؛ لرجوع الشرط إلىٰ اعتبار وصف في المبيع، بخلاف مثل اشتراط خياطة الثوب في ضمن عقد بيع الدار، و لا سيّما بعد كون الشرط من شروط النتيجة؛ لعدم تعلّق الاختيار بالشرط نفسه، فتدبّر.

و هذا بحسب النظر البدويّ غير بعيد جدّاً، فتندرج المسألة في البحث الأصليّ.

و أمّا لو فرضنا أنّه شرط، فالظاهر عدم ثبوت خيار العيب.

و دعوىٰ: أنّ دليل خيار العيب ليس الإجماع أو الأخبار، بل بناء

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 20

العقلاء يقتضي الأعمّ، و يتمسّكون هناك بخيار العيب دون الشرط، غير تامّة؛ بعد كون المفروض عدم وجود البناء الخارجيّ على الصحّة.

هذا كلّه لو فرضنا جريان خيار العيب في الكلّي، و إلّا فلا يبقىٰ محلّ للاشتراط المذكور إلّا في البيع الشخصيّ.

و أمّا توهّم «1»: أنّ في مورد تخلّف الشرط في بيع الكلّي، يكون المشتري مثلًا له خيار بالنسبة إلىٰ ردّ المصداق، دون حلّ العقد، فهو ناشئ من

توهّم: أنّ الطبيعيّ موجود بمصداقه، و هو باطل؛ فإنّ المبيع يتشخّص بنفسه، فالمبيع الكلّي ينقلب خارجيّاً بعد الإقباض، و لا قصور في وفاء البائع بالضرورة، فيكون للمشتري خيار تخلّف الشرط بالنسبة إلى العقد، كما أُشير إليه في الجهة السابقة أيضاً.

و كون المبيع بنفسه خارجيّاً بعد القبض، ليس حكم العقل فقط، بل هو حكم العقلاء حتى بلغ إلىٰ حدّ ينسب الوجود إليه بذاته، و لذلك ذكرنا في محلّه: أنّ مسألة أصالة الماهيّة مسألة عقلائيّة ارتكازيّة، بخلاف مسألة أصالة الوجود، فلا تخلط. و الخروج عن البحث إلىٰ هذا المقدار- ليتوجّه الأصحاب إلىٰ حقيقة الأمر ممّا لا بأس به.

و من اللطيف ذهاب «الجواهر» «2» في بعض فروض المسألة إلىٰ ذلك؛ نظراً إلىٰ حسن قريحته، و جَودة فهمه العرفيّ، و ارتكازه العقلائيّ.

و لعمري، إنّه من الأعاظم الذين يركن إليهم كلّ من يلحق بهم، و يليق

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 17.

(2) جواهر الكلام 24: 28 و 331.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 21

أن تفتخر بهم الإنسانيّة فضلًا عنّا.

بقي شي ء: إذا تخيّل صحّة المبيع فبان معيباً

في مفروض المسألة إذا لم يشترط المشتري الصحّة، و تخيّل الصحيح فبان معيباً، فمقتضىٰ ما تخيّله من البناءات العامّة في المعاملات لزوم الخيار؛ و مقتضى البناء الخاصّ في منطقة المعاملة مع عدم اطلاعه عليه عدم ثبوت الخيار، و ترتفع الجهالة عنده بتخيّله، فيكون البيع صحيحاً، و ما قبضه تمام المبيع.

و دعوىٰ: أنّ قضيّة الأخبار ثبوته؛ لأنّه اشترىٰ متاعاً، و فيه العَوار، و به العيب «1»، غير مسموعة؛ لأنّ مجرّد العَوار و العيب غير كافٍ، و إلّا يلزم التمسّك بالإطلاق المذكور في صورة التبرّي من العيب، فما به العيب هو البطّيخ، و ما يوجب الخيار هو عيب المبيع، و

لا يتحقّق عيب المبيع إلّا بعد البناء على الصحّة؛ فإنّ التخلّف يوجبه، و هو لا يتحقّق إلّا بعد انتظار الصحّة و السلامة؛ و لا يعقل اعتبار خيار العيب في البيع إلّا بعد وجود ذلك البناء العامّ الكلّي الثابت عند العقلاء، و عليه محاكمهم

______________________________

(1) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار، لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 22

العرفيّة بالضرورة القطعيّة.

و في نفس هذه الأخبار شواهد قطعيّة علىٰ أنّ مبنىٰ خيار العيب، علىٰ أنّ المشتري لا ينتظر أن يجد مبيعه معيباً؛ و لذلك ورد فيها «فوجد كذا» «فرأى كذا» «و علم بكذا» «1» فإنّه لا معنىٰ له إلّا في تلك الصورة و ذلك البناء، فلا تغفل.

و علىٰ كلّ تقدير: لا يبعد عدم ثبوت خيار العيب؛ لأنّ عدم اطلاعه على وضع البلد و البناء الخاصّ لا يورث في حقّه شيئاً.

نعم، لو كان في البين غبن كما كثيراً ما يتّفق، فلا بأس به، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) كرواية جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، فقال: إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع

بنقصان العيب.

وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3، و راجع في هذا الباب إلى الحديث 1 و 2 و 4، و: 102 104، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 2 و 4 و 6، و: 106، الباب 5، الحديث 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 23

الجهة الرابعة في مبدأ هذا الخيار

فهل هو العقد، أم يكون التقابض، أو قبض ما، أو ظهور العيب؟

فعلى مسلك القوم يكون العقد؛ ضرورة أنّ المغروس العقلائيّ و المتفاهم من الأدلّة أنّ العيب سبب و منشأ له، و ليس الظهور شرطاً، و لا جزءً، و لا تمام الموضوع، و ما في الأخبار فهو من الظهور البدويّ، و إلّا فالأمر أوضح لأهله.

و أمّا علىٰ ما سلكناه؛ من أنّ عقد البيع غير البيع و الاشتراء «1»، فالخيار يثبت في البيع، دون العقد؛ فمبدؤُه القبض، و قد مضى تفصيله في بعض البحوث.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ البيع و لو كان هو التعاوض الخارجيّ؛ حسب اللغة و العرف الأوّلى، إلّا أنّ في عصر الشرع شاع عقد البيع إلىٰ حدّ

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 9 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 24

اعتبر بيعاً، و أمضاه الشرع، فحينئذٍ يكون الخيار ثابتاً في العقد، و مبدأُه العقد بالضرورة؛ لما مرّ.

و ربّما يؤيّد ذلك: أنّ الأرش مع قطع النظر عن الأخبار، ثابت من الأوّل؛ لأنّه جبران الخسارة، و هي ثابتة من الأوّل، فعديله- و هو الخيار مثله. و إليه راجع مقصود الشيخ (رحمه اللّٰه)، احتمالًا «1».

و أمّا بحسب الأخبار الخاصّة، فقد مضى أنّها ظاهرة فيما لم يعمل به، فلا معنىٰ للتأييد بها علىٰ شي ء في المسألة «2».

و من الغريب أنّ الشيخ (رحمه اللّٰه) مع

إذعانه بظهور بعض الأخبار في سببيّة العيب، احتمل شرطيّة الظهور «3»!! مع أنّ الشرط في هذه المواقف لا بدّ و أن يرجع إلىٰ قيد التأثير، و يصير جزء السبب، فالاستظهار المذكور و ما في ذيله غير راجع إلىٰ محصّل، و الأمر سهلٌ.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 29.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 30.

(3) نفس المصدر/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 25

الجهة الخامسة في اختصاص هذا الخيار بالبيع

الخيار المذكور بمعنى تخيير المشتري بين الفسخ و الأرش، مخصوص بالبيع حسب الشهرة، و حيث قد عرفت المناقشة في أصل ثبوته في البيع، ففي غيره ممنوع.

نعم، قضيّة البناء العقلائيّ ثبوت الخيار فقط إذا امتنع البائع من التبديل و الأرش، و إلّا فدليل اللزوم محكّم، و فيما إذا تعذّر الردّ عقلًا فالأرش غير واضح ثبوته؛ و سيمرّ عليك.

و أمّا إذا كانت العين باقية، و سقط خياره لجهة من الجهات، فالأرش ثابت حسب الأفهام العرفيّة.

و من هنا يطلع وجه الحكم في سائر أصناف البيع، و في سائر العقود المعاوضيّة، بل و في المهر، و أُجرة المتعة، و غير ذلك؛ كلّيّاً كانت، أو شخصيّة؛ فإنّ ثبوت الخيار قطعيّ، و عليه نقل الإجماع في مثل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 26

الإجارة «1».

و من الغريب احتمال الأرش الواقع في كلام جمع منهم، ك «اللمعة» «2»! و الأغرب ما عن «جامع المقاصد» من تصحيحه، و نفي البعد عنه «3»، و هكذا «المسالك» «4»!! مع أنّ أخبار المسألة واضحة فيما لا يمكن الالتزام به، فالتجاوز عنها إلىٰ غير موردها ممّا لا معنىٰ له. بل إلغاء الخصوصيّة ممنوع؛ لأنّه أحياناً يشبه القياس، ضرورة أنّ البيع- لكثرة الابتلاء به يكون أحياناً مخصوصاً بالأحكام الخاصّة، دون غيره.

و

أمّا البحث من جهة الكلّية و الشخصيّة، فقد مرّ بما لا مزيد عليه.

و أمّا ما في «التذكرة» بعد قوله: «لا نعلم خلافاً» في مسألة وجدان المستأجر عيباً في العين المستأجرة أنّه بالخيار إذا كان ممّا يتفاوت به الأُجرة «5» فهو من المشكل تصديقه؛ لأنّه يرجع إلىٰ خيار الغبن، مع أنّ الضرورة قائمة علىٰ أنّ العيب موجب للخيار و لو باع بأقلّ من القيمة؛ بشرط عدم ظهوره في التبرّي و إسقاط الخيار و الأرش.

______________________________

(1) جواهر الكلام 27: 313.

(2) اللمعة الدمشقيّة، ضمن الروضة البهيّة 2: 4/ السطر 8.

(3) جامع المقاصد 7: 92.

(4) مسالك الأفهام 5: 180.

(5) تذكرة الفقهاء 2: 322/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 27

الجهة السادسة في مسقطات الردّ

اشارة

و هي أُمور:

الأوّل الإسقاط
اشارة

سواء كان تصريحاً، أو ما يقوم مقامه عند العرف و العقلاء، و يسقط بينه و بين ربّه بجميع المظهرات و لو لم تكن عرفيّة، و من ذلك إخباره بالالتزام بالعقد.

هذا، و غير خفيّ: أنّ حديث الإسقاط بعد مفروغيّة كون الردّ حقّا، و إلّا فلو كان جواز الردّ حكماً فلا يسقط، و لأجله ربّما يشكل الأمر هنا؛ لأجل أنّ ظاهر كلمات القوم: أنّ خيار العيب هو التخيير بين ردّ الكلّ، أو مجموع العقد، أو ردّ بعض العقد و أخذ الأرش.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 28

و هذا ليس من الحقّ الوضعيّ الثبوتيّ القائم بالعقد، كما في خيار المجلس، و الحيوان، و أمثالهما، و لا بالعين، بل هو تخيير في المعنى الحدثيّ، كما في الواجبات التخييريّة، أو المستحبّات المخيّرة، فكيف يعتبر سقوطه؟! لأنّه يرجع إلىٰ شرط يخالف الكتاب؛ لكونه من التخيير الترخيصيّ الشرعيّ.

اللهمّ إلّا أن يقال: إباحة مراجعة المشتري إلىٰ البائع بالردّ أو الأرش، ليست من الكتاب المقصود في محلّه.

و بالجملة: لو كان حقّا فقبوله الإسقاط غير بعيد؛ لأنّه أثر عامّ له؛ و إن أمكن أن يكون أثر آخر قائماً مقامه، و كافياً لاعتبار حقّه، كالتورّث مثلًا.

فعلى كلّ: قضيّة النصّ و الفتاوىٰ عدم ثبوت المعنى الخارجيّ الاعتباريّ القائم بشي ء، إمّا العقد، أو العين؛ حسب الخلاف المعروف في مصبّ الخيار الحقّي، و قد مرّ تحقيقه فيما مضى، و ذكرنا هناك: أنّ اختصاص التورّث و الإسقاط بكون الساقط معنى وضعيّاً خارجيّاً، غير مبرهن؛ فإنّ الخيار عندنا ليس قائماً بالعين، و لا بالعقد، بل هو اعتبار بيد العاقد، و مفتاح لديه لحلّ العقد اللازم. و توصيف العقد ب «الخياريّ» مجاز، و تفصيله محرّر في محلّه.

و هذا

و لو كان معنىً خارجيّاً اعتباريّاً في سائر الخيارات، و لكن لا يلزم أن يكون خيار العيب مثله؛ لما عرفت من امتناعه، بمعنى المناقضة في الاعتبار. و مجرّد الاعتباريّة لا يكفي لتجويزه، و إلّا يلزم أن يعتبر أحد الشيئين نجساً، لا بعنوان كلّي، فإنّه خارج عن البحث في المقام، و لا يعتبر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 29

في مثل مسألتنا، كما لا يخفىٰ.

نعم، الالتزام بالحقّين المتعيّنين ممكن، و لكن لا يلزم من الرجوع إلى الأرش سقوط الخيار، اللهمّ إلّا أن يدّعىٰ أنّ الشرع اعتبر سقوطه بعد الأرش، فيكون نفس أخذه من مسقطاته.

فعلى كلّ تقدير: يعتبر العقلاء أنّ للمشتري أن يردّ، و له أن يأخذ بالأرش، و يعتبر ثانياً: أنّ له أن يعيّن أمره في الرجوع إلى الأرش بالانصراف عن الفسخ؛ و بالالتزام بالعقد. و هذا ليس معناه الحقّ الخارجيّ، بل هو أمر آخر ينتزع من التجويز المتعلّق بالمعنى الحدثيّ؛ من غير كونه حقّا اصطلاحيّاً.

و بالجملة تحصّل: إمكان الالتزام بالعقد؛ من غير أن يسري ذلك إلى التزامه بالعيب ثبوتاً.

نعم، ربّما يكون اللفظ إثباتاً ظاهراً في ذلك، كما إذا قال: «انصرفت عن حقّي في هذه المعاملة» فإنّ إطلاقه مأخوذ به عند المرافعة، و إلّا فبينه و بين ربّه له التقاصّ إذا كان له فيه الحقّ الباقي، فتأمّل.

بقي شي ء: حكم الإعراض و الإخبار عن السقوط

قد عرفت في محلّه: أنّ الخيار اعتبار وضعيّ، و موضوعه المتعامل، و هو بمثابة الاختيار التكوينيّ، و هذا المعنى الوضعيّ الاعتباريّ الخارجيّ يسقط بالإنشاء، كما يسقط سائر الحقوق به، و هذا هو المقصود من المسقط الأوّل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 30

و بمثابة ذلك هو السقوط الحاصل من الإعراض و الإخبارِ عن الالتزام و السقوط. و لا

يلزم كذب خبره بعد كونه حاصلًا بنصّ الإخبار، و تقدّم الإخبار على الخبر في الرتبة، لا يوجب كذبه، فلا يلزم خلل في إرادة الإخبار و الجدّ به.

و توهّم عدم كفاية الإعراض، إن كان ناشئاً عن المناقشة في كبرى المسألة، فقد تحرّر أنّه أمر عقلائيّ؛ و قد يستفاد من الأخبار المتفرّقة «1»، و لا سيّما ما ورد في الأراضي التي جلا عنها صاحبها «2».

______________________________

(1) السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: و إذا غرقت السفينة و ما فيها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، و هم أحقّ به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم.

الكافي 5: 242/ 5، الفقيه 3: 162/ 714، وسائل الشيعة 25: 455، كتاب اللقطة، الباب 11، الحديث 1 و 2.

حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا بأس بلقطة العصي، و الشظاظ، و الوتد، و الحبل، و العقال، و أشباهه، قال: و قال أبو جعفر (عليه السّلام): ليس لهذا طالب.

الكافي 5: 140/ 15، تهذيب الأحكام 6: 393/ 1179، وسائل الشيعة 25: 456، كتاب اللقطة، الباب 12، الحديث 1 و 3.

عبد اللّٰه بن سنان، عن ابي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: من أصاب مالًا أو بعيراً في فلاة من الأرض، قد كلّت و قامت، (و سيّبها صاحبها ممّا لم يتبعه)، فأخذها غيره، فأقام عليها، و أنفق نفقة حتّى أحياها من الكلال و من الموت، فهي له، و لا سبيل له عليها، إنّما هي مثل الشي ء المباح.

الكافي 5: 140/ 13، تهذيب الأحكام 6: 392/ 1177، وسائل الشيعة 25: 458، كتاب اللقطة، الباب 13، الحديث 2 و 3 و

4.

(2) محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول و سئل عن الأنفال فقال: كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل للّٰه عزّ و جلّ، نصفها يقسّم بين الناس و نصفها لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فما كان لرسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو للإمام.

تهذيب الأحكام 4: 133/ 372، وسائل الشيعة 9: 526، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، الحديث 7، و في هذا الباب أحاديث كثيرة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 31

نعم، مجرّد الإعراض القوليّ لا يكفي؛ علىٰ إشكال فيه أيضاً.

و ربّما يتصور الإعراض العمليّ هنا بالإعراض عن العين نفسها، كما أنّه يجوز إنشاء السقوط بالجمل الإخباريّة على الأنحاء الشتّى، كالإخبار عن تصرّفه فيها خارجيّاً، أو اعتباريّاً، و إخباره عن انعدامها، و غير ذلك.

فبالجملة: إن كان منشأ المناقشة في كفاية الإعراض؛ أنّه لا يتصوّر الإعراض المفيد، و هو العمليّ، و يتصوّر غير المفيد منه؛ و هو القولي، فقد عرفت ما فيه. مع أنّ الإعراض القوليّ من الإنشاء بصورة الأخبار. اللهمّ إلّا أن يريد الإخبار واقعاً.

فعلى كلّ تقدير: هذه الأُمور كلّها مندرجة في المسقط الأوّل؛ لأنّ المقصود أعم و لو كان عنوان القوم أخصّ، و الأمر سهل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 32

الثاني التصرّف
اشارة

و في كونه من الإسقاط بالفعل وجه، فيندرج في المسقط الأوّل؛ لأنّ من التصرّفات ما يكون قابلًا لأن يريد المالك به إنشاء سقوط خياره ثبوتاً، و منها ما لا يريد به بينه و بين ربّه، إلّا أنّ العقلاء يعتبرونه ساقطاً حسب النوع و العادة.

و بالجملة: هنا أمران:

أحدهما: السبب الذي يؤثّر في السقوط؛ بناء على السببيّة و المسبّبية

في أبواب الإنشاءات و الإيقاعات.

و ثانيهما: ما يكون موضوعاً لاعتبار سقوط الخيار؛ و إن لم يكن من الأسباب، إلّا أنّهما بحسب النتيجة واحد.

فمن الأوّل هو الإسقاط القوليّ؛ و من الثاني هو الفعليّ.

و لعلّ ما ذكرناه يجري في عقد البيع و المعاطاة؛ فإنّ الأوّل يصحّ اعتباره سبباً، و الثاني بالموضوعيّة لاعتبار الملكيّة أقرب، و إن كان القول بالموضوعيّة أولىٰ بافق التحقيق مطلقاً، إلّا أنّ العرف يساعدنا علىٰ السببيّة جدّاً.

فعلى هذا، فربّما يكون الفعل موضوعاً للسقوط فلا بحث، و لا نحتاج إلى الأدلّة الخاصّة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 33

و أمّا فيما إذا لم يكن سبباً، و لا موضوعاً لاعتبار سقوط الخيار و انصرافه عن حقّه، فهل الشرع اعتبر هنا أمراً زائداً علىٰ ما عند العرف، أم لا؟ قولان:

فعن المشهور المدّعىٰ عليه الإجماع هو الأوّل؛ و يظهر عن جماعة منهم الثاني.

قال في «الجواهر»: «و يسقط الردّ خاصّة بإحداثه فيه حدثاً- كالعتق؛ و قطع الثوب بلا خلاف معتدّ به، بل في «المختلف» «1» و عن «شرح الإرشاد» للفخر «2» الإجماع عليه؛ سواء كان قبل العلم بالعيب، أو بعده» «3» انتهىٰ.

و عن «المبسوط»: «أنّ التصرّف قبل العلم لا يسقط الخيار» «4» انتهىٰ.

و حيث إنّ العبارات المحكيّة عنهم مختلفة، و الآراء- مضافاً إلىٰ ظهورها في الخلاف مستندة إلى الأدلّة الموجودة، فالإجماعات المحكيّة لا ترجع إلىٰ محصّل، بل و لا إجماع إلّا علىٰ ما تحرّر في محلّه «5». و إلّا فلو كان إجماع و اتفاق واقعاً علىٰ أمر مع تشتّت الأخبار،

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 373/ السطر 38.

(2) مفتاح الكرامة 4: 626.

(3) جواهر الكلام 23: 239.

(4) جواهر الكلام 23: 239، لاحظ المبسوط 2: 127، قال: إذا اشترىٰ جارية حائلًا فولدت في ملك

المشتري عبداً مملوكاً، ثمّ وجد بالأُمّ عيباً، فإنّه يردّ الامّ.

(5) لاحظ تحريرات في الأُصول 6: 358 363.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 34

فاحتمال تخلّل الاجتهاد بعيد؛ لأنّ الفقهاء العظام في كثير من المسائل الكلّية و الجزئيّة مختلفون؛ حتّى لا يكون لواحد منهم رأي مستقرّ، فمن الاتفاق يتبيّن: أنّ المسألة ليست اجتهاديّة عندهم، بل هي من المسائل المتلقّاة خلفاً عن السلف الصالح.

و الظاهر أنّ المسألة هنا اجتهاديّة، فلنرجع إلىٰ أدلّتها:

الأدلّة الخاصّة في مسقطية التصرّف

فمنها بعض الأخبار الخاصّة: كمعتبر «1» زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «أيّما رجل اشترىٰ شيئاً و به عيب و عَوار لم يتبرّأ إليه، و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً؛ ثمّ علم بذلك العَوار و بذلك الداء؛ أنّه يمضي عليه البيع، و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» «2».

و قضيّة إطلاقه أنّ الإحداث تمام الموضوع، و لا فرق بين صورتي العلم و الجهل، و لا بين أقسام الحوادث و الأمتعة.

نعم، الظاهر أنّ إحداثه موجب لذلك، لا مجرّد حدوث الحادثة المغيّرة للموضوع و العين، و علىٰ هذا يمكن دعوى: أنّ الأحداث المستندة إلى المالك موضوع لاعتبار العقلاء سقوطَ الخيار.

______________________________

(1) سنده في الكافي هكذا: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن موسى بن بكر، عن زرارة.

(2) الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 35

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المفروض جهله بالعيب، و في هذه الصورة يشكل الموضوعيّة العرفيّة. و المراد من إطلاقه السابق، هو

الإطلاق من جهة علمه: بأنّ ما أحدث فيه الحدث هو المبيع، أم غيره.

و المناقشة في سندها لأجل موسى بن بكر الواقفيّ «1»، قابلة للدفع عندنا؛ لقيام الأمارات علىٰ اعتباره. و توصيف السند المذكور ب «الصحّة» غير جائز، بل و لا ب «الموثّقة» حسب الاصطلاح؛ و إن أطرحنا هذه المقاسمة بين الأخبار في محلّها.

و من الأخبار الخاصّة؛ مرسلة «2» جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع، فيجد فيه عيباً.

فقال: «إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه، و أخذ الثّمن، و إن كان الثّوب قد قطع أو خيط أو صبغ، يرجع بنقصان العيب» «3».

و المناقشة في الإرسال قابلة للدّفع؛ فإنّ كونه عند ابن درّاج من بعض الأصحاب، و كونَه ممّن يروي من أحدهما، يشهدان علىٰ أنّه من الكبار الأعاظم؛ و كثير الرواية، لأنّ هذه الأخيرة من خصوصيّات مثل ابن

______________________________

(1) ذكر الشيخ الطوسي في أصحاب الكاظم (عليه السّلام): «موسى بن بكر الواسطي، أصله كوفي، واقفي له كتاب، روىٰ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)».

رجال الطوسي: 259.

(2) السند في الكافي هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا.

(3) الكافي 5: 207/ 2، الفقيه 3: 136/ 592، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 36

مسلم «1» كثيراً، و زرارة أحياناً «2»؛ فلا تخلط.

هذا مع أنّ حديث أصحاب الإجماع، أيضاً يورث شيئاً.

نعم، قد مرّ أنّ هذه الأخبار مورد الإعراض؛ لصراحتها في التخيير الطوليّ، و الشهرة السابقة قائمة علىٰ التخيير العَرضي، بخلاف الخبر الأوّل، فإنّه في مقام بيان زمان لزوم البيع، لا أصل التخيير بين الردّ و

الأرش، فما أُفيد في المقام حول الأخبار غير تامّ صدراً و ذيلًا.

و علىٰ البناء على الصحّة يلزم المعارضة؛ لأنّ قضيّة الأوّل أنّ الحدث المستند مسقط، و قضيّة الثاني أنّ التغيّر مسقط و لو لم يكن مستنداً إلىٰ المالك، فإن كان المراد من «الحدث» هو التغيّر فتلزم المعارضة بينهما؛ لأنّ ظاهر الأوّل أنّ التغيّر المستند مسقط، و ظاهر الثاني عدم اعتبار الاستناد في ذلك، و لا سيّما بعد قوله: «قد قطع أو خيط» علىٰ صيغة المجهول، فتكون النسبة بينهما الإطلاق و التقييد لولا ظهور الثاني في إلقاء قيديّة الاستناد، فتكون بينهما المباينة.

و إن كان المراد من «الحدث» مطلق التصرّف المجتمع مع عدم التغيّر، كما في أخبار تقبيل الجارية و لمسها «3»، فإنّ فيها عدّ ذلك من

______________________________

(1) لاحظ معجم رجال الحديث 17: 445 451.

(2) لاحظ معجم رجال الحديث 7: 454 457.

(3) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترىٰ حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث.

الكافي 5: 169/ 2، تهذيب الأحكام 7: 24/ 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار؟ فقال: الخيار لمن اشترى إلىٰ أن قال: قلت له: أ رأيت إن قبّلها المشتري أو لامس؟ قال: فقال: إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلىٰ ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزمته.

قرب الإسناد: 78، وسائل

الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 37

الأحداث، فيلزم العموم من وجه بين الخبرين؛ ضرورة أنّ قضيّة الأوّل في صورة التصرّف سقوط الخيار، و قضيّة الثاني خلافه؛ لأنّ العين باقية.

و الذي هو التحقيق أوّلًا: أنّ المرسلة ضعيفة لا لذاتها، بل للإعراض عنها، فلا تصلح للمعارضة، فالمعتبر الأوّل يتخذ في المسألة.

و ثانياً: أنّ النسبة عموم مطلق؛ لأنّ ظهور الأوّل في الاستناد غير واضح؛ و علىٰ فرض الوضوح ذاتاً، يكون الثاني شاهداً علىٰ أنّ الاستناد ليس شرطاً، و لا قيداً؛ بل هو أحد مصاديق التغيّر، فالتغيّر تمام الموضوع، و إحداث شي ء فيه أحد أفراده، و لا سيّما بعد نسبة «الإحداث» إلىٰ «الشي ء» لا إلىٰ «الحدث»، كما في أخبار خيار الحيوان؛ فإنّ قوله: «أحدث حدثاً» «1»، يناسب التصرّفات المطلقة، بخلاف قوله (عليه السّلام)

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال: من اشترى أمة فوطأها أو قبّلها أو لمسها أو نظر منها إلى ما يحرم علىٰ غيره، فلا خيار له فيها و قد لزمته.

و كذلك إن أحدث في شي ء من الحيوان حدثاً قبل مدّة الخيار، فقد لزمه، أو إن عرض السلعة للبيع.

دعائم الإسلام 2: 45/ 110، مستدرك الوسائل، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

محمّد بن الحسن الصفّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السّلام) في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ، إله أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقّع (عليه السّلام): إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء اللّٰه.

تهذيب الأحكام

7: 75/ 320، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 38

«أحدث. شيئاً»، فلا تباين بينهما، و لا ظهور للأوّل في التقييد حتى يقال: بأنّ الخبرين موجبان؛ أو متباينان؛ بل مفاد الأوّل مصداق من مفاد الثاني؛ لأنّ النسبة الحرفيّة مغفولًا عنها غالباً.

و ثالثاً: لو كان بينهما العموم من وجه، فمنشؤُه تخيّل أنّ الحدث و التصرّف قد يجتمعان؛ إمّا لأجل ما في أخبار خيار الحيوان من «إحداث الحدث» الأعمّ، أو لأجل ما فيها من تطبيق الحدث علىٰ التقبيل و نحوه.

و في كلا الوجهين نظر واضح:

فلو فرضنا تماميّة النسبة، فالأُولىٰ ربّما تقدّم علىٰ الثانية للأقوائيّة؛ ضرورة أنّ الرواية الأُولىٰ تقتضي سقوط الخيار بالتصرّف، لأنّه الحدث، و المرسلة تقتضي بقاءه، و هي دليل حيث لا دليل.

و فيه ما تحرّر: من أنّه لو ثبت اعتبارها فهي كالأُولىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 39

أو يقال: إنّ الاولىٰ عامّ بدليّ لفظيّ، فيقدّم علىٰ الثاني الثابت بمقدّمات الإطلاق؛ و ذلك لأنّ مفاد الاولىٰ أنّ المالك إذا أحدث حدثاً في المبيع فلا خيار، و مفاد الثانية أنّه إذا كانت العين باقية بعينها فله الخيار، ففيما إذا كان فيها الحدث، و كانت العين باقية بعينها، يلزم سقوط الخيار و ثبوته، إلّا أنّ الاولىٰ تثبت الخيار؛ لقوله: «أيّما» و الثانية تُثبت بالإطلاق.

و فيه أيضاً ما تحرّر في محلّه، مع أنّ كونهما من باب تعارض العموم و الإطلاق محل المناقشة، كما لا يخفىٰ.

فروع المقام
اشارة

فالمحصول ممّا قدّمناه فروع:

الأوّل: لو كان المبيع متغيّراً بتغيير المالك مباشرة أو تسبيباً، يسقط الخيار

حسب الخبرين «1»، و هو قضيّة حكم العقلاء و بنائهم.

الثاني: لو كان ما يحدث غير مغيّر للعين عرفاً، كالصبغ، و لا سيّما بالوجه الأتمّ، فإنّه أيضاً يوجب السقوط

للخبرين؛ ضرورة أنّه من إحداث الشي ء و مورد النصّ في الخبر الثاني.

الثالث: لو كان التصرّف غير مغيّر فلا يوجب السقوط؛

لعدم صدق العنوانين.

نعم، بناء علىٰ استفادة مسقطيّة مطلق التصرّف، يلزم السقوط. إلّا

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34 و 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 40

أنّها في غير محلّها؛ لأنّ غاية ما يدلّ عليه خبر اشتراء الجارية، و قد مرّ في محلّه ما يتعلّق به، و لا يجوز التجاوز عنه إلىٰ سائر الأمتعة لو احتملنا الخصوصيّة. مع أنّ في أخبار اشتراء الجارية ما يعطي أنّ بالوطء يسقط «1»، فيكون النظر و التقبيل في بعض الأخبار «2» كناية عنه أحياناً، فراجع.

الرابع: في صورة العلم بالعيب، ثمّ التغيير و الإحداث، لا يبعد السقوط؛

لأجل القواعد كما مرّ، و هو المستفاد من الخبرين «3» أيضاً؛ لأنّ الأوّل و إن كان مورده الإحداث حال عدم العلم، إلّا أنّ مع العلم أولىٰ بذلك، فالتغيير المستند إليه علماً يوجب السقوط.

الخامس: لو تغيّر المبيع بتغيير الأجنبيّ أو بنفسه أو بالحادثة

______________________________

(1) محمّد بن ميسر، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كان عليّ (عليه السّلام) لا يردّ الجارية بعيب إذا وُطئت، و لكن يرجع بقيمة العيب، و كان عليّ (عليه السّلام) يقول: معاذ اللّٰه أن أجعل لها أجراً.

الفقيه ص 3: 139/ 611، وسائل الشيعة 18: 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 8، و أيضاً في هذا الباب الحديث 1 و 5 و 6 و 7.

عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و له أرش العيب، و ترد الحبلى و يرد معها نصف عشر قيمتها.

الكافي 5: 214/ 3، تهذيب الأحكام 7: 62/ 267، وسائل الشيعة 18: 105 106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 3.

(2) انظر وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1 و 3، و: 105، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 34 و 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 41

السماويّة، فمقتضى المرسلة «1» سقوط الخيار؛ لانطباق عنوانها عليه، و مقتضى الخبر الأوّل «2» بقاؤه؛ لعدم انطباق عنوانه عليه، بناءً علىٰ استفادة أنّ الظاهر منه انحصار السقوط بإحداثه مباشرة أو تسبيباً مثلًا؛ لأنّ أخذ القيد- و لا سيّما في الوضعيّات يوجب الحصر، فيلزم هنا مفهوم القيد، لا الشرط، و لا اللقب؛ لأنّ قوله: «فأحدث» من قيود موضوع اللزوم؛ و ليس «الفاء» في «فأحدث» جواباً لمعنى الشرط المستفاد من كلمة

«أيّ» فلا تخلط.

اللهمّ إلّا أن يقال بما مرّ البحث فيه من وجه سقوط القيد و النسبة الحرفيّة؛ بمساعدة فهم العقلاء و بنائهم في المحاكم العرفيّة.

و لعمري، إنّ في الخبر الأوّل نسبتين: نسبة الإحداث إلى المشتري، و نسبة العلم بالعَوار، فهل يحتمل دخالة علمه به بنفسه؛ بحيث لو أعلمه به غيره لا يكون ذلك كافياً؛ لانصراف علمه إلىٰ توجّهه بنفسه؟! فلا تكن من الخالطين.

بقي شي ء في مسقطيّة مطلق التصرّف

ربّما يستظهر من كلمات جمع؛ أنّ التصرّف موجب للخيار، و يستظهر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 42

ثانياً أنّ المراد منه غير التغيير، و قد أطال الكلامَ شيخنا الأنصاريّ (رحمه اللّٰه) حول المسألة «1»، إلّا أنّ المتّبع هو البرهان؛ بعد ظهور استنادهم إلى الأخبار، و المحكّم هو الوجدان؛ بعد معلوميّة استنادهم إلى الآثار. مع أنّ المنسوب إلىٰ جمع منهم «2» عدم كفايته.

و أمّا احتمال لزوم كون التصرّف أو التغيير، مستنداً إلىٰ المالك، فصريح كلام جمع خلافه.

فتحصّل: أنّ نفس التصرّف غير المقرون بالرضا الآتي تفصيله، و غير المقرون بالتغيّر، ليس مسقطاً بالضرورة، و إلّا فلا يبقى الخيار.

تنبيه: حكم التغيّر بتسبيب المالك

إذا كان التغيّر بتسبيب المالك، فعلى ما ذكرناه فلا بحث.

و أمّا على القول: بأنّ القدر المتيقّن من موجب السقوط هو التغيير المستند إليه، و عند الشكّ يرجع إلى الإطلاق أو الأصل، فيشكل الأمر، و لا سيّما في بعض صور التسبيب، فلا تغفل.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 2 و ما بعده.

(2) لاحظ نفس المصدر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 43

الثالث الالتزام و الرضا بالبيع
اشارة

فإنّه أيضاً يوجب السقوط؛ حسبما يظهر من جملة العبارات، فلو كان المالك بينه و بين ربّه ملتزماً بالبيع، و بنىٰ عليه، و رضي به رضا ثانياً، لا الرضا الأوّل اللازم في أصل تحقّقه، فيلزم سقوطه، سواء كان ذلك بمظهر خارجيّ قوليّ، أو تصرّف، أو تغيّر. و انضمام التصرّف إليه لأجل كشفه، و إلّا فلا مقوّميّة له، و لا جزئيّة، و لا شرطيّة.

و لعلّه الذي يستظهر أوّلًا: من كلمات جلّهم.

و ثانياً: ممّا ورد في خيار الحيوان بأنّ «ذلك رضا منه» «1» فكأنّ أصل المسقط هو الرضا، و التصرّف من مصاديقه الادعائيّة، لالتصاق الرضا به، و اقترانه معه.

و يؤيّد كفايته لسقوط الخيار؛ حكم العرف المطلع علىٰ أنّه التزم به قلباً، و بنىٰ علىٰ أن لا يردّ المبيع إلى البائع، و لذلك حكم

______________________________

(1) علي بن رئاب، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث.

الكافي 5: 169/ 2، تهذيب الأحكام 7: 24/ 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4،

الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 44

الأصحاب كثيراً بأنّ في مواقع التصرّف المقرون بالعلم يسقط الخيار؛ لانكشاف الرضا به «1»، و قد علّل بعضهم بما في أخبار خيار الحيوان.

و الذي قد تحرر: أنّ الخيار حقّ قائم بالمالك المتعامل، لا العقد، و لا العين.

و أيضاً تحرّر: أنّ في هذه المسألة يكون المالك مخيّراً بين الردّ و الأرش، و هو أمر ينتزع منه الحقّ، لا على الاصطلاح، فلا ثبوت لهذا الخيار حتّى يسقط بالالتزام و الرضا، سواء كان مظهراً، أو غير مظهر.

نعم، ذلك الحقّ الانتزاعيّ التسامحيّ العرفيّ، يقبل السقوط بالإسقاط، و أمّا سقوطه بالالتزام، أو بالتصرّف المقرون به، أو بالالتزام المظهر بالتصرّف- بأيّ تصرّف كان فهو ينافيه إطلاق دليل التخيير؛ و أنّ له الردّ ما دامت العين باقية و لم يحدث فيه شيئاً.

اللهمّ إلّا أن يقال: سقوط الخيار الحقّي بالرضا المذكور، يوجب سقوط مثله بالأولويّة.

و بالجملة: مجرّد البناء الثبوتيّ غير كافٍ، لقصور الأدلّة. و قد مرّ ما يتعلّق بقوله (عليه السّلام): «ذلك رضا منه» فإنّ استفادة المفهوم البيّن منه- علىٰ وجهٍ يتجاوز من خيار الحيوان إلىٰ أمثال المسألة في غاية الإشكال.

و أمّا اقترانه بالمظهر، مع بنائه الواقعيّ علىٰ انصرافه عن الحقّ المذكور، فهو موجب للزوم البيع بحكم العقلاء.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه مردود بإطلاق دليل الردّ و خيار العيب

______________________________

(1) المقنعة: 597، النهاية: 393، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 45

الثابت، فلاحظ و تأمّل.

تذنيب حول كون التلف من المسقطات
اشارة

في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه): أنّ الثالث من المسقطات: هو التلف «1» و هذا غير معهود؛ ضرورة أنّ مع التغيّر إذا سقط الخيار، فلا تصل نوبة البحث إلى التلف الحقيقيّ بالضرورة.

نعم، كان ينبغي تعقيب

البحث عن مسقطيّة التغيير، بمسألة التلف الاعتباريّ؛ و أنّه إذا انتقل المعيب إلى الغير نقلًا لازماً أو جائزاً، فهل يسقط خياره، أم لا؟ فعلى السقوط فلا بحث.

و أمّا علىٰ عدم السقوط، فهل يجوز حلّ العقد مطلقاً، أم يكون ذلك بعد فسخ العقد الثاني و حلّه، أو انتقال المبيع إليه بالعقد الجديد بيعاً كان أو هبة؟

ثمّ البحث عن حدوث العيب عند المشتري الثاني، فإنّه بعد الانتقال إلى المشتري الأوّل، يثبت له الخيار الآخر بالنسبة إلى البيع الثاني؛ بدعوى انصراف دليل مسقطيّة حدوث العيب عن هذه الصورة.

أو البحث عن التفصيل بين نقل العين إلى الأجنبيّ، و إلى المالك الأوّل، و هو البائع مثلًا، فإذا حدث عنده العيب، فيكون لكلّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 46

منهما خيار العيب بالنسبة إلى المتاع الواحد في البين، و هنا يتصوّر الغبن من الطرفين في المتاع الواحد.

و بالجملة: التصرّفات الاعتباريّة- و منها العتق من المسقطات، أم لا؟

فالبحث في ناحيتين، و نشير إليهما علىٰ سبيل الإجمال؛ لما مرّ من بعض البحوث حول ذلك في خيار الغبن.

الناحية الاولىٰ: حول سقوط الخيار بالتلف
اشارة

قد أشرنا إلىٰ أنّ تلف المعيب موجب لسقوطه.

و قد يشكل الأمر من ناحية أنّ الحقّ يسقط دون غيره، و لا حقّ في خيار العيب، بل المالك مخيّر بين المعنيين الحدثيّين، كالواجبات التخييريّة، فغاية ما يلزم عليه هو تعيّن الأرش عند تعذّر الردّ، و تصير النتيجة جواز الردّ إذا زال العذر و عاد إليه ثانياً، فلا يقاس ما نحن فيه بسائر الخيارات، كما صرّح به العلّامة المحشّي الأصفهانيّ (قدّس سرّه) «1».

و ليس بخفيّ أنّ تعيّن الطرف عقليّ لا شرعيّ، كسائر الموارد التي هي من قبيله، فإنّ الموسّع لا يصير مضيّقاً،

و المُخيّر لا يصير معيّناً، و المشروط لا يصير مطلقاً، و تحقيقه في الأُصول.

و فيه ما مرّ: من أنّ الأمر باختيار المكلّف في هذا المعنى التخييريّ غير الوجوبيّ، المشابه للحقّ، و مرّ أيضاً: أنّ هناك حقّا انتزاعيّاً

______________________________

(1) أي كما صرّح بعدم القياس، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 98/ السطر 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 47

من كلّ واحد من الطرفين، و منشأ الانتزاع جواز الردّ و الأرش. و أمّا أنّ هناك حقّين ثابتين، و كون الردّ و الأرش من آثارهما، مع عدم إمكان الجمع بينهما ثبوتاً كما احتملناه أوّلًا، و اختاره الوالد المحقّق مدّ ظلّه «1»، فقد مرّ ما يتعلّق بضعفه، فالإسقاط ممكن.

كما أنّه يجوز دعوى: أنّ له إخراج أحد الطرفين من دائرة التخيير؛ لحكم الشرع بذلك.

و يشكل حكم سقوط الخيار بالتلف؛ من أجل أنّ استفادته من مرسلة جميل «2»، غير ممكنة بحسب المفهوم.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مفهوم الشرط «إن لم يكن الشي ء باقياً علىٰ حاله» و هو ليس ظاهراً في فرض وجود الموضوع.

و فيه- مضافاً إلىٰ أنّ الاستناد إليها غير صحيح أنّ عدم الظهور ممنوع. و لو فرض ظهوره فيه فالموضوع المذكور في القضيّة- لأجل كونه من الأعيان الخارجيّة محفوظ الوجود في ناحية المفهوم؛ سواء كان السلب مقدّماً أو مؤخّراً، فإنّه لا يوجب الفرق كما تحرّر، و ما هو الموجب للفرق هو تقديم الحيثيّة على السلب و عدمه، فلا تخلط.

هذا مع أنّ «إحداث الشي ء فيه» يصدق إذا كان التلف بإتلاف المالك بالضرورة، و إذا لم يكن للإحداث المصدريّ خصوصيّة، فيلزم السقوط حسب فهم العرف في مطلق التلف.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 13.

(2) تقدّم في الصفحة 35، و فيه:

«إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه».

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 48

و دعوىٰ عدم إمكان استفادة ذلك بالأولويّة؛ لعدم كونها قطعيّة، لاحتمال عدم رضا الشرع بذلك رعايةً لجانب البائع في صورة وجود العين المعيبة «1»، فإنّها تورث إشكالًا عليه، بخلاف صورة التلف، غير مسموعة، لاستفادة ذلك من معتبر زرارة «2»، دون الأولويّة. مع أنّ المراجعة إلى البائع بادّعاء الأرش، مغروس في أذهان العقلاء إذا كانت العين باقية، فالشكّ فيه يشبه الوسوسة.

و ما أُفيد: «من أنّ التلف دائماً متأخّر عن التغيير، فيسقط الخيار قبله» «3» غير مقبول إطلاقه؛ لأنّ في صورة الاحتراق الدفعيّ أو انكسار الأواني، يكون التلف دفعيّاً، فتأمّل.

و أمّا القول: بأنّ بالتلف يسقط الخيار؛ إمّا لأجل أنّه قائم بالعين، أو لأجل أنّه خيار لا يمكن إعماله إلّا بالردّ المتوقّف علىٰ وجود العين «4»، فهو باطل؛ لما تحرّر من أنّ موضوع الخيار هو المتعاقد، لا العين، و لا العقد.

و لو كان هناك حقّ وضعيّ مردّد بين الردّ و الأرش، فيلزم سقوطهما حسب الموازين العقليّة. و ما ترى من حكم العقل في الواجب التخييريّ بتعيين الطرف، فهو لأجل عدم الجعل التخييريّ.

نعم، لنا أن نقول: إنّ الحقّ المذكور لأجل كونه منتزعاً من الردّ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 31.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 34.

(4) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 49

المتوقّف على العين، يكون ساقطاً، و هذا و إن كان موضوعه أيضاً المتعامل، إلّا أنّ طرفه في سائر الخيارات هو العقد الباقي بالتلف، و هنا ردّ العين غير الباقي بتلف العين، فاغتنم.

و ما أُفيد وجهاً للسقوط: «من أنّ

في موارد التخيير إذا تعذّر طرف، يتعيّن الطرف الآخر، و لا تصل النوبة إلىٰ ما في طول الطرف المتعذّر، كما نحن فيه» «1» غير تامّ؛ لأنّ ردّ البدل من أحكام الفسخ، و الفسخ غير متعذّر؛ لبقاء العقد.

نعم، هنا وجه: و هو أنّه إذا فسخ المشتري، فلا يترتّب عليه الأثر في القيميّات؛ لأنّ الثمن الموجود عند البائع قيمة العين التالفة مع زيادة، و رجوعها إليه- حسب العادة يوازي رجوع الأرش إلى المشتري، فافهم و اغتنم.

بقي تنبيه: في انفساخ العقد بالتلف

و هو أنّ قضيّة قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» سواء كان انفساخ العقد قبل التلف آناً ما، أو كان تعبّداً صرفاً هو سقوط البحث المذكور، و لا معنىٰ لكون الأرش على البائع، بل عهدة العين بتمامها عليه.

قلت: نعم، و لكنّ هذه القاعدة غير جارية في خيار العيب، أو مخصوصة بالخيارات الموقّتة المحدودة، كخيار الحيوان، و المجلس،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 34 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 50

و التأخير، مثلًا، و لو كانت جارية فيما نحن فيه فالبحث تقديريّ.

الناحية الثانية: في التلف الحكميّ
اشارة

و فيه وجوه و احتمالات: من سقوط الخيار مطلقاً، كما هو ظاهر الأكثر «1»، و من عدم السقوط كما ربّما يقوىٰ في النظر صناعة، و من التفصيل بين النقل اللازم و الجائز «2» كما يظهر من تعليل بعضهم، أو التفصيل بين مثل الانعتاق غير القابل للرجوع، و غيره «3».

فربّما يقال: إنّ قضيّة الصناعة و لو كانت بقاءه، إلّا أنّ فيما نحن فيه يتعيّن السقوط؛ لأجل امتياز هذا الخيار عن سائر الخيارات، فإنّ موضوعه في غيره هو العقد الباقي في الاعتبار، كما مرّ في خيار الغبن تفصيله، و لا معنىٰ للالتزام ببقائه لو كان موضوعه العين المنقولة؛ لأنّ لحقّ الخيار الثابت على العين أحكاماً لا يمكن الالتزام بها بعد النقل. و كون الخيار باقياً متعلّقاً بالعين غير محكوم بتلك الأحكام، لا يناسبه ذات الخيار، كما لا يخفىٰ.

و أمّا فيما نحن فيه، فالخيار يتعلّق بالردّ المتقوّم ببقاء الملكيّة؛ لأنّ المراد من «الردّ» هو الردّ في الملكيّة، فالحقّ بعد زوال الملكيّة

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 626/ السطر 13، و 641/ السطر 2 3.

(2) المبسوط 2: 131، جامع المقاصد 4: 342.

(3) المقنعة:

597 598، النهاية: 393 394.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 51

ساقط حسب الصناعة، بعد وضوح أنّ المقصود من «الردّ» في الأخبار هو الردّ فيها، فلا فرق بين أقسام النقل و الانعتاق.

أقول: قضيّة ما تحرّر منّا؛ أنّ خيار العيب حقّ ينتزع من إمكان الردّ، و ليس هو مثل الحقوق الأُخر؛ لأنّه بنحو الترديد، فهو طبعاً لا بدّ و أن يكون قابلًا لأن يكون طرف التخيير، كما مرّ تفصيله. فإذا كان سبب اعتباره إمكان الردّ:

فإن كان المستفاد أو المنصرف من الأدلّة إمكانَ ردّه إلىٰ ملكيّة البائع؛ من غير النظر إلىٰ خروج عن ملك المشتري ملكاً فعليّاً أو ملكاً سابقاً أو أصل الملكيّة و السلطنة، فلا وجه لسقوطه؛ ضرورة أنّ إمكان الردّ باقٍ و لو باستدعاء المشتري أن يردّ الأجنبيّ المتاع إلى البائع، فإنّ له فسخ العقد بمجرّد تمكّنه من الردّ و لو مع الواسطة؛ لعدم دليل على الاختصاص، بل قضيّة الإطلاق بقاؤه.

و إن قلنا كما هو الأقرب-: إنّ المتفاهم العرفيّ هو إمكان الردّ إلى الملكيّة من ملك المشتري و صاحب الخيار، فإذا عاد إليه- و لو بالاشتراء من الأجنبيّ أو من البائع أو بالإقالة أو التورّث و غيره يجوز فسخه؛ لبقاء خياره، لأنّ الموضوع هو التمكّن من الردّ، لا نفس الردّ الخارجيّ، أو الردّ العنوانيّ؛ حتّى يتوجّه إليه بعض الإشكالات «1»، كما

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 32.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 52

يظهر من العلّامة المحشّي الأصفهاني (قدّس سرّه) «1».

و لو قلنا: بأنّ المفروغ في الأخبار و الآثار- و هو ظاهر الفتاوىٰ أنّ «إحداث الحدث» أو «إحداث شي ء فيه» يشمل زوال الملكيّة، و أنّه أيّ حدث أعظم منه؟! فيسقط و لا

يعود.

و لو قلنا: بأنّ المستند هنا هو حكم العقلاء، لعدم صدق «الإحداث» المضاف إلى «الشي ء» كما هو الظاهر، فالسقوط في محلّه، إلّا أنّه يعود، كما يظهر من الفقيه اليزديّ «2»؛ لأنّ منشأ هذا الخيار و إن لم يكن قاعدة نفي الضرر، إلّا أنّ أساس جعل الخيار باعتبار الجبران للخسارة، و لا معنىٰ لتوهّم خصوصيّة الملكيّة الإضافيّة الاعتباريّة السابقة، و لذلك يثبت الخيار بعد نقل العين بالتورّث «3»، مع زوال الملكيّة قطعاً.

و توهّم: أنّ الملكيّة باقية، و طرفها يتبدّل عرفاً لا عقلًا، فاسد؛ لأنّ الظاهر من الأوّل نقل العين، و ما تركه الميّت يعتبر للوارث، فيكون ملكاً جديداً.

و من الغريب توهّم الفرق بين النقل اللازم و الجائز، أو الفرق بين الفسخ و غيره!! فإنّ هذه التوهّمات لا يعتنىٰ بها في محيط العقلاء؛ بعد عدم وجود دليل علىٰ خلاف حكمهم و بنائهم و فهمهم من الأخبار.

فالذي هو الأقرب من الصناعة عدم السقوط حتّى يقال بالعود

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 98/ السطر 37.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 71 72.

(3) لاحظ جواهر الكلام 23: 74 75.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 53

بعده؛ لعدم وجه لسقوطه مع تمكّنه من الردّ. و لو سقط فالعود يحتاج إلىٰ دليل، و قد مرّ عدم صلاحية الإطلاق و لا الاستصحاب للمرجعيّة في هذه المواقف.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النقل و إن لم يكن من إحداث الشي ء في المبيع، و لا معنىٰ لفهم الأولويّة في هذه الصورة بعد بقاء العين علىٰ حالها، و لكنّه من مصاديق التصرّف المقرون بالرضا تعبّداً؛ و أنّ إحداث الشي ء لأجله أيضاً مسقط، و لكنّك عرفت في محلّه خلاف ذلك.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما في «الجواهر»

نقلًا عن بعضهم من التفصيل بين العود قبل العلم بالعيب و بعده «1»، غير صحيح.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعدم ثبوت الخيار إلّا بعد العلم، و هو خلاف صريح معتبر زرارة «2».

كما أنّ ما عن «المقنعة» و «النهاية»: من أنّ الهبة و التدبير لا يمنعان من الردّ، لأنّ له الرجوع فيهما، بخلاف العتق «3» غير تامّ؛ ضرورة أنّ المنع التكوينيّ مفيد، و هو ممنوع في العقود اللازمة أيضاً، و المنع التشريعيّ حاصل، و لكنّه غير مانع عنه.

نعم، في خصوص العتق يشكل. و لو فرض عود العبد المذكور رقّاً لأجل الأسباب الجديدة، يأتي البحث كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 23: 239، المبسوط 2: 131.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) المقنعة: 597 598، النهاية: 393 394.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 54

و أضعف من ذلك ما في كلام شيخنا العلّامة (رحمه اللّٰه): «من أنّه لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز ردّه؛ للأصل» «1» انتهىٰ، فإنّ ردّ العين في الأخبار هو الردّ لأجل فسخ العقد اللّازم في أصل الشرع، فتكون المسألة من موارد تعارض الإطلاق و استصحاب حكم المخصّص لو شكّ في سقوط خياره بالنقل، كما هو مورد الشكّ.

نعم، لو قلنا بالسقوط فالعود يحتاج إلىٰ دليل.

بقي شي ء: حكم زوال العيب و عوده

إذا زال العيب بعد العقد، و كان الخيار ثابتاً قبل زواله، فهل يسقط الخيار، أم لا، أو يسقط و يعود بعود العيب الزائل؟ وجوه.

يظهر من الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «2» في المسألة السابقة: أنّ المسألة تدور حول الضرر، و هو هنا منتفٍ، فالسقوط و الثبوت بعد العود قويّ عنده.

و يجوز دعوى: أنّ منشأ الخيار و إن لم يكن الضرر بالقياس إلى البائع في فرض، و إلى المشتري في الآخر، إلّا أنّه

يوجب الانصراف، فلو كان العيب زائلًا بعد العقد فلا خيار، و عوده يحتاج إلىٰ دليل، و يأتي أنّ العيب الحادث لا يوجب شيئاً.

أو يقال: إنّه فيما إذا كان عيب آخر، و أمّا إذا كان العائد هو العيب

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 26.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 72/ السطر 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 55

الزائل فهو من إعادة المعدوم العرفيّ، أو يكشف عرفاً عن عدم الزوال، فلا وجه لسقوطه في الفرض الثاني، و يعود الخيار بعوده في الفرض الأوّل.

و لو شكّ، فإن كان في عوده فلا دليل عليه، و إن كان في سقوطه، فالمسألة من موارد مرجعيّة الاستصحاب و الإطلاق، و قد تحرّر في محلّه عدم صلاحية كليهما لشي ء، فيرجع إلى الأُصول الأُخر الجارية بالنسبة إلىٰ جواز التصرّفات.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 56

الرابع حدوث العيب عند المشتري
اشارة

و تمام الكلام حول هذه المسألة يستدعي البحث في جوانب:

الجانب الأوّل حول صور المسألة

لا شبهة في أنّ العيب السابق على العقد يوجب الخيار، و قد مرّ شطر و إشارة إلىٰ مسألة زواله بعد العقد و قبل القبض، أو بعد القبض و قبل الردّ و الأخذ بالأرش، و هكذا في مسألة عوده بعد زواله، و إنّما البحث هنا في حدوث العيب بعد العقد.

و هذا تارة: يكون المبيع معيوباً بعيب قبل العقد، و يحدث عيب آخر بعد العقد.

و أُخرى: يكون صحيحاً، فيحدث العيب بعد العقد.

و ثالثة: يحدث العيب بعد القبض.

و هذا أيضاً تارة: يكون المبيع معيوباً قبل القبض و العقد.

و أُخرى: يكون صحيحاً في الحالتين.

و ثالثة: يكون صحيحاً قبل العقد، و يحدث عيب بعد القبض.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 57

و على التقادير المذكورة تارة: يكون في زمن الخيارات المضمونة.

و أُخرى: بعدها. فهذه جملة من الصور.

و من المحتمل إمكان التفصيل بين قبض أحد العوضين، و كليهما، فيكون العيب بعد قبض أحدهما مثلًا موجباً لسقوط الخيار بالنسبة إلى العيب الحادث في الآخر و إن لم يقبض أو يقال بعدمه، و سيظهر وجهه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

ثمّ إنّ العيب الموجود قبل العقد تارة: يختلف ماهيّة مع العيب الحادث.

و أُخرى: وجوداً.

و ثالثة: كمّية و كيفيّة، شدّة و ضعفاً، فيزداد العيب و يتّسع بعد العقد، أو بعد القبض؛ ضرورة إمكان اختلاف الحكم في هذه الصور، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ البحث في هذه المسألة تارة: يكون حول حدوث الخيار بالعيب الحادث بعد العقد؛ و أنّه هل يختصّ الخيار بصورة العيب الموجود قبله، أم لا؟

و أُخرى: في أنّه إذا حدث العيب بعد العقد، فهل يثبت به الأرش أيضاً، أم يختصّ دليل الأرش بالصورة المشار إليها،

أو يختصّ بما إذا لم يكن المبيع معيباً قبل العقد؟ وجوه و احتمالات.

و ثالثة: في أنّه هل يوجب سقوط الخيار الثابت بالعيب حين العقد، فيلزم مثلًا ثبوت الخيار به، و سقوط الخيار السابق، أم لا؟

و بالجملة: فهل بالعيب الحادث بعد العقد، يزول الخيار الثابت

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 58

حين العقد، أو مضافاً إلىٰ عدم زواله يثبت به الخيار الآخر، أم لا يوجب شيئاً؛ لا زوالًا، و لا حدوثاً؟

و هكذا بالنسبة إلى الأرش، إلّا أنّ الكلام هنا حول ثبوت الأرش بمثل هذا العيب الحادث، و أمّا سقوط الأرش الثابت بالعيب حين العقد فيأتي؛ لما مرّ من أنّ البحث في هذا المقام حول مسقطات الخيار فقط، فلا تخلط. هذا كلّه حول البحوث قبل القبض.

و أمّا بعد القبض و قبل مضيّ زمان الخيار- كخيار المجلس مثلًا، أو الحيوان، و الشرط فيأتي فيه البحوث السابقة أيضاً إن شاء اللّٰه تعالىٰ، و سيظهر التحقيق حول صور المسألة بعون اللّٰه تعالىٰ.

فما هو المفروغ عنه و لا خلاف فيه ظاهراً؛ أنّ العيب الحادث بعد القبض و مضيّ زمان الخيار لا يوجب شيئاً بالضرورة، و يوجب سقوط الخيار في صورة استناده إلى المالك قطعاً، و أمّا في غير هذه الصورة، أو في صورة اتساع العيب الموجود، ففيه كلام.

هذا ملخّص صور المسألة، و الجهات اللازم البحث فيها.

و غير خفيّ: أنّ من الصور ما إذا كان المبيع كلّياً أو الثمن، ثمّ بعد القبض حدث فيه العيب قبل أن يمضي زمان الخيار، فإنّه يأتي هنا أيضاً بعض المباحث المشار إليها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 59

الجانب الثاني حول تعدّد الخيار ثبوتاً
اشارة

إذا كان المبيع معيوباً مثلًا حين العقد، و قلنا: إنّ الخيار يثبت بوجوده الواقعيّ، أو كان

المشتري عالماً به، ثمّ حدث عيب آخر ماهيّة و وجوداً، فربّما يشكل عقلًا حدوث الخيار الآخر، و ذلك لا من جهة أنّ السبب وحيد؛ و هو صِرْف الوجود، فإنّه تابع لاعتبار الشرع و الاستفادة من الأدلّة، بل من جهة أنّ طبيعيّ الخيار الثابت، لا يعقل أن يتكرّر بالوجود إلّا بعد ورود قيد على الطبيعة و المسبّب، كما تحرّر في مسألة تداخل الأسباب و المسبّبات، مع أنّ الضرورة قاضية بأنّ خيار العيب واحد.

و بالجملة: لا منع من تعدّد الخيار لتعدّد العناوين، كخيار المجلس، و الحيوان، فإنّهما خياران لأجل تلوّن الخيار الطبيعيّ بلون المجلس، و الحيوان، و الشرط، و هكذا، و أمّا خيار العيب فتكرّره كتكرّر خيار المجلس؛ بأن يكون للمالك خيارا مجلس، و يكون صاحب الحيوان ذا خياري حيوانٍ في البيع الواحد و الحيوان الواحد، فإنّ مع تعدّد البيع و المبيع، يتعدّد الخيار وجوداً و إن كان من نوع واحد، و أمّا إذا كان البيع واحداً فكيف يعقل ذلك؟! أقول: نعم، هذا في حدّ ذاته لولا التصرّف في ناحية المسبّب، ممتنع ثبوتاً، إلّا أنّه لو ساعد الدليل إثباتاً يمكن اعتبار التعدّد؛ لأجل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 60

الإضافة إلى العيب، فيكون للمالك خيار عيب الشلل، و خيار عيب العمىٰ، و هكذا.

و من هنا ينقدح: أنّه لو كان المبيع فيه العيوب الكثيرة، يجوز الالتزام بالخيارات عدد العيوب؛ علىٰ حساب الإضافات المتعدّدة.

فكون السبب طبيعيّ الخيار القابل للكثرة، لا يكفي لتعدّد الوجود، لاحتياج التعدّد إلى التلوّن و التعنون الخاصّ بالضرورة، كما مرّ في بعض المباحث السابقة، خلافاً لبعض الأعلام القائلين بالكفاية.

فما يظهر من مجلس درس السيّد الوالد مدّ ظلّه من كفاية كون السبب للخيار طبيعيّ العيب لتعدّد

خيار العيب «1»، غير تامّ، بل لا بدّ من ورود القيد في المسبّب؛ حتّى يتمكّن السبب من التأثير، أو الموضوع لحكم العقلاء عليه بالتعدّد، فلا تخلط.

بقي شي ء: شبهات في المسألة

و هو أنّ هناك شبهة ثبوتيّة علىٰ موجبيّة العيب للخيار؛ في صورة كون المبيع كلّياً، إذا حدث العيب بعد القبض، و إلّا فلا معنىٰ له.

و تلك الشبهة: هي أنّ ما هو المبيع غير ما حدث فيه العيب عقلًا و عرفاً، و حيث إنّ القبض وقع على الصحيح، فلا معنىٰ لحدوث الخيار بعد العيب الحادث في هذه الصورة؛ و لو كان في زمان الخيارات الأُخر.

______________________________

(1) انظر البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 45.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 61

و فيه: ما عرفت منّا، و أنّ الطبيعيّ موجود بنفسه، و ما هو المبيع هو ما يحصل في الخارج، كما أنّ طبيعة البيع أيضاً كذلك، و إلّا فيلزم إنكار وجوب الوفاء، و الالتزام بالصحّة؛ لجريان العلّة المذكورة هنا أيضاً. و لأجل ذلك يتشخّص المبيع فيه، و لا يحقّ للبائع تبديل المبيع بعد القبض؛ لأنّه هو المبيع، لا زائد، و لا ناقص، فلا شبهة ثبوتيّة في المسألة.

نعم، يجوز أن يسلب المشتري عن نفسه «بأنّي ما اشتريت ما في الخارج» مشيراً إليه، إلّا أنّه لأجل عدم إمكان تفكيك ما في الخارج عن الوجود و الخصوصيّات التي هي ليست في المبيع، حينما يكون كلّياً، و لذلك يصحّ السلب المذكور عرفاً، بل و عقلًا، مع أنّ ما هو المبيع و هي البقرة السوداء- ليست إلّا بنفسها في الخارج، و هي المقبوضة، فتأمّل جيّداً.

ثم إنّ هناك شبهة ثبوتيّة أُخرى على القول بأنّ المجعول في خيار العيب هو الحقّ المردّد بين كونه متعلّقاً بالعقد، أو بالأرش؛ فإنّ

السبب إن كان صِرْف وجود العيب، فلا يؤثّر إلّا في أحداث الخيار الواحد أو الأرشُ الواحد، مع أنّهم لا يلتزمون به في ناحية الأرش، و يقولون بتعدّده.

و إن كان هو طبيعيّ العيب، فيلزم تعدّد الخيار أو الأرش، و هم لا يلتزمون بتعدّد الخيار تعدّدَ السبب، و لا يعقل التفكيك ثبوتاً بين الطرفين؛ لأنّ الحقّ السببي واحد مردود.

و أمّا على القول بتعدّد الحقّ، كما احتملناه أوّلا، فهو- أي التفكيك ممكن ثبوتاً، و يستظهر إثباتاً؛ لأجل فهم العقلاء ذلك من أخبار المسألة،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 62

و بنائهم عليه.

و غير خفيّ: أنّ هذه الشبهة تتوجّه إلى القول: بأنّ خيار العيب ليس إلّا التردّد بين الردّ و أخذ الأرش، أو بين الحقّين الانتزاعيّين منهما، كما هو المختار.

و لكنها تندفع: بأنّ السبب هو طبيعيّ العيب، إلّا أنّ في ناحية الردّ لا يقبل السبب التوسعة، بخلاف ناحية الأرش، فإنّه يقبل التوسّع. و فرق بين تعدّد الخيار و توسّعه، و الضرورة قاضية بأنّ الأرش لا يتعدّد، بل يتوسّع، فكما أنّ أسباب الدين لا توجب تعدّد الدين، بل تتوسّع دائرة الدين؛ لأنّ التعدّد يحتاج إلى اعتبار قيد في ناحية السبب، كذلك فيما نحن فيه، و علىٰ هذا تكون الأدلّة أيضاً مأخوذة بظاهرها، و هو أنّ طبيعيّ العيب يؤثّر، إلّا أنّ اختلاف السبب بحسب الاقتضاء، يوجب فرقاً بين الردّ و الأرش، فاغتنم.

الجانب الثالث في مرحلة الإثبات و الاستظهار من الأدلّة الشرعيّة
اشارة

فالبحث يقع في صور:

الصورة الاولىٰ: في حدوث العيب بعد العقد و قبل القبض
اشارة

إذا حدث العيب بعد العقد و قبل القبض، فهل يوجب الخيار و الأرش؟ وجهان، بل قولان.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 63

و الذي هو المعروف المدّعىٰ عليه الإجماع ظاهراً؛ جواز الردّ به و لو كان بعد القبض في زمان إحدى الخيارات الثلاثة «1»، و حيث لا حجّية لمثله، فلا بدّ من التماس دليل.

و الذي يقتضيه الدليل الأوّلي عدم جواز الردّ؛ لأنّ العقد عندهم سبب تامّ للملكيّة، فحدوثه فيها قبل القبض، أو بعده، أو بعد الخيارات الثلاثة، علىٰ حدّ سواء، و ما هو الموجب للخيار هو وجود العيب، و اشتراط العلم في ثبوته لا ينتج لما نحن فيه شيئاً؛ لإمكان استمرار جهله إلىٰ بعد مضيّ الخيارات.

فعلى كلّ تقدير: قضيّة القاعدة المعروفة؛ عدم حدوث الخيار بالعيب الحادث بعد العقد.

و أمّا علىٰ ما سلكناه في هذا المضمار، و يؤيّده هنا الإجماع المذكور، و فهم العقلاء، فثبوت الخيار به؛ و ذلك لأنّ عقد البيع ليس بيعاً، بل هو تعاهد على البيع و المبادلة، و القبض و الإقباض- سواء كانا خارجيّين، أو اعتباريّين هو البيع حقيقة، و لا تحصل الملكيّة إلّا به، و لا ملكيّة قبل القبض؛ لا مستقرّها، و لا متزلزلها؛ و لو كان الوفاء بالمعاهدة المذكورة واجباً، كما هو كذلك في بعض البيوع التي يعتبر في صحّتها

______________________________

(1) قد ادّعى صاحب «جواهر الكلام» الإجماع و نسبه إلى غير واحد في العيب الحادث قبل القبض. أمّا بعد القبض في زمان إحدى الخيارات الثلاثة فقال: «و مثله حدوث العيب من غير جهة المشتري في الثلاثة لو كان المبيع حيواناً. و كذا كلّ خيار مختصّ بالمشتري».

جواهر الكلام 23: 241 242.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 64

القبض و الإقباض؛ فالعيب الحادث بعد العقد يوجب الخيار على القواعد.

نعم، ربّما يستظهر من الشرع ترتيب آثار الملكيّة بمجرّد العقد. و لكن في ثبوت الإطلاق لدليله إشكال، فلا منع من الالتزام بحدوث الملكيّة بالعقد في البيع في الجملة، لا مطلقاً، و تفصيله قد مضى في مطاوي بحوثنا السابقة، فلا نعيد المسألة من أصلها، لأنّها تستلزم الإطالة و إن لم تكن بلا إفادة.

و من الغريب توهّم استفادة الخيار في صورة حدوث العيب بعد العقد من قاعدة «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» «1»!! و أحسن ما يمكن أن يقال: هو أنّ المستنتج من هذه القاعدة؛ أنّ البائع لا يستريح من ناحية ما خرج عن ملكه، فإذا كان العيب المنتهى إلىٰ تلفه موجباً لانفساخ عقده، فالعيب غير المنتهى إلىٰ فسخه يوجب إمكان انفساخ عقده، و لا بدّ أن يكون المتمكّن من ذلك هو المشتري؛ لأنّ القاعدة ضربت عليه المسكنة و الذلّة.

و ما في كلام الفقيه اليزديّ من الإطالة «2» مضافاً إلىٰ بعده الذاتيّ غير تامّ، و لا حاجة إلىٰ نقده بعد نقله.

و الإشكال علىٰ أمثال هذه الاستخراجات من مثل المرسلة

______________________________

(1) عوالي اللآلي 3: 212/ 59، مستدرك الوسائل 13: 303، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 9، الحديث 1.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 76 77.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 65

المذكورة، غير مناسب لفقه الإماميّة الذي بناؤه علىٰ ترك القياس و الاستحسان. و لو تمّ تقريبنا للخيار فالأرش مثله، لأنّ العيب المنتهى إلىٰ ضمان العين عند التلف، يستلزم الأرش عند تلف البعض، أو الكيفيّة.

و ما ذكرناه يجري بعينه في قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» كما لا يخفىٰ. و يحتمل

التفصيل بين تلف الجزء و الوصف فيما نحن فيه؛ لأنّ الجزء مبيع بخلاف الوصف، فتأمّل.

تكملة: دلالة مرسلة جميل علىٰ حكم العيب الحادث قبل القبض

قد يستدلّ بمرسلة جميل «1» لإحداث العيب الحادث بعد العقد و قبل القبض؛ و ذلك لأنّ قضيّة إطلاق السؤال عدم الفرق بين كون الاشتراء واقعاً على الثوب أو المتاع، أو كون الاشتراء واقعاً على الصحيح، و لكن حدث العيب بعد الاشتراء و قبل القبض. و توهّم تعارف القبض، في غير محلّه.

و علىٰ هذا، يتوجّه الجواب إلىٰ هذا الإطلاق، و يستنتج معنىٰ قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه علىٰ صاحبه، و أخذ الثمن» بعد مفروغيّة أنّ المراد من «قيام العين» هو القيام على العين مع قطع النظر عن العيب الموجود فيها حال العقد، و يكون حال قبل القبض أيضاً مثله؛ ضرورة أنّ العين المعيبة حال العقد، ليست قائمة علىٰ عينها الطبيعيّة الأصلية،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 66

و لكنّها ربّما تكون باقية علىٰ عينها المعقود عليها. فكما إذا كانت باقية علىٰ تلك الحالة المعقود عليها فله الردّ، فكذلك إذا كانت باقية علىٰ حالها المقبوضة فله الردّ، فالعيب الحادث قبل القبض لا يوجب سقوط الخيار، بل يوجب ثبوته إن لم يكن ثابتاً بالعيب حين العقد.

أقول:- مضافاً إلىٰ ما عرفت من ضعف المرسلة؛ لظهورها في خلاف ما عليه المشهور. و توهّم اختلاف طبقات الظهور و مراتبه؛ بأن يكون ظهورها في التخيير الطوليّ معرضاً عنه، دون ظهورها في أصل التخيير، فيؤخذ بها، من التوهّمات الباطلة أنّ المتعارف في المعاملات و إن لم تكن معاطاتيّة، و لكنّه متعارف جدّاً في تلك الأمصار و الأعصار، و لا سيّما في مثل الثوب أو المتاع المعطوف عليه، و البيع العقديّ بحكم النادر

جدّاً، فالسؤال منصرف إلى الاشتراء المعاطاتيّ.

و قوله: «فيجد فيه عيباً» أيضاً يشهد علىٰ أنّ وجدان العيب، كان بلا فصل بعد الاشتراء، لا بعد القبض كما لا يخفىٰ.

و هكذا قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه» فإنّه ظاهر في ملاحظة نسبته إلىٰ حال الاشتراء، فلو حدث عيب بعد الاشتراء العقديّ، فلا يكون الشي ء قائماً علىٰ عينه حال الاشتراء.

فلعمري، إنّ استنتاج الخيار مستنداً إليها، غير جائز جدّاً، و هذا أسوأ حالًا من تقريبنا حول القاعدتين ممّا نحن فيه.

هذا مع أنّ قوله: «إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ» ملحوظ بالقياس إلىٰ ما بعد الاشتراء، لا إلىٰ ما بعد القبض، فيعلم منه أيضاً: أنّ الاشتراء كان بالمعاطاة و القبض، و التأمّل في ذلك من التخيّل البارد،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 67

فلا تخلط.

فالحقّ ما ذكرناه، و أنّ الإجماع على الخيار و الأرش للعيب الحادث بعد العقد، دليل علىٰ ما أبدعناه في أصل المعاملات «1»، و أنّ عقد البيع من الإضافة المعنويّة؛ أي العقد على البيع و على المبادلة، و مع انتفاء المبادلة خارجاً لا ملكية أصلًا.

فتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ العيب الحادث بعد العقد إن كان مسبوقاً بالعيب قبل العقد، أو لم يكن، يكون المؤثّر في الخيار هو هذا العيب؛ لأنّ العقد على البيع لا يوجب شيئاً- كما أشرنا إليه في مبدأ هذا الخيار، فلا يوجب هذا العيب الحادث بعد العقد سقوط الخيار، لعدم ثبوته، و يوجب هذا العيب ثبوت الخيار و الأرش على الوجه المحرّر في أصل المسألة.

و لو قلنا بثبوت الخيار بالعيب الموجود حال العقد، كما هو المعروف عنهم، فهذا العيب لا يؤثّر في ناحية الخيار؛ لعدم قابليّته للتوسّع، بخلاف الأرش، فإنّه يقبل التوسعة؛ لأنّ

ما به التفاوت يكون دائراً بين الأقلّ و الأكثر، لا المتباينين. و هذا هو حكم العرف و العقلاء في المقام، و في الأشباه و النظائر.

فتحصّل إلىٰ هنا المسائل الثلاث: عدم ثبوت الخيار و الأرش بالعيب حين العقد. و لو ثبت فلا يتكرّر الخيار بطروّ العيب بعد العقد و قبل القبض، و لا يتوسّع الأرش. و يثبت الخيار و الأرش بالعيب الحادث

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 1: 11 و 27، و لاحظ تحريرات في الاصول 1: 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 68

بعد العقد و قبل القبض. هذا كلّه حكم الصورة الأُولىٰ.

بقي شي ء: في بقاء الخيار السابق بعد حدوث الخيار بعد العقد

و هو أنّه علىٰ تقدير ثبوت الخيار بعد العقد؛ زائداً على الخيار الثابت بالعيب حين العقد، فهل هو يوجب سقوط الخيار الأوّل قهراً، أم يبقىٰ له الخياران، كما له الخيارات لعلل شتّىٰ؟

و أمّا توهّم التفصيل بين مستند الخيار الثاني؛ بأن يكون موجباً للإسقاط إذا كان الاستناد إلىٰ إطلاق مرسلة جميل «1»؛ و ذلك لأنّ إثبات الخيارين عَرْضاً بدليل واحد لسبب واحد- و هو العيب بعيد، فإذا ثبت بالإطلاق خيار قبل القبض، فلازمه سقوط ذلك الخيار بمثله، و أمّا إذا كان المستند قاعدة «كلّ مبيع.» أو غيرها، فلا يوجب الثاني سقوط الأوّل.

ففيه منع واضح؛ ضرورة أنّ الاستبعاد المذكور، يرتفع بإنكار صلاحية المرسلة لإحداث الخيار الثاني. هذا مع أنّ اختلاف الدليل لا يوجب رفع الاستبعاد، بعد كون السبب الوحيد هو العيب؛ و أنّ تلف البعض- بما أنّه عيب موجب للخيار، كتلف الكيفيّة؛ فإنّ المقصود من التمسّك بالقاعدتين، إثبات خيار العيب بعنوانه، لا خيار تلف الكم، أو الكيف.

و أمّا دعوى الامتناع الثبوتيّ، كما عن «حاشية العلّامة الخراسانيّ (رحمه اللّٰه)»: بأنّ سقوط الخيار الأوّل بالخيار

الثاني، غير معقول؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 69

ضرورة أنّ سقوطه يستند إلى العيب الحادث، و لا يعقل أن يكون العيب موجباً للحدوث و السقوط «1».

ففيه: أنّ طبيعيّ العيب لا يوجب شيئاً؛ لا الحدوث، و لا السقوط، و ما هو الموجب للحدوث هو العيب حين العقد، و العيب الحادث بعد العقد. و لو كان طبيعيّ العيب موجباً لحدوثه، لكان العقد على الصحيح أيضاً موجباً له؛ إذا كان قبل العقد معيوباً، ثمّ صار صحيحاً، و هكذا العيب بعد مضيّ عصر الخيارات الثلاثة.

و الذي هو الحقّ: أن الالتزام بتعدّد الخيار هنا ممكن ثبوتاً، إلّا أنّه لا بدّ من تلوّن الخيار بلون السبب حتّى يتعدّد، فيكون خيار عيبٍ حال العقد، و خيار عيب بعد العقد و هكذا؛ لامتناع بقاء المسبب و الطبيعيّ علىٰ حاله مع تعدده، كما نشاهد أنّ سائر الخيارات أيضاً تعدّدت بالعناوين المتخذة من الأسباب المنتهية إليها، أو الموضوعات التي اعتبرت موضوعاً لها؛ على الاختلاف في باب السببيّة و الموضوعيّة في أمثال هذه الأُمور الاعتباريّة. و علىٰ هذا لا وجه لسقوط الخيار الأوّل بالخيار الثاني بالضرورة.

فتحصّل: علىٰ ما أبدعناه في باب العقود أنّ المدار على العيب قبل القبض، و لا حكم للعيب حين العقد، فلو كان حين العقد المبيع معيوباً، فصار صحيحاً قبل القبض، فلا خيار، كما أشرنا إليه مراراً، و لا أرش.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 69

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 217.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 70

و أخبار خيار العيب «1» هنا كلّها ناظرة إلى

البيوع المعاطاتيّة التي تحصل بالقبض، أو منصرفة إليها، فلاحظ و تدبّرها. و مع ذلك كلّه لا يترك الاحتياط بالتصالح في موارده.

الصورة الثانية: حكم حدوث العيب في أيّام الخيار المضمون على البائع

لو حدث العيب في أيّام الخيار المضمون على البائع، فهل هو أيضاً يوجب الخيار، أم لا؟

و البحث في هذه الصورة حول ثبوت الخيار فيها قبل القبض، و يجري فيها ما جرىٰ في الصورة الثانية من البحوث؛ و هو ثبوت الخيار.

و علىٰ تقديره، فهل يوجب سقوط الخيار لو كان ثابتاً بالعيب حين العقد، و أنّه هل يثبت الأرش هنا، و علىٰ تقدير ثبوته، يوجب سقوط الأرش السابق؟

و قد مرّ تمام الكلام حوله، و حول المناقشات الثبوتيّة و الإشكالات العقليّة، و اندفاعها بالمرّة، كما ظهر أنّ الوجه الوحيد لثبوته؛ هو أنّ حقيقة البيع هي المبادلة المعاطاتيّة، و الملكيّة تكون بعد التبادل الذي هو بمنزلة القبض، و أنّ العقود ليست إلّا عهوداً ربّما يجب الوفاء بها، و ذهاب المشهور هنا و في المسألة السابقة إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 29 31، كتاب التجارة، الباب 16، و: 97 و 111، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 و 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 71

القول بالخيار، يشهد علىٰ ما ادعيناه.

و ما ذكرناه من ثبوت الخيار، لا يختصّ بأيّام الخيار المضمون على البائع، كخيار الحيوان، و الشرط، بل و المجلس؛ لأنّه علىٰ طبق القاعدة، فالعيب الحادث في عصر كلّ خيار قبل القبض، يوجب خيار العيب.

نعم، إذا كان العيب حين العقد موجباً للخيار، فلا دليل علىٰ تعدّده إثباتاً؛ و إن أمكن ثبوتاً كما مرّ.

و لكنّك أحطت خبراً: بأنّ المناط في حدوث الخيار حدوث العيب قبل القبض، سواء كان في زمان الخيار أو بعده، فعليه لا يثبت الخيار الثاني علىٰ تقدير ثبوته

بالعيب حين العقد، حتّى يقال بسقوط الخيار الثابت بالعيب الموجود حين العقد. و لو كان دليل حاكماً على الخيار الثاني، فلا وجه لسقوط الأوّل به، كما عرفت.

فبالجملة تحصّل: أنّ المدار على العيب الحادث قبل القبض؛ سواء كان البيع واقعاً على المعيب، أو الصحيح، و هذا هو معقد الشهرة و الإجماع «1» المقتضي للأرش في عَرْض خيار العيب، و إطالة الكلام زائداً عليه تكرار مملّ، كما لا يخفىٰ.

نعم، التمسّك بقاعدة «التلف في زمن الخيار.» على التقريب المذكور هنا، أقلّ محذوراً؛ لأنّ العيب و زوال وصف الصحّة، من التلف عرفاً، و لا يكون موضوع هذه القاعدة المبيع حتّى يقال: بأنّ الوصف ليس

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 4: 329 و 628، و جواهر الكلام 23: 241 242.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 72

من المبيع. و لكن عرفت ما في أصل التمسّك، و يأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الصورة الثالثة: في حدوث العيب بعد القبض في زمان سائر الخيارات

إذا حدث العيب في زمان الخيارات الأُخر، كخيار المجلس، و الحيوان، و الشرط مثلًا، و كان بعد القبض، فقضيّة ما تحرر منّا أنّ هذا العيب قد حدث في ملك المشتري، و لا أثر له عند العرف و العقلاء بالضرورة.

و أمّا بحسب الموازين الشرعيّة، فالمنسوب إلى المشهور بل الظاهر أنّه لم يسند الخلاف فيه إلّا إلى المحقّق (قدّس سرّه) «1» هو الثبوت.

و غاية ما يمكن أن يلتمس له- مضافاً إلىٰ أنّ إطلاق قاعدة «التلف في زمن الخيار.» يقتضي بالتقريب المذكور ذلك أنّ قضيّة طائفة من الأخبار هو الخيار، و هذه الأخبار هي في الحقيقة سند تلك القاعدة:

فمنها: و هو الخبر الوحيد المعتبر سنداً، معتبر ابن سِنان- يعني عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يشتري الدابّة أو

العبد، و يشترط إلىٰ يوم أو يومين، فيموت العبد و الدابّة، أو يحدث فيه حدث، علىٰ من ضمان ذلك؟

فقال (عليه السّلام): «على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام، و يصير المبيع

______________________________

(1) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 289، مفتاح الكرامة 4: 627، جواهر الكلام 23: 242.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 73

للمشتري» «1».

و روى الصدوق مرسلًا نحوه، إلّا أنّه قال: «لا ضمان على المبتاع حتّى ينقضي الشرط، و يصير المبيع له» «2».

و في رواية الشيخ: «و يصير المبيع للمشتري؛ شرط البائع، أو لم يشترطه» «3».

و بمضمون هذا الخبر أخبار أُخر في الباب الخامس من أبواب الخيارات «4».

و وجه ذلك: هو أنّ كون الضمان على البائع ضمان المعاملة، لا يمكن إلّا بانفساخ البيع في صورة التلف، و حيث إنّ في صورة حدوث الحدث لا ينفسخ البيع، و يكون الضمان مع ذلك عليه، فلا بدّ من حدوث الخيار.

و أمّا الاحتمالات الأُخر «5» كاحتمال كون الضمان ضمان اليد، أو كون الضمان عليه تعبّداً من غير انفساخ قهراً، أو غير ذلك فكلّها بعيدة عن هذه الروايات.

فبالجملة: في هذه الصورة- و هي حدوث العيب بعد القبض في

______________________________

(1) الكافي 5: 169/ 3، وسائل الشيعة 18: 14، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2.

(2) الفقيه 3: 126/ 551.

(3) تهذيب الأحكام 7: 24/ 103.

(4) وسائل الشيعة 18: 14 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5.

(5) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 49 50.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 74

عصر الخيار المضمون لا بدّ من الالتزام بأنّ الخسارة و حدوث الحدث على البائع، و هذا هو الأرش الملازم للخيار.

و توهّم: أنّه لا أثر له، في غير محلّه؛ لظهور ثمرته في

السقوط.

أقول: الذي يظهر لي عاجلًا؛ أنّ حديث انفساخ العقد قهراً، ممّا لا يمكن الارتضاء به، و مسألة الملكيّة الآنيّة من المسائل العرفانيّة.

و مقتضى هذه الأخبار أوّلًا في صورة التلف، ليس إلّا الضمان إذا فسخ المشتري؛ لأنّ حقيقة الضمان عند الإطلاق ليست إلّا ذلك.

و أمّا في صورة حدوث الحدث، فهو أيضاً لا يوجب خياراً جديداً فيما نحن فيه؛ لأنّ ضمان الحادث على البائع إذا فسخه، و لا شبهة في جواز الفسخ لصاحب الحيوان و الشرط.

و من هنا يظهر: أنّ مفاد قاعدة «التلف في زمن الخيار.» أنّه ليس إلّا تمكين من له الخيار علىٰ جبران الخسارة بحلّ العقد، و كفاية ردّ ما يبقىٰ من التالف، أو عدم ردّ شي ء إليه، و يستردّ ما أقبضه البائع مثلًا من الثمن. و ربّما إليه يرجع ما نسب إلى المحقّق «1» الحقيق بالتصديق.

فاستفادة الخيار الجديد للعيب أوّلًا؛ لإسرائه إلىٰ سائر الأمتعة، مضافاً إلىٰ ممنوعيّتها بدواً، تشبه القياس جدّاً.

و ممّا يؤيّد ما أبدعناه مرسلة جميل «2»، و معتبر زرارة «3»، السابقتين

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 72.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 75

الناطقتين بسقوط الخيار بحدوث الحادث و تغيّر العين، فكيف يمكن الالتزام بأنّ هذا العيب يوجب الخيار، و بسقوطه يوجب خيار العيب الجديد؛ سواء كان المبيع صحيحاً، أو معيباً، و يسقط الخيار؟! فإنّه و لو أمكن للاختلاف الشخصيّ بين الثابت و الساقط كما مرّ، إلّا أنّه بعيد عن أفهام العرف، فعلى هذا يسقط سائر البحوث الأُخر أيضاً في هذه الصورة.

نعم، يمكن- لو كان دليل علىٰ ثبوت خيار العيب بالعيب الحادث في زمان القبض و الخيار أن يقال: إنّ حدوث الحادث يوجب خيار العيب،

و إحداث الحدث كما في معتبر زرارة يوجب السقوط، فلا تهافت بين الخبرين. و مرسلة جميل أمّا محمولة علىٰ معتبر زرارة، أو مطروحة، كما هو الأقوىٰ عندنا؛ لما مرّ.

أو يقال: بأنّ حدوث الحدث و العيب في مثل الجارية و الحيوان و الشرط، يوجب الخيار، دون سائر الأمتعة. و لكنّه بعيد؛ لأنّ المبيع المذكور خياريّ، و في سائر الأمتعة لا خيار، و إثباته فيها أولىٰ.

و علىٰ كلّ تقديرٍ: لا خيار عيب بالعيب الحادث بعد القبض في عصر الخيارات الثلاثة، و لا في غيرها.

ثمّ إنّ مقتضىٰ ظاهر تلك الأخبار؛ كون ضمان العين على البائع، و خسارته عليه؛ في الزمان المحدود شرطاً، أو شرعاً، و لازم ذلك تعيّن الجبران و إعطاء الأرش، من غير كون العقد خياريّاً.

نعم، في صورة التلف يمكن توهّم الانفساخ؛ بتوهّم تقوّم العقد بالعين، فالقول بالخيار الحقّي، بل و الجواز الحكميّ، مستنداً إلىٰ هذه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 76

الروايات، غير صواب أصلًا. و ما ذكره الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) من الإطالة «1»؛ بتوهّم انتهاء الأمر إلى الاستفادة و غيره، غير راجع إلىٰ محصّل.

و بناء علىٰ هذا، لا تصل نوبة البحث بعد ذلك إلىٰ حديث الأرش في عَرْض الخيار، و إلى سقوط الخيار الثابت بالعيب حين العقد، و إلى سقوط الأرش بالخيار و الأرش الحادث بعد القبض، فإنّه كلّه ساقط بالمرّة. مع ما عرفت من البحوث الثبوتيّة و الإثباتيّة حولها في الصورة الأُولىٰ.

الصورة الرابعة: في حدوث العيب بعد القبض و الخيارات
اشارة

لو حدث العيب بعد القبض، و مضيّ الخيارات المحدودة شرطاً، أو شرعاً، زمانيّاً، و غير زمانيّ، فالقاعدة و الشهرة متطابقتان علىٰ عدم حدوث الخيار. و ما نسب أحياناً إلى الاحتمال، يوجّه: بأنّ المقصود منه صورة حدوثه بعد مضيّ الخيار، و

حصول القبض آناً ما، فإنّه يلحق بما قبل الحدّ، و فيه ما لا يخفىٰ.

حول سقوط خيار العيب بالعيب الحادث

و أمّا سقوط الخيار الثابت بالعيب قبل القبض و لزوم البيع عليه، ففيه نظران:

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 76/ السطر 11 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 77

النظر الأوّل: من أنّ قضيّة مفهوم معتبر ابن سِنان «1» و سائر الأخبار المشتملة على الغاية «2»؛ هو سقوط الخيار؛ بمعنى عدم ثبوته بعد مضيّ عصر الشرط الشرعيّ، أو العرفيّ، فلا خيار بعد مضيّ ثلاثة أيّام، و قضيّة الإطلاق إنكاره؛ و لو كان قبل القبض.

و لكن عرفت: أنّ المنصرف من هذه الأخبار هو القبض. لمتعارف المعاملات المعاطاتيّة، و ظهور الأخبار في ذلك، فراجع.

فبالجملة: لٰا يسقط خيار العيب الثابت بتلك الأخبار في زمان الخيارات المضمونة بالحدث و العيب بعد القبض، و بعد مضيّ الزمان المحدود شرطاً أو شرعاً، بل ينتهي أمد الخيار.

و فيه: ما عرفت من قصور هذه الأخبار عن إثبات الخيار، حتّى تدلّ بالمفهوم علىٰ انتهاء أمده بالعيب المذكور.

و من أنّ مقتضىٰ مرسلة جميل «3»؛ أنّ المناط في ناحية الردّ و الفسخ علىٰ بقاء العين الواقع عليها المبادلة، و في ناحية تعيّن الأرش و عدم جواز الردّ علىٰ عدم بقاء العين علىٰ تلك الحالة التي وقع عليها التبادل المعامليّ، و أنّ مثل التقطيع و الصبغ و الخياطة، من موارد عدم بقاء العين المذكورة في متن الخبر.

فالمناط في ناحية سقوط الردّ علىٰ ذلك؛ حسب المفهوم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 72 73.

(2) وسائل الشيعة 18: 14 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5.

(3) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 78

المستفاد من المرسلة، فالبحث عن حدّ العيب و مصاديق

المعيوب و أمثال ذلك، غير تامّ؛ لعدم وجود «العيب» في دليل هذه المسألة كما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» فعليه فحدوث العيب بعد القبض و المضيّ، يوجب السقوط.

و فيه: ما عرفت من قصور هذه المرسلة اعتباراً. مع أنّ استفادة المفهوم منها محلّ تأمّل، كما مرّ «2».

اللهمّ إلّا أن يقال: لا حاجة إليها، بل يكفي لانتفاء الخيار عدم صدق بقاء العين بعينها، فإنّه يرتفع الخيار و إن لم يكن يسقط به، فلا تخلط.

هذا مع أنّه لا يعقل وجود المفهوم هنا الذي يكون مستنداً لسقوط الخيار بالتلف و التغيّر؛ للزوم اشتمال القضيّة الواحدة على القضيّتين: التامّة، و الناقصة، و هذا محال كما لا يخفىٰ.

و من أنّ مقتضىٰ معتبر زرارة «3»؛ أنّ حدوث الحدث و الشي ء يوجب السقوط، و هو أعمّ من كونه عيباً لغويّاً أو عرفيّاً و اصطلاحيّاً، حسّياً و معنويّاً، اعتباريّاً و حقيقيّاً، بل المناط علىٰ حدوث شي ء فيه و إن لم يكن عيباً، و لا مغيّراً للعين.

نعم، حدوث الأوصاف الكماليّة و ارتفاعات القيم السوقيّة، خارجة إمّا انصرافاً، أو لأنّها أمر أجنبيّ عن العين، كما لا يخفىٰ و تأمّل.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 51.

(2) تقدّم في الصفحة 47 48.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 79

و فيه: أنّ استفادة كفاية الحدوث غير المستند إلى المشتري و المالك، مشكل بعد سقوط المرسلة التي هي القرينة على الأعمّ. و لو فرضنا ذلك كما قوّيناه في السالف، و لكنّه يحتمل أن يكون النظر في هذه الرواية إلىٰ أنّ الإحداث من صغريات الرضا بالبيع، الذي هو مناط اللزوم، و الحدوث لا يدلّ على الرضا.

و دعوىٰ: أنّه لا معنىٰ لكونه من صغرياته؛ لأنّ المفروض

جهالة المشتري حين الإحداث، غير كافية؛ لقوّة احتمال كون ذلك منها تعبّداً صِرْفاً، كما في خيار الحيوان، فلا يمكن حينئذٍ استفادة كون حدوث الشي ء كافياً للسقوط فيما نحن فيه. هذا كلّه حول النظر الأوّل «1».

النظر الثاني: و أمّا النظر الثاني، فهو عدم سقوط الخيار الثابت قبل القبض، أو حين القبض، و بعد مضيّ الخيارات الزمانيّة و المحدودة؛ و ذلك لقصور الأدلّة عن مسقطيّة حدوث الشي ء و تغيّره، و يكفي له ذهاب مثل «المقنعة» «2» إلىٰ ذلك على ما يستظهر منه، و هو مقتضى الأصل بعد ثبوت الإطلاق لدليله، أو هو مقتضى الاستصحاب؛ بناءً علىٰ جريانه.

تكميل و تحصيل: حول ما يقال في المقام

ما أشرنا إليه هي الجهات التي يمكن أن يتشبّث بها لكون العيب

______________________________

(1) و غير خفيّ: أنّ الصبغ من التغيير إلى الكمال نوعاً و عادة، فلو كان كافياً في السقوط، فلا فرق بين أقسام التغييرات. منه (قدّس سرّه) ج.

(2) المقنعة: 597.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 80

و التغيّر الحادث بعد القبض و المضيّ، موجباً لسقوط خيار العيب الثابت سابقاً.

و أمّا ما في «مفتاح الكرامة»: من أنّ العيب الحادث مضمون على المشتري، و هو بمنزلة الأحداث في المبيع «1» فهو غير جائز علىٰ مثله؛ لأنّ التنزيل يحتاج إلىٰ دليل.

و ما عن «التذكرة» من تعليله للمقام: «بأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه.» إلىٰ آخر ما في «حاشية العلّامة الأصفهانيّ (قدّس سرّه)» «2» فهو غير موجود ظاهراً فيها، فراجع «3».

نعم، لو كان فهو أيضاً مثل ما مرّ؛ لأنّه لو كان أمثال هذه التعاليل غير عليلة، للزم جريانها في خيار الغبن و مثله.

و يشبه الكلامين ما في «الجواهر»: من اقتضاء الردّ عدم تعيّب المبيع، و جبره بالأرش لا يصيّره ردّاً حقيقة «4» انتهىٰ،

فإنّ الضرورة قاضية بتعيّن ردّ المبيع المغبون فيه و لو حدث فيه شي ء أو تعيّب بعيب. نعم، عليه جبرانه.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 627.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 106/ السطر 30.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 530/ السطر 11: «لأنّه لمّا قبضه دخل في ضمانه، فالعيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون من ضمان المشتري، فيسقط ردّه للنقص الحاصل في يده، فإنّه ليس تحمّل البائع به للعيب السابق أولى من تحمّل المشتري به للعيب الحادث».

(4) جواهر الكلام 23: 241.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 81

و دعوىٰ: أنّ عنوان «الردّ» مأخوذ في أخبار المسألة، غير مسموعة؛ لأنّ المرسلة «1» غير كافية، و المعتبرة «2» مشتملة علىٰ لزوم البيع أوّلًا، ثمّ الردّ، فيكون الردّ لأجل الحقّ الثابت للمشتري. هذا مع أنّ «الردّ» يصدق في صورة التعيّب؛ لعدم الإخلال بصدق العنوان بالتعيّب بالضرورة، و إلّا يلزم أن يكون البيع على المعيب باطلًا من رأسه.

و أضعف من الجميع توهّم: أنّ مبنىٰ خيار العيب قاعدة «لا ضرر.» و إجبار البائع علىٰ قبول المعيب بالعيب الحادث من الضرر، فيتهافت الضرران، فيرجع إلى الأصل و القاعدة؛ و هو إطلاق دليل اللزوم، لا استصحاب الخيار «3».

و قريب منه أن يقال: إنّ مبنى الخيار هو النصّ المشرَّف على القاعدة، و عند تزاحم الضررين لا يبقىٰ لتشرّفه موضوع، فيرجع إلى الإطلاق الناطق باللزوم «4».

و غير خفيّ ما في أصل التقريب و فرعه، و ما في التزاحم الضرريّ، و لا سيّما حديث مرجعية الإطلاق، لا الاستصحاب كما مرّ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 35.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 56/ السطر 5.

(4) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 88/ السطر 32.

الخيارات (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 1، ص: 82

تنبيه:

بناءً علىٰ ما قوّيناه إلىٰ هنا، إنّ سقوط خيار العيب بحدوث الشي ء و لو كان مغيّراً، غير ثابت حسب الصناعة.

نعم، بعد الاتفاق، و نسبة الشذوذ في كلام الشيخ «1» إلىٰ قول المفيد (رحمه اللّٰه) «2» و بعد إمكان استفادة السقوط من أخبار وطء الجارية، المتضمّنة طرّاً لسقوط حقّ الردّ و تعيّن الأرش «3» بإلغاء الخصوصيّة؛ و أنّه من الحدث، و بعد مراعاة حال معتبر زرارة «4» فيما نحن فيه، و بعد كون التقبيل و النظرة المخصوصة من الإحداث في سقوط الخيار، كما في بعض الأخبار السالفة «5»، و بعد احتمال كون مرسلة جميل «6» مورد العمل، و أن يكون مستند المشهور في الذهاب إلى التخيير العرضيّ كاشفاً عن قرينةٍ غير منافية للأخذ بها، و بعد اللتيا و التي، يمكن القول بالسقوط. و لكنّه بمعزل عن التحقيق الحقيق بالتصديق.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 14.

(2) المقنعة: 597.

(3) وسائل الشيعة 18: 102 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4.

(4) تقدّم في الصفحة 34.

(5) تقدّم في الصفحة 36 38.

(6) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 83

الفرع الأوّل في عود خيار العيب بزوال العيب الحادث
اشارة

بناءً على السقوط بالعيب الحادث أو بالتغيّر، فهل يعود الخيار بزواله مطلقاً، أو لا يعود مطلقاً، أو يفصّل بين العود الفوريّ و غيره؟

أو بين العود المسمّى ب «إعادة المعدوم» عرفاً و غيره، فلو نسي الكتابة ثمّ عادت، يعود؛ لأنّه من الإعادة العرفيّة- بل لا يكون النسيان إلّا غطاءً علىٰ ما في الخزانة، فلا عود واقعاً، بل هو من الخفاء و الظهور و أمّا لو تغيّر لونه من الأسود إلى الأبيض فرجع إليه، فلا يعود؟ وجوه:

فمن الفقيه اليزديّ يستظهر العود مطلقاً؛ نظراً إلىٰ أنّ المستفاد من الأدلّة هي

المانعيّة و الاقتضاء، فالعيب مقتضٍ، و الحدث مانع، فإذا زال الحدث و التغيّر، يؤثّر المقتضي «1».

و فيه:- مضافاً إلىٰ عدم ظهور الأخبار في ذلك، و عدم إمكان المانعيّة الواقعيّة، بل هو يرجع إلىٰ حدّ الاقتضاء أنّ لازمه جواز العود و لو كان التغيّر مستنداً إلى المالك و كان العود بعد سنين عديدة، و هو غير ملتزم به أصلًا.

و ربّما يقال: إنّ الخيار لا يسقط بالعيب الزائل؛ لظهور الأخبار في بقائه، أو هو المنصرف منها، و هذا هو قريب جدّاً؛ فإنّ القدر المتيقّن من

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 79/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 84

الرواية هو الحدث و التغيّر الباقي.

نعم، يتوجّه إليه: أنّ حدّ البقاء غير معلوم، و تحديده إلىٰ أخذ الأرش بلا وجه.

نعم دعوى: أنّ العود الفوريّ مورد انصراف الروايتين، مسموعة كما لا يخفى، و أمّا إذا لم يعد فوراً، و لكن لم يراجع إلى الأرش في زمان يعتدّ به، ثمّ عادت الصحّة، فالعود ممنوع؛ لاحتياجه إلىٰ دليل.

و استظهر الوالد المحقّق مدّ ظلّه سقوطه مطلقاً «1»؛ من غير أن تصل النوبة إلى الشكّ، حتّى يرجع إلىٰ استصحاب اللزوم و غيره؛ و ذلك لإطلاق قوله (عليه السّلام): «فأحدث فيه شيئاً» «2» الظاهر في أنّه تمام السبب و تمام الدخيل في السقوط، و قضيّة مفهوم رواية جميل «3» بقاء اللزوم؛ لأنّ المستفاد منها أنّ الخيار ثابت في العقد بالعيب، و أنّه السبب الوحيد. و أمّا بقاء العين قائمةً بعينها و عدمه، فهو في حكم الغاية لهذا الخيار، كما هو كذلك في خيار المجلس بالنسبة إلىٰ الاجتماع و الافتراق، و إذا حصلت الغاية و هو التغيّر لا معنى لعود الخيار؛ لأنّه شخصيّ خارجيّ

و لو كان الحديث قانوناً كلّياً، إلّا أنّه بعد الانطباق يكون الحدّ المذكور تحديداً للخيار الشخصيّ، كما هو كذلك في خيار المجلس.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 52 53.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

(3) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 85

و دعوىٰ «1»: أنّ الموضوع هناك هو «البيّعان» «2» لا البيّعان غير المتفرّقين، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الموضوع هو العين القائمة بعينها، و غير القائمة بعينها، و الحكم يدور مدار موضوعه غير مسموعة؛ لأنّ الأمر بالردّ و لفظة «الردّ» في هذه الأخبار، كناية عن الخيار الحقّي الثابت؛ و أنّ الردّ من الفسخ العمليّ، فلا يكون الفسخ العمليّ إلّا هدماً للخيار الثابت قبله بالعيب، و ما هو شرط الهدم هو بقاء العين قائمة بعينها، و الشرط راجع إلىٰ تعيين حدّ الردّ النافذ الفاسخ، لا إلىٰ موضوع الخيار، و علىٰ هذا يكون المفهوم نفي الخيار، فلا تصل النوبة إلىٰ الاستصحاب.

و فيه: مضافاً إلىٰ ما مرّ، من عدم إمكان الالتزام بشمول الروايات للعائد الفوريّ، فإطلاق كلامه ممنوع.

و مضافاً إلىٰ ما عرفت من عدم تماميّة المرسلة استناداً، لظهورها في التخيير الطوليّ، و هو معرض عنه، و من الغريب دعواه مدّ ظلّه انجبار ضعفها و هو الإرسال هنا «3»، مع صراحته في إعراضهم عنها في

______________________________

(1) ليست هذه الدعوى و جوابها في كتاب البيع للإمام الخميني (قدّس سرّه)، فلعلّ المصنّف (قدّس سرّه) نقلها عن مجلس بحثه، أم أوردها تتميماً للبيان.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيعان بالخيار حتّى يفترقا.

الكافي 5: 170/ 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث

1، و مثلها الحديث 2 و 3.

(3) لم نعثر على كلامه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 86

أصل مسألة سندية الأخبار لخيار العيب «1»!! و قد عرفت: أنّ المرسلة ظاهرة في الطوليّة المعرض عنها ظاهراً، و المعتبرة ظاهرة في أنّها في مقام بيان الأمر الآخر، فلا شبهة إعراضهم في ناحيتها.

أنّ المفهوم غير ممكن الالتزام به؛ لتعرّض الرواية للمفهوم، و هو لا يبعد أن يكون من مفهوم القيد، و هو غير حجّة؛ لأنّ قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه» يكون مفهومه «إن كان الشي ء غير قائم بعينه» فيكون من الوصف غير المعتمد و لا دليل علىٰ أنّه (عليه السّلام) أخذ بمفهوم الشرط، مع أنّه من السلب المجتمع مع انتفاء الموضوع، كما مرّ.

و أنّ معتبر زرارة «2» قد عرفت احتمال كون النسبة إلىٰ المالك دخيلةً، و لا بأس بالالتزام به هنا، فلو عاد بعد الإحداث فلا يعود الخيار، و تصير النتيجة تفصيلًا آخر: و هو أنّ عود الزائل إن كان بعد إحداثه شيئاً، فلا يعود معه الخيار، و أمّا إذا كان بدونه فلا يسقط الخيار، كما عرفت منّا. فالأمر دائر بين بقاء الخيار في صورة حدوث الشي ء و لو كان بإحداث الأجنبيّ، و بين عدم عوده بعد سقوطه إذا كان بإحداثه و لو كان آناً ما، فتأمّل.

ثمّ إنّ حكم العقلاء في صورة العود؛ بقاء خيار العيب، و لزوم الجبران بالنسبة إلىٰ الحادث إذا كان نقصاً. و الالتزام بأنّ الشرع تصدّى للتعبّد الزائد، أيضاً غير سليم. نعم بالنسبة إلىٰ الإحداث فغير بعيد، فليتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 9.

(2) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 87

بقي شي ء: عدم تبدّل خيار العيب بحدوث العيب و زواله

إنّ المجعول فيما نحن فيه هو

المعنى التخييريّ بين الخيار و أخذ الأرش بالجعل الوحدانيّ، و الأخبار التي بين أيدينا تصدّت لصورة تعذّر الردّ علىٰ الوجه المعتبر، فتعيّن الأرش قهراً، و هذا لا يوجب سقوط المعنى التخييريّ، و لا انقلاب الحكم التخييريّ إلىٰ التعيينيّ.

و علىٰ هذا، لا وجه لسقوط هذا المعنىٰ بالحدث و الإحداث، فيشبه الواجب التخييريّ إذا عاد إمكان الامتثال بالنسبة إلىٰ الطرف المعذور التعذّر، و قد مرّ أنّ خيار العيب يختصّ بخصوصيّة خاصّة، لأجل هذا التخيير. و دعوى امتناعه مرّت مع جوابها، كما مرّ أنّه حقّ ينتزع من التخيير بين المعنيين الحدثيّين.

فبالجملة: دليل الخيار هو الإجماع و الشهرة، لا الأخبار، و قضيّتها ليس إلّا تعيّن الأرش عند تعذّر الردّ و بيان موقف الرد، و ليس «الردّ» كناية عن جعل الخيار، بل الخيار أمر مفروغ عنه فيما بين السائل و المجيب، فالإحداث يوجب تعيّن الأرش و تعذّر الردّ شرعاً، فلو عاد الحدث فلا منع من فسخ العقد، و من انتزاع الخيار الحقّي الجديد؛ لأنّ منشأه هذا المعنى التخييريّ الباقي قبل حلّ المشكلة بالردّ أو الأرش. و لعلّ نظر الفقيه اليزديّ «1» و العلّامة الخراساني «2» إلىٰ ما ذكرناه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 79/ السطر 29.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 218 219.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 88

و بناءً عليه، لا يتمّ ما في «التذكرة» «1» و لا ما عن «التحرير» «2» و المسألة تحتاج إلىٰ التدبّر.

الفرع الثاني هل يجوز فسخ العقد برضا البائع بعد سقوط الردّ؟

في صورة طروّ العيب الجديد في يد المشتري، و تعيّن الأخذ بالأرش بمقتضى الخبرين، إذا رضي البائع بالمردود و قبل من المشتري أن يردّ إليه المتاع الذي فيه العيب المذكور، فهل يجوز الردّ بعنوان الفسخ فيكون فسخاً عمليّاً، كما إذا لم يتعذّر

عليه الردّ، أم يكون هو من حلّ العقد برضا الطرفين؛ و هي الإقالة علىٰ الناقص، فيردّ إليه الثمن؟

و غير خفيّ: أنّه في صورة المجّانية لا أثر للبحث، إلّا من جهة قصد إعمال الفسخ و الخيار و التشريع.

نعم، في صورة موافقة البائع علىٰ أخذ قيمة النقصان الحادث، فيختلف بناءً على القول: بأنّ لصاحب الخيار الفسخ من الأوّل أو من أيّ زمان شاء، أو القول: بأنّ الفسخ يؤثّر في الحلّ من الأوّل، بخلاف الإقالة فإنّها من الحين؛ فإنّ قيمة النقصان تختلف.

و ما في كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه): من أنّ رجوع المشتري إلىٰ

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 530/ السطر 28.

(2) انظر تحرير الأحكام 1: 184/ السطر 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 89

المعيب و أخذ الأرش، رجوع بمقتضىٰ ضمان المعاوضة، و رجوعَ البائع إلىٰ المشتري في هذه الصورة بأخذ النقصان، من ضمان اليد «1»، غير تامّ؛ لأنّ النقص وقع في ملك المشتري، فكيف يكون مضموناً علىٰ البائع؟! و البقاء تحت يده ناقصاً لا يكفي لضمان اليد؛ حتّى يقال: إنّه بعد الحلّ يضمن. مع أنّه بالردّ ينفسخ، فلا يبقىٰ تحت يده حتّى يضمن. فعلى ما تحرّر، يتصوّر الأثر في الفرع المذكور.

ثمّ بعد ذلك، فإن قلنا بسقوط الخيار بمجرّد طروّ العيب حسب الإطلاق الثابت، و عدم انصرافه إلىٰ صورة عدم تعقّبه برضا البائع بالمعيب، كما هو الظاهر عند القائل بسقوطه فلا يبقىٰ محلّ لهذا الفرع، و إلّا كما عرفت منّا: من بقاء الخيار و المعنى التخييريّ و لو بإحداث العيب، كما هو الوجه الأخير الذي قرّبناه، فله محلّ.

و ما هو الحقّ: أنّ مرسلة جميل «2» لا أساس لها؛ حتّى نخوض في مفهوم القضيّة الشرطيّة، و قد مرّ مراراً

ما فيه و ما فيها، و أمّا معتبر زرارة «3» فهو ليس دليل الخيار، بل دليله الإجماع و الشهرة علىٰ إشكال فيهما مرّ، فعلى هذا يبقى المعنى التخييريّ ما دام لم يأخذ بالأرش، و يبقى الخيار الحقّي المنتزع من التخيير بين الردّ و الأرش على الوجه السابق.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 19.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 90

نعم، الشرع لم يلزم البائع بقبول العين في صورة حدوث النقصان، أو لم يشرّع للمشتري ردّ الناقص بفسخ العقد، فلا يكون نافذاً، فإن قلنا بالأوّل فله الفسخ، و إن قلنا بالثاني فلا فسخ.

و ما هو الظاهر من معتبر زرارة الذي هو الدليل الوحيد في هذه المسألة هو الثاني.

و ما هو المساعد عليه الذوق و الفهم العقلائيّ من الجهات الخارجة، هو الأوّل؛ لأنّ ملاحظة الضرر المندفع بإقدام البائع نفسه، و ملاحظةَ ممنوعيّة الردّ و الفسخ الملحوظ فيه حال البائع، ربّما لا تكون سبباً لصرف الظاهر من المعتبر.

و غير خفيّ: أنّه إذا كان على الإطلاق، ممنوعاً عن الفسخ لمحذوريّة الردّ، فلا خيار فسخ له؛ لما لا أثر في اعتباره؛ لأنّ المفروض طروّ النقصان غير العائد إلى الآخر، فعندئذٍ يكون القول بعدم ثبوت الخيار بمعنى سقوطه بقاءً قويّاً في هذه الصورة.

نعم، لو كان النقص عائداً إلى الكمال، فالكلام فيه ما مرّ في العيب العائد إلى الصحّة.

و ممّا ذكرنا يظهر وجه ضعف الجهات المذكورة في المسألة دليلًا، و فرعاً، و اللّٰه هو الموفّق المؤيّد.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 91

الفرع الثالث في سقوط الخيار لو اتسع العيب في يد المشتري

لو اتسع العيب القديم في يد المشتري، فهل يسقط به الخيار الثابت؛ من جهة عدم بقاء العين، أو لا يسقط؛ لأنّ

منشأه العيب السابق، أو يفصّل بين السعة الخارجة عن المتعارف فيسقط، و بين السعة القليلة فلا يسقط، بعد سقوطه قطعاً إذا كان اتساع العيب بإحداثه، و مستنداً إلىٰ المالك؛ مشترياً كان أو بائعاً؛ نظراً إلىٰ إطلاق معتبر زرارة «1»؟

و يحتمل عدم السقوط مطلقاً؛ لأنّ المناط معتبر زرارة، و فيه «حدوث الشي ء» و هو ظاهر في مسبوقيته بالعدم المطلق.

و فيه: أنّ إحداث الشي ء مثله، مع أنّه بلا إشكال يوجب السقوط. و حيث إنّ أصل ثبوت خيار الفسخ بحكم العقلاء ممضى، ففي مثل المسألة لا يسقط الخيار بالاتساع و لو بلغ ما بلغ.

نعم، يتوجّه إشكال: و هو أنّه لو كان في أمثال هذه الموارد أدلّة خيار العيب- بمعنى التخيير بين الردّ و الأرش قاصرة؛ لكونها إمّا الإجماع، أو هذه الأخبار، و الكلّ قاصر، فيلزم القول: بأنّه خيار متعلّق بالعقد، و لا عديل له عَرْضاً، و يكون بحكم خيار الغبن، و الالتزام بذلك أكثر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 92

إشكالًا.

و الدفع يمكن بدعوىٰ: أنّ الشهرة و الإجماع دليل علىٰ أنّ في كلّ مورد يثبت خيار العيب، فيعدله الأرش؛ و إن كان قاصراً عن إثبات الخيار في مثل المقام و أشباهه الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ، و لكنّها غير واضح سبيلها.

الجانب الرابع في ثبوت الردّ إذا تعدّد المبيع
اشارة

قد تحرّر ثبوت خيار العيب في الجملة بالنسبة إلىٰ ما إذا كان المبيع وحدانيّاً واقعاً، و كان البائع و المشتري واحداً أيضاً، و يظهر عن «التذكرة» «1» و «الدروس» «2» جواز الردّ بخيار العيب فيما إذا تعدّد المبيع.

و إنّما الإشكال في جواز التبعيض بردّ خصوص المعيب مع التعدّد، دون الصحيح، فينفسخ العقد بالنسبة. مع أنّ ثبوت خيار العيب في هذه الصورة أيضاً

محلّ التأمّل و الإشكال.

و حيث إنّ تمام البحث في المقام يستدعي جهات من الكلام في ناحية تعدّد المبيع و الثمن، و في ناحية تعدّد البائع مع وحدتهما، و في

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 536/ السطر 5.

(2) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 284.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 93

ناحية تعدّد المشتري، فلا بأس بالإشارة الإجماليّة إلىٰ بعض الأُمور الدخيلة في المسألة، و إلى تلك النواحي:

الأمر الأوّل في صور المسألة

توجد أحياناً صورٌ لا تكون مورد النقض و الإبهام، و يثبت فيها الخيار، و يجوز فيها الردّ:

مثل ما إذا كان بيع الدار بالإنشاءات المتعدّدة غير المرتبطة، كما إذا باع ثلث داره المعيّن، ثمّ باع الثلث المعيّن الآخر، و هكذا، ثمّ تبيّن أنّها معيوبة، فإنّ له ردّ الثلث المعيب فقط، و لا يلزم منه خيار تبعّض الصفقة؛ لأنّ مصبّه المبيع الواحد المتبعّض، دون ذلك؛ لا بالنسبة إلىٰ البائع بالضرورة، و لا بالنسبة إلىٰ المشتري؛ لأنّه أقدم عليه، و لا دليل على الخيار المذكور علىٰ وجهٍ يحتمل شموله للمسألة؛ و لو كان ذلك يستلزم نقيصة، لأنّه من قبيل النقيصة لسوء الجار.

و مثل ما إذا كان البيع الواحد الإنشائيّ، بمنزلة البيوع الكثيرة عرفاً غير المرتبطة بعضها بالبعض، سواء كان الإنشاء بنحو العموم الاستغراقيّ، كما إذا قال: «بعت كلّ واحدة من هذه العرصات بكذا» أو بنحو الإطلاق المنحلّ إلىٰ الكثير عرفاً، فإنّ جواز الردّ قطعيّ إذا كانت إحدى العرصات معيبة، و لا يكون في ذلك مناقشة في ثبوت الخيار؛ لتماميّة المقتضي، و شمول أدلّته له، و عدم لزوم إشكال في إعماله؛ لعدم تبعّض

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 94

الصفقة في هذه الصورة أيضاً، كما مرّ منّا.

نعم، ربما يشكل: بأنّ الإنشاء الواحد لا ينحلّ

إلّا حكماً، فيكون البيع الكثير مورد اعتبار الوحدة الاعتباريّة، و لذلك إذا قيل: «كلّ نار باردة» لا يكذب كلامه بتعدّد النيران، و عند ذلك يشكل جريان الخيار. و علىٰ فرض جريانه يلزم إشكال الإعمال و الفسخ، و لكنّه غير مساعد عليه العرف و العقلاء. و الانحلال الحكميّ قطعيّ في الإنشائيّات، دون الإخباريّات، فلا تخلط.

فما هو المهمّ؛ هي صورة كون المبيع واحداً شخصيّاً، فبان بعض منه معيباً، فإنّ ثبوت الخيار قطعيّ و لكنّ جواز ردّ البعض المعيب بإلزام البائع علىٰ قبول خصوص الطرف الشرقيّ من الدار مورد الإشكال؛ و إن كان الظاهر منهم ممنوعيّته القطعيّة.

أو صورة بيع بعض الدار مشاعاً، ثمّ تبيّن أنّها معيوبة في بعض منها.

أو صورة تعدّد المبيع، كصاع من الصبرة، أو بيع أثاث البيت المرتبط بعضه بالبعض، أو بيع مقدار من البطّيخ و الرقّي، فبان عيب قسم منها.

نعم، فيما إذا تعدّد المبيع عقلًا و عرفاً، و كان واحداً بالوحدة الفرضيّة النوعيّة و الاعتباريّة الدائميّة عادة كمصراعي الباب، و نعلي الأصحاب لا يكون إشكال أيضاً في أصل الثبوت، و في عدم جواز التفكيك في مقام الردّ؛ و تراضي الطرفين ربّما يرجع إلىٰ الإقالة و العقد الجديد.

نعم، فيما إذا تراضيا علىٰ ردّ المصراع الواحد، فأراد المشتري بعد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 95

التراضي على التبديل بالنسبة إلىٰ المصراع المعيب، أن يردّ المصراع الآخر، فربّما يشكل؛ لإمكان الالتزام بلزوم البيع بالنسبة إلىٰ المصراع الصحيح، بناء علىٰ ما سيأتي من إمكان القول باللزوم بالنسبة، و هكذا الفسخ بالنسبة، فليتدبّر جيّداً.

الأمر الثاني في تحرير ما هو معنى المسألة
اشارة

فربّما يقال «1»: بامتناع التفكيك بالفسخ في بعض المبيع دون بعض؛ و ذلك لأنّ المبيع إذا كان متعدّداً بحيث ينحلّ العقد الواحد إلىٰ العقود الكثيرة

فهو ليس من التفكيك، بل يرجع إلىٰ حلّ عقد و الأخذ بالعقد الآخر، كما في بعض الأمثلة السابقة.

و إن كان المبيع واحداً، و البيع واحداً، فهو معنى بسيط في الاعتبار، لا يتحمّل التجزّي، فلا يمكن الردّ إلّا بالنسبة إلىٰ المجموع.

و إذا شكّ في الانحلال، فلازمه الشكّ في الانفساخ بالردّ، و قضيّة الأصل و القاعدة خلافه.

و أمّا توهّم: أنّ الردّ أجنبي عن العقد، بل هو إمّا حكم تعبّدي شرعيّ، أو كناية عن المعاملة الجديدة بالثمن المعيّن في العقد الأوّل، فلا يلزم التفكيك في البيع البسيط، فهو واضح البطلان عرفاً و فتوى إجماعاً. مع

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 57.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 96

لزوم سقوط رضا البائع في هذا الجديد من العقد، فيكون رغم أنفه.

فبالجملة: أمر خيار العيب بين الثبوت و عدم جواز التفكيك، و بين اللاثبوت، و لا ثالث: و هو الثبوت و جواز التفكيك. و حديث الارتضاء بالتفكيك من الجانبين، ليس من الأخذ بخيار العيب من جانب المالك.

أقول نقضاً: لا شبهة في جواز شرط الخيار؛ بالنسبة إلىٰ العقد الواقع على الواحد الشخصيّ بردّ بعضه، و هكذا لا شبهة في إمكان تجويز الإقالة بالنسبة إلىٰ البعض، و هكذا يجوز الالتزام بخيار الحيوان إذا كان المبيع، واحداً اعتباريّاً متشكّلًا من الحيوان و شي ء آخر؛ نظراً إلىٰ إطلاق أدلّة خيار الحيوان، و إنكار كلّ ذلك نظراً إلىٰ الامتناع المزبور بعيد عن البناءات العرفيّة و فهم العقلاء و ارتكازاتهم، فيعلم من ذلك أنّ الأمر ليس كما حرّر.

و توهّم الانحلال و لا سيّما في بعض الصور، غير جائز و إن كان ليس معناه ما ذكره بعضهم: «من انحلاله إلىٰ الكثير حسب الأجزاء الخارجيّة» حتّى يقال

بلزوم الانحلال إلىٰ آلاف العقود في بيع البيت، بل معناه هو الانحلال حسب الحاجة و الغرض العقلائيّ، فلا ينحلّ العقد الواقع علىٰ الدار بحسب أجزاء الدار إلّا حين إرادة فسخ الثلث، فينحلّ إلىٰ العقدين، و ينفسخ الواقع على الثلث، دون الآخر، و هكذا.

و لكن الالتزام بأصل الانحلال المزبور، غير لازم؛ و ذلك لأجل أنّ الأحكام العقليّة في الأُمور الاعتباريّة، تنقلب إلىٰ اعتبار تلك الأحكام فيها، و ذلك مثل الشدّة و الضعف، فإنّ ذلك يصحّ فيها عندنا، خلافاً لصريح

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 97

جمع منهم، و فيهم الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» و العلّامة الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «2» و لكنّه اعتبار الشدّة و الضعف، لا واقعهما التكوينيّ.

و مثل التجزئة و التحليل، فإنّها أيضاً تجري في البسائط الاعتباريّة، لأنّه من اعتبار التجزئة، دون واقعها و هي التجزئة الفكّية، بل هي الوهميّة من القسمة، و هي موضوع الأثر العرفيّ و الشرعيّ، فكما أنّ أصل العقد اعتبار، و أصل بقائه اعتبار، و أصل حلّه في الكلّ اعتبار، حلّه بالنسبة أيضاً اعتبار.

و إلى هذا يرجع ما أفاده الوالد المحقّق «3» مدّ ظلّه هنا: من أنّ العقد الواحد كما يمكن أن يكون لازماً بالنسبة، و جائزاً بالنسبة، صحيحاً بالنسبة، و فاسداً بالنسبة، كذلك يجوز أن يكون خياريّاً بالنسبة، و لازماً بالنسبة، و منحلا بالنسبة، و باقياً بالنسبة، فإنّ بالنسبة تنحلّ العُقد العقليّة، كالفوقيّة و التحتيّة النسبيّتين.

و لو كان المقصود هو الحلّ بالنسبة، فهو غير صحيح؛ لأنّ في مثل الفوقيّة و التحتيّة، تمام ما يكون فوقاً بالنسبة تحت بالنسبة، و في مثل الصحّة و الفساد يكون حكم العقلاء مختلفاً في مورد البيع علىٰ ما يملك و ما لا يملك،

و يكون الموضوع واحداً فيهما، و هكذا في ناحية اللزوم و الجواز. و أمّا فيما نحن فيه فلا معنىٰ للحلّ بالنسبة؛ لأنّ الحلّ مقتضاه

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 99 100 و 456.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 32/ السطر 20.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 58.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 98

انفساخ العقد، و هو مساوق لانعدامه، و هذا يرجع إلىٰ التجزئة، إلّا أنّها على ما عرفت غير ممنوعة.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ معنى «الحلّ» ليس حلّا لمعنى موجود، بل الحلّ حكم عقلائيّ، يرجع إلىٰ انتفاء موضوعيّة العقد و المبادلة عن الحكم بالملكيّة الثابتة، مثلًا إذا وقع العقد يحكم بثبوت الملكيّة للمشتري، و إذا فسخ بعضه لا يكون العقد بقاءً، موضوعاً للحكم ببقاء الملكيّة؛ ضرورة أنّ الملكيّة الثابتة للمشتري بالنسبة إلىٰ الدار، حكم عقلائيّ باقٍ على الموضوع الذي وجد، فإذا طرأه الفسخ بالنسبة يخرج عن تلك الموضوعيّة، كما كان لا يدخل فيها فيما إذا وقع من الأوّل على ما يملك و ما لا يملك من الدار المبتاعة.

و كلّ ما نشير إليه من الدقائق في الاعتباريّات، تشريح للمرتكزات العرفيّة و المغروسات العقلائيّة، فلا يذهب عليك أنّ أمثال هذه المداقّات غير خارجة عن الفقه الإسلاميّ و المتعارف، اللازم رعايتها في استنباط الأحكام الشرعيّة.

تنبيه: حول تجزئة العقد

بناءً علىٰ ما ذكرناه تبيّن: أنّ قضيّة القواعد جواز التفكيك و لو كان المبيع واحداً شخصيّاً، من غير الحاجة إلىٰ تكثير العقد الواحد إلىٰ العقود الكثيرة و انحلاله إليها، و لا إلىٰ القول بالحلّ بالنسبة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 99

و ممّا يشهد على التجزّي عرفاً: أنّ في بيع الكثير و الوفاء ببعضه يقال: «إنّه وفىٰ ببعض عقده،

دون البعض» و هو دليل التجزئة.

و إن شئت قلت: تجزّي البسيط إلىٰ الجزءين المقوّمين غير معقول، و أمّا التجزّي باعتبار الموضوع فهو واقع، و مَثَل العقد و المبادلة المعاطاتيّة مَثَل البياض المنبسط على الجسم، القابل للتجزية باعتبار تقسيم موضوعه، و كما يكون بعض البياض بياضاً بحسب الطبيعة، فبعض العقد عقداً أيضاً.

و ممّا ذكرنا يظهر حكم بيع الحيوان منضمّاً إلىٰ غير الحيوان، و لو كان وجه الخيار حديث النسبيّة للزم إنكاره؛ لاحتمال اختصاص أدلّة خيار الحيوان بالعقد الواقع علىٰ الحيوان، دون العقد بالنسبة إلىٰ الحيوان، فإنّه اعتبار آخر، بخلاف ما ذكرناه من حيث التجزئة، فإنّ في الصورة المذكورة يكون العقد واقعاً على الحيوان و غير الحيوان، و «صاحب الحيوان بالخيار» «1» يشمل المفروض، فاغتنم.

______________________________

(1) قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيّعان بالخيار حتّى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام.

الكافي 5: 170/ 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 100

الأمر الثالث مقتضى الأدلّة إثباتاً
اشارة

بعد ما ظهر مقتضى القاعدة في المسألة، فلا بأس بالخوض فيما هو قضيّة الأدلّة إثباتاً.

و ما يمكن أن يكون وجهاً لمنع جريان الخيار فيما نحن فيه، أو منع التبعيض في التنفيذ، أو علىٰ تقدير جريانه يوجب سقوطه، أُمور:

الأوّل: قصور دليل خيار العيب

لأنّه الإجماع، و لا إطلاق لمعقده.

و أمّا معتبر زرارة «1»، فهو في موقف آخر كما تحرّر، و أمّا خبر جميل «2» فقد عرفت عدم صلاحيته.

و أمّا التمسّك ببناء العقلاء، فهو في محلّه، إلّا أنّه لا يفي بما هو مرام المشهور من التخيير بين الردّ و الأرش، و تمسّك السيّد الوالد المحقّق به «3»، في غير محلّه، و قد مرّت الإشارة إليه.

و دعوىٰ الإجماع علىٰ أنّه في كلّ مورد يثبت خيار العيب و جواز

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 61.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 101

الفسخ، فالأرش عديله، غير واضحة.

و قد أشرنا فيما سلف إلىٰ أنّ ما أفتىٰ به الإماميّة من التخيير بين الردّ و الأرش، و لو كان معقولًا ثبوتاً، و لكنّه غير عقلائيّ؛ لعدم جواز إجبار البائع علىٰ الأرش، كما صرّح به القوم «1»، و حيث إنّ الشهرة معلّلة؛ لاحتمال استنادهم إلىٰ تلك الأخبار لوجود بعض القرائن، فأصل الحكم غير واضح الدليل.

و لو سلّم فالمستند ينحصر في غير الأخبار، و احتمال إلغاء الخصوصيّة، و جواز ردّ المجموع فيما كان المبيع واحداً اعتباريّاً قويّ. و أمّا ردّ بعضه دون البعض فلا وجه له، فيصحّ ما هو المدّعىٰ عليه الشهرة، بل و الإجماع؛ و هو أنّ أمر الواحد الطبيعيّ و الاعتباريّ واحد في الحكم، و هو عدم جواز التبعيض في الردّ.

الثاني: دلالة خبر جميل

بناءً على اعتبار خبر جميل «2»، فالسؤال يشمل الواحد الاعتباريّ؛ لأنّه لو كانت الثياب كثيرة، يصدق على المجموع «الثوب» صدقاً عرفيّاً، و عقلياً.

و توهّم عدم صدقه عقلًا، من الخلط بين مفهومي مثل «الثوب» و «الماء» و بين مثل «الإنسان»؛ ضرورة أنّ «الثوب» يصدق على

البعض

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 69/ السطر 16، المبسوط 2: 131 132.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 102

و الكلّ علىٰ نهج واحد.

و مثله الجواب، و لا سيّما قوله: «و إن كان الشي ء قائماً بعينه» من غير تنكير، مع عموم مفهوم «الشي ء».

و أمّا قوله: «قطع، أو خيط، أو صبغ» فيشمل قطع البعض و خياطةَ البعض في الواحد الطبيعيّ؛ ضرورة عدم الحاجة إلىٰ قطع كلّ جزء جزء منه، أو صبغ كلّه، ففي الواحد الاعتباريّ كذلك، فيثبت أصل الخيار، كما يثبت عدم جواز التفكيك.

و ما في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه): «من ظهوره في أنّ كلّ شي ء معيب يردّ» «1» فهو في محلّه، إلّا أنّ «الشي ء المعيب» يصدق على الواحدين: الطبيعيّ، و الاعتباريّ.

نعم، يجوز دعوى انصراف السؤال و الجواب إلىٰ الواحد الطبيعيّ، فيكون هذا الوجه أيضاً قاصراً عن شمول أصل الخيار فيما نحن فيه.

و أمّا توهّم دلالته علىٰ جواز التفكيك بعد جريان الخيار، فهو واضح البطلان؛ لأنّ كلمة «الشي ء» كناية عمّا أُريد من «الثوب و المتاع» في السؤال، و لا سيّما بعد كونهما معرّفين بالألف و اللام، الموجب لحصر المتأخّر في المتقدّم، فإن كان السؤال أعمّ فهو تابعة فيه، و إلّا فيكون مخصوصاً بالوحدة الطبيعيّة، مع ظهور قوله: «إن كان الشي ء» في الشي ء المشتري بالفتح.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعض الشي ء المشتري شي ء مشترى بالضرورة،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 6.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 103

و لا حاجة إلىٰ انحلال العقد إلىٰ الكثير في الواحد الطبيعيّ و غيره، و لا يصحّ ما قد يقال: «من أنّه بعض المشترىٰ، و هو ليس بمشتري» فإنّه خلاف التحقيق؛ فإنّ الواحد الطبيعيّ و التأليفيّ و

الاعتباريّ، يصدق على قسم منه إذا لم يلحظ في قبال الكلّ، كما يشار إلىٰ بعض البيت في حمل مفهوم «البيت» على البيت، و إلى بعض الإنسان في حمله، و هكذا.

و مقتضى ذلك جريان التفكيك حتّى في بعض الواحد الطبيعيّ و التأليفيّ، و في مثل مصراعي الباب و النعلين، و يتعيّن التفكيك عندئذٍ؛ لأنّ قضيّة الخبر ردّ المشترى المعيب، دون القسم الصحيح، و حيث ترى فساد هذا الوجه يتبيّن فساد الكلّ، فتأمّل تعرف.

الثالث: دلالة معتبر زرارة على سقوط الخيار

بناءً علىٰ جريان الخيار في مطلق الوحدات الطبيعيّة و التأليفيّة و الاعتباريّة بأقسامها الثلاثة لبعض الأُمور المشار إليها؛ من إلغاء الخصوصيّة، أو شمول الدليل يكون مقتضىٰ معتبر زرارة «1»، سقوطه بإعمال خيار العيب في البعض، و ما يلزم من تنفيذه سقوطه لا يكون ثابتاً من الأوّل؛ إمّا لانصراف دليل الإثبات، أو لكونه من اللغو.

و بعبارة اخرىٰ: علىٰ تقدير ثبوت الخيار فيما يكون البيع متكثّراً خارجاً، فلا بدّ من الالتزام بمقالة المشهور؛ و هو الصبر على المجموع و الأرش، أو ردّ المجموع، و لا ثالث؛ لأنّ من إعمال الخيار بالنسبة إلى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 104

الجزء المعيب، يلزم اندراجه في معتبر زرارة، الحاكم بأنّ إحداث الشي ء فيه موجب لتعيّن الأرش، و التفكيك و التجزئة المذكورة من الإحداث بالضرورة، سواء كان تفكيكاً خارجيّا، كردّ قسم من الصبْرة، أو اعتباريّاً وهميّاً، كردّ الجزء المشاع المعيب مثلًا.

فعلى كلّ تقدير: يلزم سقوط الخيار بمجرّد ردّ البعض تعبّداً، فكونه مخيّراً بين ردّ المجموع أو البعض بلا وجه؛ لأنّ الرواية منصرفة طبعاً عن إثبات هذا التخيير المتعقّب بعدم إمكان تنفيذ الخيار.

و هكذا لو قلنا بعدم ثبوت الخيار لردّ المجموع؛ و أنّ البيع لازم

بالنسبة إلى الجزء الصحيح، و خياريّ بالنسبة إلى الجزء المعيب.

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ ما هو الموجب للسقوط هو الحدث في ملك المشتري، بل الحدث بعد ما قبضه، كما في الرواية، و هذا الانفكاك و لو كان حدثاً و إحداثاً عرفاً، و لكنّه بعد إعمال الخيار و تنفيذه.

و بالجملة: ردّ البعض المتعقّب بالتبعيض الصادق عليه «الإحداث» لو كان موجباً لعدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى المجموع؛ لأجل ما ذكر، للزم منه عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العيب في بيع ما يملك و ما لا يملك، إذا كان ما يملك معيباً؛ لأنّ ردّ ما لا يملك يوجب السقوط، لأنّه من الردّ المتعقّب للتبعيض، فما في كلام الشيخ الأعظم «1» مجرّد احتمال، و لا يكون مورد التصديق.

هذا، و لا سيّما على القول: بأنّ الإحداث موجب لسقوط الخيار؛

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 27.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 105

لأجل كونه من الرضا بالبيع تعبّداً و لو كان حال الجهل بالعيب، كما هو المفروض في الرواية، فإنّه يعتبر مسقطاً إذا كان في ملكه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ تنفيذ الخيار من الإيقاعات، فبمجرّد إعماله يحصل التفكيك، و هو من الحدث.

و فيه: أنّ إعمال الخيار بالنسبة إلى المجموع كذلك، فيلزم الحدث، و هو النقل الاعتباريّ الحاصل من الفسخ، كالنقل الحاصل من الإقالة، فتأمّل.

و بالجملة: الخبر منصرف قطعاً عن أمثال هذا الحدث، كما أنّ إحداث التفكيك ليس من التصرّف الموجب لسقوط خيار الحيوان في بيع الحيوان المنضمّ إلىٰ غير الحيوان.

و من الغريب ما في كلامه (رحمه اللّٰه): «من أنّ ردّ المبيع بعد الصبغ ممنوع في النصّ؛ لأجل الشركة الحاصلة بالردّ» «1»!! فإنّ في كونه من الشركة إشكالًا، بل منعاً

عند جمع «2». مع أنّه من التخريص؛ ضرورة أنّ الرواية اعتبرت التغيّر و الإحداث الموجبين لسقوط الردّ. هذا مع أنّ في المجموع الاعتباريّ، لا تحصل الشركة في ردّ المعيب المعيّن.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 30.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 220، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 56/ السطر 42.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 106

الرابع: مقتضى رعاية حال المشتري دون البائع

قد تبيّن في أثناء البحث و طيّ الوجوه: أنّ في المسألة احتمالات:

احتمال لزوم البيع مطلقاً.

و احتمال خياريّة البيع مطلقاً؛ لجواز ردّ المجموع و البعض دفعة و تدريجاً.

و احتمال جوازه مطلقاً دفعة، لا تدريجاً، فإن ردّ الجزء المعيب فيلزم بالنسبة إلى الصحيح بعد ذلك.

و احتمال كون البيع لازماً بالنسبة إلى الجزء الصحيح، و خياريّاً بالنسبة إلى المعيب.

و أمّا سقوط خيار العيب بإقالة العقد بالنسبة إلى الجزء الصحيح، فهو بحث آخر أجنبيّ عمّا نحن فيه.

و الذي هو الوجه لعدم جواز الخيار بالنسبة إلى البعض، و ممنوعيّة التفكيك- كما هو مقالة المشهور «1»، و هو المقصود بالبحث هنا-: هو أنّ من التفكيك يلزم أن يكون البائع بالخيار بالنسبة إلى الجزء الصحيح؛ إمّا لأجل قاعدة نفي الضرر، أو لأجل تبعّض الصفقة؛ بناءً على كونه بعنوانه موضوع حكم العقلاء و الشرع بالخيار.

فإذا كان هو بالخيار لأجل هذا النقص و الضرر، فثبوت خيار العيب بالنسبة إلى البعض ممنوع بمقتضى هذه الأخبار؛ لأنّها منصرفة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 258/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 107

إلى مراعاة حال المشتري دون البائع إلّا بعد حدوث الحدث و التغيّر، و أمّا قبله فروعي فيها جانب المشتري، فمنه يلزم إنكار تجويز التبعيض، فيكون المورد إمّا مندرجاً فيها فيثبت الخيار بالنسبة إلى المجموع، أو غير مندرج فيها

فيلزم اللزوم حسب الأصل، فيسقط القول بالتفكيك على التقديرين.

أقول: قد أشرنا آنفاً أنّ من الاحتمالات كون المشتري بالخيار حتّى بعد ردّ المعيب، فلا يلزم خلاف رعايته؛ و ذلك لأجل أنّه في هذا العقد الواحد القابل للتجزّي حسبما مرّ بالخيار، و هو أيضاً واحد يقبل التجزّي باعتبار ما يضاف إليه؛ و هو العقد، فإذا كان قادراً على حلّ العقد بالنسبة إلى الجزء المعيب، فهو قادر علىٰ حلّ العقد بالنسبة إلى الجزء الصحيح، بل له حلّه حتّى قبل حلّ الجزء المعيب، و له الارتضاء بالمعيب و ردّ الصحيح للأغراض الأُخر؛ لأنّ له خيار حلّ العقد لأجل العيب، لا خيار حلّ عقد المعيب، كما قد يتوهّم.

ثمّ في أنّ صورة كون العقد لازماً عليه بالنسبة إلى الصحيح من الابتداء أو بعد ردّ المعيب، تكون الرعاية نكتةً و حكمةً في جانب المشتري، لا علّةً، مع أنّه بالاختيار أنفذ خياره بالنسبة إلى البعض، و مع التوجّه إلى تمكين البائع على العقد بالنسبة إلى الصحيح، لا يلزم خلاف رعايته، بل هو أقدم على خلاف مصلحته مثلًا.

هذا، و في كون البائع بالخيار إشكال: من جهة أنّ دليله إن كان القاعدة، فقد مرّ في خيار الغبن ما يتعلّق به، و لا سيّما أنّ خيار العيب إن كان ناشئاً من القاعدة، فجريان القاعدة ممنوع؛ لأنّ سدّ باب الضرر على

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 108

المشتري بفتح باب الضرر عليه- لأجل سدّ بابه على البائع غير جائز حسب الفهم الابتدائيّ من القاعدة، فاغتنم.

و إن كان دليله حديث تبعّض الصفقة، فالظاهر أنّ خيار تبعّض الصفقة مخصوص بالمشتري في تبعّضها، و بالبائع في تبعّض الثمن. و أمّا خيار التبعّض بالنسبة إلى البائع فيما نحن فيه مثلًا

فممنوع؛ لعدم أخذ العنوان المذكور في الدليل. و لو كان فيه أو كان معقد إجماع، فالمقصود ذلك، و هو القدر المتيقّن، و الفسخ و الردّ ليس عقداً جديداً؛ حتّى يصير البائع مشترياً بالنسبة إلى المجموعة المشتراة، فلا تغفل.

الخامس: مقتضى وحدة الخيار
اشارة

تبعيض العقد و تجزئته في الصور المشار إليها ممكن، و تبعيض الخيار لأجل كونه قائماً بالعاقد، أيضاً ممكن، كما أُشير إليه، إلّا أنّ دليل خيار العيب ظاهر في أنّ المشتري له الخيار الواحد متعلّقاً بالمجموع بردّه، أو الأرش.

و الالتزام بالتفكيك معناه تصدّي الدليل الواحد لجعل خيارين؛ أحدهما: متعلّق بالمجموع، و الآخر: بالبعض، أو الالتزام بانبساطه على المجموع، كانبساط البياض على الجسم، فينقسم بانقسامه؛ حسب المقتضيات العقلائيّة و الأغراض العرفيّة. و في كلا الفرضين إشكال و منع؛ لأنّ الأوّل مضافاً إلى امتناعه ثبوتاً خلاف ظاهر الدليل إثباتاً كما مرّ، و الثاني خلاف صريح جمع منهم في أنّ خيار العيب هو التخيير بين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 109

الردّ و الأرش، و لا يكون متعلّقاً بالعقد، كسائر الخيارات، و لا يعقل انبساطه على العقد، و لا على العقد بردّ العين كما في كلام الفقيه اليزدي «1»؛ لأنّ المردّد بين الأمرين لا واقعيّة له، حتّى يعتبر في الخارج منبسطاً علىٰ شي ء، فلا تخلط.

أقول أوّلًا: قد تحرّر منّا مراراً أنّ متعلّق الخيار هو البيّع و المتعامل، دون العقد و البيع، كما هو صريح أدلّة خيار المجلس «2» و الحيوان «3»، فموضوعه العاقد.

نعم، يضاف إلى العقد لأجل أنّه بدونه، لا معنىٰ لاعتبار الخيار له، و قد مضى أنّ الخيار المتعلّق بالعين ينعدم بتلف العين، و الخيار المتعلّق بالعقد المتعلّق بالعين مثله.

نعم، العاقد يشير إلى العقد الواقع في عمود الزمان و

يفسخه، و يكون الفسخ حسب القاعدة من الابتداء، إلّا أنّه يمكن في وجهٍ الفسخ من الحين بالدليل.

و ثانياً: دليل الخيار يتعرّض لإثباته من غير النظر إلى مرحلة تنفيذه، فإنّه أمر آخر؛ لعدم الملازمة بينه و بين التنفيذ، فإذا كان العقد الواقع على المجموع الوحدانيّ واحداً اعتبارياً قابلًا للتجزّي الاعتباريّ، يكون أمر هذا العقد بيد ذي الخيار، فإن أراد إعدامه فيعدمه بالمرّة، و إن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 67/ السطر 11، و: 80/ السطر 7.

(2) وسائل الشيعة 18: 5 7، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1.

(3) وسائل الشيعة 18: 10 12، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 110

أراد إعدام قسم منه فكذلك، كما في الإقالة بناءً على جوازها. هذا تمام الكلام حول صور بيع الواحد الطبيعيّ و التأليفيّ و الاعتباريّ.

و قضيّة ما سلف إمكان التفكيك في البيع الشخصيّ الواحد، فضلًا عن غيره، و مقتضى كون الخيار بمعنى التخيير بين الردّ و الأرش فيما نحن فيه، الاختصار بردّ الكلّ، أو الرضا به و الأرش، دون التفكيك.

نعم، يمكن دعوى جواز إلزام البائع بقبول المعيب؛ إذا لم يتمكّن من تبديل المعيب إلى الصحيح، و لكنّه بمعزل عن التحقيق؛ لعدم دليل علىٰ أنّه حكم عقلائيّ ممضى؛ بعد قوّة احتمال ردع الشرع حكمهم بالشهرة و الإجماع و الأخبار في أصل خيار العيب مستقلا، فالقول بخيار العيب من غير كون الأرش عديله، يحتاج إلىٰ دليل، و الأدلّة الأوّلية ناهضة علىٰ خلافه؛ فإنّ اللزوم هو الأصل.

بقي شي ء:

إذا رضي البائع بردّ البعض المعيب، ففي جواز فسخ العقد بالنسبة، إشكال مضى وجهه، و في جواز الإقالة بالنسبة إشكال؛ لاحتمال اختصاصها بالمجموع.

نعم، أصل التبديل و التعويض المستقلّ، غير

ممنوع.

و لو رضي المشتري بردّ الصحيح دون المعيب حين غفلته عن العيب، و قلنا بجواز الإقالة بالنسبة إلى البعض، فهل يجوز له الفسخ بعد الالتفات إلى العيب؛ بتوهّم أنّ بعد فسخ العقد بالنسبة إلى الجزء

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 111

الصحيح، يكون المبيع واحداً، ففيه الخيار مع الأرش؛ لصدق العناوين عليه، و هو مقتضىٰ حكم العرف، و مقتضى مناسبات الحكم و الموضوع؟

و حيث إنّ المسألة غير معنونة عند الأصحاب (رحمهم اللّٰه) يشكل عليّ إظهار النظر القطعيّ و اللّٰه هو الموفّق المؤيّد.

تفريع: حكم تعدّد المبيع و الثمن في البيع الواحد

لو تعدّد المبيع و الثمن في البيع الواحد، فبان أحدهما معيباً دون الآخر، ففي جريان الخيار رأساً، و على تقديره ففي جواز التفكيك بردّ المعيب، و في سائر الاحتمالات كلّها، تشترك مع ما سبق، إلّا أنّ الانحلال في بعض الصور في هذا الفرع أظهر، فيكون العقد لازماً بالقياس إلىٰ الصحيح، و خياريّاً بالقياس إلىٰ المعيب، من غير توهّم الخيار الآخر الناشئ من التبعّض.

الجانب الخامس في ثبوت الرّد مع تعدّد المشتري
اشارة

ربّما يكون المبيع واحداً طبيعيّاً و يتعدّد المشتري، مع كون العقد واحداً أيضاً، ففي جريان خيار العيب رأساً إشكال.

و علىٰ تقدير جريانه ففي المسألة أقوال؛ فعن المشهور عدم جواز

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 112

انفراد أحدهم في الفسخ حتّى بالنسبة إلىٰ حصّته «1»، و عن جمع- كالشيخ «2» و الإسكافيّ «3» و القاضي «4» و الحلّي «5» جوازه.

و ربما يظهر عن بعضهم التفصيل بين صورتي علم البائع بتعدّد المشتري و جهله، فيجوز في الأوّل، دون الثاني «6».

كما ربّما يظهر: أنّه في صورة علمه بالتعدّد لا خلاف في جواز التفريق، و إنّما الخلاف في صورة وحدة القابل «7»؛ سواء كان وكيلًا عن المالكين، أو كان أصيلًا و وكيلًا، أو كان فضولًا عنهما فأجازاه دفعة أو تدريجاً، فربّما يختلف الحكم بين صورتي التدريج و الدفع، فلو كانت الإجازة دفعيّة فلا يجوز، و إلّا فيجوز.

و لو أجاز أحدهما عن نفسه و عن الآخر فضولًا، ففي كونه بحكم الدفعيّ أو التدريجيّ، إشكال ظاهر.

و ربّما يجوز التفصيل بين صورتي كون المشتري وكيلًا نافذاً على الإطلاق عن المالكين فلا يجوز؛ لأنّه يرجع إلىٰ وحدة المشتري و لو كان المالك متعدّداً، و بين كونه المالكين، فقبلا تدريجاً أو دفعةً، أو كان

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 19: 90، مفتاح

الكرامة 4: 630/ السطر 11، جواهر الكلام 23: 249.

(2) المبسوط 2: 351، الخلاف 3: 333، المسألة 10.

(3) مختلف الشيعة: 374/ السطر 27.

(4) لاحظ نفس المصدر، و لم نعثر على كلام القاضي ابن البرّاج انظر المهذّب 1: 393.

(5) السرائر 2: 345 346.

(6) تحرير الأحكام 1: 274/ السطر 10 11، جامع المقاصد 4: 334، الحدائق الناضرة 19: 90.

(7) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 20.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 113

الأجنبيّ وكيلًا عنهما في مجرّد الصيغة، فإنّه ملحق بالقبول الصادر عنهما دفعة.

و هنا احتمال آخر: و هو التفصيل بين صورتي كون الحصّتين معيوبتين، أو كانت حصّة أحد الشريكين معيوبة، ففي الأُولىٰ يجوز أخذ أحدهما بالأرش و الآخر بالفسخ، دون الثانية، كما لا يخفى.

بحث و تحصيل: مقتضى الأخبار و الإجماع

ظاهر أدلّة خيار العيب «1» بعد كونه شرعيّاً لأنّ معناه التخيير بين الفسخ و الأرش اختصاص المشتري بالواحد، دون الشريكين و الأكثر. بل قد مرّ: أنّ أخبار المسألة ناظرة إلىٰ الجهة الأُخرىٰ غير جعل الخيار، أو إمضاء ما عند العقلاء؛ بضميمة التعبّد بالأرش، و معقد الإجماع قدره المتيقّن غير هذه الصور، فجريان خيار العيب هنا محلّ تأمّل.

نعم، خيار العيب العقلائيّ غير المقرون بالأرش، ثابت فيما نحن فيه. اللهمّ إلّا أن يحتمل مردوعيّة بنائهم؛ لأجل الإجماع و الشهرة الناهضة على التخيير العَرْضيّ، فيكون خيار العيب محضاً بلا انضمام الأرش غير ثابت، كما أشرنا إليه في البحوث السابقة.

نعم، لا يبعد وجود الإجماع الخاصّ و الشهرة في خصوص المسألة أيضاً، كما عرفت؛ لأنّ الظاهر منهم مفروغيّة جريانه فيما نحن فيه عندهم،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 97 111، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 8، و: 29 31، أبواب الخيار، الباب 16.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص:

114

و عند ذلك لا يتوجّه إلىٰ هذه المسألة إشكال خاصّ غير الإشكال في أصل خيار العيب الشرعيّ، دون العرفيّ، فإنّه ثابت؛ لأنّه القدر المتيقّن من الإجماع و الأخبار، فلا تخلط.

تنقيح و توضيح: حكم تعدّد المشتري

لا شبهة في جواز التفكيك و التشقيص فيما إذا كان المشتري متعدّدين مالكين قابلين تدريجاً، و البائع عالماً ملتفتاً، و كان المبيع حصّة مفروزة من الدار، و لا سيّما إذا كان عالماً بعيب حصّة أحدهما، أو كليهما، و قد مرّ وجه توهّم خيار البائع بعد التبعيض فيما سلف مع جوابه بما لا مزيد عليه.

بل و لو كانا قابلين دفعة؛ فإنّ القبول المتعدّد يستتبع انحلال العقد قهراً في هذه الصورة، و إلّا يلزم الخلف؛ لأنّ نظر البائع إلىٰ استقلال البيع بالنسبة إلىٰ كلّ منهما، فلو كان قبولهما معاً شرطاً يكون خلفاً، و لذلك لو قبل أحدهما دون الآخر، يقع البيع صحيحاً بالقياس إلىٰ القابل، دون الممتنع، فالإيجاب لا بدّ و أن يصير كثيراً حكماً، لا واقعاً.

نعم، فيما إذا قال: «بعتكما هذه الدار» و قبل أحدهما و لم يقبل الآخر، يحتمل وقوع البيع بالنسبة إلىٰ الكلّ بحسب الإنشاء، و تكفي الإجازة اللاحقة، و قد مرّ كيفيّة جريان العقد الفضوليّ في بيع المالك ماله؛ و إن لم يكن فضوليّاً لغة.

بل و لو لم يكن البائع عالماً بالعيب بعد كون الطرف متعدّداً؛ لأنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 115

المفروض قبول كلّ منهما لنفسه حصّةً معيّنة من الدار، فيتعدّد البيع، كما يتعدّد سائر أحكامه؛ من خيار المجلس، و القبض، فإنّ قبض أحدهما حصّته، لا يكفي عن الآخر و الوفاء.

فالإنشاء الواحد و لو كان واحداً حقيقة، كما في إنشاء إكرام العلماء، إلّا أنّه ينحلّ عرفاً و حكماً إلىٰ

الكثير، و لا يرتبط أحدهما بالآخر في الأحكام.

فما يظهر من «التحرير» «1» أحياناً، و من بعضهم من التفصيل بين صورتي العلم و الجهل «2»؛ نظراً إلىٰ أنّ في صورة العلم ينشأ إنشاءان، غير تامّ؛ لأنّه علىٰ كلّ تقدير الإنشاء واحد، و علىٰ كلّ فرض يتكثّر حكماً.

بل و لو كان المبيع الحصّة المشتركة و النصف المشاع، و كان الكلّ معيباً، أو كان النصف المشاع معيباً، كما إذا كان مورد الدعوىٰ؛ بناءً علىٰ كونه من المعيب الموجب للخيار، كما هو غير بعيد في الجملة؛ ضرورة أنّ الإشاعة لا توجب وحدة البيع؛ بعد كون المشتري غير مالك بالقبول إلّا النصف، و لا سيّما إذا كان نصف أحدهما أقلّ قيمة من النصف الآخر، فإنّه يوجب الظهور القويّ في الانحلال الحكميّ قطعاً.

و ممّا يشهد علىٰ ذلك؛ جواز استقالة البائع عقد أحدهما دون الآخر، و أنّ البائع يجد لنفسه أن يراجع أحدهما دون الآخر عند الحاجة، فهو دليل علىٰ قابليّته التجزئة، أو الانحلال الحكميّ، فإنّ الانحلال الحكميّ

______________________________

(1) تحرير الأحكام 1: 274/ السطر 10 11.

(2) جامع المقاصد 4: 334، الحدائق الناضرة 19: 90.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 116

لو لم يكن صحيحاً لما أنّ معنى الحكميّ هو المجاز، لا الحقيقة فالتجزية كما مرّ في البحوث السابقة صحيحة، و لا مجاز.

فيما إذا اشترى الوكيل عن المتعدّد أو اشترى الوليان

نعم، فيما إذا كان القابل يقبل عن المالكين الموكّلين في الوكالة علىٰ الإطلاق، أو الوليّين، فربّما يشكل أصل جريان خيار العيب؛ لاحتمال اختصاصه بالقابل المشتري المالك، و الوكيل و الولىّ مشتريان ليسا بمالكين، و الموكّل مالك لما يشتري، أو يكون الخيار لكل واحد منهما، أو للمجموع؛ على الخلاف المذكور في خيار المجلس «1» بل و خيار الغبن، بعد انصراف خبر

جميل «2» عنه، و عدم كون معتبر زرارة «3» في مقام بيان خيار العيب جعلًا و وضعاً.

و الحقّ: أنّ في مفروض المسألة لا يثبت الخيار للمالك، و ليس له التصرّف إلّا في حدود وكالة وكيله بالعزل، و عندئذٍ لا يثبت له خيار العيب التعبّدي، و قد مرّ وجه الإشكال في ثبوت خيار العيب العقلائيّ.

و ربّما يكون اشتراء الوكيل المتاع المعيب باطلًا، و يقع فضوليّاً، لأنّ المنصرف من حدّ الوكالة هو التوكيل في اشتراء الصحيح، ففيما إذا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 216 217.

(2) تقدّم في الصفحة 35.

(3) تقدّم في الصفحة 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 117

اشترى المعيب، يصير خائناً ساقطاً عن الوكالة، إلّا إذا كان وكيلًا على الإطلاق من هذه الجهة أيضاً.

بقي شي ء: فيما إذا كان المشتري واحداً اعتباراً

إذا اشترى الشريكان متاعاً واحداً؛ علىٰ وجهٍ كانا واحداً اعتباراً، و كان قبولهما قبولًا واحداً، فالحكم في هذه الصورة كحكم الخيار المورَّث على القول بأنّ الوارث مجموع الورثة؛ بحيث لا تنفيذ إلّا تنفيذهم جمعاً، و يكون الانحلال ممنوعاً في هذه الصورة، و تصير من قبيل الوحدة الاعتباريّة التي مرّت في ناحية المبيع المتعدّد.

و بالجملة: يكون الخيار واحداً في هذه الصورة، و لا يكون واحداً في سائر الصور؛ لأنّ موضوع الخيار إن كان العين فهي واحدة، و لكنّه خلاف التحقيق.

و إن كان العقد فهو متعدّد، و هو ممتنع؛ لامتناع اعتبار الواحد الاعتباري على الكثير بما هو كثير؛ للزوم الخلف.

و أمّا موضوع الخيار علىٰ ما هو الحقّ، فهو المتعامل حتّى في خيار العيب، و ما يقال: «من أنّ في خيار العيب موضوعه العقد بردّ العين» «1» كما مرّ «2»، غير تامّ في نفسه، و غير ممكن هنا مع وحدة الخيار، فإذا كان الخيار واحداً

مع تعدّد المتعامل، يلزم اعتبار الوحدة بينهما، و هو خلف؛

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 80/ السطر 7.

(2) تقدّم في الصفحة 108 109.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 118

لأنّ المفروض استقلال كلٍّ في الاشتراء، فلا يعقل وحدة الخيار.

نعم، اعتبار الخيار للمتعامل القابل للانطباق ممكن، إلّا أنّه خلاف ما هو مقتضى الخيار بعد تحقّقه خارجاً. مثلًا خيار المجلس ثابت للبيع، و لكنّه عنوان الخيار، و أمّا الشخصيّ الاعتباريّ فهو ثابت لزيد، و هكذا فيما نحن فيه.

فما في كلام الشيخ «1» و غيره غير صحيح ثبوتاً، فلا تصل النوبة إلىٰ الاستظهار من الدليل و الفتوىٰ إثباتاً.

و أمّا في الخيار المورّث، فهو موقوف على اعتبار الوحدة الجمعيّة، و هي هنا لو كانت فالأمر كذلك، و لكنّ المفروض خلافه؛ ضرورة تعدّد المعاملة، و على الاعتراف به لا يعقل وحدة الاشتراء و المشتري، فلا تخلط.

و من هنا يظهر ما في كلام العلّامة المحشّي الأصفهانيّ: من تخيّل أنّ المانع عن التبعيض إمّا وحدة العقد، أو وحدة الخيار «2»، و قد عرفت: أنّ وحدة الخيار ليست في عَرْض المانع الأوّل، و إذا زال المانع الأوّل فلا يمكن مانعيّة الثاني.

و من الغريب توهّم: أنّ التشقيص حدث يوجب السقوط!! فإنّ الحدث على المتاع في اشتراء زيد، يوجب سقوط خياره، لا سقوط خيار الأجنبيّ، فإنّ مع تعدّد العقد لأحدث في حصّة زيد بردّ عمرو حصّته.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 25.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 109/ السطر 36.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 119

الجانب السادس في ثبوت الردّ مع تعدّد البائع

إذا تعدّد البائع دون العين و المشتري، فالبحوث و الصور و الفروع واحدة، و قد مرّ أنّ ما هو المقتضي لجريان الخيار في أصل البيع، محلّ المناقشة، و

إذا جرىٰ فلا وجه للإشكال من ناحية قصور المقتضي لخيار المشتري بالنسبة إلىٰ عقده، و لا الإشكال من ناحية وجود المانع من الجهات السابقة.

و لو كان ضرر البائع في الصورة السابقة، موجباً لمنع خيار المشتري فرضاً، لكان ضرر المشتري و جبره على الشركة بردّ النصف المشاع المعيب إلىٰ أحد البائعين، موجباً لخياره بالنسبة إلىٰ النصف الصحيح. بل هذا هنا أولىٰ؛ لأنّه من تبعّض الصفقة، فتأمّل.

و ممّا ذكرناه يظهر حكم اشتراء الكثير من الكثير المالَ الكثير، فتدبّر كثيراً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 121

الجهة السابعة في مسقطات الأرش و في مواقف لا يثبت فيها الأرش

الأوّل و الثاني شرط السقوط و الإسقاط من قبل البائع

و قد مرّ ما يتعلّق بالإشكال في جوازه، و كفاية الثاني إذا تخلّف و لم يسقط عصياناً.

و من الأوّل شرط عدم الثبوت، و قد مرّ أنّ الأقرب عدم نفوذه؛ لاختلافه اعتباراً مع الأوّل في مخالفته للكتاب بخلافه؛ و إن كانت النتيجة واحدة، ف «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1».

______________________________

(1) خالد بن الحجّاج قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الرجل يجي ء فيقول: اشتر هذا الثوب، و أربحك كذا و كذا، قال: أ ليس إن شاء ترك، و إن شاء أخذ؟ قلت: بلىٰ، قال: لا بأس به إنّما يحلّ الكلام، و يحرّم الكلام.

الكافي 5: 201/ 6، تهذيب الأحكام 7: 50/ 216، وسائل الشيعة 18: 50، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 8، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 122

و غير خفيّ: أنّه في صورة اشتراط البائع إسقاط حقّ الأرش علىٰ تقدير ظهور العيب و قبول المشتري، ربّما يكون نفس قبوله من الرضا بسقوط الحقّ، الكافي لعدم جواز رجوعه إليه وضعاً، و لو لم يرجع إليه، فالأمر بالوفاء بالشرط «1» لا يقتضي النهي عن الرجوع إلىٰ حقّ الأرش؛ بحيث يصير

كاشفاً عن عدم الحقّ، لو لم يكن علىٰ تقدير الاقتضاء مؤكّداً لحقّه، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ النهي عن الأُمور الوضعيّة سواء كانت كالمعاملات، أو كانت من قبيل ما نحن فيه، المتوقّف اعتبارها علىٰ رضا الشرع و إمضائه لا يجتمع مع إرادة الإمضاء و الرضا، و لأجل هذه النكتة يكون النهي عن المعاملة موجباً لفساد المعاملة الراجع إلىٰ قصور المقتضي، لا إلىٰ وجود المانع حتّى يقال: «هو يؤكّد المقتضي» كما

______________________________

(1) عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج امرأة ثمّ طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّا أن يجعل للّٰه عليه أن لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: المؤمنون عند شروطهم.

الكافي 5: 404/ 8، تهذيب الأحكام 7: 371/ 1053، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 123

قال به بعض العامّة «1»، و اختاره بعض أصحابنا «2»، و التفصيل في محلّه «3».

الثالث ما لو اشترى ربويّاً بجنسه
اشارة

من المواضع التي اشتهر فيها عدم ثبوت الأرش، و يتعيّن فيها الفسخ؛ ما لو اشترىٰ ربويّاً بجنسه، فظهر عيب في أحدهما، فلا أرش حذراً من الربا «4»؛ ضرورة أنّ الأخذ بالأرش معناه الأخذ بالزيادة، لأنّ الصحيح و المعيب إذا كانا من جنس واحد، فلا بدّ و أن يكونا مِثلًا بمثل. و هذا من غير فرق بين كون الزيادة عينيّة، أو حكميّة،

من جنس العوضين، أو من غير جنسهما، شرط المشتري تلك الزيادة عند ظهور العيب، أو لم يشترط.

نعم، في الفرض الأوّل يكون باطلًا ثبوتاً و إثباتاً، و في الفرض الثاني يكون باطلًا ثبوتاً، و يظهر إثباتاً بعد ظهور العيب؛ ضرورة أنّ المعاملات الربوية حسبما هو المعروف باطلة و محرّمة «5».

و القول: بأنّ الزيادة أو الشرط حرام، دون أصل المعاملة، غير

______________________________

(1) لاحظ مطارح الأنظار: 166/ السطر 15.

(2) هو قول فخر المحقّقين في نهاية المأمول، لاحظ مطارح الأنظار: 166/ السطر 16.

(3) تحريرات في الأُصول 4: 361.

(4) الدروس الشرعيّة 3: 288، لاحظ جواهر الكلام 23: 244/ السطر 16، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 259/ السطر 33.

(5) لاحظ جواهر الكلام 23: 332.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 124

موافق لظاهر الأدلّة بدواً؛ و لو كان الشرط الفاسد غير مفسد في غير المقام، كما لا يخفى.

نعم، بناءً على القول: بأنّ الخيار بعد ظهور العيب مثلًا، فلا يكون العقد باطلًا عند عدم الشرط ثبوتاً و إثباتاً، و لكنّه يصير باطلًا بأخذ الأرش، أو يكشف بطلانه من الأوّل لو أخذ بالأرش.

أقول: هنا جهات من البحث نشير إليها علىٰ سبيل الإجمال:

الاولىٰ في جريان خيار العيب الشرعي

في جريان خيار العيب الشرعيّ و هو التخيير العَرْضيّ بين الفسخ و الردّ، و بين الإمضاء و الأرش إشكال هنا؛ و ذلك لأنّه علىٰ خلاف الأصل، و أخبار المسألة بين ما هي ظاهرة في الاشتراء بالكلّي من الأثمان المتعارفة «1»، و بين ما لا تكون في مقام جعل خيار العيب، كمعتبر زرارة «2»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 29، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 1.

(2) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه

و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن له.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 125

و بين ما لا يجوز الركون إليها، كخبر جميل «1»، فيسقط البحث من البدو، و يكون في المثل بالمثل خيار الفسخ فقط، دون الأرش؛ لجهة قصور المقتضي، لا لوجود الربا المانع، أو لمعارضة أخبار المسألة مع أخبار الربا، و قد مرّ منّا في أوّل البحث الإشكال في جريانه في المعاوضة.

نعم، إذا كانت المعاوضة كلّية كبيع السلم، فلا يبعد أن يكون هو من البيع، دون المعاوضة، فيجري فيه خيار العيب الشرعيّ، كما لو باع الحنطة الموجودة بالأكثر في المستقبل، فإنّه يعدّ بيعاً لا معاوضة، و تحقيق المسألة من هذه الجهة في مقام آخر.

فلا يسقط البحث بناءً علىٰ هذا في مثل هذه الصورة؛ لجريان الربا فيها أيضاً بالضرورة، و إن كان فيها إشكال؛ لأجل أنّهم يقولون بالبطلان في ناحية الزيادة الحكميّة «2»، و مقتضاه هي الصحّة إذا كانت المماثلة حاصلة بالمساواة الحكميّة؛ ضرورة أنّ للزمان قسطاً من الثمن، فلو باع عشرة أمنان حنطة باثني عشر في المستقبل، تكون تلك العشرة النقديّة مساويةً مع الاثني عشر حكماً، و إلّا فلا يقدم العقلاء عليه.

نعم، المثل من الحنطة نقداً بالمثلين من الشعير نقداً، من الربا

______________________________

(1) جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً فقال: إن

كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

الكافي 5: 207/ 2، الفقيه 7: 60/ 258، تهذيب الأحكام 7: 60/ 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.

(2) جواهر الكلام 23: 334 و 340.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 126

شرعاً، لا عرفاً، و هو القدر المسلّم من أخبار المثل بالمثل، و المسألة تحتاج إلىٰ مزيد تأمّل في مسائل الربا و أخباره، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ في محلّه.

هذا، و غير خفيّ: أنّه مع ذلك كلّه في جريان خيار العيب الشرعيّ في المبادلة بين الأمتعة و منها الأجناس الربويّة إشكال، و لعلّ المتعارف في هذه الصورة بين العقلاء الردّ و الرضا بشي ء جبراناً للنقص. و أمّا الإلزام بالجبران فهو ليس حكماً عرفيّاً قطعاً، إلّا أنّه يكفي لعدم سقوط البحث أيضاً؛ لأنّ الرضا بالزيادة موجب لجريان بحث الربا.

الثانية في شمول أخبار الربا للمقام
اشارة

لا شبهة في شمول دليل خيار العيب لما نحن فيه عند الأصحاب (رحمهم اللّٰه) و أنّه لو لا حديث الربا لكان هنا مجرى التخيير بين الردّ و الأرش، كسائر المقامات، و إنّما البحث في أنّه مندرج في أخبار الربا، أم لا؟

أو يفصّل بين صورتي الاشتراط و عدمه؛ بتوهّم أنّه إذا اشترط الأرش يكون من اشتراط الزيادة، بعد اعترافهم بأنّ الصحيح و المعيب من المثل بالمثل، و عليه دعوى الإجماع من «الجواهر» «1» و هو الظاهر من «الشرائع» حيث قال: «و يستوي في وجوب التماثل المصوغ و المكسور

______________________________

(1) جواهر الكلام 24: 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 127

و الجيّد من الجوهر و رديئه» «1» انتهىٰ.

و فيه: أنّ

شرط الزيادة غير الشرط فيما نحن فيه، فإنّه شرط معلّق علىٰ ظهور العيب، و يشبه ما إذا باع منّاً بمنّ، و اشترط عليه إن جاءه زيد أكرمه، فكونه من شرط الزيادة غير معلوم، بل هو حين الشرط ليس من الزيادة إلّا إذا كان مجي ء زيد معلوماً عندهم، و علىٰ هذا يصير من الربا؛ بناءً علىٰ كفاية الزيادة الحكميّة في الربويّة.

و الذي هو الحقّ: أنّ ما نحن فيه لا يخرج عن أخبار الربا؛ لأجل دعوى أنّها ظاهرة في صورة جعل المتعاملين، كما ادّعاه الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «2» لأنّ إلزام الشرع بالجبران ليس إلّا لاغتراس المساواة عرفاً، و لذلك احتملنا رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن؛ ضرورة أنّ المعيب بحسب المتعارف أقلّ قيمة من الصحيح، و لذلك قلنا: لو أقدم البائع علىٰ جبران الأرش، لا يثبت الخيار عندنا و إن قال به الأصحاب (رحمهم اللّٰه) «3».

نعم، ما هو الموجب لخروجه عنها عدم كون الأرش متعيّناً على المشتري؛ فإنّ جواز فسخ العقد يورث كونه بالخيار بينهما، فإذا أخذ بالأرش لا يصير الأرش إلّا جبراناً لما نقص في المعاملة، و لا يندرج في المعاملة؛ سواء قلنا هو جبران بتعبّد من الشرع محضاً، أو بتغريم من

______________________________

(1) شرائع الإسلام 2: 42.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 8 9.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 529 530.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 128

العرف أيضاً الممضى شرعاً.

و بالجملة: هو أمر خارج عن المبادلة الإنشائيّة بالضرورة، و إلّا يلزم البيع و الأرش، و خارج عن المبادلة بالحمل الشائع بعد الأخذ؛ لعدم إمكان اندراجه فيها، لأنّها تابعة الإنشاء بالضرورة، و ربّما لا يجب عليه لو اتفق فسخ البيع المذكور بعد الأرش، أن يردّ

عين ما أخذه أرشاً، فلا تغفل.

و هذا من غير فرق بين كونه علىٰ ذمّة البائع من الأوّل، أو بعد المطالبة.

فإنّ هذه البحوث أجنبيّة عمّا هو التحقيق في المقام، فما عن «الروضة» من الاحتمالين «1»، بعيد عن ساحته المقدّسة.

كما أنّ ما أفاده السيّد (رحمه اللّٰه): من اشتغال الذمّة به عند الاختيار «2»، في غير محلّه؛ لأنّه إن أراد من «الاختيار» هو الاختيار الخارجيّ، فلا معنىٰ لاشتغال الذمّة بعده أو فيه، و إن أراد آناً ما قبله فهو ممنوع؛ لجواز عوده إلىٰ الفسخ، و إن أراد آناً ما قبله في صورة وقوع الأخذ بالأرش، فهو بلا دليل.

و قد مرّ كيفيّة تعلّق حقّ المشتري بالعقد و الأرش بما لا مزيد عليه، و أنّه ليس معنى وضعيّاً أصيلًا بل هو معنى وضعيّ منتزع من الترخيص المردّد بين الردّ و الأرش، و يكون هناك حقّان معيّنان منتزعان.

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 14.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 14 و 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 129

بقي شي ء: في إمكان إلحاق شي ء إلى المبيع

قد اشتهر بين أبناء التحصيل أنّ من الصلاة قول المصلّي: «و رحمة اللّٰه و بركاته» إذا أتى به، و إن لم يأتِ به بحسب الواقع فليست الصلاة باطلة بدونه «1»، و هكذا في سائر المستحبّات، و هذا لا يتصوّر إلّا بإمكان اندراج شي ء في الطبيعة الموجودة، و يعدّ من لواحق المصاديق.

و فيما نحن فيه، إذا أخذ بالأرش يصير هو من المبيع، فيكون خارجاً عن المثل بالمثل قهراً، فيشمله أخبار الربا.

و فيه: أنّه و لو كان كذلك، إلّا أنّه خارج عن تلك الأخبار؛ لجواز أخذ المتعاملين بحسب الخارج شيئاً و لو لم يكن عيب في البين، فإنّ تلك

الزيادة تدخل في العوضين قهراً، و لا توجب البطلان قطعاً.

إيقاظ: فيما إذا اشترط سقوط حقّ الفسخ

سيمرّ أنّ من المواضع التي لا يثبت فيها الأرش، مورد اشتراط سقوط حقّ الفسخ؛ لكونه موجباً لتعيّن الأرش المنتهي إلى الربا في بعض الموارد، فبناءً علىٰ هذا لو كان وجه عدم شمول أدلّة الربا لما نحن فيه، عدمَ تعيين الأرش حين العقد «2»، للزم الربا في هذه الصورة، و لازمه

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة الوثقى 6: 469 470.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 8 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 130

شمول أدلّته.

و فيه: أنّه سيأتي أنّ إسقاط حقّ الفسخ لا يوجب تعيين الأرش، فعلى هذا ما هو الوجه لعدم كون المسألة من صغريات باب الربا و من موارد الزيادة على المثل بالمثل؛ هو عدم تعيّن الأرش، فعلى هذا يكون المشتري مستحقّاً له، و لا يفسد البيع لو أخذ به.

الثالثة حول إبطال العقد بأخذ الأرش

إن قلنا بحرمة الزيادة التكليفيّة من غير سرايتها إلىٰ أصل البيع كما هو أحد الأقوال في المسألة «1»، و في خاطري أنّه مختار الفقيه اليزديّ في «ملحقات العروة» «2» فلا بحث، و إن قلنا بالبطلان في صورة الأخذ بالزيادة، فيمكن دعوى: أنّه كما يجوز له فسخ العقد على المعيب، يجوز له إبطاله من هذه الطريقة.

و دعوىٰ: أنّه حرام تكليفاً، مسموعة في غير ما إذا كان من نيّته إرجاع الزيادة إلىٰ البائع بعد البطلان، بل لو كان البائع لا يردّ العوض إلىٰ المشتري بعد الفسخ، فربّما يجوز له هذا الاحتيال، و لكن مع ذلك كلّه لا يترك الاحتياط.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 23: 334.

(2) لاحظ ملحقات العروة الوثقى 2: 6 و 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 131

و يحتمل عدم بطلان البيع إلّا في صورة يقع الأخذ بالزيادة محرّماً؛ بناءً على القول بحرمتها، و

خلافاً للتحقيق الذي عرفت آنفاً.

الرابعة التعارض بين أدلّة الربا و الأرش

لو فرضنا شمول أدلّة الربا لما نحن فيه؛ إمّا لأجل ما أفاده الشيخ (رحمه اللّٰه): من عدم الفرق بين سببيّة العقد على المتجانسين للزيادة في طرف بلا واسطة، أو بواسطة سببيّته لاستحقاق الأرش الذي هو زيادة على المتجانسين «1».

أو لأجل ما أفاده العلّامة الخراسانيّ (رحمه اللّٰه): من عدم الفرق بين انعقاد العقد على المتفاضلين، و بين استقراره علىٰ ذلك «2».

أو لأجل ما في كلام الفقيه اليزديّ: من عدم الفرق بين كون الخيار بجعل المتعاقدين، أو بحكم الشرع «3».

أو لأجل عدم الفرق بين ردّ بعض الثمن، أو ما يساويه في الماليّة، فإنّه على الأوّل يختلفان في المقدار و الحجم، و يخرجان عن المثل بالمثل.

أو لأجل أنّ المماثلة من ناحية التزام البائع حسب أصالة

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 5.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 222.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 85/ السطر 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 132

السلامة لا يوجب الخروج عن الربا أو الأكل المحرّم، فلا فرق بين كون الزيادة بالشرط، أو بالجزئيّة.

أو لأجل إلحاق ما نحن فيه بسائر الموارد في هذا الحكم؛ بعد اجتماع الجهات الموجبة للربا فيه، كما هو المعلوم.

أو لأجل عدم الفرق بين كون الأرش جزء البيع في مرحلة الإنشاء، أو جزءه اللاحق بمصداق المبيع بحكم العرف، أو كونه بحكم الجزء من ابتداء العقد شرعاً، أو من حين المطالبة، فإنّ بالكلّ يخرج عن المثل بالمثل بحسب الواقع.

و بالجملة: لو فرضنا أنّ المسألة من صغريات الربا، يلزم التعارض بين إطلاقات الربا، و أخبار المسألة و دليلها.

و المناقشة هنا في دليله «1» غير وجيهة بعد فرض المعارضة، كما أنّ فرض سقوط الردّ غير صحيح؛ لأنّ الكلام في

موارد يسقط فيها الأرش خاصّة، فلا بدّ من كون المفروض ثبوت حقّ الردّ.

و عند ذلك قضيّة المعارضة بينهما بالعموم من وجه بعد إمكان الجمع العقلائيّ باختيار الردّ معلومة؛ ضرورة أنّ كون الربا محرّماً، و كونَ المشتري مخيّراً بين ما لا يستلزم الربا و ما يستلزمه، يقتضي تعيّن الأخذ بالطرف الأوّل علىٰ جميع المسالك في التخيير و فيما نحن فيه، و هذا الجمع تامّ في مثل العامّين من وجه؛ لأنّ التعارض بينهما بالعرض.

و أمّا على القول بعدم تماميّة ذلك الجمع العقلائيّ فالحقّ: أنّ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 65.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 133

الأدلّة العلاجيّة لا تشمل المتعارضين بالعرض، و منهما العامّان من وجه، فيرجع إلىٰ مقتضىٰ مرجّحات باب التزاحم بعد مساواة الأدلّة من حيث السند فرضاً، و لا شبهة في أنّ الفرار من الربا متعيّن.

و لو نظرنا إلىٰ سندهما فما ثبت بالكتاب «1» أقوى، إلّا أنّ حرمة الربا و لزوم الوفاء بعدم جواز العقد، كليهما من الثابت به «2» على المعروف، و لكنّه خلاف التحقيق عندنا.

فعلى كلّ تقدير يكون سقوط حقّ الأرش أقرب من أُفق التحقيق؛ بناءً علىٰ كون المسألة من صغريات تلك المسألة، و إلّا فقد عرفت تمام البحث حولها.

و لو فرضنا تعارض الأدلّة، و عدم التمكّن من الجمع، و لا من الترجيح، فتصل النوبة إلىٰ الشكّ، و هو كافٍ لعدم ثبوت حقّ الأرش؛ من غير الحاجة إلىٰ استصحاب عدم استحقاق الأرش حتّى يناقش فيه، فما أفاده العلّامة الإيروانيّ (رحمه اللّٰه) هنا «3» و إن كان من وجه قريباً من طريق المسألة و طيّها، و لكنّه مشتمل علىٰ جهات من الضعف، و قد أُشير في مطاوي كلماتنا إلىٰ تلك الجهات،

فتدبّر.

______________________________

(1) أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا، البقرة (2): 275.

(2) يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، المائدة (5): 1.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58/ السطر 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 134

الرابع اشتراط سقوط حقّ الفسخ في العوضين الربويّين

إذا شرط على المشتري سقوط حقّ الفسخ، فيسقط حقّ الأرش أيضاً فيما إذا كان العوضان ربويّين، و قلنا في المسألة السابقة بسقوط حقّ الأرش في هذه الصورة؛ فإنّ من شرط سقوط حقّ الفسخ الذي هو أحد طرفي التخيير، لا بدّ و أن يتعيّن الثاني في غير ما نحن فيه، و فيما نحن فيه أيضاً يسقط أو لا يثبت؛ للزوم الربا، فمن الشرط المذكور يلزم سقوط حقّ الأرش.

أقول: الحقّ الذي يسقط أو لا يثبت بسدّ مقتضيه بالشرط؛ هو الحقّ بالحمل الشائع، لا المفهوم منه، و قد أشرنا فيما مضى إلىٰ أنّ قوله (عليه السّلام): «البيّعان بالخيار» «1» ليس متكفّلًا للحقّ بالحمل الشائع لعنوان «البائع».

نعم، إذا تحقّق البيع خارجاً، فقضيّة الرواية ثبوت الحقّ بالحمل الشائع له، و إلّا فهو خيار مفهوميّ و حقّ عنوانيّ، و لذلك يصحّ بالقياس إلىٰ الحقّ العنوانيّ أن يقال في موارد بيع المثل بالمثل: إذا كان أحدهما معيباً

______________________________

(1) فضيل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: ما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما.

الكافي 5: 170/ 6، تهذيب الأحكام 7: 206/ 85، وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 135

يسقط حقّ الأرش؛ باعتبار الحقّ العنوانيّ الكلّي، و إلّا فلا معنىٰ لسقوطه. بل في هذه الموارد لا يثبت الحقّ و الأرش، كما هو الواضح.

فعلى

هذا، إن كان خيار العيب من قبيل سائر الخيارات، فالأمر كما أشرنا إليه؛ ضرورة أنّ المشتري له حقان؛ أحدهما: حقّ الفسخ، و الثاني: حقّ الأرش، و لا تخيير في الذات، بل تخييره في استيفائهما، و لا يجوز له الجمع، أو لا يمكن الجمع كما مرّ، فإذا أسقط حقّ الفسخ فلازمه على القول المذكور سقوط الحقّ الآخر؛ للزوم المحرّم و هو الزيادة الربويّة.

و إن كان أيضاً حقّا متعلّقاً بالعقد بردّ العين، فالأمر كذلك و هكذا؛ لأنّ الجزئيّ الخارجيّ لا يعقل تردّده.

و أمّا إذا كان المجعول بالذات معنى حدثيّا؛ و هو التخيير بين ردّ العين و أخذ الأرش، كما هو ظاهر الفتاوىٰ و الأخبار على الوجه المحرّر عندنا، حتّى لا يكون معنى تكليفيّاً، و تخييراً كسائر التكاليف التخييريّة حتّى لا يقبل الإسقاط، فلا يلزم من شرط سقوط حقّ الفسخ شي ء؛ و ذلك لأنّ ما هو المجعول الأوّليّ هو المعنى الحدثيّ؛ و هو ردّ العين، أو الأخذ بالأرش، و المنتزع عنه معنى وضعيّ حقّي تابع له، فيكون منشأ الانتزاع كسائر التكاليف التخييريّة التي فرغنا في الأُصول عن تصويرها بما لا مزيد عليه؛ من غير رجوعها إلىٰ الواجب المعلّق، أو المشروط، أو التعيينيّ.

و قد تحرّر أيضاً فيه: أنّ الواجبات الإلهيّة لا تنقلب عمّا تكون عليه، مثلًا الواجب التخييريّ لا ينقلب تعيينيّاً، و المشروط مطلقاً، و الموسّع

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 136

مضيّقاً؛ عند تعذّر سائر المصاديق، و عند وجود الشرط، بل كلّ في جميع الحالات باقٍ علىٰ ما هو المجعول بالذات، فلو تعذّرت إحدى الخصالات، لا يكون التخيير شرعيّاً أيضاً إلّا في الثلاث مثلًا، و لو تعذّر عليه طرفاها لا يتعيّن إلّا عقلًا في الثالث «1».

فعليه فيما

نحن فيه بسقوط حقّ الفسخ، لا يصير الترخيص التخييريّ الشرعيّ تعيينيّاً؛ لأنّه حقّ ينتزع من الترخيص التخييريّ المجعول بالذات، و لا يكون إلّا معنى انتزاعيّاً و حقّاً تسامحيّاً، و إذا كان المشتري مخيّراً بين الردّ و الأرش، يعتبر له حقّ الفسخ و حقّ الأرش في الرتبة المتأخّرة، و بذلك يرتفع غائلة المشكلة العقليّة، و يراعى فيه حقّية خيار العيب في الجملة، و قابليّته للسقوط؛ بمعنى عدم كون شرط عدم الفسخ شرطاً خلاف الكتاب؛ لأنّ المكتوب معنى تخييريّ و لو كان ترخيصيّاً، و لكنّ الشرط المذكور يمنع عن انتزاع ذلك الحقّ الانتزاعيّ العرفيّ، و هو كافٍ فيما نحن فيه؛ بعد قيام الضرورة علىٰ جواز الشرط المذكور. و كان ينبغي البحث حول أنّ شرط سقوط حقّ الفسخ، نافذ أم لا من هذه الجهة فيما سبق.

و على كلّ تقدير: تحرّر جوازه هنا أوّلًا، و عدم لزوم سقوط الطرف الآخر بالشرط المذكور ثانياً في موارد بيع المثل بالمثل، فتأمّل جيّداً.

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 4: 5 16 و 26 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 137

الخامس في العيب الذي لم يوجب نقصاً في القيمة
اشارة

من الموارد التي لا يكون فيها الأرش ثابتاً؛ ما لم يوجب العيب نقصاً في القيمة، فإنّه لا يتصوّر هنا أرش حتّى يحكم بثبوته، و من ذلك الخصاء في العبيد، و ما يشبه ذلك.

أقول: ربّما يخطر بالبال أن يقال: العيب ليس ما يعاب الشي ء عليه؛ لأنّ انتفاء الصفات الكماليّة يوجبه، و لا ما يخالف الخلقة الأصليّة و الخارج عنها؛ لإمكان اختلاف الأقطار و الأزمنة من هذه الجهة، فلا يكون الخارج عنها عيباً فيها كما ترى، بل الظاهر ملاحظة الشي ء في محيط المعاملات قطراً، و مصراً، و عصراً، فيكون الشي ء معيباً في هذا القطر

فقط، و التفصيل في محلّه.

و على هذا، كيف يتصوّر أن يكون في المتاع عيب يوجب خيار العيب، و لا يوجب الأرش؟! ضرورة أنّ ما لا يوجب الأرش كما في المثال ليس عيباً في محيط المعاملة؛ لو لم يكن جهة كمال و صفة ممدوحة في حيطة التجارة، و لا دليل تعبّداً على الالتزام بأنّ «العيب» تفسيره كذا، حتّى يلزم منه التعبّد بأنّ خصاء العبيد عيب بما هو هو؛ فيوجب الخيار، و لا يوجب الأرش؛ لأنّه لا يزيد بفقده الماليّة، و لا بنقصانه تنقص. بل و لو كان الأمر كما توهّم فلمنع إيجابه الخيار وجه واضح.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 138

فما هو الموجب للخيار يلازم إيجاب الأرش، إلّا أنّه فرق بين إيجابه الأرش عند الشرع، فإنّه في عَرْض الخيار، و عند العرف، فإنّه ليس في عَرْضه، كما تحرّر.

بحث و تحصيل في رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن

يخطر بالبال ثانياً رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن؛ لأنّ قيمة المعيب أقلّ، مع أنّ البائع أخذ الأكثر.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ في خيار الغبن يعتبر الزيادة الفاحشة.

و فيه: أنّ العيب الموجب لنقصان القيمة بالحدّ القليل، غير واضح إيجابه الأرش.

أو يقال: ربّما يبيع البائع ما يبلغ قيمته الألف بالمائة، فإنّه إذا تبيّن عيبه يثبت الخيار، و لا غبن.

و فيه: أنّ في هذه المعاملة الشخصيّة، ربّما يكون البناء على التبرّي عرفاً؛ و لا يرجع المشتري إليه إذا كان تبلغ قيمة متاعه الخمسمائة بالضرورة، و هذا يشهد علىٰ ما ذكرناه أوّلًا: و هو أنّ العيب بما هو عيب لا يوجب الخيار.

نعم، إذا تبيّن أنّه معيب، و لم يكن عرفاً شاهد على التبرّي، و كان العيب موجباً لنقصان القيمة إلىٰ الخمسين في المثال المزبور، فيثبت الخيار و الأرش، فيكون ما

هو الموجب لخيار العيب في الحقيقة هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 139

نقصان قيمة المعيب عن الصحيح.

نعم، خيار الغبن يعتبر بالنسبة إلىٰ الأعمّ من هذا الاختلاف؛ لأنّه يسري في الاختلاف الحاصل من القيم السوقيّة، و غير ذلك أحياناً. و ممّا يشهد علىٰ أنّ العيب الموجب للخيار يساوي العيب الموجب للأرش؛ ظهور الأخبار في مقابلة الردّ و الأرش علىٰ نهج التلازم بينهما، و ليس فيها شي ء يشعر بذلك؛ و أنّه يمكن ثبوت خيار العيب بلا أرش.

بقي شي ء: في التفات العقلاء إلى العيب دون الغبن

و هو أنّ في موارد عيب المبيع يردّونه العقلاء لأجله؛ من غير التوجّه و الالتفات إلى الغبن، و هذا الاغتراس متّبع، دون ذاك المرجع.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الارتكاز المختفي متّبع، دون ما هو المتبادر؛ فإنّ ما هو المنشأ الأصليّ هو الغبن.

نعم، الغبن الحاصل من العيب له الأحكام الخاصّة، كالأرش و غير ذلك، و لأجله اختصّ بالعنوان الخاصّ، و بالبحوث علىٰ حِدة، و لا ضير في ذلك، كما لا يخفىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 141

الجهة الثامنة في المواقف التي ذكروا فيها عدم ثبوت الخيار و الأرش معاً

اشارة

و ما في كلامهم من ذكر الأُمور التي يسقط بها الخيار و الأرش لا يخلو من تسامح، و سيظهر بعض المسامحات الأُخر، و الأمر سهل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 142

الأوّل العلم بالعيب حين العقد «1»
اشارة

إذا كان كلّ من المتعاملين عالماً بالعيب حين العقد، فلا يكون العيب المذكور صالحاً لسببيّة الخيار، و لا الأرش؛ اتفاقاً عند الأصحاب «2»، و هو الحكم المفروغ عنه لدى العقلاء؛ و ذلك لأجل قصور الأدلّة المثبتة لخيار العيب و لو كانت قاعدة «لا ضرر.» «3».

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المرسلة «4» ذات إطلاق؛ لأنّ قوله: «فيجد فيه عيباً» لا يضرّ بالقاعدة الكلّية المستأنفة الظاهرة في أنّها غير ناظرة إلىٰ وجدانه و عدم وجدانه، و لو لا ضعفها كان للاتكال عليها من هذه الجهة وجه، كما لا يخفى على العارف بأساليب العربيّة، فأخذ القيد في السؤال و لا سيّما مثله لا يضرّ بالإطلاق، و خصوصاً مثله.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 142

و يؤيّد ذلك: أنّ في صورة العلم بالعيب ربّما يقدمون على اشتراء

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 625، جواهر الكلام 23: 238، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 15.

(2) رياض المسائل 1: 538/ السطر 7، جواهر الكلام 23: 238، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 16.

(3) قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): لا ضرر و لا ضرار.

الكافي 5: 292/ 2، وسائل الشيعة 18: 32، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 3 و أيضاً الحديث 4 و 5.

(4) تقدّم في الصفحة 125.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 143

المعيب؛

للتدبّر في الأمر، و لئلّا يفوتهم المتاع، فيكون مثل جعل خيار الشرط، فلا يشهد العلم بالعيب على الالتزام بالمعيب على كلّ تقدير. مع أنّه لا يدلّ علىٰ سقوط الأرش بالضرورة.

نعم، جواز إجبار البائع على الجبران، علىٰ خلاف القاعدة، فيقتصر على القدر المتيقّن، و أمّا حقّ فسخ العقد فلا دليل علىٰ سقوطه، أو عدم حدوثه.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ حكم العقلاء بخيار العيب مردوع؛ لتصرف الشرع فيه في الجملة، فلا شاهد علىٰ رضا الشارع بما يحكمون به هنا. مع أنّ الاتفاق محكيّ علىٰ خلافه، فليتأمّل.

و في كلام الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) «1»: «و قد يستدلّ لعدم ثبوت الخيار و الأرش بمفهوم صحيحة زرارة المتقدّمة «2»» «3» ضرورة أنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) يصرّ علىٰ ذلك؛ نظراً إلىٰ أنّ القيد الوارد في كلام الإمام (عليه السّلام) «4» لا بدّ و أن يكون دخيلًا في الحكم المذكور في الصحيحة؛ و هو لزوم العقد، و لزوم الأرش، و بانتفاء القيد المذكور و هو العلم المتأخّر عن الأحداث الذي يجتمع مع كونه عالماً بالعيب قبل الإحداث و حين العقد ينتفي اللزومان معاً، أو أحد اللزومين.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 16.

(2) تقدّم في الصفحة 124.

(3) مفتاح الكرامة 4: 625، جواهر الكلام 23: 238.

(4) و هو قوله (عليه السّلام): أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 144

و حيث لا يمكن الالتزام بجواز العقد مع العلم بالعيب حين العقد، و بلزومه بعد ذلك، فلا بدّ و أن يكون القيد دخيلًا في لزوم الأرش، فإذا

انتفىٰ ينتفي اللزوم الثاني فقط، فيكون العلم بالعيب حين العقد موجباً لسقوطهما.

و توهّم: أنّ القيد المذكور توجّه إلىٰ حال الإحداث؛ لاختلاف الحكم في صورة الجهل و العلم هنا «1»، في غير محلّه؛ لذهاب المشهور إلىٰ أنّ التغيّر و الإحداث يوجب السقوط، و لا يسقط به الأرش «2»، فلا يفترق الحكم بالعلم و الجهل.

فعليه يكون القيد متوجّهاً إلىٰ أصل الاشتراء؛ و أنّه اشترىٰ ثمّ علم بذلك العَوار، فإذا اشترىٰ و كان عالماً به، فلا أرش بعد قطعيّة لزوم العقد حينئذٍ بالضرورة.

هذا مع أنّ قوله (عليه السّلام): «ثمّ علم بذلك العَوار» و لو كان راجعاً إلىٰ العلم و الجهل بالإحداث، فيكفينا قوله (عليه السّلام): «و لم يبيّن له» أي لم يظهر و لم يعلم المشتري بالعيب، فعليه يثبت المطلوب، فاغتنم.

و حيث إنّ الصحيحة «3» في موقف التحديد، و كأنّها في موقف بيان إثبات الأرش من جهة الجهل، لا يبعد ثبوت المفهوم لها في الأحكام الوضعيّة، فتأمّل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111/ السطر 15.

(2) جواهر الكلام 23: 239.

(3) تقدّم في الصفحة 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 145

بقي بحث و تحقيق: في اشتراط خيار العيب مع العلم به

اختلف صاحب «الجواهر» و الشيخ (قدّس سرّهم) في جواز شرط خيار العيب في صورة العلم بالعيب، بعد القول بسقوطه؛ فذهب الأوّل إلىٰ الصحّة و نفوذه «1»، و الثاني إلىٰ الفساد و الإفساد «2»، و ثالث اختار الفساد دون الإفساد «3».

و ربّما يقال بامتناع الشرط المذكور «4»؛ لأنّ ظاهرهم اشتراط خيار العيب، فلو كان المتاع صحيحاً لا يعقل شرط خيار العيب، و كذلك لو كان المتاع معيباً ساقطاً خيار عيبه، لا يعقل شرط خيار العيب؛ لسقوط السبب و انعدامه، كما في المثال.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ سببيّة العيب للخيار

بمعنى الاقتضاء باقية و لا تسقط، و ما هو الجزء الأخير إمّا الجهل، أو يكون العلم مانعاً عن التأثير، ففرق بين ما نحن فيه و المثال، فإذا كان الاقتضاء موجوداً يجوز أن ينوب مناب الجزء الأخير، إطلاق أدلّة الشرط، فيكون شرط الخيار بعد وجود العيب، كافياً لثبوته شرعاً و لو لم يكن الجزء الأخير و هي

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 238.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 17.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58/ السطر 24، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111 112.

(4) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 146

الجهالة موجودة؛ لأنّها بمنزلة الشرط، فيحتمل الاستنابة، و هكذا وجود المانع، فلا امتناع عقلًا.

نعم، إنّما الكلام في جوازه شرعاً؛ لأنّه شرط مخالف للكتاب، ضرورة أنّ الأدلّة الخاصّة ظاهرة إمّا في شرطيّة الجهالة، أو مانعيّة العلم، فالشرطيّة و المانعيّة من القيود الشرعيّة الدخيلة، و لا يمكن سلبها بأدلّة الشرط.

نعم، لو لم يكن المراد من «شرط خيار العيب» هو الخيار المسبّب عن المعيب، فيكون له الأحكام الخاصّة. بل و كان المراد نتيجة خيار العيب و هو الفسخ و الأرش عَرْضاً، أو طولًا؛ من غير النظر إلىٰ التدخّل في حدود سلطان المولى فلا ضير.

و من الغريب دعوى: أنّ شرط خيار العيب الخاصّ، كشرط سقوط خيار المجلس «1»، فكما أنّه يمنع عن التأثير و نافذ، كذلك الأمر هنا؛ فإنّ الشرط يرفع المانعيّة عن التنفيذ و المنع، فيؤثّر المقتضي أثره! فإنّها غير مسموعة؛ بداهة أنّ المانعيّة و الشرطيّة شرعيّتان اعتباريّتان جعليّتان، بخلاف إسقاط الحقّ الذي يقتضي ذات الحقّ جواز إسقاطه بالشرط أو نفسه.

نعم، قضيّة ما تحرّر منّا و يأتي إن شاء اللّٰه بتفصيل؛

أنّ الشرط المخالف للكتاب هو الشرط المخالف للأحكام التأسيسيّة السماويّة احتمالًا، لا الإمضائيّة، و حيث إنّ خيار العيب من الخيارات

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 222.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 147

العقلائيّة، فلا يكون العلم مانعاً شرعيّاً، و لا الجهل شرطاً سماويّاً، بل ذلك من الأحكام الإمضائيّة العقلائيّة بالنسبة إلىٰ حق الفسخ.

نعم، في كونه من الشروط العقلائيّة إشكال؛ لما لا يترتّب عليه أثر إلّا الفسخ، فإذا أمكن شرط حقّ الفسخ فالتقييد بخيار العيب من العبث.

و علىٰ كلّ تقدير: بناءً علىٰ ما محّصناه لا يصير العقد باطلًا؛ بعد مفروغيّة عدم تقييد العقد بمثله، أو أنّه لا يكون إفساد الشرط الفاسد لأجل التقييد المنحلّ إلىٰ تعدّد الطلب الكاشف عن تعدّد الإنشاء عرفاً، و التفصيل في محلّه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

بقي شي ء: مقتضى قاعدة «لا ضرر»

ربّما يقال: لو كان مستند الخيار قاعدة «لا ضرر.» فهي تقتضي هنا حتّى في صورة العلم بالعيب حقَّ الفسخ و جواز العقد؛ لأنّ منشأ عدم اقتضائها في صورة الإقدام على الضرر، انصرافها عنهما.

و أمّا توهّم كونها قاعدة امتنانيّة، فهو فاسد.

و بالجملة: مع الشرط لا وجه للانصراف؛ لأنّه بالشرط يخرج عن الإقدام على الضرر بالضرورة، فالشرط يرجع إلىٰ تأكيد مقتضى الخيار؛ و هي القاعدة، لا إلىٰ إحداث الخيار المستند إلىٰ العيب تأسيساً «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 111/ السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 148

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه خلاف ظاهر الشرط فإنّه تارة: يشترط جبران الخسارة و الاستيلاء علىٰ العقد، فيكون ذلك من تأكيد مقتضى الخيار، أو نفس الخيار، و أُخرى: يشترط أن يكون له خيار العيب بالشرط، فإنّه يخرج عنه كما لا يخفى.

و مضافاً إلىٰ قصور القاعدة عن إثبات الحقّ، إلّا علىٰ

بيان بديع بعيد عن الأنظار العرفيّة سابق ذكره.

أنّ حكم العقلاء بعدم الخيار، و ذهابَ المشهور إلىٰ سقوطه هنا، دليل علىٰ عدم وجود خيار العيب في صورة العلم، فالتمسّك بها لتأسيس خيار العيب بها، من قبيل التمسّك بأدلّة الشرط، و لا يصحّ الاستناد المذكور؛ لأنّ ذات الحكم بالسقوط في صورة العلم ضرريٌّ، و لا تشمل القاعدة تلك الأحكام الضرريّة الذاتيّة، فلا تخلط.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 149

الثاني التبرّي من العيوب لو كانت موجودة «1»
اشارة

بأن يبيع المتاع علىٰ ما هو عليه حالًا من الأحوال؛ سواء كانت صحيحة، أم فاسدة.

و قد اعترف الكل إلّا من شذّ بسقوط الخيار؛ بمعنى عدم الثبوت، و عدم تحقّق حقّ الأرش «2»، و حكي عن الإسكافيّ رائحة الخلاف في صورة التبرّي إجمالًا «3».

و على كلّ تقدير: لا بدّ من البحث هنا في جهات:

الجهة الاولىٰ في صحّة البيع مع التبرّي من العيوب

ربّما يشكل صحّة المعاملة في صورة التبرّي؛ لأنّ وجه صحّة المعاملات أصالة السلامة العقلائيّة، التي من الركون عليها يرتفع الغرر المنهيّ فيها، فإذا كانت أصالة السلامة غير جارية كما هو

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 237، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 18.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 624.

(3) مختلف الشيعة: 371/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 150

صريح بعضهم في هذه الصورة؛ لقيام القرينة فلا رافع للغرر «1».

و ما في كلام الشيخ الأنصاريّ (قدّس سرّه): من إمكان جريانها، حيث قال به في ذيل المسألة عند تعرّضه لتوضيح الفرق بين التبرّي من العيوب، و بين الصفات المشترطة في العين الغائبة «2»، غير ناجح؛ ضرورة أنّ كلام البائع يصلح للقرينة علىٰ عدم تماميّة الإطلاق المنصرف إلىٰ السلامة، و قد تحرّر مراراً أنّ الإطلاق المستند إليه في هذه الأبواب، من قبيل الإطلاق في أبواب الأوامر و النواهي، لا من قبيل الإطلاق في باب المطلق و المقيّد، فإنّ هذا الإطلاق نتيجته التضيق و التقييد، بخلاف ذاك، و تفصيله محرّر في القواعد الأُصوليّة، فلا ينبغي الخلط كما يظهر من بعضهم.

و أمّا توهّم ارتضاء المشتري بما هو الموجود؛ و أنّ البيع يقع علىٰ ما هو الميزان العقلائيّ في المعاملات على الأمتعة المعيبة «3»، فهو غير جائز بعد إذعانهم باشتراط المعلوميّة شرعاً؛ من غير رعاية الأغراض و المقاصد، و

إلّا فقلّما يتّفق بطلان معاملة لأجل الجهالة و الغرر. فعلى هذا لا بدّ من رفع الغرر و الجهالة، دون مجرّد الخطر و الجزاف و لو لم يكن المشتري في صورة التخلّف مغبوناً، بل و لو كان البائع مغبوناً.

و من الغريب توهّم: أنّ الأوصاف خارجة عن البيع و المبادلة

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 26.

(2) لاحظ نفس المصدر/ السطر 27.

(3) لاحظ جواهر الكلام 23: 237.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 151

حقيقة، فلا يعتبر معلوميّتها!! فإنّه و لو كان حسناً صناعة، و لكنّه غير مرضيّ فقاهة، و قد اعتبروا العلم بها كما في الكمّيات المقداريّة «1».

و الذي هو الحقّ: أنّ اعتبار المعلوميّة ممنوع إلّا في الجملة، و قد مرّ في مطاوي بحوثنا السابقة: أنّ الشواهد كثيرة علىٰ ذلك؛ و منها مسألتنا هذه. و الالتزام بالتخصيص و التقييد و لو كان ممكناً في نفسه، إلّا أنّ من كثرة الموارد المستثناة بعد عدم وجود دليل واضح علىٰ إطلاق الشرط المذكور يتبيّن عدم الشرطيّة إلّا في الجملة.

و ما قد يتوهّم: من أنّ التبرّي شاهد علىٰ عدم التزام البائع بالصحّة و السلامة، و هو لا ينافي الصحّة ثبوتاً فتجري أصالة السلامة إثباتاً؛ لأنّه أصل منقّح لحال الشكّ «2»، خالٍ من التحصيل؛ لما تحرّر منّا من أنّ جميع الأمارات و الأُصول العقلائيّة في موارد الشكّ المستند إلىٰ منشأ عقلائيّ، غير جارية؛ لعدم تعبّد من الشرع في مورد تلك الأُصول و الأمارات؛ حتّى يؤخذ بإطلاقها.

نعم، لو فرضنا وجود الإطلاق القابل للاعتماد غير المحمول علىٰ الإرشاد إلىٰ الطريقة المألوفة الخارجيّة، فللقول المذكور وجه كما لا يخفى.

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 22: 417 و 430.

(2) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 73.

الخيارات

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 152

الجهة الثانية في عدم الثمرة للتبرّي
رجوع التبرّي إلى العلم بالعيب

ربّما يشكل أن يكون التبرّي من العيوب، مسقطاً وراء المسقط السابق؛ لأنّ بالتبرّي و إن لم يحصل العلم للمشتري بالعيوب، و لكنّه في حكم العلم نفس تردّده في الصحّة و إقدامه على البيع علىٰ كلّ تقدير، فما هو الموجب لسقوط حقّه؛ إقدامه في صورة الشكّ المستند إلىٰ المنشإ الصحيح العقلائيّ، و ليس عنوان «التبرّي» بما هو هو مانعاً عن حدوث الحقّ، أو موجباً لسقوطه.

و ما في عناوين الفقهاء (رحمهم اللّٰه) أو في بعض الأخبار، محمول علىٰ لازمه؛ لأنّ التبرّي سبب لحصول التردّد المنتهى إلىٰ إقدامه على البيع علىٰ كلّ تقدير، فيكون راضياً بما يدخل في كيسه إزاء ما يخرج عنه.

و فيه: أنّه لو كان الإقدام المقرون بالتردّد فيما نحن فيه، موجباً لسقوط الحقّ، أو مانعاً عن حدوثه، لما كان وجه لشرط الخيار؛ لأنّ منشأ الشرط احتمال احتياج البيع إلىٰ التدبّر الزائد على المتعارف؛ كي يكون تجارة رائجة، فالإقدام لا يشهد حتّى علىٰ رضاه بالمعيب، فيكون الخيار ساقطاً، فضلًا عن الأرش.

نعم، يكشف عن رضاه و طيبه بأصل البيع المعتبر في صحّته.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 153

و لأجل ذلك ذكرنا في البحث السابق: أنّ سقوط الخيار و حقّ الأرش في صورة العلم بالعيب، ممنوع «1» حسب النظر الدقيق، و لو لا قصور الأدلّة عن إثبات التخيير بين الفسخ و الأرش، لكان القول بعدم سقوطهما قويّاً جدّاً، فكيف بصورة التردّد؟! و لو كان الإقدام المقرون بالعلم موجباً لسقوطهما، فهو و الإقدام المقرون بالتردّد علىٰ حدّ سواء، فلا تخلط.

رجوع التبرّي إلى اشتراط عدم الخيار

و ربّما يشكل ثانياً كون التبرّي مسقطاً علىٰ حِدة؛ لرجوعه إلىٰ اشتراط عدم الخيار، و أنّ البائع المتبرّي يعتبر في طيّ العقد عدم خيار المشتري، فيرجع في الحقيقة

التبرّي من العيوب إلىٰ ذلك.

و يؤيّد ذلك ما لو اشترط صريحاً عدم الخيار، فإنّه لا معنى له إلّا في صورة عدم التزامه بما هو المتعارف، و عليه بناء الأُمم و الأقوام؛ فإنّ إفادة ذلك كما يمكن بإبراز التبرّي، كذلك يمكن باشتراط عدم الخيار، و هذا يجتمع مع كونه جاهلًا بالعيب، و عالماً، فإنّه يريد قطع يد المشتري عن هدم العقد و حلّ القرار.

و لو قيل: اشتراط عدم ثبوت الحقّين خلاف الكتاب، بخلاف التبرّي من العيوب «2»، فإنّ معنى الشرط هو المنع عن تأثير السبب

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 142 143.

(2) كما في معتبرة زرارة المتقدّمة في الصفحة 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 154

الموضوع عند الشرع لحدوث حقّ الفسخ و الأرش، و هذا باطل، بخلاف التبرّي منها، فإنّ معناه عدم التزامه بالجبران؛ و عدم استيفائه من حقّه الراجع إلىٰ سقوطه.

قلنا: قد مرّ منّا أنّ اشتراط عدم المسبّب مع وجود السبب كاشتراط عدم خيار المجلس مع وجود مجلس البيع غير جائز إذا لم يرجع إلىٰ شرط السقوط بشرط النتيجة، و هكذا التبرّي من العيوب، فإنّه لا يرجع إلّا إلىٰ شرط السقوط.

في أنّ التبرّي إسقاط لما لم يجب

و أمّا توهّم ممنوعيّة هذا الشرط؛ لأنّه يشبه إسقاط ما لم يجب، و هو ممنوع عقلًا و شرعاً، فهو باطل؛ لأنّ ما هو الممنوع عقلًا هو الشرط المنجّز؛ بمعنى التأثير في سقوط الحقّ فعلًا، لا المانع عن التأثير المقتضي عقلًا و اعتباراً، و ما هو الممنوع شرعاً كما مرّ غير هذه المواقف التي تكون الأسباب متهيّئة قريبة من الموضوعيّة لحكم العقلاء و الشرع، و للتأثير في آثارها اعتباراً، كما مرّ تفصيله في خيار المجلس.

و فرق بين شرط عدم ثبوت الخيار الذي هو حكم إلهيّ

مثلًا في موضوعه، و بين سقوط حقّه في بيعه؛ و إن كان هو أيضاً في الحقيقة منعاً عن ثبوته، إلّا أنّه منع عن ثبوت حقّه. و هذا هو مقتضىٰ طبيعيّ الحقّ؛ بأن يكون ذو الحقّ بالخيار في حدوده بعد وجوده و قبله، فلا تغفل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 155

و المناقشة في أنّه قبل وجوده لا طبيعيّ، فلا اقتضاء، صحيحة عقليّة، لا عرفيّة اعتباريّة، فتأمّل.

فبالجملة: التبرّي من العيوب لا بدّ أن يرجع إلىٰ ذلك، فلو أشكل أمر الشرط فيشكل أمره، و لو صحّ ذاك صحّ هذا، كما في الخبر.

أقول: الملازمة ممنوعة؛ لعدم رجوع التبرّي من العيوب إلىٰ الشرط المذكور، بل حقيقة التبرّي من العيب هو إعلام عدم ضمانه بالنسبة إلىٰ الغرامة، و عدم تعهّده، و إعلام لعدم قبوله المردود، و أصل المتاع المعيب، فإنّ في خيار العيب يجب عليه إمّا قبول المردود، أو جبران النقص و العيب إذا رجع إليه المشتري، و الاختيار بيده في تعيين ما شاء.

و لا معنىٰ لأن يعتبر البائع على المشتري شيئاً في صورة نسبة التبرّي إلىٰ نفسه؛ و أنّه بري ء منها؛ أي فارغ البال و الذمة بالنسبة إلىٰ الحكم العقلائي الممضى؛ و هو قبول المردود، و بالنسبة إلىٰ الحكم الشرعيّ؛ و هو جبر العيب و النقص.

فالإشكال بأنّ هذا التبرّي يرجع في الحقيقة إلىٰ اشتراط عدم الخيار و الحقّ للطرف، ممنوع.

التبرّي شرط مخالف للكتاب

نعم، الإشكال بأنّه خلاف الكتاب؛ لأنّ العيب سبب للحقّ، فكيف ينكر عليه ذلك و يمنع، و أدلّة الشروط قاصرة عن إيجاد المانع لتأثير

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 156

الأسباب. مثلًا: زوال الشمس سبب، و الغليان سبب، و لا يمكن بالشرط إيجاد المانع عن تأثيرهما في الوجوب و

النجاسة و الحرمة، فهو بعدُ في محلّه.

و يندفع: بأنّه مضافاً إلىٰ النصّ الخاصّ الكافي المفتى به، أنّ هذه الأسباب روعي في جنسها حقّ عائلة البشر، بخلاف تلك الأسباب، فما كان من ذاك فلا منع عن إيجاد مانع التأثير بأدلّة الشروط.

هذا، و التبرّي من العيوب ليس شرطاً أصلًا في المعاملة حسب نظرهم، بل هو يمنع عن اقتضاء العيب حقّا، و لا أقلّ من الشكّ المنتهى إلىٰ قصور الأدلّة عن إثبات الخيار و الأرش؛ لما عرفت. و هذا يتمّ حتّى بالنسبة إلىٰ دليل خيار الفسخ الذي هو بناء العقلاء، كما لا يخفى.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ أصل رجوع التبرّي إلىٰ الشرط ممنوع. و علىٰ تقدير الرجوع فكونه شرطاً علىٰ المشتري ممنوع. و إذا كان شرطاً علىٰ نفسه، فكونه خلاف الكتاب ممنوع. و علىٰ تقدير كونه خلاف الكتاب، فكونه مفسداً محلّ البحث، و يأتي تفصيله.

و أمّا توهّم: أنّه مفسد مطلقاً و لو لم يكن الشرط الفاسد مفسداً، فغير صحيح، بل الظاهر أنّه لو كان الشرط الفاسد مفسداً، فهذا الشرط أي ما يخالف الكتاب ليس مفسداً؛ لظهور أخباره في فساد ذاته فقط «1»،

______________________________

(1) عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّٰه فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّٰه عزّ و جلّ.

الكافي 5: 169/ 1، تهذيب الأحكام 7: 22/ 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، و أيضاً الأحاديث 2 و 3 و 4 و 5، و 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 157

و إلّا فكان ينبغي الإيماء إليه و لو مرّة، فاغتنم.

الجهة الثالثة مقتضى القواعد في سقوط الخيار بالتبرّي

هل سقوطهما في صورة التبرّي يكون على القاعدة، أو هو تعبّد شرعاً؟ وجهان.

و يظهر منهم الأوّل، فيكون مؤيّداً بالشرع؛ و ذلك لأنّ قضيّة التبرّي من العيوب؛ هو البيع على كلّ تقدير، من غير التزام بالسلامة، و من غير تعهّد في قبال العيب، و ثبوت خيار العيب في هذه الصورة ممنوع شرعاً؛ لقصور الأدلّة حتّى قاعدة «لا ضرر.»، و عرفاً؛ لحكم العقلاء بعدم حقّ للرجوع إليه بالردّ أو الأرش، من غير رجوعه إلىٰ الشرط، كما مرّ.

و بالجملة: مستند خيار العيب إمّا الأخبار الخاصّة، فهي لا تفي بإثباته علىٰ الإطلاق. و لو كان مطلقاً فمقتضىٰ صحيحة زرارة المتقدّمة و بعض الأخبار الأُخر؛ أنّ في صورة التبرّي لا يكون خيار، و لا أرش.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الصحيحة لا تصلح لتقييد الإطلاق لو كان ثابتاً إلّا في الجملة لإجمالها من هذه الجهة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 158

أو الإجماع و الشهرة، فهو أيضاً غير نافع؛ لنقل الإجماع علىٰ خلافه في صورة التبرّي.

و إمّا القاعدة، فهي مضافاً إلى ما مرّ لا تصلح في صورة التبرّي لإثبات الخيار و جواز العقد حكماً.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّها قاعدة شرعيّة تمنع عن الإضرار و الضرر بحسب الواقع، و لا يكفي تبرّيه منها؛ لجواز توجيه الضرر إلىٰ المشتري بعد عدم الملازمة بين الاشتراء و الرضا بالمعيب، كما عرفت، و لا سيّما إذا كان نظر المشتري في إقدامه علىٰ عدم تضرّره؛ لانسداد بابه واقعاً عليه بحكم الشرع، من غير دخالة نظر البائع، فما دام لم يرجع التبرّي إلى الشرط في ضمن العقد و لو بالارتكاز يشكل كونه موجباً لسقوط حقّ المشتري المستند إليها.

نعم لا يثبت بها الأرش، كما لا يخفى.

و إمّا بناء العقلاء، فهو أيضاً لا يقتضي إلّا الخيار في غير هذه الصورة. و هذا كأنّه مفروغ عنه بينهم؛ و إن كان وجهه مخفيّاً لاحتمال كونه بعنوانه دخيلًا في عدم ثبوت الخيار، و لاحتمال كون التبرّي راجعاً إلىٰ قيد في طيّ العقد، فتدبّر.

و بالجملة: مجرّد نقل الإجماعات المحكيّة «1» و الشهرات المنقولة عن «الخلاف» و «الغنية» و «التذكرة» «2» غير كافٍ في خصوص

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 624، جواهر الكلام 23: 237.

(2) الخلاف 3: 127 128، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 7، تذكرة الفقهاء 1: 525/ السطر 16.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 159

المسألة؛ لأنّها من المتفرّعة علىٰ أصل البحث، و فيها الرواية، فتكون معلّلة، فلا تخلط.

و لو كان التبرّي منها موجباً للسقوط، فلا فرق بين الإجماليّ، و التفصيليّ؛ بشرط عدم رجوع الإجمال إلىٰ الشكّ في أصل التبرّي، كما هو المفروض، فإذا كان التبرّي ثابتاً فلا يعتبر ذكره بتفصيل، كسائر الأُمور المبنيّة عليها العقود، أو المذكورة في طيّها، فما عن محكيّ «السرائر» «1» عن بعض الأصحاب «2»، محمول على الفرض المزبور. و احتمال الخصوصيّة و الأخذ بقدر المتيقّن في جانب سقوطهما، مدفوع باحتمال كون الخيار ثابتاً. و هكذا الأرش في غير صورة التبرّي إجمالًا، و لزوم الأخذ بالقدر المتيقّن يوجب سقوطهما حتّى في هذه الصورة.

الجهة الرابعة حكم التبرّي من العيوب المتجدّدة الموجبة للخيار

هل التبرّي من العيوب المتجدّدة الموجبة للخيار كما إذا تجدّدت بعد القبض في بيع الحيوان في الأيّام الثلاثة يوجب السقوط، أم لا؟ وجهان

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 625، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 21، السرائر 2: 296 297.

(2) لاحظ مختلف الشيعة: 371/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 160

ظاهر «التذكرة» «1» و صريح الشيخ «2» هو الأوّل، بل يظهر من الثاني أنّه أولىٰ من التبرّي من العيوب الموجودة حين العقد «3»؛ لأنّ في الصورة الأُولىٰ لا يلزم غرر، بخلاف الثانية، و قد مرّ ما يتعلّق به في الجهات السابقة.

و الذي هو منشأ المناقشة في صحّة هذا مضافاً إلىٰ ما مرّ في أصل التبرّي أنّ ظاهرهم إرجاع التبرّي إلىٰ الشرط في ضمن العقد، فيكون وجه سقوطهما عموم أدلّة الشروط، و حينئذٍ يشكل من جهة أنّ خيار العيب ليس كسائر الخيارات حقّا، بل هو جعل تخييريّ كسائر الأحكام التخييريّة؛ لما عرفت من امتناع كون الحقّ الواحد مردّداً بين الخيار و الأرش، فما هو قابل للجعل هو المعنىٰ التخييريّ الحدثي، كسائر التخييرات في محلّها.

فعلى هذا، لا يجوز شرط سقوط هذا الحكم الشرعيّ؛ فإنّه من الكتاب الذي لا ينفذ كلّ شرط خالفه، و لا سيّما بعد كون حقّ الأرش تأسيساً من الشرع في عَرْض حقّ الردّ، و لا يكون اعتباراً وضعيّاً؛ لامتناعه كما مرّ مراراً.

و ما مرّ منّا: من أنّ الشرع رخّص للمشتري مثلًا في إمضاء البيع؛ و إخراج أحد الطرفين عن دائرة التخيير، فهو لا يرجع إلىٰ أنّه حقّ، بل

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 525.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 23.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 29 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 161

هو اعتبار آخر يتصوّر حتّى في باب التخييرات التكليفيّة؛ بأن يكون اختيار أحد الأطراف بيده، بأن يعيّن علىٰ نفسه الطرف الآخر، فيصير متعيّناً كالواجب المعيّن، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

نعم، يمكن دعوى انصراف الاستثناء في أدلّة الشروط «1» عن مثله، فيكون الشرط المذكور نافذاً.

و لكنّ الشأن في عدم رجوع التبرّي إلىٰ الشرط، بل

التبرّي يمنع- في محيط العرف و الشرع عن حدوث الخيار و الأرش بالعيب؛ سواء كان شرطاً أم لم يكن.

و بالجملة: التبرّي يوجب قصور سببيّة العيب الحادث عن تأثيره؛ في إحداث حقّ الأرش و الردّ.

و أمّا المناقشة في أنّ التبرّي من العيوب المتجدّدة غير معقول؛ لأنّ التبرّي الفعليّ غير ممكن، و التعليقيّ غير مشروع، فهي مندفعة مراراً واضحة تكراراً في مطاوي البحوث السابقة، و لا ينبغي الخلط بين الاعتباريّات و الحقائق، و بين موضوعات الأحكام و التأثيرات الواقعيّة، فإنّ الشرع و العرف يحكمان بوجود الحقّ في صورة عدم اقتران العقد بالتبرّي مثلًا، و لا يحكمان في غير هذه الصورة.

هذا مع أنّ التبرّي الإنشائيّ يبقىٰ في الاعتبار إلىٰ أن يحدث العيب،

______________________________

(1) عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز.

الفقيه 3: 127/ 553، تهذيب الأحكام 7: 22/ 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 162

فإذا حدث العيب، يصير هو مقروناً بذلك الوجود الباقي، فيمنع عن التأثير في الخيار و الأرش.

إن قلت: لا بدّ أن يرجع التبرّي المذكور إلىٰ الشرط؛ لأنّا لا نريد منه إلّا ما هو خارج عن ماهيّة العقد، و لاحق به و لو كان علىٰ سبيل الضمنيّة، لا الصريحة.

قلت: لا يورث التبرّي من العيوب شيئاً على الشارط، و لا المشروط عليه، كي يكون عليهما امتثاله بعد الشرط، حتّى يجب الوفاء به، و ما ليس كذلك ليس بشرط، بل التبرّي منها يحدث سعة في محيط المعاملة، و توسعة على البائع، و كأنّ هناك كان شرط حاصل من البناء

و الارتكاز، فأبطل البائع موقف هذا البناء؛ بإيجاد محيط خاصٍّ لتلك المعاملة و البيع؛ حتّى لا يقرنه شي ء يضيّق عليه.

و هذا اعتبار غير اعتبار الشرط، فما عن الشيخ «1»، و غيره «2»، و عن العلّامة «3»، و أتباعهم «4» من التمسّك بدليل الشرط في المسألة، غير راجع إلى التحصيل، فاغتنم.

و من الغريب توهّم: أنّ التبرّي يرجع إلىٰ شرط عدم الالتزام بشي ء، و تصير النتيجة بقاء العدم المقرون بالعقد و السابق عليه إلىٰ حينه،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 23.

(2) جواهر الكلام 23: 237.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 525/ السطر 30.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 58/ السطر 38، الخيارات، المحقّق الأراكي: 356.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 163

فلا معنىٰ لعدّه مخالفاً للكتاب، أو للعقل؛ بدعوىٰ أنّه مسقط لما لا وجود له!! فإنّ ذلك لو كان حقّا للزم تأثير العيب، و سلب الخيار أثره؛ لأنّه لا تنافي بين عدم التزامه بشي ء، و إيجاب الشرع ردّ الأرش عليه مثلًا. فلا بدّ من حصول شي ء بالشرط و لو كان عدماً عدوليّاً، لا تحصيليّاً. و إذا تحقّق بالشرط عدم عدوليّ يحصل التنافي، و يصير المحذور عائداً.

و بالجملة: لا حاجة إلىٰ إطلاق الصحيحة «1» و المرسلة «2» و الأخبار الخاصّة في باب الجارية الموطوءة «3» في إسقاطهما، بل يكفي لعدم ثبوتهما، قصور الأدلّة عن إثبات الخيار و حقّ الأرش في صورة اقتران العقد بالتبرّي من العيوب المتجدّدة. و لا حاجة أيضاً إلىٰ عموم دليل الشرط، مع ما فيه كما عرفت.

نعم، قد مرّ وجه جواز العقد؛ نظراً إلىٰ قاعدة «لا ضرر.» فيكون سقوط الخيار الحكميّ ممنوعاً، دون حقّ الأرش، فإنّه لا يثبت بها كما هو الواضح.

نعم، لنا تقرير في رسالتنا الموضوعة

فيها «4» ينتهي هو إلىٰ لزوم جبران الضرر من بيت المال، فيثبت به الأرش، إلّا أنّه ليس على البائع، فتأمّل تعرف.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 124.

(2) تقدّم في الصفحة 125.

(3) وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4.

(4) ممّا يؤسف له فقدان هذه الرسالة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 164

الجهة الخامسة حكم أقسام التبرّي
اشارة

التبرّي يتصوّر تارة: علىٰ نحو الاشتراط، و أُخرى: على نحوٍ يورث الإخلال بالبناء و محيط المعاملة، كما عرفت.

و علىٰ الأوّل تارة: يكون شرطاً على البائع، و أُخرى: على المشتري.

و على كلّ تقدير، تارة: يكون تبرّياً من أثر العيب العرفيّ، فيكون الخيار ساقطاً.

و أُخرى: من أثر العيب الأعمّ، فيكون كلّ من الخيار و الأرش ساقطاً.

و مثله التبرّي من الالتزام بما يأتي من قبل العيب، فإنّه إن كان معناه اعتبار الالتزام بالعدم فيكون عدماً عدوليّاً فهو مفيد، و إن كان معناه عدم الالتزام بالسلب التحصيليّ، فلا أثر له.

فما في كلام الشيخ (قدّس سرّه) في الوجه الأوّل: «من أنّ مرجعه إلىٰ عدم التزامه بالسلامة، فلا يترتّب علىٰ ظهور العيب ردّ و لا أرش» «1» انتهىٰ، غير تامّ إطلاقه؛ فإنّ عدم التزامه بالسلامة علىٰ وجه تجري أصالة السلامة، و لا يلزم منه الإخلال بالبناء الكلّي المعمول بين العقلاء لا يفيد شيئاً، و لا يترتّب عليه الأثر المذكور.

و ثالثة: يكون التبرّي من ضمان العيب، و قال الشيخ (رحمه اللّٰه): «و هذا هو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 165

الأنسب» «1».

و فيه: أنّ الأرش إن كان علىٰ ذمّة البائع بحيث يكون ديناً؛ فيخرج من أصل التركة فهو، و إلّا فلو كان يجب تكليفاً على البائع عند مراجعة المشتري مثلًا، جبرانُ النقص،

فلا أثر للبراءة و التبرّي، و لا مناسبة في البين؛ لما لا ضمان رأساً. و لا يبعد كون الاحتمال الثاني أقرب، و ربّما يأتي تفصيل البحث عن مسألة الأرش و أنّه من أيّ قسم من الاعتبارات؟ في بعض البحوث الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و رابعة: التبرّي من حكم العيب، فيكون الخيار ساقطاً، كما في كلام العلّامة «2» حسبما استظهره الشيخ (رحمه اللّٰه) «3».

و أنت قد عرفت احتمال كون الأرش أيضاً من أحكام العيب.

هذا، و لو كان هو أيضاً ديناً و ضماناً، فهو حكم وضعيّ، فلو تبرّأ من الحكم بإطلاقه، يلزم سقوطهما أيضاً، و الأمر سهل.

تنبيه: لو اختلف محيط البائع و محيط البيع بحسب أصالة السلامة

ربّما يكون في قطرٍ من الأقطار بناء العرف علىٰ اشتراء الأمتعة من غير النظر إلىٰ الصحيح و السالم، و لا يحكمون بخيار العيب في محاكمهم، و لا توجد الدعوىٰ بينهم في هذا الأمر؛ لأنّ المغروس بينهم هو

______________________________

(1) نفس المصدر/ السطر 32.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 525/ السطر 31.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260/ السطر 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 166

البيع علىٰ كلّ تقدير، و لا يميّزون بين الصحيح و المعيب فرقاً يوجب شيئاً؛ لأعمّية أغراضهم، و سعة أنظارهم و مشاربهم، أو لعلل اخرىٰ روحيّة، أو مادّية و منطقيّة، فهل في هذا القطر يثبت خيار العيب شرعاً؛ نظراً إلىٰ أدلّته و إطلاقها، و إلى قاعدة نفي الضرر؛ و أنّها قاعدة عامّة لا تختص بقطرٍ دون قطر و عدم اهتمامهم بالضرر، لا يورت قصوراً في شمولها لموارده؟

أو لا يثبت الخيار و لا الأرش؛ نظراً إلىٰ ظاهر تعليلاتهم، و استدلالاتهم بأصالة الصحّة و السلامة، و إطلاق العقد المقيّد طبعاً في ذلك القطر؟

أو يقال بثبوته بحسب الطبع، و سقوطه؛ لأجل كونه راجعاً إلىٰ

التبرّي من العيوب، إلّا أنّه ليس من التبرّي الشخصيّ، بل هو من التبرّي العموميّ الاعتياديّ؟

و الفرق بين القول بعدم الثبوت رأساً، و بين الثبوت بحسب الأدلّة و السقوط، يوجد فيما إذا باع رجل من ذلك القطر متاعاً و هو في القطر الآخر اتفاقاً، فبان أنّه معيب، فإنّه يشكل الأمر جدّاً؛ ضرورة أنّه بلحاظ الحالة الشخصيّة لا يثبت الخيار و لا الأرش، و بلحاظ المنطقة يثبت الخيار و الأرش. فإن قلنا بالثبوت و السقوط، فلا بدّ أن يحتاج السقوط إلىٰ دليل، و إن قلنا بعدم الثبوت فالثبوت يحتاج إليه.

و بالجملة: هل العبرة بالحالة الشخصيّة؛ فيكون البائع مبرّئاً من العيوب، أم العبرة بما هو متعارف المصر؟

و هذه المشكلة متوجّهة و لو قلنا: بأنّ التبرّي شرط في ضمن العقد؛ ضرورة أنّ البائع اشترط إلّا أنّ المشتري لم يقبل الشرط، فإن

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 167

كان الشرط موجباً لقصور دليل الخيار و الأرش عن إثباتهما و لو لم يقبله المشتري في مثل المقام، فلا يثبت شي ءٌ للمشتري.

و إن قلنا: بأنّ الشرط المقبول موجب لسقوط الحقّين، فله خيار الفسخ و الأرش.

و الذي هو الأقرب هو الأوّل.

الجهة السادسة حكم إنشاء قبول البيع و ردّ التبرّي
اشارة

بناءً علىٰ رجوع التبرّي إلىٰ الشرط في طيّ العقد، فهل يسقط حقّ المشتري عند عدم قبول الشرط، و قبول البيع؟

مثلًا: إذا باع المتاع الخاصّ على البراءة من العيوب، و قَبِل المشتري ذات البيع من غير قبول الشرط، فهل يسقط أيضاً حقّ الفسخ و الأرش، أم يكون البيع باطلًا رأساً، أو يكون صحيحاً و للبائع خيار؟ وجوه:

قضيّة ما تحرّر عندهم في بيع الفرس الشخصيّ علىٰ أنّه عربيّ فبان غير عربيّ؛ هي الصحّة؛ لأنّ البيع الواقع على المتاع الشخصيّ مورد القبول، و الشرط

خارج عن الماهيّة، و ملتحق بها، و حال لها، كما في المثال، فإنّه يصحّ البيع هناك، و يكون للمشتري خيار تخلّف الوصف، فعليه إذا باع الفرس المعيّن علىٰ أن يقرأ سورة، و قبل المشتري ذات البيع دون الشرط صحّ البيع؛ لوقوعه على العين الخارجيّة، و وقوع القبول علىٰ ما وقع عليه الإنشاء، و الشرط أمر خارج.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 168

و لا يلزم من ردّ الشرط و عدم قبوله، عدم التطابق بين الإيجاب و القبول بالضرورة؛ لأنّه التزام ثانٍ خارج عن الالتزام الأوّل في مفروض البحث، بل حقيقة الشرط ذلك، و إلّا فيرجع الشرط الصوريّ إلىٰ المقوّم.

و من هذا الباب تبرّي البائع من العيوب فإنّه من الشرط؛ سواء كان وجوديّاً أو عدميّاً، و سواء كان علىٰ نفسه أو على المشتري، فإنّه إذا قبل المشتري البيع بغير الشرط، فلا بدّ أن يصحّ البيع؛ لوقوعه على الشخصيّ، لا الكلّي. مع أنّه علىٰ تقدير وقوعه على الكلّي، أيضاً يمكن دعوى صحّته، كما لا يخفى.

فبالجملة: لا فرق بين ما نحن فيه، و بين ما اشتهر صحّته بين المحقّقين في المثال المذكور، فإن ترى في نفسك شيئاً بالنسبة إلىٰ المقام فيسري ذلك إلىٰ تلك المسألة، و يكون هذا شاهداً على عدم تماميّة القول بالصحّة هناك.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ التطابق بين الإيجاب و القبول في المثال، حاصل بحسب مقام الإنشاء، و التخلّف الخارجيّ لا يضرّ به. و أمّا فيما نحن فيه، فالتطابق لا يحصل إلّا بقبول جميع القيود المأخوذة في الإيجاب؛ و لو كانت بشكل الشرط، فلو قال المشتري: «قبلت البيع، و ما قبلت الشرط» لا تقع المبادلة عرفاً؛ بناءً علىٰ كون القبول ركناً في العقد.

و أمّا على

القول: بأنّه في حكم إجازة الفضوليّ، و يكون تمام ماهيّة المبادلة حاصلة بإيجاب البائع، فالأمر أيضاً كذلك؛ لعدم موضوعيّة الإيجاب المذكور للأثر عند العقلاء في صورة التخلّف في مقام القبول

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 169

و الإجازة. و هكذا إذا كان البيع واقعاً معاطاة، فتأمّل. و قد مضى شطر من البحث حول هذه الجهة في مسألة تطابق الإيجاب و القبول، فراجع.

في سقوط الخيار عند عدم قبول المشتري للتبرّي

ثمّ إنّه علىٰ تقدير صحّته، كما هو الأقرب من أُفق الصناعة المحضة و إن كان بعيداً عن الأذهان البدويّة، فهل يسقط حقّ الفسخ و الأرش؟ وجهان.

أوجههما: نعم؛ لما مرّ من قصور أدلّة الخيار و الأرش عن شمول هذه الموارد؛ و إن كان لاحتمال جواز العقد نظراً إلىٰ قاعدة نفي الضرر، و لزوم الجبران من بيت المال، حسب تقاريب أبدعناها حولها وجهٌ.

و علىٰ تقدير عدم السقوط، فالأظهر كون البائع بالخيار؛ إمّا لأجل حكم العقلاء، أو لأجل القاعدة.

و لو استشكل في حكم العقلاء: بأنّ مجرّد حكمهم بالخيار غير كافٍ؛ لعدم ثبوت إمضائه من قِبل الشرع لو لم يكن إطلاق أدلّة اللزوم رادعاً، فإطلاق القاعدة يقتضي جوازه الحكميّ؛ لأنّ صبر البائع و لزوم الأرش ضررٌ، و ربّما يعدّ حرجاً، فلا تغفل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 170

الجهة السابعة حكم التبرّي بالنسبة إلى الردّ دون الأرش
اشارة

في صورة تبرّي البائع مثلًا من العيب علىٰ وجه يختصّ بصورة سقوط الخيار دون الأرش، إذا تلف المتاع فهل يثبت الأرش و يكون التالف من البائع، أو يثبت الأرش عليه فقط، أو لا شي ء عليه؟ وجوه:

أمّا ثبوتهما؛ فالأرش لعدم سقوطه، و مقتضى إطلاق دليله، و أمّا التلف فعلى البائع؛ لأنّه في زمان خيار المشتري؛ فإنّ قاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له» أعمّ من وجود الخيار بالفعل، أو صلاحية المورد للخيار، و سقوطه لأجل الجهات اللاحقة.

و إلى هذا المعنىٰ يشير كلام «الدروس» في البحث الآتي بقوله: «و يحتمل الضمان؛ لبقاء علّة الخيار المقتضي لضمان العين» «1» انتهىٰ.

و فيه ما لا يخفى؛ فإنّ تلك القاعدة ليست مورد الإجماع بعنوانها، و دليلها مخصوص بخيار الحيوان و الشرط، و تفصيله في محلّه، و قد نصّ جمع علىٰ خروج خيار العيب عن

موردها «2»، مع أنّه لو كان بعنوانه محطّاً للشهرة، فظاهره وجود الخيار الفعليّ، فليتأمّل.

و أمّا وجه ثبوت الأرش فقط؛ فهو معلوم.

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 283.

(2) لاحظ جواهر الكلام 23: 87، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 171

و أمّا وجه إنكاره أيضاً؛ فذلك لأنّه خلاف الأصل و موردِ الخبرين. و أخبار الجارية منحصرة بصورة بقاء العين، كما مرّ فيما سلف و انتفاء الأرش يساعد عليه الاعتبار؛ إذا كان التلف بغير ذلك العيب.

نعم، إذا كان التلف مستنداً إلىٰ ذلك العيب، فالأرش يساعده الاعتبار.

نعم، دعوى القطع بعدم خصوصيّة لبقاء العين في يد المشتري بالنسبة إلىٰ جواز أخذ الأرش، قريبة جدّاً، و لا سيّما إذا كان الأرش مضموناً؛ لأجل العيب الموجب لنقصان المبيع حسب الكمّية، أو قلنا: بأنّ الأرش على القاعدة العقلائيّة، فتدبّر.

بقي شي ء لو تلف المبيع في زمان الخيار بغير العيب المتبرّئ منه

قال الشيخ (رحمه اللّٰه): «إنّ تبرّي البائع من العيوب مطلقاً أو من عيب خاصّ، إنّما يسقط تأثيره من حيث الخيار، و أمّا سائر أحكامه فلا، فلو تلف بهذا العيب في أيّام خيار المشتري، لم يزُل ضمان البائع؛ لعموم النصّ» «1» انتهىٰ.

و هنا سؤال يتوجّه إلىٰ أنّ خصوصيّة التلف بهذا العيب، ممّا لا معنى لها؛ ضرورة أنّ العيب ليس سبباً قهريّاً لحكم من الأحكام، بل هو

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 260 261.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 172

اعتبار وضعيّ إمضائيّ أو تأسيسيّ، فإذا تبرّأ البائع من العيب، فلا ردّ و لا أرش حسب الفرض، فإذا تلف المتاع المذكور، فهل يكون تلفه على البائع، أم لا؟ و هذا بحث صحيح؛ سواء كان المتاع المذكور صحيحاً، أم معيباً، أو تلف بذلك العيب أو بغيره؛ لأنّ الكلام حول أنّ التلف في زمن الخيار،

هل يكون على البائع بعد هذا التبرّي، أم لا؟ و في هذه القاعدة لم يؤخذ التلف الخاصّ حتّى يكون التلف بذلك العيب دخيلًا، فلا تخلط.

ثمّ إنّه لو أُريد من البحث و السؤال المذكور؛ التلف في زمان الخيار الساقط بالتبرّي، فقد عرفت البحث عنه فيما مضى في الجهة السابقة، فإنّه لو كان المراد من «الخيار» في القاعدة، أعمّ من خيار العيب و من وجوده الأعمّ من الفعليّة و الشأنيّة، كان لضمان البائع وجه، و إلّا فلا، من غير فرق بين سقوط الأرش و عدمه.

و إن أُريد منه التلف في زمن الخيار الآخر كخيار الحيوان و الشرط، كما هو الظاهر من «الدروس» «1» و الشيخ «2»، خلافاً لما استظهره الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «3» ففي المسألة قولان:

سقوط جميع الأحكام بالتبرّي من العيب، فيكون خيار الحيوان و ضمان العين أيضاً ساقطاً إذا تلف، دون خيار الشرط، فإنّه لا معنىٰ لسقوطه بعد ذكره في عَرْض التبرّي، و هذا هو ظاهر «الدروس» «4».

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 283.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 248/ السطر 3.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 87/ السطر 31.

(4) الدروس الشرعيّة 3: 283.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 173

و عدم سقوط خيار الحيوان و الضمان، و انحصار السقوط بخيار العيب و الأرش؛ من غير فرق بين كون التلف مستنداً إلىٰ العيب المتبرّئ منه و عدمه؛ لأنّ خيار الحيوان و الضمان ليسا معلولي العيب؛ حتّى يقع التفصيل المذكور، فالتلف و لو كان لأجل ذلك العيب، إلّا أنّه ليس ملحوظاً في القاعدة، و لا يفيد التبرّي منه سقوط أثره و هو الضمان؛ لأنّ التلف و لو كان تكويناً معلول العيب المذكور، و لكنّه بحسب التشريع معلول الاعتبار الخاصّ الشرعيّ،

كما مرّ، فلا تغفل.

و الذي هو التحقيق: إمكان إرادة إسقاط جميع الأحكام حين التبرّي ثبوتاً، و قابليّة كلّ من خيار الحيوان و ضمان التلف للسقوط في ضمن العقد و البيع.

نعم، بحسب الإثبات ما هو الأظهر ارتباط التبرّي من العيوب بآثارها الخاصّة، كخيار العيب و الأرش، دون خيار الحيوان و ضمان التلف.

نعم، إذا كان التلف مستنداً إلىٰ العيب، ربّما يستظهر إثباتاً عدم الضمان أيضاً؛ لأنّ إفراغ ذمّته من الأرش بالتبرّي، يلازم الإفراغ من الضمان بالتلف، فإذا كان بحسب الاستظهار، تبرّيه موجباً لشرط عدم الضمان عند التلف، فلا خيار للمشتري بعده؛ لأنّ التلف في حال خيار الحيوان، يوجب انفساخ العقد آناً ما، فلا معنىٰ لكون صاحب الحيوان بالخيار بعد التلف.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ذلك في صورة كون التلف علىٰ عهدة البائع، و أمّا إذا كان من كيس المشتري فلا حاجة إلىٰ اعتبار انفساخ العقد،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 174

فيكون بعد التلف حسب القاعدة العقد باقياً، و لو كان من كيسه فله الخيار. مع أنّ حديث انفساخ العقد آناً ما، غير تامّ عندنا، وفاقاً لجملة من الأعلام (رحمهم اللّٰه).

فبالجملة تحصّل: أنّ في مرحلة الثبوت لا يكون إشكال، و في مرحلة الإثبات لا يبعد كون التلف بالعيب المتبرّئ منه، غير مضمون علىٰ البائع. و لو كان خيار الحيوان باقياً فالقول: بأنّ سائر الأحكام لا تزول بالتبرّي، أو القول بزوالها علىٰ الإطلاق، غير جيّد، بل فيما نحن فيه و هو التلف بالعيب المتبرّئ منه لا يبعد عدم الضمان، مع بقاء خيار الحيوان، فتأمّل.

تحقيق و إرشاد: لو تلف الحيوان بعد التبرّي عن العيوب في الأيّام الثلاثة

ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ شرط عدم الضمان عند تلف الحيوان، غير نافذ ثبوتاً؛ و ذلك لأنّ حين وجوده لا أثر للشرط، و

إذا تلف لا يبقى العقد، فلا يكون محلٌّ لنفوذ الشرط؛ لأنّه أمر ضمنيّ. و هكذا في جميع الموارد المشابهة للمسألة، كشرط ضمان المستأجر إذا تلفت العين المستأجرة.

و القول: ببقاء العقد و لو تلف العوضان، و إن كان ممّا لا بأس به، إلّا أنّه لا أثر له فيما نحن فيه؛ بعد كون التلف من كيس المشتري.

نعم، نفس هذا الشرط أثر، إلّا أنّه لا بدّ من حكم العقلاء ببقاء العقد في ذاته؛ حتّى يترتّب عليه الأثر المذكور.

و إن شئت قلت: شرط التبرّي من العيوب أيضاً في صورة التلف لا أثر له؛ لأنّه إذا كان التلف من كيس البائع، و ينكشف به انفساخ العقد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 175

من الأوّل، فلا بدّ من جبران التالف و لو بضمان معاوضيّ، كما هو مختارهم.

فبالجملة: لو كان التلف من كيس البائع، فشرط التبرّي بلا أثر، إلّا إذا قلنا: بأنّ التلف لا ينكشف به الانفساخ، فيكون البائع ضامناً للغرامة، و لضمان اليد بالمثل أو القيمة. و إن كان من كيس المشتري، فبما أنّ التلف يورث انحلال العقد عرفاً من حينه. و القول ببقائه الاعتباريّ ينفع في موارد خاصّة، و لا يساعد عليه العرف علىٰ الإطلاق؛ و إن كان ممكناً ثبوتاً تخيّله كما مرّ.

أقول: هذه المشكلة متوجّهة إلىٰ مقالة الاشتراط؛ و أنّ التبرّي شرط في ضمن العقد، و أمّا على المقالة التي أسّسناها من أنّه ليس يرجع إلىٰ العقد، و لا يعدّ شرطاً فلا يلزم إشكال؛ لأنّ منشأه اعتبار الشرط، و لزوم كونه بلا أثر بعد التلف. فإذا تمّ استظهارنا بأنّ التلف بذلك العيب ليس مضموناً على البائع في صورة تبرّئه من العيب، فلا يلزم انفساخ العقد من الأوّل، و

يكفي لسقوط الضمان مجرّد تحقّق العقد صحيحاً؛ لأنّ معنى اشتراط عدم الضمان، ليس إلّا أنّه إذا تلف فليس عليه شي ء، و هذا قد يثبت بمجرّد المعاملة، و لا يعتبر وجودها البقائيّ في هذا الأمر، فتدبّر.

تذنيب: لو تلف الحيوان بالعيب غير المتبرّئ منه

ما ذكرناه كان حكم التلف في صورة كونه مستنداً إلىٰ العيب المتبرّئ منه، و أمّا إذا كان تلف الحيوان مستنداً إلىٰ العيب غير المتبرّئ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 176

منه، فيكون على البائع تلفه، و عندئذٍ إن قلنا بالانفساخ كما هو رأي الأكثر «1» فلا بحث؛ لعود الثمن إلىٰ المشتري.

و إن قلنا بالغرامة؛ و أنّ البائع يجب عليه جبران التالف من غير انفساخ العقد، و لا رجوع المثمن إليه، فيمكن دعوى: أنّ المشتري كما له مطالبة عوض التالف المعيب، له مطالبة الأرش؛ لأنّ المفروض استناد التلف إلىٰ العيب غير المتبرّئ منه، فيكون عهدة البائع مشغولة به إن كان الأرش مضموناً.

و بالجملة: لا تنافي بين وجوب جبران التالف و ضمانه، و بين وجوب تحمّل الأرش؛ قضاءً للعقد الباقي الواقع على المعيب المقتضي للأرش.

اللهمّ إلّا أن يقال: يكفي لعدم ثبوت الأرش هنا بعد كونه خلاف القاعدة قصور دليله اللفظيّ و اللبّي، كما لا يخفى.

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 302/ السطر 27.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 177

الثالث زوال العيب قبل الردّ
اشارة

من الموارد التي قيل بعدم ثبوت الخيار و الأرش زوال العيب قبل العلم، بل و بعد العلم به إذا كان قبل الردّ، كما هو ظاهر «التذكرة» «1» و صريح الفقيه اليزدي «2»، و قيل بعدم سقوطهما «3»، و ذهب الشيخ إلىٰ التفصيل بين الخيار و الأرش، فأسقط الأوّل، و أثبت الثاني «4».

و غير خفيّ: أنّ ما هو اللائق بالبحث؛ هو ما إذا زال العيب قبل الأخذ بالخيار أو الأرش، و لا مدخليّة للعلم قبله و لا بعده حسبما تحرّر؛ من أنّ الخيار بطرفيه مستند حسب الأدلّة اللفظيّة و اللبّية إلىٰ العيب في المعقود عليه، و لو كان

العلم دخيلًا في الثبوت، فلا معنىٰ لاحتمال عدم سقوطه بالزوال قبل العلم؛ ضرورة أنّه لم يثبت بعدُ.

و على كلّ تقدير: ينبغي قبل البحث في سقوط الخيار بزوال العيب، البحثُ في جهة أُخرى: و هي أنّه هل لا يعتبر في ثبوت الخيار و الأرش، دوام العيب إلىٰ ما بعد الردّ أو الأخذ بالأرش؟

أم يعتبر مطلقاً، فلو أخذ بالأرش فزال العيب، يردّ الأرش إلىٰ

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 22.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 88/ السطر 13.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 77، مصباح الفقاهة 7: 174.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 11.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 178

البائع؟

أم لا يعتبر إلّا أصل ثبوت العيب حال العقد بالنسبة إلىٰ الأرش، دون الخيار، فسقوط الأرش يحتاج إلىٰ دليل؟

و بعد ذلك يقع البحث في سقوطهما بالزوال، و هكذا في جريان الاستصحاب و عدمه.

فهنا مسألتان:

المسألة الأُولىٰ اعتبار دوام العيب في ثبوت الخيار و الأرش
اشارة

فالذي هو منشأ احتمال اشتراط دوام العيب في ثبوت الخيار و الأرش؛ عدم وجود إطلاق يعتمد عليه في الأدلّة الخاصّة اللفظيّة، و لا في معقد الإجماعات المحكيّة، و لا في بناء العقلاء، فلا بدّ أن يؤخذ بالقدر المتيقّن؛ لأنّ الخيار و الأرش علىٰ خلاف الأصل في العقود اللازمة، فإذا زال العيب و لو بعد الردّ أو بعد أخذ الأرش، يكشف عن عدم ثبوتهما من الأوّل، كما إذا أخذ بالخيار أو الأرش بتوهّم وجود العيب، فبان خلافه.

فما تعارف بينهم من البحث حول سقوطهما بالزوال قبل الردّ، إنّما هو بعد البحث عن أصل ثبوتهما في مفروض الكلام، كما عرفت.

و تبيّن أيضاً سعة دائرة المسألة؛ لقوّة احتمال عدم ثبوتهما حتّى بعد الردّ أو الأخذ بالأرش؛ إذا زال العيب بعدهما.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص:

179

كما تبيّن أنّ ما في «التذكرة» «1» و ما جعله الشيخ محور البحث من أنّ الزوال قبل الردّ، هل يوجب سقوطهما «2»؟ غير تامّ؛ لأنّ من المحتمل عدم سقوط الخيار حتّى بعد الأخذ بالأرش، كما مرّ في مطاوي البحوث السابقة. هذا.

و الذي هو التحقيق: أنّ صحيحة زرارة «3»، ليست في مقام البيان بالنسبة إلىٰ هذه المسألة. و أمّا مرسلة جميل «4»، فهي مضافاً إلىٰ عدم صحّة الركون إليها؛ لما مرّ ظاهرة في بقاء العيب إلىٰ حال الردّ أو الأخذ بالأرش، و إن كان ظاهر صدرها: أنّ ما هو الموضوع للخيار أو الأرش، هو العيب حين الاشتراء، فلا يعتبر بقاؤه، إلّا أنّه لمكان ذيلها لا يستقرّ ظهوره.

و علىٰ هذا، يسقط البحث حول أنّ ما هو موضوع الخيار هو عنوان «المعيب» فيكون الحكم دائراً مداره، فإذا زال فلا خيار؛ لأجل زوال الموضوع، أو يكون موضوعه المتاع بعلّية العيب علّة منحصرة، فيزول الخيار بانعدام العلّة، أم يكون الموضوع عنوان «المتاع» أو «ما اشتراه» بعلّية العيب علىٰ نعت الوساطة في الثبوت، فيكون الخيار باقياً، و هكذا حقّ أخذ الأرش و لو زال العيب.

و ما هو الظاهر هو الأخير، فلا يعتبر دوام العيب في بقاء الخيار

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 22.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 3.

(3) تقدّم في الصفحة 124.

(4) تقدّم في الصفحة 125.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 180

و الأرش؛ فإنّ الصحيحة أجنبيّة عن هذه المسألة، و المرسلة ظاهرة في مورد بقاء العيب حين الردّ أو الأرش.

و توهّم: أنّ قضيّة القاعدة ثبوت الخيار قبل الأخذ بالأرش، و إلّا فلا ضرر.

مدفوع أوّلًا: بأنّ مستند الخيار ليس القاعدة.

و ثانياً: مقتضاها اشتراط الدوام في ثبوت الخيار، و

إلّا فلا ضرر حتّى ينجبر بالخيار.

نعم، إذا أخذ بالأرش فلا خيار بعد الأرش.

فعلى هذا، يكون القول بعدم ثبوت الخيار، و لا الأرش من الأوّل في صورة الزوال و لو بعد الردّ، أو الأخذ بالأرش قويّاً، فضلًا عمّا إذا زال قبل الردّ.

و توهّم: أنّ قضيّة الأخذ بالأرش إسقاط الخيار بحسب الظاهر، أو هو لازم الوجوب التخييريّ، في غير محلّه؛ لأنّ زوال العيب بعد الأخذ بالأرش، يكشف عن عدم الثبوت من الأوّل، فلا خيار، و لا تخيير.

هذا، و لكنّ الإنصاف و الفهم القطعيّ يشهدان علىٰ سقوط احتمال اشتراط بقاء العيب إلىٰ الآخر في ثبوتهما؛ و إن لم يكن علىٰ نفي الشرطيّة دليل إلّا الأُصول العمليّة؛ بناءً علىٰ جواز التمسّك بها في المعاملات، و تفصيله في الأُصول.

و أمّا احتمال اشتراط دوام العيب إلىٰ حال الردّ أو الأخذ بالأرش، فهو في حدّ نفسه قريب، و لا يندفع ذلك بالأدلّة الخاصّة؛ لما مرّ. مع أنّ الالتزام بأنّ في صورة الزوال، يكون المشتري بالخيار، و يكون له أخذ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 181

الأرش، ممنوع؛ لأنّ خياريّة عقده ضرر على البائع أحياناً، أو يلزم منه الحرج. و أظهر منه في الضرر وجوب الأرش.

و دعوىٰ: أنّه لا تصلح القاعدة لنفي خيار المشتري؛ لأنّ خياره ثابت بها، فيلزم اتحاد القيد و المقيّد، غير مسموعة؛ لما مرّ من إمكان كونها مقيّدة لنفسها. مع أنّ مستند الخيار ليس القاعدة، و أمّا نفي التخيير فهو ممكن بها، كما لا يخفى.

هذا، مع أنّ بناء العقلاء و فهم العرف، يؤكّدان قوّة الاحتمال المذكور، فالقول بعدم ثبوتهما إذا زال العيب قبل الردّ أو الأخذ بالأرش، قويّ.

نعم، فيما إذا أخذ بالأرش فزال فوراً، يحتمل وقوع الأرش في غير

محلّه؛ و إن كان زوال العيب في ملك المشتري و الأرش غرامة؛ لأنّه باعتبار جبران النقص بالضرورة، و حينئذٍ لا يبعد وجوب ردّ الأرش إلىٰ البائع، و لا سيّما بعد كونه خلاف الأصل.

بقي شي ء: في عود العيب بعد الزوال

لو فرضنا الإطلاق في الأدلّة الخاصّة، و احتملنا العنوانيّة للمعيب أو العُروض للعيب، فيلزم عود الخيار و حقّ أخذ الأرش بزوال العيب و عوده؛ حتّى بعد الردّ أو الأخذ بالأرش، فمنه يعلم: أنّ هناك حدّا خاصّاً.

و إذا كان العيب الخاصّ المحدود، موضوعاً للخيار أو دخيلًا، فلا فرق بين المحتملات الثلاثة في هذه المسألة، فما في تعليقات العلّامة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 182

الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «1» خالٍ من التحصيل.

المسألة الثانية في سقوط الردّ و الأرش بزوال العيب

بناءً علىٰ كفاية مجرّد العيب لثبوت الخيار و حقّ الأرش، فهل يكون زوال العيب موجباً لسقوطهما أو سقوط أحدهما، أم لا؟ وجهان:

من أنّ الالتزام ببقاء الخيار و حقّ الأرش في صورة زوال العيب، يستلزم كون الخيار في مرحلة البقاء، مستنداً إلىٰ علّة أُخرى، و هي غير ظاهرة.

و أنّ الخيار ضرر، أو أحياناً حرج علىٰ البائع، فيرفع و يقيّد إطلاق دليلهما بالقاعدة، كما أُشير إليه في المسألة السابقة.

و أنّه لا يكفي احتمال بقائه لجريان الاستصحاب بعد العلم بثبوته؛ لكونه من الشكّ في المقتضي.

و من أنّ للشرع أخذ العيب واسطة في الثبوت، و هو أمر واقع في الشرع، كالتغيّر الواسطة لعروض النجاسة علىٰ الماء، مع بقائها و لو زال التغيّر «2».

و أنّه لا يلزم من إجراء القاعدة فرضاً، نفي الخيار مطلقاً؛ لإمكان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 114/ السطر 15.

(2) وسائل الشيعة 1: 137، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 183

كونه غير مستتبع للضرر على البائع، و لا الحرج، فيكون حسب الأدلّة الأوّلية ثابتاً.

و أنّه يجري الاستصحاب في الشكّ في المقتضي.

نعم، لا يجري لمكان كونه من الشبهة الحكميّة، و قد تحرّر منّا عدم جريانه فيها. و لا تصل

النوبة إليه؛ لأنّ مرجعيّة إطلاق دليل اللزوم أقوى في النظر.

فتحصّل لحدّ الآن: أنّ زوال العيب يورث سقوطهما؛ بمعنى عدم ثبوتهما، و أنّه علىٰ تقدير ثبوتهما بمجرّد العيب، لا دليل علىٰ سقوطهما إلّا القاعدة، و هي علىٰ تقدير جريانها مخصوصة بموردها، و أنّه لو وصلت النوبة إلىٰ الشكّ، يكون أصالة اللزوم مرجعاً، فتأمّل، و الحمد للّٰه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 184

مسقطات أُخر للخيار و الأرش ذكرها بعض الأصحاب
اشارة

ثمّ إنّه قد ذكروا أُموراً أُخر يسقط بها الخيار و حقّ الأرش:

التصرّف بعد العلم
اشارة

فمنها: ما هو المحكي عن ظاهر ابن حمزة في «الوسيلة» رحمة اللّٰه عليه فإنّه قال بسقوطهما بالتصرّف بعد العلم «1».

و الظاهر أنّ نظره إلىٰ التصرّف المطلق، و إلّا فالتصرّف المغيّر للعين ليس قابلًا للإنكار عندهم، و لا يكون القول به فتوى جديدةً.

نعم، التقييد بأنّ التصرّف المغيّر بعد العلم مسقط بدعوىٰ: أنّه مراد «الوسيلة» يكون فتوى جديدةً، و لكنّه لا يرتضي به بالضرورة؛ لكونه خلاف رأي الأصحاب و ظاهر الأخبار.

فعلى هذا، يتعيّن أن يكون نظره إلىٰ أنّ مطلق التصرّف إذا كان بعد العلم يكون مسقطاً، و إذا كان عن جهل لا يسقط إلّا إذا كان من التصرّف المغيّر، فهذا الرأي قابل لأن يوجّه بما مرّ في أخبار خيار الحيوان «2»،

______________________________

(1) الوسيلة: 257.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: الشرط في الحيوان ثلاثة الأيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط، قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. الحديث.

الكافي 5: 169/ 2، تهذيب الأحكام 7: 24/ 102، وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 185

حيث إنّه يستفاد منه أنّ التصرّف رضا، و موجب للسقوط.

و دعوىٰ: أنّه لا يوجب سقوط الأرش، و غاية ما يسقط به هو سقوط الخيار و حقّ الفسخ، كما عن الشيخ و أتباعه «1»، قابلة للدفع بأنّه استفاد من أدلّة خيار العيب: أنّ هذا الخيار معنى وحدانيّ ذو طرفين: الفسخ، و أخذ الأرش، و هذا

التخيير التعبّدي الشرعيّ يسقط بالرضا تعبّداً.

و كونه من الرضا بالمبيع دون العيب مجّاناً، لا يضرّ بما هو مراده؛ و هو سقوط خيار العيب هنا تعبّداً الذي طرفه أخذ الأرش، كما هو ظاهر المشهور، و قد مرّ توضيحه، فالتفكيك و إن كان ممكناً، إلّا أنّه يحتاج إلىٰ العناية.

نعم، قد مرّ ما في أصل المسألة في خيار الحيوان، فكيف الأمر بالمقام؟! هذا مع أنّ من المحتمل كون المشتري ذا حقّين عرضيّين: حقّ الفسخ، و حقّ أخذ الأرش، و لا يتمكّن من الجمع، و قد مرّ ما يتعلّق به.

هذا مع أنّ توسعة دائرة التعبّد، لا تمكن إلّا بالظهور و الصراحة،

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 4: 626، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 13، النهاية: 393، المراسم: 175.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 186

و مجرّد الاستئناس غير كافٍ.

و هذا هو الوجه الوحيد القابل لأن يتمّ به مرام «الوسيلة» من سقوطهما بالتصرّف بعد العلم «1».

و أمّا قضيّة الأخبار الخاصّة، فلا شكّ في أنّها في مورد الجهل بالعيب حين الاشتراء. و أمّا أنّها في مورد الجهالة به حين الإحداث، أو في مورد العلم به حين التغيير و التصرّف، فغير واضح، و قد ادعى الفقيه اليزديّ: «أنّ اختصاص النصوص بصورة التصرّف قبل العلم، ممّا لا ينبغي أن يتأمّل فيه» «2» خلافاً للشيخ (رحمه اللّٰه) حيث تأمّل فيه «3».

و الذي هو الأظهر في المرسلة؛ هو الإطلاق.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ قوله: «إن كان الشي ء قائماً بعينه» معناه إن كان الشي ء الذي وجد فيه عيباً، فيكون «الألف و اللام» للعهد الذكريّ، فإنّه حينئذٍ يستقرّ ظهوره في أنّ المقسم للتغيّر و عدمه قبل الوجدان. مع أنّه أيضاً غير واضح كما لا يخفى، فما في كلام المجيب

ظاهر في أنّ المناط هو البقاء على العين و عدمه؛ من غير دخالة شي ء فيه.

نعم، قد مرّ منّا عدم جواز الركون إلىٰ هذه المرسلة؛ و لو جاز السكون إلىٰ سائر مراسيل أصحاب الإجماع، فلا تخلط.

و أمّا معتبر زرارة السابق الذكر، ففيه من الاحتمالات ما ينتهي إلىٰ

______________________________

(1) الوسيلة: 257.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 88/ السطر 29.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 15.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 187

خلاف مقالة صاحب «الوسيلة» (رحمه اللّٰه) و هو الظاهر من الاحتمالات؛ لأنّ العلم بالعيب متأخّر فيه عن الإحداث؛ سواء كان قوله (عليه السّلام): «علم بذلك العَوار» معطوفاً بكلمة «ثمّ» أو «الفاء» فعليه يكون التصرّف و الإحداث موجباً للزوم البيع في صورة الجهل.

هذا مع أنّ احتمال كون قوله (عليه السّلام): «علم بذلك العَوار» عطفاً على القبض مطلقاً سواء كان حرف العطف «ثمّ» أو «الفاء» لا ينفع و لا يفيد؛ لأنّ العلم بالعيب و إن كان يلزم تقدّمه علىٰ الإحداث إلّا أنّه لا يسقط به الأرش حسب النصّ، بل غايته سقوط الخيار. مع أنّ سقوط الخيار مستند إلىٰ الإحداث بعد العلم، لا مطلق التصرّف.

فعلى كلّ تقدير: إمّا تكون الصحيحة دليلًا علىٰ خلاف التفصيل المذكور مطلقاً، أو تكون دليلًا علىٰ خلاف مقالته في الجملة، فلا وجه لسقوط الخيار و الأرش معاً بالإحداث بعد العلم.

اللهمّ إلّا أن يقال: قضيّة المفهوم في صورة العلم قبل الإحداث؛ جواز العقد و عدم الأرش، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فيكون المفهوم في هذه الصورة لزوم العقد و عدم جواز الأرش لأنّه أيضاً أحد فروض المفهوم بعد كون الجزاء جملتين و سيأتي زيادة توضيح إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: علىٰ تقدير استفادة القاعدة

الكلّية من أخبار خيار الحيوان «1»، فهي مخصّصة بمعتبر زرارة «2» فيما نحن فيه؛ و أنّ الإحداث

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 10 15، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3 و 4 و 5.

(2) تقدّم في الصفحة 124.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 188

الذي هو أقوى من مطلق التصرّف و لو كان بعد العلم، لا يوجب سقوط الخيار و الأرش.

نعم، يوجب سقوط الخيار فقط، وفاقاً للمرسلة «1»، و لما عليه المشهور «2».

تنبيه: حول كون الإحداث من المالك مسقطاً

لأحد أن يقول: إنّ الإحداث أعمّ من التغيير و عدم القيام بنفسه، و هو يقرب من التصرّف، و إذا كان وصف المباشرة قيداً، فيكون مطلق الحدث غير كافٍ للزوم البيع، فعليه كما مرّ يكون الإحداث المستند إلىٰ المالك مباشرة و لو كان الحدث شيئاً جزئيّاً موجباً للزوم البيع تعبّداً؛ لأنّ المفروض الظاهر أنّه في حال الجهل، و عند ذلك يستظهر أنّه لأجل كونه رضا بالبيع، اعتبر مسقطاً للخيار تعبّداً و لو كان حال الجهل؛ نظراً إلىٰ حال البائع، و عدم تضرّره بالصبر على المعيب.

و قد مرّ بعض ما يتعلّق بهذا الاحتمال حول الرواية؛ فإنّ حملها على المرسلة أو العكس، يجوز فيما إذا صحّ الاعتماد عليها، و قد مرّ مراراً وجه سقوطها خصوصاً، فلا تخلط.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 125.

(2) المقنعة: 597، النهاية: 393، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 13، المراسم: 175، شرائع الإسلام 2: 30، تحرير الأحكام 1: 183/ السطر 12، الدروس الشرعيّة 3: 283، و غيرهم.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 189

التصرّف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب

و منها:- أي ممّا يوجب سقوط الفسخ و الأرش معاً التصرّف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب، كالبغل المخصيّ.

و ربّما يناقش مسامحة: بأنّه لا معنى لكون الأرش ساقطاً في هذه الصورة، بل لم يثبت الأرش عندهم هنا، فالبحث في هذه الصورة حول أنّ التصرّف في هذا المعيب الذي لا أرش له، يوجب سقوط الخيار، و أنّ الإحداث و التغيير و لو كان عن مباشرة و علم، هل يوجب سقوطه، أم لا؟ بعد ما تحرّر من أنّ قضيّة القواعد عدم السقوط، إلّا إذا أُريد من «التصرّف و الإحداث» إسقاط الخيار، و إلّا فالعقد باقٍ، كما مرّ في خيار الغبن.

هذا، و الذي

تحرّر منّا فيما سلف: أنّ خيار العيب مستند إلىٰ ما هو العيب في محيط المعاملات، لا إلىٰ ما هو العيب في سائر المحيطات و الأقطار، و العيب الذي لا يقوّم لا يوجب الخيار عند العقلاء، فالتصرّف في الصورة المذكورة لا يوجب شيئاً.

و أمّا المناقشة فيه: بأنّ قضيّة القواعد عدم السقوط بالإحداث و التغيير، و أخبار المسألة قاصرة عن شمول المقام؛ لأنّ موردها ما يكون العيب فيه مقوّماً.

فأُجيب: بأنّ ذلك و لو صحّ في جانب معتبر زرارة «1»، إلّا أنّه لأجل

______________________________

(1) عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 190

عدم الإطلاق فيه رأساً من هذه الجهة، و أمّا في جانب المرسلة «1» فالإطلاق ثابت للشرطيّة الثانية؛ لأنّها شرطيّة أجنبيّة عن الاولىٰ، و ليست هي مفهوم الشرطيّة الأُولىٰ، فما في كلام المحشّي العلّامة (قدّس سرّه) «2» في غير محلّه.

و الذي هو الحقّ: أنّ المرسلة مضافاً إلىٰ ضعف السند كما مرّ صدرها مع ذيلها أجنبيّ؛ لأنّ الظاهر أنّ قوله: «و إن كان الثوب.» عبارة أُخرى عن الجملة الأُولىٰ، و اختلاف المفهوم و الجزاء لا يوجب الأجنبيّة، فالإنصاف عدم ثبوت الإطلاق للمرسلة، و لا المعتبرة، إلّا أنّه يفهم العقلاء عدم تقييد

في البين بإلغاء الخصوصيّة عرفاً.

و من هنا يظهر وجه دفع ما أورده الوالد المحقّق مدّ ظلّه: بأنّه لو لم يكن إطلاق في أخبار خيار العيب، للزم إنكار خيار العيب في

______________________________

(1) عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً. فقال: إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

الكافي 5: 207/ 2، الفقيه 3: 136/ 592، تهذيب الأحكام 7: 60/ 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب الطهارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 3.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 115/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 191

المعيب الذي ليس فيه الأرش؛ لقصور الأدلّة، و لانحصارها فيه، و لا دليل آخر يثبت به خيار العيب على الإطلاق «1».

و وجه الاندفاع واضح أوّلًا: لما عرفت من الالتزام بعدم ثبوت خيار العيب في الصورة المذكورة، كما مرّ فيما سبق.

و ثانياً: لنا إثبات الخيار لأجل فهم العقلاء، و بنائهم، و عدم ثبوت الخصوصيّة. بل الظاهر عدم خصوصيّة قطعاً، فتأمّل جيّداً.

و بالجملة: دليل خيار العيب هي الشهرة، و القدر المتيقّن منها هو المورد المذكور، و الأخبار كما مرّ قاصرة من جهات عن إثبات خيار العيب بالتخيير العَرْضي بين الفسخ و الأرش، و أمّا بناء العقلاء على الأعمّ، فهو كافٍ لو لم يكن في البين احتمال ردع الشرع عن هذا البناء، كما مرّ وجهه، فليتأمّل جدّاً.

و علىٰ هذا التحقيق يظهر: أنّ تمسّك الشيخ بالاستصحاب في المورد الآتي «2»، في غير محلّه؛ لكفاية الدليل الاجتهاديّ، و لو لم يكن في البين دليل اجتهاديّ يقتضي الخيار في

أمثال هذه الصورة، لما كان وجه لتمسّكه بالاستصحاب أيضاً.

______________________________

(1) انظر البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 65، و الظاهر أنّ المصنّف الشهيد ينقل عن مجلس بحث الإمام (قدّس سرّه).

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 192

حدوث العيب في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب الأوّل

و منها: حدوث العيب في المعيب المذكور، و قد أشرنا سابقاً إلىٰ أنّ المناقشة في عدّ هذه الموارد من موارد سقوط الأرش، في غير محلّها.

و أمّا المناقشة فيه: بأنّ جميع هذه الموارد، و ما يأتي من موارد ممنوعيّة أخذ الأرش شرعاً للزوم الربا ليست إلّا بحثاً واحداً: و هو أنّه إذا كان المبيع معيباً لا يؤخذ بالأرش فيه؛ فهل يسقط خياره بالتغيّر، أم لا؟ فما صنعه الشيخ «1» و تبعه الآخرون، في غير محلّه.

فهي مندفعة: بأنّ إرجاع هذه الموارد إلىٰ هذا البحث صحيح و ممكن، إلّا أنّ لكلّ واحدٍ منها دليلًا خاصّاً و ثمرة و بحثاً مخصوصاً، و قد مرّ منّا في المورد السابق الآنف وجه بديع لعدم ثبوت الردّ رأساً، و أمّا فيما نحن فيه فالردّ ممنوع؛ لعدم إمكان الاتكال على المرسلة «2»، فلا يكون مجرّد التغيّر كافياً.

و أمّا الصحيحة «3» فهي قابلة للاتكال، إلّا أنّها واردة في مورد الإحداث، لا حدوث العيب، فإذا حدث عيب فهو خارج عن أخبار المسألة، و لا يكون موجباً لسقوط الخيار، فلا يلزم ضرر على المشتري، و أمّا تضرّر البائع بحدوث العيب، فهو ليس منفيّاً؛ لاستناد الضرر إلىٰ العوامل الأُخر.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261.

(2) تقدّم في الصفحة 190.

(3) تقدّم في الصفحة 189.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 193

نعم، لو أحدثه المشتري فيسقط الخيار، و لا ينجبر ضرره؛ لأنّه مستند إليه.

تحقّق مسقطات الردّ مع ممنوعية الأرش شرعاً
اشارة

و منها: أي من موارد سقوط حقّ الفسخ و الأرش معاً على تسامح، ما إذا كان الأرش غير ثابت للممنوعيّة الشرعيّة؛ و هو لزوم الربا- لا الممنوعيّة التكونيّة كالموارد السابقة التي لم يكن العيب مقوّماً فإنّه في هذه الموارد إذا تحقّق أحد مانعي الردّ، يسقط الأرش و

الرد كلّ لأجل جهة، لا لجهة واحدة، فهنا تسامح آخر أيضاً؛ فإنّ البحث حول ما يوجب سقوط الفسخ و الأرش، و المقصود منه هو المعنى الواحد المنتهى إلىٰ ذلك، و أمّا الأرش فهنا يسقط لأجل أمر آخر، و الردّ يسقط لجهة أُخرى أجنبيّة عن الأوّل، كما لا يخفىٰ.

و علىٰ كلّ تقدير: قد مرّ البحث حول الربا و ما يتعلّق به من جريانه فيما نحن فيه؛ و أنّ حديث الأخذ بالأرش ليس من الربا المذكور، فيكون البحث هنا تقديريّاً؛ أي علىٰ تقدير سقوط الأرش هنا لأجل الربا، يلزم سقوط الردّ بالتصرّف و الإحداث، فلو أحدث في هذه الموارد الربويّة شيئاً، يمنع عن الردّ قهراً؛ من غير حاجة إلىٰ بيان جديد أفاده و أوضحه العلّامة «1» و الشيخ (رحمهما اللّٰه) «2» لأنّ المفروض لزوم الربا الممنوع،

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 530/ السطر الأخير.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261 262.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 194

و التصرّف الخاصّ؛ و هو الإحداث مثلًا، فإنّ الأرش و الفسخ يسقطان بهما قهراً؛ من غير احتياج إلىٰ تجشّم استدلال.

و هكذا في صورة حدوث العيب؛ بناءً على القول بكفاية مطلق الحدوث سقوط الردّ، و قد عرفت وجه منعه؛ و أنّ الإحداث يمنع دونه؛ و الحدوث ليس بمانع إلّا على الأخذ بمرسلة جميل «1»، و على القول به فلا فرق بين كونه في مورد يجوز أخذ الأرش، أو لا يجوز، خلافاً لما يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «2» فليراجع، و تدبّر جدّاً.

تذنيب: حكم الربا اللازم من الإقالة أو الفسخ

هل يكون الربا اللازم من الإقالة أو الفسخ محرّماً، أم لا؟ وجهان:

من التشديد الأكيد في أمر الربا و تحريمه؛ و أنّه بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ «3» و إطلاق الكتاب؛ و هو قوله تعالى وَ

حَرَّمَ الرِّبٰا «4».

و من اختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات «5»؛ و ليست الإقالة و لا الفسخ بالضرورة من المعاملة الجديدة. و أنّ مطلق الفائدة لو كانت محرّمةً للزم سدّ باب التجارات، و قد مرّ في موجبات سقوط الأرش فقط ما

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 190.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 32.

(3) البقرة (2): 279.

(4) البقرة (2): 275.

(5) جامع المقاصد 4: 365.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 195

يتعلّق بالمسألة، فراجع.

و قد صرّح الوالد المحقّق مدّ ظلّه هنا بعدم اقتضاء أدلّة الربا حرمته فيما نحن فيه «1»؛ و لو كان بشكل الشرط لو كان اشتراط الزائد في ضمن الإقالة و الفسخ جائزاً، كما لا يبعد، فتدبّر.

فعلى هذا، يكون الردّ و الفسخ جائزين و لو مع شرط الزيادة.

فما عن العلّامة في «التذكرة»: من أنّ الردّ ممنوع؛ إمّا لأجل كونه من الربا إن كان مع الزيادة و جبران العيب الحادث، و إمّا يكون ضرراً إذا لم يكن بدون الجبران «2» غير تامّ؛ لعدم كونه من الربا المحرّم.

هذا مع أنّ ردّ المعيب بالعيب الحادث ضرر؛ و الصبر على المعيب بالعيب الأوّل أيضاً ضرر على المشتري. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ مقتضى النصّ و الفتوىٰ؛ أنّ العيب الحادث موجب لسقوط الردّ، فالإضرار مستند إلى الشرع، و أخذ الأرش أيضاً من الربا المستند إليه أيضاً، فلا مجال لجريان قاعدة «لا ضرر.» هنا لو قلنا بجريانها في أمثال المسألة.

نعم، بناءً علىٰ ما ذكرناه من عدم سقوط الردّ بالعيب الحادث مطلقاً لعدم الدليل عليه يكون الردّ جائزاً، و لا يلزم الربا إذا ردّه بالزائد جبراناً للعيب الحادث عند المشتري؛ لما عرفت، فتدبّر تعرف.

أو يقال: إنّ الصبر على الضرر بالعيب الأوّل بحكم الشرع؛ للزوم

الربا، بخلاف الردّ بالعيب الحادث، فإنّه لا يلزم منه الربا المحرّم، فلا

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 84.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 531/ السطر 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 196

يتقابل الضرران كما لا يخفىٰ.

نعم، لا يمكن إثبات الخيار الحقّي بها، و هو ليس بمهمّ في المسألة، و إنّما الشأن ممنوعيّة الربا في الأخذ بالأرش مطلقاً، كما مرّ تفصيله.

إيقاظ: لزوم الربا بردّ المعيب بالعيب الحادث عند المشتري

لأحد أن يقول: إنّ ردّ المعيب بالعيب الحادث في يد المشتري مع الزيادة، من الربا، و يكون المردود موجباً لحصول الربا، و البطلان و الردّ بلا زيادة أيضاً من الربا، و يكون المعوّض زائداً و موجباً للبطلان؛ لأنّ الزيادة الحكميّة بحكم الزيادة الواقعيّة، ضرورة أنّ الصحّة و إن لم تقابل بجزء من الثمن إنشاء، إلّا أنّها دخيلة في ازدياد القِيَم بالضرورة، كما في النقد و النسيئة، مع أنّ الزمان لا يدخل في المبيع إنشاء.

و ما اشتهر: «من أنّ الصحّة و الفساد لا يوجبان خروج المتماثلين عن التماثل» «1» صحيح، و لكنّه أجنبيّ عن مسألتنا هذه، كما لا يخفىٰ.

فما هو الحلّ الوحيد؛ عدم حرمة تلك الزيادة في مثل الفسخ و الإقالة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 24: 13، ملحقات العروة الوثقى 2: 27، المسألة 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 197

تأخير الأخذ بالخيار
اشارة

و منها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار، فإنّه موجب لسقوطهما؛ بناءً علىٰ فوريّة الخيار و كأنّه كان أمراً مفروغاً عنه بينهم، و لذلك عدّ التأخير من المسقطات.

نعم، في كونه مسقطاً للردّ فقط، أو له و للأرش، خلاف؛ يستظهر عن «الغنية» سقوطهما به «1»، و عن «المبسوط» «2» و «الوسيلة» «3» سقوط الردّ خاصّة، و حيث إنّ الإجماع في المسألة علىٰ تقدير تحقّقه معلّل؛ لاحتمال تخلّل الاجتهاد، مع أنّه غير ثابت إلّا نقله، بل فيه أيضاً خلاف، فالمتّبع هي القاعدة و الأخبار الخاصّة.

و بالجملة: في كونه مسقطاً للردّ، أيضاً إشكال حتّى في صورة العلم؛ لما تحرّر في محلّه من أنّه لا معنى لتوهّم كونه مع العلم مسقطاً؛ إذا كان المشتري معتقداً تراخيه، أو كان مردّداً في الأمر، فالردّ يسقط بالرضا المستكشف؛ علىٰ إشكال مضى تفصيله.

نعم، لا بأس بإسقاط الخيار

بترك الردّ مريداً به ذلك، و لا يثبت سقوطه إلّا بينه و بين ربّه.

فتحصّل: أنّ سقوط الردّ فضلًا عن الأرش ممنوع؛ إلّا إذا ثبتت

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 9.

(2) المبسوط 2: 139.

(3) الوسيلة: 256.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 198

الفوريّة عند المشتري، و كان عالماً بها؛ و مريداً بالترك و التأخير سقوطَ حقّه.

و علىٰ تقدير ثبوت الفوريّة، ففي سقوط حقّ الأرش كلام آخر يتّضح من ذي قبل إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: في المسألة احتمالات، بل أقوال: الفوريّة، و سقوطهما بتركها، و الفوريّة و سقوط الردّ، دون حقّ الأرش، و عدم الفوريّة.

فالذي هو مقتضى القواعد عند الشكّ؛ عدم انفساخ العقد بالفسخ بعد الآن الأوّل، و أمّا لزوم العقد بمرجعيّة إطلاق الأدلّة الاجتهاديّة، فهو ممنوع عندنا، كما تحرّر في الأُصول «1»، و مضىٰ في خيار الغبن «2»، و هكذا عدم صلاحية استصحاب الخيار للمرجعيّة؛ لعدم جريانه، فيكون المرجع استصحاب بقاء كلّ من العوضين في ملك مالكه؛ و أنّ كلّ مال باقٍ تحت سلطنة صاحبه، و تفصيله في محلّه.

و بالجملة: لا تجري الاستصحابات الحكميّة التكليفيّة و الوضعيّة، بخلاف الموضوعيّة، و تصير النتيجة هي الفوريّة. هذا في جانب حقّ الفسخ.

و أمّا في جانب حقّ الأرش فالأمر أوضح؛ ضرورة أنّ ما هو المجعول الأوّلي فيما نحن فيه، هو التخيير بين المعنيين الحدثيّين، كسائر الواجبات التخييريّة، و يكون حقّ الفسخ و الأرش منتزعاً عرفاً من هذا

______________________________

(1) لاحظ الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 188 و ما بعدها.

(2) من المؤسف له فقدان هذه الأبحاث من الكتاب.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 199

المعنىٰ، و قد تحرّر في محلّه أنّ الواجبات التخييريّة لا ترجع إلىٰ التعيينيّات، أو المشروطات،

أو المعلّقات، بل هي سنخ إيجاب آخر مركّب من المعنيين؛ من غير رجوعه إلىٰ التعيين ليكون العنوان الواحد واجباً.

و أيضاً عرفت: أنّ هذا المعنى التخييريّ بيد المشتري مثلًا، فله إسقاط أحد طرفيه، و إبقاء الآخر، فلا يلزم من سقوط الردّ سقوط الحقّ المذكور ثبوتاً؛ فإن ثبت إثباتاً إطلاق يقتضي حقّ الأرش فهو، و إلّا فالقدر المتيقّن منه هو الآن الأوّل.

هذا كلّه حول قضيّة القواعد علىٰ ما سلكناه و حرّرناه في مبنىٰ خيار العيب، و التخيير المتصوّر القابل للتصديق.

و أمّا قضيّة الأدلّة الخاصّة:

فالأخبار الواردة في وطء الجارية، و تجويز الردّ في صورة، و عدم التجويز بعد الوطء «1»؛ لا تعرّض فيها للأرش، و لا إطلاق لها في جانب الردّ؛ علىٰ ما هو الأقرب إلىٰ الذهن.

و أمّا مرسلة جميل «2»، فإطلاقها غير بعيد إنصافاً، خلافاً لما يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «3» إلّا أنّها غير قابلة للاعتماد، خلافاً للجلّ، و قد مرّ وجهه.

و دعوىٰ: أنّها ليست بصدد تأسيس خيار العيب، مسموعة؛ لأنّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 102 108، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4 و 5.

(2) تقدّم في الصفحة 190.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 200

خيار عقلائيّ و كان معهوداً بين المسلمين بالضرورة، إلّا أنّه لا مانع من عقد الإطلاق فيها.

و من الغريب توهّم: أنّ الأخبار الخاصّة بصدد أصل تشريع خيار العيب، كما يظهر من الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) «1»!! و أمّا الصحيحة «2»، فهي في موقف الأمر الآخر كما هو الأظهر، فجواز إجبار البائع بإعطاء الأرش بعد كونه علىٰ خلاف القواعد الأوّليّة؛ و أنّه من التعبّد شرعاً ممنوع، فما عن الشيخ و غيره من التفصيل بسقوط حقّ الخيار

بالتأخير، دون حقّ الأرش «3»، غير صحيح.

نعم، الصبر على العيب إن كان عن علم و اعتقاد، فلا بأس به؛ و إن كان عن غفلة و جهالة، فيكون اللزوم بلا أرش ضرريّاً في الآن الثاني، فلجريان القاعدة وجه، لو لم نقل: بأنّ الغفلة و الجهالة مبدأ تضرّره، دون الشرع، فتدبّر.

فعلى هذا، ربّما يكون وجه اشتهار التراخي هو الضرر المرفوع؛ إلّا أنّه لا يثبت به دوام حقّ الأرش؛ فالخيار و حقّ الفسخ مبنيّ على التراخي، دون حقّ الأرش؛ لأنّه علىٰ خلاف القاعدة، و لا دليل علىٰ إلزام البائع بقبول جبران النقص، و هذا هو الأقرب من أُفق التحقيق، فيكون القول الرابع و هي فوريّة حقّ الأرش، دون حق الردّ، المخالف

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) تقدّم في الصفحة 189.

(3) المبسوط 2: 139، الوسيلة: 256، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 201

للإجماع المركّب أشبه.

تذنيب و توضيح: اختلاف المسألة باختلاف المباني

ربّما يقال: إنّ المباني مختلفة في هذه المسألة:

فعلى ما اختاره السيّد المحقّق الوالد- مدّ ظلّه من أنّ هناك حقّين معيّنين غير قابلين للجمع، و إنّما التخيير في مقام الاستيفاء «1»، فلا منع من الالتزام ببقاء الخيار الثابت في الآن الأوّل استصحاباً إلّا إطلاق أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» كما لا منع من الالتزام ببقاء حقّ الأرش؛ لأنّه من الاستصحاب الشخصيّ، و تصير النتيجة فوريّة الخيار، دون فوريّة حقّ الأرش.

و أمّا علىٰ مبنى الشيخ «3» و أتباعه «4»؛ من أنّ هناك حقّا واحداً تخييريّاً، فهو لا يعقل بقاؤه و زواله معاً، فإذا كان في جانب حلّ العقد فوريّاً، فلا يعقل في الآن الثاني بقاؤه في جانب أخذ الأرش؛ لأنّه واحد مردّد، فيلزم من القول بفوريّة فسخ العقد، سقوط حقّ الأرش عقلًا، فلا محلّ

لاستصحاب بقاء حقّ الأرش، إلّا استصحاب الكلّي من القسم الثالث الواضح ممنوعيّة جريانه هنا لو أمكن إجراؤه في بعض

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 13، 21.

(2) المائدة (5): 1.

(3) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 254/ السطر 1.

(4) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 71/ السطر 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 202

الصور، كما تحرّر و ذلك لكونه مضافاً إلىٰ عدم العلم بالأمر الثابت و هو حقّ أخذ الأرش، يكون المستصحب معنى انتزاعيّاً من المجعولين الوضعيّين؛ و هو حقّ الأرش الزائل؛ و حقّ الأرش الحادث، و جريان الاستصحاب في هذا المقام ممنوع.

مع أنّ ما هو القدر المتيقّن هو أصل الحقّ، لا حقّ الأرش؛ لأنّ المعنى الثابت في ظرف اليقين، مردّد بين حقّ الفسخ و حقّ الأرش، و لا يكون حقّ الأرش منتفياً، فلا تخلط.

و أمّا علىٰ مبنىٰ كون الحقّ هنا أمراً وحدانيّاً معيّناً علىٰ عنوان واحد، ينطبق علىٰ حقّ الفسخ بالردّ، و الأخذ بالأرش، فإن قلنا بمرجعيّة العموم و الإطلاق عند الشكّ، فلازمه فوريّة حقّ الفسخ، و عدم جواز الرجوع إلىٰ الأرش؛ و ذلك لأنّ مع زوال أحد مصداقي الواجب المعيّن، لا يبقى الموضوع للاستصحاب في ظرف الشكّ؛ حتّى يثبت الأرش.

و هذا نظير ما إذا كان عنوان «أحد الخصال الثلاث» واجباً، و فرضنا زوال الوجوب بالنسبة إلىٰ واحد منها؛ بمعنى خروجه عن المصداقيّة؛ للعجز و غيره، فإنّه إذا شكّ في بقاء وجوب الواحد من الثلاث، لا يمكن التعبّد ببقاء الواحد من الثلاث؛ للقطع بعدم وجوب واحد منها، و ما هو القابل للإبقاء هو الواحد من الاثنين، و هو ليس مورد اليقين.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه إذا كان عنوان «أحد الخصال الثلاث» مورد اليقين، يكون

عنوان «الواحد من الاثنين» مورد العلم أيضاً، و هذا يكفي لجريان الاستصحاب.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 203

و الذي يسهّل الخطب ما مرّ منّا؛ من عدم تماميّة هذه المباني في خيار العيب، و علىٰ تقدير تماميّتها، لا تكون هذه المباني الأُصوليّة تامّة جدّاً.

فالحقّ الذي لا محيص عنه حسب القواعد: هي فوريّة حقّ الأرش، دون حقّ الفسخ، و التأخير لا يقتضي سقوط حقّ الفسخ؛ إلّا في صورة أشرنا إليها، و لا سقوط حقّ الأرش؛ بل لا يثبت الأرش؛ لقصور أدلّته كما عرفت.

فرع: حكم بيع المعيب تكليفاً

هل يحرم بيع المعيب تكليفاً، أم يجب الإعلام بالعيب تكليفاً، أو يحرم الغشّ، فيكون البيع المذكور محرّماً لأجله، لا بذاته، أو يحرم الغشّ في المعاملة تكليفاً؟

و أمّا ما في كلماتهم «1» من حرمة ترك الإظهار، فهو غير جيّد، لا لما قد يتخيّل من امتناع اتصاف الترك بالحرمة، فإنّه باطل محرّر تفصيله في محلّه، بل لكونه خلاف الفهم العرفيّ؛ فإنّ المتعارف محرميّة الأُمور الوجوديّة، لا العدميّة، و الأمر سهل.

و قد مرّ شطر من البحث في أوائل بحوث خيار العيب، و ذكرنا هناك إمكان كون بيع المعيب محرّماً؛ لكونه من الأكل بالباطل، و النهي في

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 629، جواهر الكلام 23: 245 247، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 262 263.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 204

الكتاب «1» نفسيّ، و حيث إنّ المعاملة تحتاج إلىٰ الإمضاء و الرضا، و هو لا يجتمع عادة بل و عقلًا علىٰ إشكال مع المبغوضيّة الموجودة في المادّة المحرّمة، فيكون الرضا منتفياً، فيكون البيع باطلًا.

أو لكونه غشّاً، و هو محرّم؛ ضرورة أنّ مبنى المعاملات علىٰ تبادل الصحيح بالصحيح؛ و إن لم يكن التزام شخصيّ بين البائع و المشتري، فإذا

علم البائع و ترك الإظهار، ينتزع منه الغشّ و إن لم يصنع شيئاً وجوديّاً يختفي به العيب، و قد مرّ توضيح هذا المبنىٰ بما لا مزيد عليه.

و لا يضرّ بهذا البناء الكلّي العموميّ، كون البائع في المعاملة الشخصيّة الخاصّة، مريداً جلب المشتري إلىٰ متاعه؛ فإنّه محيط خاصّ، بخلاف المبنىٰ المذكور، فلا تخلط.

أو لكونه من الكذب؛ فإنّ الأفعال توصف بالصدق و الكذب؛ و الأشياء توصف بهما، فيقال: «فجر صادق و كاذب» فإذا سكت البائع بعد ذلك البناء، فسكوته بمنزلة الإخبار، فيكون محرّماً، و خدعة، و حيلة، و تغريراً.

و الذي هو الحقّ من بين الأقوال الخمسة من الحرمة، و الكراهة، و الوجوب، و الاستحباب، و التفصيل بين الخفيّ و الجليّ، أو

______________________________

(1) النساء (4): 29، يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 205

غير ذلك-: أنّ عنوان «بيع المعيب» بما هو هو خارج عن جميعها، و الأدلّة المستند إليها لا تقتضي شيئاً، و أمّا العناوين المنطبقة عليه فلا تورث بطلانه؛ بعد كونه من التجارة عن التراضي؛ علىٰ إشكال محرّر في محلّه، و لا حرمة ذاتاً و بعنوانه.

و أمّا الغشّ، ففي كونه محرّماً في نفسه إشكال.

نعم، ما هو المحرّم احتمالًا هو الغشّ في المعاملة، و إلّا فالخلط بالتصرّف في ملكه ليس محرّماً، فإذا كان الغشّ محرّماً في المعاملة، فهو معناه حرمة بيع المغشوش، و عندئذٍ يشكل صحّته و لو كان محرّماً تكليفاً؛ لما أُشير إليه. و ما قد اشتهر: «من أنّ النهي التحريميّ دليل الصحّة» غير صحيح؛ لأنّ الصحّة عند العقلاء محرّمة عند الشرع، فلا تغفل.

و أمّا المناقشة في الصدق، فهي و لو كانت

ممنوعة في بعض الصور، و لكن في متعارف المعاملات المعاطاتية يكون إعطاء المعيب مع عدم التبرّي و الإعلام غشّاً و تغريراً.

نعم، لو كان الغشّ هو الخلط بين الجيّد و الردي ء، فلا غشّ إلّا في بيع طائفة من المعيبات منضمّة إلىٰ طائفة من السالمات، كبيع مقدار من الرقّي و البطّيخ، كما لا يخفىٰ.

و لا يبعد كونه متقوّماً بحسب المفهوم بخلطٍ ما؛ سواء كان كخلط الدرهم، أو اللبن، أو الرقّي، أو الأرز، و أمّا إراءة الصفات الكماليّة أو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 206

بيع المعيب، فليس من الغشّ المذكور إنصافاً. و ما أشرنا إليه هو الظاهر من بعض الأخبار، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) «1» فراجع.

______________________________

(1) محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه أجود من بعض؟ قال: إذا رُؤيا جميعاً فلا بأس ما لم يغط الجيّد الردي ء.

الكافي 5: 183/ 1، تهذيب الأحكام 7: 33/ 139، وسائل الشيعة 18: 112، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 9، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 207

الجهة التاسعة في اختلاف المتبايعين

اشارة

و ذلك تارة: في العيب و حدوده.

و أُخرى: في مسقط الخيار.

و ثالثة: في إعماله.

و رابعة: في مسقط الأرش.

و خامسة: في الأخذ به.

و يتمّ الكلام حولها في طيّ بحوث

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 208

البحث الأوّل الاختلاف في تعيّب المبيع
اشارة

الاختلاف في تعيّب المبيع تارة: يكون في السبب؛ و هو وجود العيب.

و أُخرى: يكون في المسبّب؛ و هو الخيار و الأرش.

فالبحث يقع في مقامين:

المقام الأوّل في اختلافهما في السبب؛ و هو وجود العيب
اشارة

و فيه جهات:

الجهة الأُولىٰ الاختلاف في تعيّب المبيع بعيب غير زائل

لو اختلفا في تعيّب المبيع حين العقد، و كان العيب غير زائل في مورد يوجب السقوط كما مرّ، أو يستلزم كشف عدم الثبوت، و بالجملة يختلفان فيما يوجب خيار العيب، فلا يكون الاختلاف في العيب الزائل قبل العقد؛ فإنّه بلا أثر، فما عنونه الشيخ (رحمه اللّٰه) في المسألة الأُولىٰ «1»

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 209

مجمل، و لا بدّ أنّه أراد به ذلك، دون ما فسّره العلّامة المحشّي (رحمه اللّٰه) «1».

و علىٰ كلّ حال: القول قول المنكر، و هو في الغالب البائع، و قد مرّ أنّ المدار في تشخيص المدّعى و المنكر على العرف، و ما ذكروه من الضوابط غير ناجع؛ حتّى ما صدّقه الوالد المحقّق- مدّ ظلّه من أنّ المدّعى إذا تَرك تُرك «2»؛ ضرورة أنّه إذا كان في مفروض البحث المتاع عند البائع، و كان هو يدّعي العيب، فإنّه لو ترك لا يُترك؛ لأنّ المشتري يرجع إليه لأخذ مبيعه و ملكه بالضرورة، مع أنّ طرّاح الدعوىٰ و الحامل على إيجادها هو البائع.

و لو قيل: لا يتصوّر أن يكون البائع مدّعي العيب؛ لأنّه على ضرره.

قلت: نعم، و لكنّه ربّما يتعلّق بذلك بعض الأغراض الأُخر؛ مثل ما إذا كان ما باعه تذكار أبيه، و تركة أُمّة، فإنّه لدعوى العيب يريد أن يكون فسخ المشتري نافذاً.

فما ترى في كلمات القوم من المراجعة إلىٰ الأُصول العقلائيّة لا الشرعيّة؛ لتشخيص ذلك، في غير محلّه، و لا سيّما ما في كلام الفقيه اليزديّ «3»: من التمسّك باستصحاب الصحّة فيما إذا كان في الحالة السابقة صحيحاً فيكون المشتري في الغالب منكراً، و باستصحاب العيب فيما إذا كان في الحالة السابقة

معيوباً، فيكون المشتري مدّعياً،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117/ السطر 17.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 87.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 91/ السطر 29.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 210

و بأصالة السلامة في صورة الشكّ و الجهل بالحالة السابقة، فيكون المشتري أيضاً مدعياً.

فإنّه ربّما يناقش في كفاية الأصل المذكور؛ لأجل كونه مثبتاً، فإنّ موضوع العقد اللازم هو العقد الواقع على الصحيح، أو الواقع علىٰ ما لا عيب فيه و لا عَوار؛ فإن كان الثاني فمثبتيّته واضحة، و إن كان الأوّل فإثبات الوقوع مشكل به.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه عقد واقع وجداناً، و إذا كان المتاع صحيحاً يتمّ المقيّد.

و فيه: أنّ التقيّد لا يثبت، فلا بدّ من كون الموضوع مركّباً، أو نقول باعتبار الأصل المثبت. و من هنا يظهر حال استصحاب العيب.

و أمّا أصالة السلامة فلا بأس بها، إلّا أنّه لا حاجة إليها؛ بعد كون المشتري مدّعي العيب عرفاً. بل لو شكّ في مورد في جريان الأصل المذكور لأجل جهة من الجهات الممكنة يكون المرجع فهم العقلاء أيضاً، دون الأُصول الحكميّة، كاستصحاب عدم الخيار و اللزوم، و براءة البائع من شغل الذمّة بالأرش، و غيرها، فإنّها ممنوعة الجريان أوّلًا، و تحريره في الأُصول، و غير نافعة هنا ثانياً فيما إذا كان المنكر عرفاً قوله موافقاً لها، كما لا يخفىٰ.

و ربّما يتوهّم استصحاب كلّي الخيار؛ لثبوته في المجلس مثلًا، و لكنّه من القسم الثالث، و يؤيّد دعوى المشتري وجود العيب حين العقد.

و هم: دعوى المشتري العيب مع جريان استصحاب العيب، يرجع

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 211

إلىٰ دعوى البائع زوال العيب حين العقد، فلا يكون المشتري مدّعياً، و الأصل موافقه، بل

المشتري منكر، و الأصل يساعده؛ لبقاء العيب إلىٰ حال العقد.

و دفع: قد تحرّر فيما سلف خلاف بين الأعلام في مسألة مصبّ الدعوىٰ و مرجعه؛ و أنّ المناط مصبّ الدعوىٰ أو مرجعه.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 211

مثلًا: إذا اختلفا في العيب، فمرجع الخلاف هو الاختلاف في اللزوم و الجواز، و الخيار و اللاخيار، فهل القاضي يطالب بدليل المرجع، أو يطالب بدليل المصبّ و المطرح؟ و ربّما يرجع الادعاء و الإنكار إلىٰ التداعي في اللزوم و الجواز، و في الانقطاع و الدوام في باب النكاح.

و لأجل اختلاف الآثار، و عدم وجود دليل علىٰ جواز تصرّف القاضي، يكون المناط مصبّ دعواهما؛ فربّما يحتال أحد المتخاصمين بجعل عديله مدّعياً، مع أنّ المدّعى بحسب الواقع نفسه، فلا يسمح حسب الظواهر للقاضي تبديل الدعوىٰ، و توضيح الحال و تفصيله في كتاب القضاء.

الجهة الثانية الاختلاف في صدق المعيب على المبيع
اشارة

لو اختلفا في أنّ ما هو الموجود عيب، أم لا؟

فربّما يمكن أن يقال: إنّه نزاع بلا أثر؛ لأنّ إثبات العيب بلا أثر، بل الأثر مترتّب علىٰ كون المبيع معيباً، كما مرّ في الجهة الأُولىٰ، و هذا في الحقيقة يرجع إلىٰ ذاك.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 212

و فيه: أنّ مقتضىٰ معتبر زرارة «1» و مرسلة جميل «2»؛ أنّ المدار علىٰ كون المبيع به العيب و العَوار، فرجوع الاولىٰ إلىٰ الثانية أولىٰ.

مع أنّ الميزان في الاختلاف، ليس علىٰ كون مصبّ الدعوىٰ، ذا أثر بالمعنى المذكور، بل يكفي كون الدعوىٰ ذات أثر، و هو في الأُولىٰ أيضاً حاصل.

و بالجملة: المدّعى و المنكر حسب فهم العرف معلومان.

و أمّا

حسب الأُصول، فربّما يكون المتاع معيباً، و به عيب و عَوار قبل زمان الاختلاف، و يشكّ و يختلف فيه، فاستصحاب الموضوع يفيد إذا كان الخلاف في أنّ الموجود عيب و عَوار، و لا يكفي استصحاب كونه معيباً، و لا حاجة إليه، فتدبّر.

و هكذا إذا لم يكن مورد الخلاف عيباً أو عَواراً قبل ذلك، إلّا أنّه في الصورة الأُولىٰ يلزم كون المشتري مدّعياً؛ و في الثانية ينعكس.

اللهمّ إلّا أن يقال: ترجع الدعوىٰ في الصورة الثانية إلىٰ أنّ المشتري ينكر بقاءه علىٰ صفة العيبيّة و العَواريّة، فيلزم اتفاق العرف و الأصل في تشخيص المدّعى و المنكر.

نعم، قد أشرنا إلىٰ عدم جواز تصرّف القاضي في الدعوىٰ؛ و إرجاعها من حال إلىٰ أُخرى. هذا في موارد الأُصول العدميّة النعتيّة.

و أمّا الأُصول العدميّة الأزليّة المحموليّة، فجريانها و كفايتها محلّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 189.

(2) تقدّم في الصفحة 190.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 213

إشكال و منع، إلّا إذا كان الموضوع مركّباً، فإنّه يجوز استصحاب عدم وجود العيب في المتاع حين لم يكن متاع، فتأمّل.

بقي شي ء: في صدق النقص دون العيب

قال الشيخ الأعظم (قدّس سرّه): «لو علم كونه نقصاً كان للمشتري الخيار في الردّ، دون الأرش؛ لأصالة البراءة» «1» انتهىٰ.

و في «حاشية الفقيه اليزديّ» (قدّس سرّه): «يشكل ذلك: بأنّ النقص المعلوم إن كان موجباً للنقص في القيمة، فهو عيب، و فيه الردّ و الأرش، و إلّا فلا دليل علىٰ جواز الردّ أيضاً» «2» انتهىٰ.

و فيه أوّلًا: ما مرّ من تصوير الأصحاب وجود العيب الموجب للخيار، دون الأرش؛ في مواضع سقوط الأرش، دون الخيار.

و ثانياً: أنّ مراد الشيخ حسب الأظهر؛ ثبوت الخيار الآخر غير خيار العيب الاصطلاحيّ؛ فإنّ النقص يوجب الخيار، سواء عدّ عيباً، أم لم

يعدّ؛ و لذلك عبّر عنه ب «الخيار» و إلّا فالأولى التعبير عنه ب «جواز الردّ» كما في أخبار المسألة «3» و منشأ هذا الخيار إمّا حكم العقلاء مستقلا، أو التخلّف

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 11.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 91/ السطر 36.

(3) ففي الأخبار ما يدلّ على جواز الردّ،. عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رجل اشترى جارية فوقع عليها قال: إن وجد بها عيباً فليس له أن يردها و لكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب.

الكافي 5: 214/ 5، وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 214

عن الشرط و القرار الضمنيّ المبنيّ عليه العقود حسب التعارف.

نعم، ما هو الحقّ: أنّ النقص في محيط الخلقة أو محيط خاصّ، لا يوجب شيئاً، و ما هو الموجب هو النقص في باب المعاملات و التبادلات، التي روعي فيها جانب الماليّة و الخواصّ و الآثار، و هذا النقص كما يستلزم الخيار يستلزم الأرش، كما تحرّر منّا في المسائل السابقة.

و لو سلّمنا وجود النقص و العيب الموجب للخيار دون الأرش، فاختلفا في أنّ الموجود من هذا القسم، أو هو من القسم الموجب لهما فإن كانا معترفين بكونه في السابق من القسم الأول أو الثاني، فالأمر كما تحرّر، و إلّا فالمرجع الأُصول العدميّة المحموليّة، و هي غير نافعة، فالحقّ مراجعة العرف أيضاً، و علىٰ كلّ يكون المشتري مدعياً في الغالب.

و لو قيل: في جميع هذه الموارد يمكن التمسّك باستصحاب عدم وقوع العقد علىٰ ما يوجب الأرش، أو ما يوجب الخيار، أو يوجبهما، لأنّ هذه الأُمور من الحوادث المستندة إلىٰ شي ء في العين من العيب و

النقص، و علىٰ هذا يكون العقد لازماً موافقاً للمنكر؛ و هو البائع، و مخالفاً للمشتري المريد إثبات الخيار و الأرش و نفوذَ الفسخ.

قلنا: قد مضى في موضع من هذا الكتاب بحث حوله، و ذكرنا أنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 215

استمرار العدم الأزليّ المحموليّ المضاف إلىٰ وجود شي ء، ممّا لا بأس به إذا أُريد به نفي الحكم عن الموضوع الآخر الأجنبي عنه، بخلاف ما نحن فيه؛ فإنّ الاستمرار المذكور أُريد به إثبات لزوم العقد؛ بإثبات أنّ المعقود عليه ليس فيه ما يوجب الخيار و الأرش.

و بعبارة اخرىٰ: نفي الحكم بنفي الموضوع و لو كان ممكناً عندهم و أمّا نفي الحكم المتعلّق بالموجود المقيّد بالقيد العدميّ، فلا يمكن باستمرار العدم المطلق إلىٰ حال ذلك الوجود؛ فإنّ ما يوجب الخيار و الأرش هو العقد المتعلّق بالمتاع الكذائيّ، فعدم تعلّق العقد بما يوجب الكذا لا يثمر، فلا تخلط.

الجهة الثالثة الاختلاف في زمان العيب
اشارة

لو اختلفا في التقدّم و التأخّر؛ بعد اتّفاقهما علىٰ وجود العيب في المتاع الحاضر عندهما.

و هذا تارة: يكون بالنسبة إلىٰ حال وقوع العقد، فيدّعي المشتري أنّه كان فيه هذا العيب من الأوّل؛ مريداً به إثبات التخيير.

و أُخرى: يدّعي أنّه كان قبل القبض؛ بناءً علىٰ أنّ حدوثه قبله يوجب الخيار.

و ثالثة: يدّعي أنّه كان في زمان الخيار المضمون على البائع، كالحيوان و الشرط، و عند ذلك فتارة: ينكر البائع مفاد الدعوى.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 216

و أُخرى: يدّعي خلاف الدعوى، فيدّعي أنّه كان بعد القبض، أو بعد المضيّ، و هكذا.

و ربّما يكون التقدّم و التأخّر مورد الدعوىٰ و الإنكار، أو مورد التداعي، فيقول المشتري بتقدّم العيب على القبض، و ينكر البائع ذلك عليه تارة.

و أُخرى: بادعاء تأخّره

عن زمان الخيار، أو القبض، فالصور تزداد على العشر.

و غير خفيّ: أنّه ربّما يكون إنكار البائع، قابلًا للحمل على الإقرار بالعيب الموجب للخيار، مثلًا إذا ادعى المشتري وجود العيب حين العقد، فأنكر عليه البائع، فإنّه يجتمع ثبوتاً إنكاره مع كون العيب حين القبض و الخيار، إلّا أنّه لا دليل للقاضي حتّى يأخذ به.

و ربّما يكون ادعاؤه علىٰ خلاف المنكر، إقراراً بما يوجب الخيار؛ كما إذا ادعى المشتري وجود هذا العيب حين العقد، و البائع يدعي أنّه حين القبض، فإنّه و لو كان إقراراً، و لكن لا حقّ للقاضي في أن يأخذ به في هذه الدعوى؛ لأنّه أمر أجنبيّ عنها، كما لا يخفى.

و بالجملة: بناءً علىٰ ما عرفت؛ من أنّ المدار على العرف في تشخيص المدّعى و المنكر، و تبيّن أنّ الميزان في ذلك بالقياس إلىٰ مصبّ الدعوىٰ، دون مآلها و مرجعها فإنّه يكفي لجواز تدخّل القاضي كونها ذات أثر، و لا شبهة في أنّها ذات أثر و لو مع الواسطة يكون في موارد الإنكار المشتري مدّعياً، و في موارد الادعاء كلّ منهما مدعياً و منكراً.

و ربّما يشهد عليه؛ ذهاب مثل ابن الجنيد إلىٰ توجيه البيّنة على

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 217

البائع المدّعى حدوث العيب عند المشتري، و أنّه يحلّف المشتري إن كان منكراً «1»؛ ضرورة أنّه يريد في دعواه أنّه ليس مضموناً عليه، و لا يكون له الخيار. و كون الحكم المقصود بالأصالة سلبيّاً، لا يستلزم رجوع ادعائه إلىٰ إنكار الضمان و الخيار.

فعلى هذا، يسقط جميع ما يستظهر من القوم، و قد نصّ عليه العلّامة المحشّي «2» (قدّس سرّه): من تفتيش الآثار الشرعيّة المترتّبة على الموضوعات في الأدلّة اللفظيّة و غيرها مع

أنّه تفتيش في غير محلّه، و قد وقع الخلط بين موضوع الأُصول، و ما هو مصبّ الدعوىٰ و التداعي.

و أمّا ما يظهر من تمسّك الشيخ (رحمهم اللّٰه) «3» بأصالة عدم تقدّم حدوث العيب على العقد؛ حتّى لو علم تأريخ الحدوث، و جهل تأريخ العقد؛ لأنّ أصالة عدم وجود العقد حين حدوث العيب، لا تثبت وقوع العقد على المعيب، فهو أيضاً غير صحيح؛ لأنّ ضمّ الوجدان و هو وجود العقد على العين الموجودة إلىٰ أصالة عدم العيب و العَوار، لا يكفي إلّا إذا كان من العدم الرابط؛ ضرورة أنّ الموضوع حسب الظاهر مقيّد، لا مركّب، بل هو قطعيّ عرفاً.

و أمّا أصالة عدم وقوع العقد علىٰ هذه العين التي لم يكن بها عيب و عَوار عند عدم وجودها، فممّا لا يعقل؛ لأنّ العين عند عدم الوجود لا تقبل

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 371/ السطر 30.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117/ السطر 18.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 218

الإشارة الخارجيّة؛ و الإشارة الذهنيّة توجب كونه من الكلّي، فلا ينفع لحال العين الشخصيّة، كما لا يخفى على أهل البصيرة.

تنبيه: توضيح من الشيخ الأعظم لكلام ابن الجنيد

قال الشيخ (رحمه اللّٰه) توضيحاً و توجيهاً لمقالة ابن الجنيد «1»: «و لعلّه لأصالة عدم تسليم البائع العين إلىٰ المشتري على الوجه المقصود، و عدم استحقاقه الثمن كلّاً، و عدم لزوم العقد» «2» انتهىٰ.

و مقصوده عدم لزوم هذا العقد الخاصّ؛ لوجود الشكّ أو استصحاب عدم وجوب الوفاء.

و لو كان لما أفاده وجه، يلزم أن لا يكون تشخيص المدّعى من المنكر بالأصل، بل يلزم كون المنكر قوله مطابقاً لأصل من الأُصول، و إنّما تشخيصه من جهة أُخرى و طريق آخر؛ ضرورة أنّه لو كان

الأمر كما تحرّر، للزم كون المشتري منكراً في سائر الصور؛ و لو كان مدعياً بحسب الصورة و الظاهر من الحال في طرح الدعوىٰ.

فكأنّ الشيخ (رحمه اللّٰه) يتوجّه إلىٰ فساد هذه الأُصول، و إنّما يريد بذلك توجيه مقالته (رحمه اللّٰه). فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه حول كلّ واحد من الأُصول من الإشكالات «3»، و ذكر بعضها المحشّي العلّامة (رحمه اللّٰه) «4» كلّ في غير

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 371/ السطر 30.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 14.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 93 94.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 117/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 219

محلّه؛ ضرورة أنّ فساد الأصل الثاني ممّا ليس يخفىٰ على مثله (قدّس سرّه).

و ما أشرنا إليه من الأصل الحكميّ، أسلم من تلك الأُصول الثلاثة، بل البراءة عن وجوب الوفاء بالعقد الكلّي، كافية لحال العقد الموجود.

نعم، لا يثبت به الخيار و حقّ الفسخ، إلّا أنّه لكونه موافقاً لإنكار المشتري، يجوز للحاكم فصل الخصومة، فتأمّل.

فرع: حول صدق الإنكار عند سكوت البائع أو ادعائه لعدم العلم

لو ادعى المشتري مثلًا العيب، و سكت البائع، أو قال: «لا أدري شيئاً» فهل يرجع إلىٰ القاضي؛ لأجل أنّه منكر، و لا يعتبر في إنكاره إظهار الإنكار، بل نفس كون الدعوىٰ علىٰ خلاف الأصل يوجب كونه منكراً؟

أم لا بدّ من الإنكار و الإظهار؛ لأنّ الأصحاب (رحمهم اللّٰه) قالوا في تعريفه: «من كان قوله مطابقاً للأصل فهو منكر» فلا بدّ من وجود القول. و هو ظاهر بعض الأخبار الناطقة بأنّ «اليمين علىٰ من أنكر» «1» و السكوت و إعلام الجهالة لا يدرجه في المنكر، فلا يرجع في هذه الصورة إلىٰ القاضي؛

______________________________

(1) أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث فدك إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال.

و قد قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر.

تفسير القمّي 2: 156، علل الشرائع: 190/ 1، وسائل الشيعة 27: 292، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 25، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 220

و لا يترتّب علىٰ دعواه شي ء، و يجوز للبائع التصرّف في العوض؛ لو كان شخصيّاً؛ بناءً على المنع عن التصرّف في أيّام الادعاء و المراجعة إلىٰ القاضي؟

و ربّما كان منشأ ذهابهم إلىٰ أنّ تشخيص المدّعى عن المنكر بالأصل؛ لأجل أنّ الميزان كون الطرف مدّعى عليه؛ سواء كان منكراً لغة و عرفاً، أم لا، و هذا هو قضيّة أكثر أخبار المسألة.

و لو كان السكوت موجباً لعدم صلاحيّة الدعوىٰ للطرح، للزم تضييع الحقوق الكثيرة؛ لجواز سكوت المنكر فراراً من الحلف، و نظراً إلىٰ ما أُشير إليه فالأظهر بحسب القواعد صلاحية مجرّد الدعوىٰ لاستماع القاضي إلىٰ البيّنة.

نعم، لو لم تكن بيّنة للمدّعي، ففي توجّه الحلف إلىٰ المدّعىٰ عليه في صورة عدم الإنكار و السكوت، أو إظهار عدم الاطلاع علىٰ زمان حدوث العيب، إشكال، و نحتاج إلىٰ التدبّر في مسائل القضاء، فراجع هناك، و قد أشرنا إلىٰ منشأ الشبهة.

و ربّما يقال: إنّه في صورة جهالة البائع بما يدّعيه المشتري، يكفي استناده إلىٰ الأُصول المخالفة لدعواه موضوعيّة، أو حكميّة؟! و ذلك لأنّ دعوى المشتري العيب، إمّا تكون في محيط يجري الأصل الموضوعيّ علىٰ خلافه، فإنكاره لأجل ذلك الأصل جائز؛ لأنّه من آثار الأصل المزبور.

و لو لم يكن يجري الأصل، أو كان مثبتاً غير حجّة، فالإنكار جائز؛ لانحلال دعواه إلى اشتغال ذمّة البائع بالأرش، أو ادعاء الخيار.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1،

ص: 221

و لو نوقش في استصحاب نفي الخيار كما عرفت وجهه فلا طريق له إلّا دعوى انحلال دعواه الخيار، فإذا فسخ العقد يدّعي حرمة تصرّفه في العوض الشخصيّ، أو اشتغال ذمّته بالثمن، فينكر عليه حسب الأصل الحكميّ.

و أمّا توهّم استلزام جواز نفي اشتغال الذمّة حسب الأصل النافي الحكميّ لجواز نفي الطرف الآخر؛ و هو الخيار، لامتناع بقاء الخيار بدون حقّ الأرش من قِبَل الشرع؛ لأنّ التخيير بينهما أمر وحدانيّ، فنفي أحدهما يستلزم نفي الآخر، فهو فاسد كما ترى.

و فيه: أنّ مقتضى اعتبار تطابق الدعوىٰ و الإنكار؛ عدم كفاية إنكار الأمر الراجع إلىٰ دعوى المدّعى، و قضيّة انحلال الدعوىٰ إلى الدعاوي، غير مسموع؛ لأنّ الانحلال المذكور غير عرفي، و ربّما يكون المدّعى متوجّهاً إلىٰ أطراف القضيّة؛ ليجعل المنكر في الضيق و الأزمة، حتّى لا يتمكّن من الحلف مثلًا.

هذا، و في جواز الاتكاء على الأُصول لترتيب الآثار غير العمليّة و منها الإخبار و الإنكار إشكال حتّى في الاستصحاب، مثلًا استصحاب طهارة الماء لا يقتضي إلّا ترتيب آثارها العمليّة، كقاعدتها، و أمّا الإخبار عن طهارة الشي ء فهو ليس من الآثار العمليّة، إلّا إذا أُجري الأصل في نفسه.

و لكنّ الذي هو الحقّ: جواز ذلك في مورد الاستصحاب؛ لما تحرّر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 222

عندنا من أنّه ليس إلّا تعبّداً بإطالة عمر اليقين و بقائه «1»؛ أو تعبّداً باليقين المماثل لليقين السابق في جميع الآثار، و لذلك تكون مثبتاته حجّة عندنا.

و يشهد لذلك ما ورد من جواز الشهادة علىٰ طبقه. و قد تحرّر منّا «2» جواز قيامه مقام القطع الصفتيّ، مع أنّ سائر الأمارات لا تقوم مقامه، و علىٰ هذا يجوز الإنكار علىٰ طبقه.

إشكالات على كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه)

و ممّا

ذكرناه يظهر حكم ما في كلام الشيخ (قدّس سرّه) من قوله: «و لو لم يختبر؛ ففي جواز الاستناد في ذلك.» إلىٰ قوله: «فافهم» «3».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 314، 351 352.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 147.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 19 27، «و لو لم يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا شكّ في ذلك وجه احتمله في جامع المقاصد و حكي عن جماعة كما يحلف على طهارة المبيع استناداً إلى الأصل و يمكن الفرق بين الطهارة و بين ما نحن فيه بأنّ المراد بالطهارة في استعمال المتشرّعة ما يعمّ غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي كما أنّ المراد بالملكيّة و الزوجيّة ما استند إلى سبب شرعيّ ظاهريّ كما تدلّ عليه رواية جعفر الواردة في جواز الحلف على ملكيّة ما أخذ من يد المسلمين، و في التذكرة بعد ما حكى عن بعض الشافعيّة جواز الاعتماد على أصالة السلامة في هذه الصورة، قال و عندي فيه نظر، أقربه الاكتفاء بالحلف على نفي العلم و استحسنه في المسالك قال لاعتضاده بأصالة عدم التقدّم فيحتاج المشتري إلى إثباته و قد سبقه إلى ذلك في الميسيّة و تبعه في الرياض. أقول: إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في إسقاط أصل الدعوى بحيث لا يسمع البيّنة بعد ذلك ففيه إشكال، نعم لو أُريد سقوط الدعوى إلى أن تقوم البيّنة فله وجه و إن استقرب في مفتاح الكرامة أن لا يكتفي بذلك منه فيردّ الحاكم اليمين على المشتري فيحلف و هذا أوفق بالقواعد. ثمّ الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم على القول به بما إذا لم يختبر البائع المبيع بل عن الرياض لزوم

الحلف مع الاختبار على البتّ قولًا واحداً لكن الظاهر أنّ المفروض في التذكرة صورة الحاجة إلى يمين نفي العلم إذ مع الاختبار يتمكّن من الحلف على البتّ فلا حاجة إلى عنوان مسألة اليمين على نفي العلم لا أنّ اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار فافهم.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 223

فإنّ هناك مواضع للنظر:

منها: أنّ الاختبار غير لازم في الشبهات الموضوعيّة، و لا دليل على اختصاص باب الدعاوي بوجوبه.

و منها: أنّ أصالة عدم تقدّم العيب، لا تثمر شيئاً؛ حتّى يصحّ الاعتماد عليها، كما مرّ.

و منها: أنّ الحلف علىٰ طهارة البيع، أجنبيّ عن البحث؛ ضرورة جواز الحلف عليه بعد اعتبار الشرع طهارة المشكوك، و لا يريد الحالف إلّا ما جعله الشرع على المشكوك من الطهارة.

و أمّا استصحاب العدم المذكور؛ فلا يكفي إلّا للحلف علىٰ عنوان العدم، لا تقدّم القبض، و لا أثر لعدم تقدّم العيب المحلوف عليه، و لا يكفي الاستصحاب المذكور لجواز الحلف علىٰ تقدّم القبض الذي هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 224

موضوع الأثر أحياناً.

و منها: أنّه لا فرق بين استصحاب الطهارة و قاعدتها و بين سائر الموارد؛ ضرورة أنّ الجزم المنطقيّ غير معتبر قطعاً، و يكفي التجزّم الحاصل بكلّ واحد من الأُصول المعتبرة.

و أمّا دعوى المشتري نجاسة المبيع، فربّما هي مستندة أيضاً إلىٰ الأصل، أو تكون مستندة إلىٰ الأمارة، فلا حكم إلّا بالنجاسة المنجّزة، و إذا أنكر البائع نجاسته بقاعدة الطهارة و استصحابها فينكر التنجّس المنجّز، فيكون بين الادعاء و الإنكار تطابق في الحقيقة، فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» مخدوش، فليلاحظ.

و منها: أنّ الاكتفاء بالحلف علىٰ نفي العلم، غير مقصود؛ بعد كون البائع غير

وارد في محطّ الدعوىٰ، و لا يعدّ منكراً عند إظهاره عدم الاطلاع أو السكوت، و لو كان نفس ذلك كافياً لعدّه منكراً، فيجوز له الحلف حسب الظاهر على بطلان الدعوىٰ، فالحلف علىٰ عدم الحلف، حلف على الأمر الأجنبيّ من مورد الادعاء و الإنكار.

و منها: أنّ الدعوىٰ تكون ساقطة إلىٰ حصول البيّنة، و لا أثر قبل قيام البيّنة بمجرّد الدعوىٰ حسب الظاهر، و لو كان مورد الدعوىٰ ممنوع التصرّف حتّى لذي اليد، فلا معنىٰ لكون الحلف على الأمر الأجنبيّ موجباً لسقوطها، و قد مرّ أنّ الجزم غير لازم حتّى يلزم الاختبار، و التجزّم

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 96 97.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 225

كافٍ حتّى في مثل قاعدة الحلّ «1» و الطهارة «2». و لعلّ قوله (رحمه اللّٰه): «فافهم» إشارة إلىٰ جميع ما أُفيد.

رجع:

و الذي هو الإنصاف: أنّ المسألة تحتاج إلىٰ مزيد تدبّر في مسائل القضاء، و لا ينبغي الغور فيها، و لذلك تركنا مسألة إقامة المنكر البيّنة و أنّه هل يحقّ له ذلك أم لا، و علىٰ تقدير كونه ذا حقّ هل تعارض بيّنة المدعي، أم لا؟

و قد تعرّض السيّد للمسألة في «الحاشية» علىٰ إجمالها، و أوكل الأمر إلىٰ محلّه «3»؛ لكونها خلافيّة قولًا، و اختلافيّة روايةً، و مشكلة جدّاً، و إن كان الأظهر بحسب بادي النظر عجالة أنّه مع إمكان قيام البيّنة للمدّعي، لا يليق للمنكر و لا يحقّ له إقامة البيّنة، و عند فقد بيّنة المدّعى؛ يجوز ترك الحلف بإقامة البيّنة، و الأحوط ضمّ الحلف إليها، فتأمّل.

______________________________

(1) أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه.

الكافي 5:

313/ 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(2) كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر.

المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 30، الحديث 4، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 92/ السطر 4 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 226

الجهة الرابعة في موارد الاختلاف في العيب على الوجوه المذكورة
اشارة

إذا كان طرف البيع و الشراء وكيل المالكين، فهل يجوز لهما طرح الدعوىٰ، و هل يسمع القاضي قولهما و بيّنة المدّعى و حلف المنكر، أم لا؟

و علىٰ تقدير عدم جواز الطرح، و عدمِ صحّة دعواهما، فهل يترتّب علىٰ إقرارهما شي ء تفصل به الخصومة و لا يحتاج إلىٰ الأصل، أم لا؟

و علىٰ تقدير نفوذ إقرار الوكيل بشي ء، فهل يعارضه إنكار الموكّل حتّى تتكثّر الدعوىٰ، أو ينقلب و تسقط دعوى الوكيل؛ و أنّه يعتبر فرضاً إقراره عند عدم معارضة الموكّل، و أمّا في صورة المعارضة تبطل وكالته، و يصير أجنبيّا بتاتاً؟

و على تقدير جواز استماع دعوى الوكيل، فهل يسمع الاختلاف بين الموكّل و الوكيل، العائد نفع إقرار الوكيل إلىٰ كيس الطرف، أم لا؛ لأنّ هذه الدعوىٰ من قبيل الدعاوي التي لا أثر لها، و يعدّ الوكيل في حكم الشاهد الواحد للطرف؟

وجوه من البحث، و تحقيقه و تفصيله في محلّه- إن شاء اللّٰه تعالىٰ و إجماله يقع في طيّ أُمور

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 227

الأمر الأوّل حكم سماع القاضي لدعوى الوكيلين

في جواز طرح الدعوىٰ و نفوذها، و لزوم تدخّل القاضي في ذلك، وجهان:

من أنّهما قد بطلت وكالتهما، فهما بعد العمل بمورد الوكالة كالأجنبيّ بالنسبة إلىٰ الادعاء.

و من أنّ من الممكن أن يكون الوكيل المفروض أوّلًا، مطلق العنان من قبل الموكّل، و يعدّ وكيلًا مفوّضاً، كما مرّ في خيار المجلس، و الحيوان، و الغبن «1»، فعندئذٍ لا يصير أجنبيّا. بل إذا كانت الدعوىٰ منه علىٰ مورد تحت سلطنته أو إنكاره في ذلك المورد، لا يجوز للقاضي السؤال عن حاله؛ من كونه وكيلًا أو مالكاً، فإنّ ذات الاستيلاء يكفي لجواز استماع دعواه؛ سواء كان مدّعياً، أو منكراً. و قد مرّ أنّه ربّما

يكون ذو اليد مدّعياً؛ لأنّ تشخيص المدّعى من المنكر بيد العرف، و لا أصل لمراجعة القواعد و الأُصول في ذلك؛ ضرورة أنّ جميع العناوين الواردة في الكتاب و السنّة، موكولة إلىٰ العرف في التمييز و التشخيص، و كون المرجع أمراً آخر يحتاج إلىٰ الدليل الخاصّ. هذا أوّلًا.

و ثانياً: إنّ الوكيل الأجنبيّ عن التصرّف بعد فساد وكالته بمضيّ

______________________________

(1) هذه المباحث من كتاب الخيارات مفقودة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 228

زمانه، و تماميّة أمره لا يعدّ أجنبيّا بالنسبة إلىٰ عصر الوكالة.

و فيه: أنّه إن كان برضا المالك، فيكون وكيلًا في الدعوىٰ، و هو ممّا لا بأس به، و إلّا فلا تسمع دعواه بعد نفي المالك دخالته في الأمر.

فبالجملة: النفي المطلق و الإثبات المطلق، غير صحيح، و الأوسط هو الحدّ الوسط، و التفصيل هو المعتمد.

و لعلّ النفي في كلام الشيخ «1» و غيره «2» من بطلان الوكالة، و لزوم الردّ إلىٰ الموكّل، ناظر إلىٰ الوكالة الخاصّة، لا المطلقة، فيكون مصبّ الفرض أخصّ، و تحشية المحشّين في غير محلّها.

و بالجملة: في الصورة الاولىٰ يكون الدليل بالخيار، و إليه يردّ الأرش، بل لا تسمع دعوى الموكّل إلّا برجوع ذلك إلىٰ إبطال الوكالة؛ لأنّه في حكم الأجنبيّ، فلو كان الوكيل مفوّضاً بوكالة لازمة فلا تبطل بها، و لا تسمع دعواه، فتأمّل.

و ممّا أُشير إليه يظهر وجه الكلام في قول الشيخ: «لو اختلف الموكّل و المشتري» «3».

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 27.

(2) جامع المقاصد 4: 358، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 93/ السطر 15.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 229

الأمر الثاني في موارد بطلان الوكالة و بعد مضيّ عمل الوكيل

لو اختلف الموكّل و المشتري في إحدى الصور المشار إليها في أصل

المسألة، فلا ريب في سماع الدعوىٰ، و إنّما هنا بحث في أنّ اعتراف الوكيل في مورد الوكالة و إقرارَه علىٰ خلاف الموكّل، نافذ يوجب حلّ الدعوىٰ شرعاً، أم لا؟ وجهان:

من أنّ مقتضى قاعدة «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» «1» سماع إقرار الوكيل بالنسبة إلىٰ مورد سلطنته؛ و هو بيع السلعة، و أنّه أمين يقبل قوله.

و من أنّ كلّ ذلك يصحّ في صورة بقاء وكالته، و إلّا فهو خارج عن مورد القاعدة، و عن مصبّ أدلّة نفوذ إقراره لأمانه الوكيل.

فعلى ذلك، لو كان الوكيل مفوّضاً فالأقرب اعتبار إقراره؛ لأنّه ليس أجنبيّا، بناءً علىٰ أنّ قاعدة «من ملك شيئاً.» تشمل أمثال الاستيلاء غير المالكيّ، أو لأنّه من قبيل الإقرار علىٰ نفسه عند العقلاء، لأنّه بعد كونه مورد الائتمان عرفاً و شرعاً، يعدّ ذلك من الإقرار علىٰ نفسه، و لا يعتبر في ذلك الضرر المالكيّ، بل يكفي الضرر الحاليّ؛ ضرورة أنّه يتضرّر به من الجهات الأُخر التي ربّما تكون أهمّ من الأموال بأضعاف، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) لاحظ حول القاعدة، المكاسب: 368، القواعد الفقهيّة 1: 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 230

و علىٰ هذا، يظهر ما في كلام الشيخ و المحشّين (رحمهم اللّٰه) «1» و ما في «حاشية العلّامة الأصفهاني» من ملاحظة الجهة الماليّة و الغرامة في اعتبار إقراره «2»، غير تامّ، و ليس مستند اعتبار إقراره إخباراً بيّنة الوكيل، بل المستند اعتراف العقلاء علىٰ أنفسهم.

هذا مع أنّ اعترافه بذلك لو كان عن خيانة توجب تضرّر الموكّل، فهو مدفوع بأنّه أمين لا يريد ضرر الموكّل، فلاحظ.

فبالجملة: يجوز في هذه الصورة إحلاف الموكّل، و أمّا في مورد البحث و هو بطلان الوكالة فلا أثر يترتّب عليه؛ حتّى إذا

تمكّن من إقامة البيّنة، ليس له التدخّل في ذلك حسب الظاهر، فقول الشيخ (رحمه اللّٰه): «و لم يتمكّن الوكيل من إقامة البيّنة» «3» يناقض فرض كونه أجنبيّا بطلت وكالته، و لو كان وكيلًا مفوّضاً فيقبل منه جميع ما هو من شؤون البيع، كما عرفت، فليتأمّل جيّداً.

ثمّ إنّ جهالة المشتري بالوكالة، لا توجب شيئاً في محطّ البحث؛ بعد عدم كونه وكيلًا واقعاً حين الادّعاء.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 29، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 93/ السطر 18.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 118/ السطر 22.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 29.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 231

الأمر الثالث حكم اختلاف الوكيل و الموكّل في سبق العيب على العقد

في موارد اختلاف الوكيل و الموكّل في السبق مثلًا، فيكون الوكيل مدّعياً للسبق، و عندئذٍ يثبت للمشتري الخيار، و ينكر عليه الموكّل، فهل لا تسمع دعوى الوكيل بتوهّم: أنّه أجنبيّ باطلة وكالته، أم مجرّد الأجنبيّة غير كافية لعدم السماع بعد كونه ذا نفع بدفع الغرامة عن نفسه؛ و لو نوقش في ذلك: بأنّ الغرامة لا تتوجّه بعد انعزاله عن الوكالة، بل مطلقاً؛ لأنّه أمين حتّى لو صار معيباً في يده؟

نعم، إذا قصّر في تعيّبه فله دعوى عدم السبق لدفع الغرامة.

و علىٰ كلّ تقديرٍ: يكون ما هو الأظهر جواز ادعاء السبق، أو إنكاره؛ نظراً إلىٰ بعض الأغراض الراجعة إليه غير الماليّة.

و يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) صحّة الدعوىٰ بين الوكيل و الموكّل، حيث قال: «للوكيل إحلاف الموكّل علىٰ عدم السبق؛ لأنّه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه، فله عليه مع إنكاره اليمين» «1» انتهىٰ.

و لعلّ نظره إلىٰ الظلامة غير المظلمة الماليّة؛ و إن كان الأظهر إرادة الظلامة الماليّة و الحقّ، كما يظهر من ذيل كلامه.

و علىٰ كلّ

تقديرٍ: لو كان في الدعوىٰ أثر اجتماعيّ و وجاهة، تسمع

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 232

و لو كان مورد الدعوىٰ مال الغير، فلو ادعى الوكيل سبق العيب، و أنكره المالك، فإنّه و لو كان يستلزم أحياناً سقوط وكالته و بطلان سلطنته، يحلف.

و لو انعكس الأمر يحلف البائع؛ حسبما تحرّر. و في صورة التداعي يعامل في حقّهما أحكام التداعي المحرّرة في محلّها.

و بناءً علىٰ صحّة الدعوىٰ، لو ردّ اليمين إلىٰ الوكيل، فحلف على السبق، ألزم الموكّل؛ لأنّه خاصّة فصل الخصومة قهراً.

و لو ادعى الوكيل السبق، و لم يتمكّن من إقامة البيّنة، و حلف الموكّل، فإن كان المشتري راضياً بدعواه، فيلزم البيع بلا أرشٍ، و إلّا ففي سقوط دعوى المشتري بسقوط دعوى الوكيل، إشكال بل منع. و يلزم تكرّر الدعوىٰ من غير كفاية الاولىٰ عنها.

نعم، ربّما يستلزم سقوط الدعوى الثانية الموجودة بين الموكّل و المشتري، سقوطَ الأُولىٰ؛ لأجل انتفاء الموضوع كما لا يخفى.

و بالجملة: تحصّل في هذه الجهة مضافاً إلىٰ إمكان استماع دعوى الوكيل؛ لأنّه ذا نفع في تلك الدعوىٰ-: أنّ اختلاف الوكيل و الموكّل أيضاً ممكن؛ و إن لم يكن الوكيل باقياً علىٰ وكالته، و يلزم من فصل الخصومة بنفعه، ثبوت الخيار و الأرش للمشتري، و تمام الكلام في محلّه. و قد أُشير في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) إلىٰ بعض المباحث الأُخر الراجعة حقيقتها إلىٰ بحوث القضاء، فالإيكال إليه أولىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 233

الجهة الخامسة في اختلافهما في السلعة
اشارة

بعد اعترافهما في أنّها مورد العقد، و هي المبتاعة.

و الكلام هنا يتمّ في طيّ أُمور:

الأمر الأوّل في صور الاختلاف

قد يكون الاختلاف فيها لأجل الاختلاف في خياريّة العقد؛ و أنّ المشتري له الخيار و عدمه؛ ضرورة أنّه لو كانت السلعة التي ادعى المشتري أنّها سلعة البائع و متاعه، هي واقعاً سلعته، للزم كونه ذا خيار؛ لأنّها معيوبة، فحينئذٍ يكون للدعوىٰ مصبّ؛ و هي أنّ هذه السلعة الشخصيّة هي المبتاعة، و لها مرجع و مآل؛ و هو ثبوت الخيار، أو بعض الأحكام الأُخر.

و البائع عند هذه الدعوىٰ تارة: ينكر مقالة المشتري.

و أُخرى: يدّعي ضدّ مقالته.

و هو تارة: يكون دعوى أنّ سلعته المبتاعة تلك السلعة الصحيحة، مريداً به لزوم العقد.

و أُخرى: يدعي لزوم العقد بالنظر إلىٰ مآل دعوى المشتري؛

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 234

فإنّه و إن لم يكن تطابق بحسب الصورة بين الدعويين، إلّا أنّه لا يلزم التطابق في صورة التداعي؛ بعد كون الدعويين مرتبطتين.

بل ربّما يكون نفي خيار المشتري في قبال دعواه السلعة، من الإنكار، دون الادعاء؛ لأنّ إنكار المقصود بالأصالة في دعوى السلعة، يوجب التطابق اللازم في المسألة؛ لما لا دليل علىٰ أكثر من ذلك في شرطيّة المطابقة، كما لا يخفىٰ.

و أُخرى: يتّفقان علىٰ أصل العقد و خياريّته؛ لاعتراف البائع بعيب المتاع و السلعة، أو اعتراف المشتري بعيب العوض؛ كلّيّاً كان، أو شخصيّاً؛ لتعيّنه بالقبض، إلّا أنّ المشتري يردّ السلعة مريداً به حلّ العقد، و البائع ينكر كونها هي المبتاعة؛ مريداً به بقاء العقد و لو كان خياريّاً، أو شيئاً آخر، كإرادته أنّه زيّد العيب و هي تحت يده، و يكون مضموناً في تلك الزيادة، أو يدعي أنّ العقد باقٍ نظراً إلى ما قصده كما أُشير إليه،

و لا يعتبر- كما مرّ التطابق زائداً عليه؛ بعد كون الدعوىٰ ذات أثر، و قابلة للسماع عند القاضي، و تفصل الخصومة بحلفه علىٰ بقاء العقد.

نعم، في صورة دعوى زيادة العيب، يحصل التداعيان المرتبطان نتيجة، كما لا يخفى.

و ثالثة: يختلفان فيما لا يرجع إلى العقد حلّاً و بقاءً، و لا إلىٰ دعوى الخيار و عدمها، كما إذا اتفقا علىٰ أصل الخيار و حلّه بالقول، أو بإرادة ردّ المتاع المبتاع؛ لأنّها تكفي لسقوط الخيار و الحلّ؛ أي كما أنّ إرادة بيع السلعة مع الالتفات، تكفي لسقوط الخيار و إن لم يتّفق البيع و التصرّف، كذلك إرادة الردّ تكفي لحلّ العقد؛ و أنّه بها يحصل إنشاء

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 235

الحلّ، و لا يعتبر قبول البائع مثلًا في انحلاله.

و بالجملة: اختلفا في أنّ السلعة تلك المبتاعة، و أنكرها البائع، أو ادعىٰ أنّها تلك السلعة. و لا مآل لهذه الدعوىٰ بالنسبة إلى العقد.

نعم، لها المآل بالنسبة إلىٰ ازدياد العيب المضمون على المشتري؛ فإنّه عندئذٍ يجوز أن يدّعي بعد دعوى أنّها سلعته-: أنّ المشتري ضامن نظراً إلىٰ زيادة العيب تحت يده و سلطانه.

و غير خفيّ: أنّ إنكار البائع تارة: يكون لأجل أنّ ما يردّه المشتري غير ما باعه شخصيّاً.

و أُخرى: يكون لأجل حصول التغيير إلىٰ حدّ يصحّ له إنكار أنّه ليس هو.

الأمر الثاني كون الاختلاف في السلعة من موارد التداعي

مقتضىٰ ما تحرّر منّا؛ أنّه لا شبهة في موارد المدّعى و المنكر و التداعي، و لا عبرة بالمآل و المرجع في الدعوىٰ، و إنّما اختلف الأصحاب أحياناً في المنكر و المدّعي؛ لاختلافهم في طرق تشخيصهما، و الأُصول المعتمد عليها، و المراجع إليها.

و حيث إنّك قد علمت: أنّ الأمر بيد العرف، و يكون الميزان علىٰ مصبّ

الدعوىٰ، و يكفي التطابق في السبب و المسبّب، يكون في كثير من الموارد المشتري مدّعياً، و البائع منكراً و لو كانت السلعة معيبة و هي

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 236

بعدُ عند البائع، و لم يردّ المشتري ثمنه إلى البائع، فإنّ له فسخ العقد حسب اعتقاده و يدّعي البائع عليه؛ إلّا أنّه فيما نحن فيه غير تامّ؛ لأنّ جميع صور المسألة بعد القبض و الإقباض و في الموارد التي أُشير إليها، يلزم كونها من التداعي.

و أمّا الاعتماد على الأُصول الصحيحة الجارية في مقام الإفتاء و العمل، فهو ممّا لا بأس به، دون مقام القضاء و فصل الخصومات.

مثلًا: في مورد دعوى المشتري في مقام نفي الضمان بالنسبة إلى العيب الزائد، تكون قضيّة العرف إقامة البيّنة عليه؛ إذا كان يطرح الدعوىٰ علىٰ أنّ هذه السلعة سلعته، و لكنّه بحسب الأصل بري ء الذمّة؛ لأنّ الأصل عدم اشتغال ذمّته بالزيادة المدّعاة، فافهم و لا تغفل.

الأمر الثالث جولة حول الأُصول العقلائيّة و الشرعيّة

المتمسّك بها في كلام القوم، ناظرين بها إلىٰ تمييز المنكر من المدّعى.

مثلًا: في «التذكرة» «1» و «الدروس» «2» و «الجامع المقاصد» «3»: أنّه يقدّم قول البائع في الفرض الأوّل؛ لأصالة عدم حقّ للمشتري على

______________________________

(1) لاحظ تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 28.

(2) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 289.

(3) لاحظ جامع المقاصد 4: 362.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 237

البائع، و لأصالة عدم كونها سلعته «1».

و قيل: و لأصالة عدم تعلّق العقد بما يردّ به، كما في كلام الشيخ «2»، أو أصالة عدم معرضيّة هذه السلعة للبيع.

و ربّما يقال: إنّه في الفرض الأوّل حيث يريد التعيّب، يكون مقتضى الأصل العقلائيّ الموضوعيّ، سلامةَ المبيع و السلعة، فلا تصل النوبة إلى الأُصول الموضوعيّة الشرعيّة، و

لا إلىٰ أصالة اللزوم، و عدم الخيار، و عدم نفوذ الفسخ، و بقاء العقد؛ لتقدّمها عليها.

و فيه: أنّ أصالة السلامة مورد الاتكاء؛ إذا كان حين العقد مشكوك العيب، فيرفع بها الغرر مثلًا، و أمّا رفع الخيار بها فهو غير صحيح؛ لأنّ حدوث العيب قبل القبض يوجب الخيار، و لا أصل في هذه الحالة. و ليس بناء العقلاء علىٰ بقاء السلامة إلىٰ حال القبض، أو إلىٰ بعد مضيّ زمان الخيار المضمون.

و أمّا استصحاب عدم التغيير، أو بقاء السلامة موضوعاً، أو استصحاب عدم حدوث موجب الخيار، فيجري لو كانت أصالة السلامة كافية عن اليقين المعتبر فيه، كما ليس ببعيد.

و لو نوقش في الأُصول المذكورة، فأصالة بقاء ملكيّة كلّ من العوضين علىٰ حالها، و البراءة عن حرمة التصرّف، و أصالة حلّية كلّ

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 4، فإنّه لم يوجد الدليل في المصادر الثلاثة السابقة.

(2) نفس المصدر/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 238

من التصرّفات الخارجيّة و الاعتباريّة جارية، و تصير النتيجة: توقّف الخروج عن مقتضىٰ هذه الأُصول علىٰ قيام البيّنة حسب دعوى البائع؛ فإنّها إذا حصلت فلا محلّ لها. بل لا يبعد ذلك من غير التوقّف علىٰ حكم الحاكم.

نعم، فيما إذا كانت الأمارة معارضة مع تلك البيّنة، فلا يبطل محلّها إلّا بالحكم، كما لا يخفى.

مثلًا تارة: يكون المنكر ذا اليد؛ و تقوم البيّنة علىٰ أنّ ما في يده لزيد، فإنّه تقع المعارضة، و تفصل الخصومة بالحكم.

و أُخرى: يكون مقتضى الأصل أنّ زيداً منكر، و قامت البيّنة علىٰ خلافه، فإنّ تصرّف زيد يصير ممنوعاً، و أمّا وجوب رفع اليد عنه، و التسليم إلى المدّعى؛ فلا يبعد أن يكون بعد الحكم، و المسألة تطلب

من محلّها.

و يناقش في جميع الأُصول الوجوديّة و العدميّة و الموضوعيّة و الحكميّة؛ من ناحية أنّها دائرة بين اللاجريان و المثبتيّة؛ و بين عدم كونها قابلة لتمييز المنكر من المدّعى بها فيما هو مفروض البحث و المقصود في المقام.

مثلًا: أصالة عدم حقّ للمشتري على البائع لا معنى لها؛ لأنّه لا شكّ في عدم الحقّ، فإنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد، و ليس لذي الخيار حقّ على الطرف لينتفي بالأصل.

و أمّا نفي حقّ الأرش فهو غير بعيد؛ إلّا أنّه خارج عن محطّ بحثهم ظاهراً. مع أنّه ليس حسبما تحرّر أمراً وضعيّاً، بل الأظهر وجوب جبران

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 239

النقص من غير كونه ديناً في الذمّة؛ لقصور دليله عن إثبات الأزيد منه.

و أمّا أصالة عدم كونها سلعته فكما في «حاشية العلّامة الخراساني (رحمه اللّٰه)» «1»: لا حالة سابقة لها؛ لأنّ السلعة هي المتاع الموصوف بالمبيعيّة.

و الحقّ: جريان استصحاب عدم كون المتاع الموجود ملكاً للبائع؛ حتّى ينتقل إلىٰ المشتري، و هكذا مع وصف المبيعيّة.

نعم، مجرّد نفي كونه متاعه و سلعته، لا يلازم شرعاً نفي خيار المشتري؛ ضرورة أنّ موضوع الخيار هي السلعة التي بها عيب و عَوار، و مع احتمال كونه معيباً من الابتداء، لا يمكن إثبات العدم النعتيّ باستصحاب العدم المحموليّ.

و غير خفيّ: أنّه لا حاجة في ظرف اليقين إلىٰ وجود الأثر، بل يكفي ذلك في ظرف الشكّ، فالعدم المحموليّ لو كان في ظرف الشكّ صاحب الأثر يستصحب، إلّا أنّه لا يجري بالنسبة إلىٰ شخص المتاع؛ لما مرّ من أنّه لا يستحقّ الإشارة إليه في ظرف الشكّ باستمرار ذلك العدم، كما لا يخفىٰ.

و من هنا يظهر وجه أصل الشيخ (رحمه اللّٰه) لأنّ استصحاب عدم

تعلّق العقد بالسلعة، أو أصالة عدم كون السلعة هي التي وقع العقد عليها «2»، ممّا لا بأس به، إلّا أنّه أجنبيّ عن هذه السلعة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 228.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 240

و لا يتوجّه إليه: أنّه لا أثر للعدم المذكور؛ لما عرفت.

و لا يتوجّه إليه أيضاً: أنّه لأعلم بالعدم النعتيّ؛ لأنّ نفس نفي الموضوع المقيّد بالعدم المحموليّ كافٍ لنفي الحكم عن الموضوع المقيّد.

فما أورده الوالد المحقّق «1» مدّ ظلّه من الإشكالين نوعاً في هذه المواقف، مدفوع.

نعم، الإشكال الوحيد ما أُشير إليه؛ ضرورة امتناع الإشارة إلىٰ الخارج لسلب العدم، إلّا العدم الخاصّ، و استصحاب العدم المطلق، لا يفيد العدم الخاصّ، فتأمّل.

و من الغريب التمسُّك باستصحاب عدم المعرضيّة!! غفلة عن أنّ المعرضيّة ليست موضوعاً لأثر حتّى يسلب الأثر بسلب موضوعه.

و أمّا الأُصول الحكميّة، فقد أشرنا إلىٰ منع جريانها في ذاتها، و تفصيله في الأُصول «2».

و استصحاب بقاء القصد، غير نافع بالنسبة إلىٰ مورد الدعوىٰ، و يكون كاستصحاب الملكيّة و بقاء العين تحت سلطنة مالكها.

و ممّا ليس يخفىٰ: أنّ استصحاب عدم التغيير لا أثر له؛ لما لا يكون الحكم مترتّباً على التغيير.

و هكذا استصحاب بقاء السلامة، و كأنّ جماعة منهم يرتضون في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 100.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 525 و ما بعدها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 241

جريانه بيقين و شكّ؛ من غير مراعاة أمر ثالث، و من الغريب وقوع ذلك في كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه)!! و من هنا يظهر: أنّ استصحاب المالكيّة ليس جريانه واضحاً؛ لعدم أخذ عنوانه في الدليل.

نعم، استصحاب بقاء كونه ماله لتنقيح موضوع قاعدة السلطنة

ممّا لا بأس به، إلّا أنّها قاعدة غير ثابتة شرعيّتها. هذا مع ما أُشير إليه من عدم كفايتها للتمييز المنكر من المدّعى في مصبّ الدعوىٰ.

و من هنا يظهر حال سائر الأُصول الشرعيّة. و ممّا ذكرنا يظهر حال الأُصول في سائر الفروض.

و أمّا قضيّة أصالة عدم خيانة المشتري، المستلزمة لتقديم قول المشتري، كما حكى عن الفخر (رحمه اللّٰه) «1» فالظاهر أنّه لم يرد منه الاستصحاب؛ لعدم كون الخيانة موضوعة للأثر في المعاملة، و صحّتها، و لزومها. و لا يريد منه حمل فعل المسلم علىٰ أحسنه «2»؛ حتّى يقال: إنّ ردّه يحمل على الأحسن، فيكون في محلّه، فإنّه أيضاً أجنبيّ عن أخبارها.

فيبقى كونه من باب الأمانة، و لا يكفي كونه شبيه الأمانة؛ لأنّ

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 1: 499.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في كلام له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً و أنت تجد لها في الخير محملًا.

الكافي 2: 362/ 3، وسائل الشيعة 12: 302، كتاب ل الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 161، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 242

الشباهة غير كافية، كما وقع في كلام الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه) «1».

و لا يتوجّه إليه: أنّه ملك المشتري؛ فلا معنى للأمانة؛ كما أورده الوالد المحقّق «2» مدّ ظلّه و ذلك لأنّ مجرّد إرادة الردّ يوجب الفسخ؛ من غير الحاجة إلىٰ قبول البائع، فتصير يده بعد تلك الإرادة يد أمانة شرعيّة.

و من الغريب ما في كلام العلّامة المحشّي «3»: من أنّه صاحب الولاية على العين المشتراة شرعاً!! و أنّى له ذلك بعد كونه مالكاً لها ملكاً مرسلًا

طلقاً؛ حتّى تشمله النصوص الناهضة على المنع عن اتهامه «4»؟! و مجرّد كونه موضوعاً لجواز الردّ لا يكفي لكونه أمانة، كما لا يخفىٰ.

و أمّا التمسّك بقاعدة «من ملك شيئاً» «5» فهو في غير محلّه؛ لأنّه نافذ بالنسبة إلى الإقرار الخاصّ؛ لا كل إقرار يرجع نفعه إليه، كما نحن فيه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 93/ السطر 37.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 102.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 119/ السطر 7.

(4) عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته.

قرب الإسناد: 41، وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الباب 5، الحديث 10، و أيضاً الحديث 9.

(5) لاحظ حول القاعدة، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 263/ السطر 28، القواعد الفقهيّة 1: 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 243

فما هو الوجه الوحيد هو أنّه كما أُشير إليه بمجرّد إرادة ردّ العين يوجب انفساخ العقد قهراً، و تصير العين تحت سلطانه شرعاً، و تكون له الولاية.

إلّا أنّ ذلك لا يكفي لحلّ المشكلة في محلّ الدعوىٰ، إلّا برجوع الدعوىٰ إلى الدعوى الأُخرىٰ؛ و أنّ مرجع الاختلاف في السلعة و عدمها، إلىٰ الخيانة و عدمها؛ و قد مضى بطلان الرجوع بما لا مزيد عليه.

هذا مع أنّ قضيّة دعوى البائع خيانته؛ عدم انفساخ العقد؛ لأنّها تستلزم عدم إرادته فسخ العقد بها؛ ضرورة أنّ العقد ينفسخ بها إذا كان المشتري مريداً ردّ السلعة المبتاعة واقعاً، فمن صحّة دعوى البائع يلزم عدم صحّتها، فاغتنم.

المقام الثاني في اختلافهما في المسبّب؛ و هو الخيار
اشارة

و لا يلزم أن يكون مدّعي الخيار المشتري دائماً؛ لاحتمال كون البائع مدّعيه، لما فيه

الأثر المقصود، و لعلمه بأنّ المشتري إذا كان بالخيار، ينفسخ العقد.

فعلى كلٍّ: المدار على العرف؛ و في الغالب القريب من الاتفاق هو المشتري؛ فالقول قول البائع المنكر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 244

و أمّا موافقة قوله لأصالة اللزوم، و لأصل عدم الخيار، و عدم نفوذ فسخه، و لبقاء العقد و الملكيّة، و غير ذلك، فكلّه مضافاً إلىٰ عدم الحاجة إليه غير جارٍ إلّا استصحاب بقاء العقد، أو الاستصحاب الحكميّ الناشئ شكّه عن الشكّ في وجود العقد، و أمّا الناشئ عن إجمال الدليل و شبهه فلا، كما أُشير إليه، و تفصيله في الاستصحاب.

و غير خفيّ: أنّ المفروض اختلافهما في الخيار لأجل الشبهة الموضوعيّة، و أمّا الاختلاف لأجل الشبهة الحكميّة، ففي صحّة المراجعة إلى القاضي رأساً إشكال؛ و إن كان يظهر من بعضهم جوازه.

و بالجملة: علىٰ تقدير جوازه، فجريان الاستصحابات الحكميّة الكلّية ممنوع إلّا البراءة، و هي في محطّ القضاء لا تنفع شيئاً.

بقي شي ء حكم ادّعاء المشتري لتعيّب المبيع و ثبوت الخيار

إذا ادعى المشتري تعيّب المبيع منضمّاً إلىٰ أنّ له الخيار؛ كي تكون دعواه مركّبةً من السبب و المسبّب؛ أو مركّبةً من المسبّب المقيّد بالسبب فيطرح أنّه بالخيار لكون المتاع معيباً عكس الفرض الأوّل، فعلى ما مرّ لا يجوز للقاضي التصرّف في دعواه، و لا أصل يحرز به القيد؛ لأنّ أصالة عدم العيب و عدم الخيار و لو كانا جاريين، لا يثبت بهما المقيّد، و لا حالة سابقة للمقيّد بما هو مقيّد و لو انحلّت الدعوى

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 245

المذكورة إلى الدعويين أحياناً، و لكنّه انحلال لا يعتبر في محيط القضاء.

مع أنّه ربّما يدّعي: أنّ المتاع فيه العيب الموجب للخيار، في قبال بعض العيوب غير الموجبة له، فلا يكون معنى

حينئذٍ للانحلال، كما لا يخفىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 246

البحث الثاني الاختلاف فيما يرتبط بسقوط الخيار
اشارة

بمعنى إسقاط الخيار كما إذا ادعى البائع أنّ المشتري أسقط الخيار، أو بمعنى أنّه يدّعي سقوط خياره؛ لعدم ثبوته، فإنّه يعتبر من السقوط تسامحاً كما لو ادعى اشتراط سقوط خيار المجلس في ضمن العقد، فإنّه حينئذٍ لا يثبت حتّى يسقط، و لكنّه مع ذلك يعدّ من السقوط؛ لأنّ مقتضى الثبوت موجود، و أنّ السقوط يحتاج إلىٰ ضمّ خصوصيّة وجوديّة أو عدميّة إلى العقد، فلا تغفل.

و بالجملة: هنا صور:

الصورة الأولىٰ ادعاء علم المشتري بالعيب

بناءً علىٰ عدم ثبوت الخيار، أو سقوطه في صورة علم المشتري بالعيب حين العقد، كما كان يستظهر من معتبر زرارة «1» لو اختلفا فيه، فالمدّعي عندنا من يراجع القاضي و يطرح دعواه؛ سواء كان مورد الدعوىٰ علم المشتري بالعيب؛ حتّى لا يكون له الخيار، أو كان عدم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 189.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 247

الخيار.

و كون مورد الدعوىٰ وجوديّاً أو عدميّاً، لا دخل له بحديث تشخيص المدّعى من المنكر، و ما اشتهر: من أنّ مقالة المدّعى وجوديّة، و المنكر عدميّة «1»؛ نظراً إلىٰ أنّ الوجود دائماً مسبوق بالعدم المخالف للأصل، غير تامّ كما مرّ.

ثمّ إنّ اختلاف الأعلام (رحمهم اللّٰه) في أنّ العلم الذي يدّعيه البائع للمشتري بالعيب، مانع عن الخيار؛ كما في كلام الفقيه اليزديّ «2»، أو عدم العلم شرط لثبوت الخيار و دخيل في المقتضي، كما في «حاشية العلّامة الأصفهاني (رحمه اللّٰه)» «3» لا ربط له بمسائل القضاء؛ ضرورة أنّ المسألة المطروحة عند القاضي، لا بدّ و أن تكون ذات أثر و لو بلوازمها؛ أو ملازماتها.

و كون الأصل مع منكر العلم لأنّه بإنكار المانع و التعبّد بعدمه، يثبت المدّعى؛ و هو البائع، و لا يكفي الأصل المذكور إذا كان عدم العلم قيداً

و شرطاً، إلّا على الأصل المثبت أيضاً أجنبيّ عن هذه المسألة و لو لم يكن مثبتاً، أو كان الأوّل مثبتاً دون الثاني؛ فإنّ التعبّد بعدم المانع في باب المعاملات مثبت؛ لما لا يستفاد منه ترتّب المقتضى على المتقضي، بخلاف التعبّد بعد وجود الموضوع للأثر لنفي الأثر.

______________________________

(1) لاحظ ملحقات العروة الوثقى 3: 35.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 94/ السطر 1.

(3) حاشية المكاسب، السيّد الأصفهاني 2: 120/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 248

و الحقّ: أنّ الأصليين ممّا لا بأس بهما؛ لأنّ علىٰ تقدير فرض وجود المانع، يصحّ التعبّد بعدمه؛ لما فيه الأثر كما تحرّر، و هو يكفي لجريان الأصل. و هكذا الشكّ في كون المشتري جاهلًا؛ فإنّ المنفيّ بالأصل ليس جزء المقيّد، حتّى يشكل إثبات التقيّد به، بل الشكّ في حصول الجزء منشأ للشكّ في حصول الكلّ المسبوق بالعدم، و نفي الموضوع كلّه لنفي أثره جائز عندهم، فما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1» لا يخلو من إشكال.

نعم، لو كان الأثر للموضوع الخارجيّ المنعوت بالعدم النعتيّ، فاستصحاب العدم المحموليّ لا يثمر، كما تحرّر فيما سلف.

ثمّ إنّه في صورة كون الدعوىٰ عدم الخيار للمشتري، فتارة: يدّعي المشتري الخيار، فيكون التداعي.

و أُخرى: ينكر ذلك العدم؛ لأجل إثبات الخيار، و لا ترجع الدعوى المذكورة إلىٰ لزوم البيع.

و علىٰ كلّ: فإن قامت البيّنة علىٰ عدم الخيار فهو، و إلّا فيحلف علىٰ أنّ عدم الخيار ليس لي، و لازمه الخيار، و يكفي ذلك لصحّة الدعوىٰ و لثبوت الخيار، كما هو الواضح، فتأمّل.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 106.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 249

الصورة الثانية الاختلاف في زوال العيب قبل علم المشتري؛ أو بعده

و غير خفيّ: أنّ من شرائط صحّة المنازعة، كون الشبهة موضوعيّة، كما

أُشير إليه «1».

و أيضاً منها: كونها ذات أثر، فلو اختلفا في الزوال قبل العلم و بعده، و كان الخيار و الأرش مترتّبين علىٰ ظهور العيب، لا أثر لها؛ لأنّ الحكم من تبعات العيب المعلوم حين العقد، و هما متّفقان علىٰ جهالته حين العقد؛ حسب الظاهر.

نعم، لو أُريد من الاختلاف المذكور؛ الاختلاف في أنّه حين العقد كان عالماً، فزال العيب حين العلم، و ينكر عليه الطرف، فهو يرجع إلى النزاع الأوّل بصورة أُخرى، و هو ليس المراد هنا.

فالخلاف هنا بعد الاعتراف بأنّ وجود العيب، سبب لحدوث الحكم؛ سواء كان هو الخيار، أو الأرش؛ لكفاية أحدهما لصحّة الدعوىٰ، فإذا اعترفا بذلك فيصحّ النزاع فيما يوجب السقوط، بعد الاعتراف بمسقطيّة ما يتنازع فيه، كما إذا اختلفا في حصول الزوال بعد العلم، أو قبله، بعد الإقرار و الإذعان بأنّ الزوال قبل العلم يوجب السقوط، كما مرّ في البحوث السابقة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 244.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 250

إلّا أنّك عرفت منّا: أنّ الزوال قبل الردّ و بعد الردّ موضوع للأثر، و لا مدخليّة للزوال قبل العلم و بعده، فطرح هذه الدعوىٰ عندنا غير مرضيّ. بل الظاهر أنّ الشيخ «1» تبعاً للعلّامة في موضع من «التذكرة» «2» اعترف بذلك، فكان ينبغي طرح هذه الصورة في اختلافهما في زوال العيب قبل الردّ و بعده؛ ضرورة أنّه موضوع للأثر؛ إمّا بدعوىٰ سقوط الخيار و الأرش معاً، كما اختاره بعضهم «3»، أو سقوط الخيار فقط، كما اختاره الشيخ «4»، أو الأرش فقط، كما هو الأقرب و الأشبه.

و غير خفيّ: أنّه ربّما تقع المنازعة في هذه المسألة لأجل الأثر، إلّا أنّ الأثر يختلف، و هو أيضاً كافٍ لصحّتها، مثلًا إذا ثبت تقدّم

زوال العيب على العلم، يسقط الخيار بعد ثبوته بوجوده الواقعيّ، و يدّعي الآخر تأخّره لإثبات الأرش فقط، دون الخيار، بناءً علىٰ أنّه لا يثبت في صورة العلم.

أو اختلفا في التقدّم و التأخّر بالنسبة إلى الردّ، مع اختلاف الأثر من حيث الخيار و الأرش، فيدّعي البائع زواله قبل العلم، فلا يكون له إلّا الخيار؛ لأنّ الأرش غير ثابت في هذه الصورة؛ لكونه علىٰ خلاف القواعد كما لا يخفىٰ، و يدّعي المشتري زواله بعد العلم، فلا يكون له إلّا الأرش.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 4.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 22.

(3) نسب الشيخ الأنصاري إلى تذكرة الفقهاء، لاحظ المكاسب: 261/ السطر 4، تذكرة الفقهاء 1: 541/ السطر 20.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 261/ السطر 11.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 251

و ممّا أُشير إليه إلى هنا، يظهر مواضع ضعف وقعت في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» و لا سيّما الفقيه اليزديّ «2»، و بالأخصّ العلّامة المحشي «3»، بل و الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «4».

إذا تبيّنت هذه الوجيزة، فالمدّعي و المنكر علىٰ ما أسّسناه من الواضح الغنيّ عن البيان، و عن إقامة البرهان.

و أمّا تشخيصهما حسب الأُصول الجارية، ففي صورة عدم كون الدعوىٰ حول عناوين التقدّم و التأخّر، بل كان المشتري يدّعي بقاء العيب، و البائع ينكره، فالأصل مع البائع، و لا بأس به و لو كان ما هو موضوع الأثر عنوان ما به العيب و العَوار، و مورد الدعوىٰ أنّ المتاع معيب، أو أنّ العيب باقٍ، كما لا يخفىٰ.

الصورة الثالثة الاختلاف في أنّ الزائل هو العيب القديم؛ أم هو الجديد

ضرورة أنّه لو كان قديماً يكون موجباً للأثر، و ذاك الأثر كما يمكن أن يكون بقاء الخيار و الأرش، أو أحدهما لأنّ ثبوت العيب يوجب ذلك، و

زواله لا يوجب شيئاً، إلّا أنّ حدوث العيب الجديد يمنع عن بقائه-

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 264/ السطر 19.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 94/ السطر 1 8.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 120/ السطر 18.

(4) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 106 107.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 252

يمكن أن يكون الأثر في دعوى زوال العيب القديم نفي الخيار، و أنّ زوال العيب الحادث لا يوجب شيئاً، و المخالف يريد إثبات الخيار أو الأرش.

فبالجملة: كما أُشير إليه يتصوّر هناك أيضاً صور كثيرة بالنسبة إلىٰ اختلافهما؛ مدّعياً، و منكراً، و مورداً، و بالنسبة إلى الأثر المتعدّد؛ و هو الخيار و الأرش، أو الواحد، أو كانا مختلفين من هذه الجهة أيضاً.

و ربّما لا يكون في دعوى أنّ الزائل هو العيب الجديد أثر، إلّا أنّها يلازمها ذو أثر؛ لأنّها تستلزم إنكار زوال القديم، فهل في هذه الصورة يسمع إلى الدعوىٰ، أم لا؟ وجهان:

أظهرهما الأوّل؛ لكفايته في لزوم تدخّل القاضي، بعد تقرّر التخاصم العقلائيّ الذي هو ذو الأثر و لو بلازمه؛ من غير لزوم إرجاع الادعاء إلى الإنكار، كما لا يخفى.

و غير خفيّ: أنّ المسألة ذات وجوه حسب المباني، كما أشير إليه في الصورة السابقة، و أشرنا آنفاً إلىٰ أنّه ربّما تختلف المباني؛ علىٰ حدّ تكون دعوى زوال العيب القديم موجبةً للخيار؛ لما لا يترتّب على العيب الجديد شي ء عند مدّعيه و لو كان الطرف حسب رأيه علىٰ عكس ذلك، فيقع القاضي في أمثال هذه المعارك في المشكلة و المعظلة؛ لاختلاف آثار دعواهما إلىٰ اختلاف نظريّة المتداعيين، و هذا ممّا قد غفل عنه كلام المتأخّرين هنا، كما هو الظاهر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 253

الصورة الرابعة ما لو كانا مذعنين بالعيب الموجود، و العين تحت يد المشتري

فلو

اختلفا في عصر حدوثه؛ فيدّعي البائع حدوثه في يده، و المشتري يدّعي حدوثه حين العقد فهو يرجع إلىٰ الصورة الأُولىٰ؛ و هو تعيّب المتاع حين العقد و عدمه، و يرجع إلىٰ الشكّ في الثبوت، إلّا أنّه بحسب الصورة غير الصورة الأُولىٰ؛ لمفروضيّة وجود العيب المشاهد.

و علىٰ كلّ تقديرٍ: يمكن دعوى أنّ الاختلاف المذكور، ناظر من ناحية البائع إلىٰ نفي الخيار بسقوطه؛ لأنّ حصول العيب تحت يد المشتري، تغيّر في المتاع؛ و هو يمنع الردّ، و من ناحية المشتري إلىٰ بقائه، فيكون البائع مدّعياً، و المشتري منكراً.

و في نفس هذه الصورة له طرح الدعوىٰ؛ على وجه يرجع إلىٰ عدم ثبوت الخيار فيكون بحسب الأصل منكراً؛ و لو كان بحسب العرف مدّعياً، و العبرة بالثاني، كما عرفت.

و ربّما يحتال المدّعى بحسب الواقع؛ و هو المشتري، لادعائه بقاء الخيار؛ علىٰ وجه يرجع البائع إلىٰ القاضي بدعوىٰ إنكار بقاء خياره، فيكون حسب العرف هو المدّعى و لو كان هو منكراً بمقتضىٰ أصالة بقاء سبب الخيار، أو ذاته، و علىٰ هذا الوجه يختلفان في السقوط، لا الثبوت. و البحثُ هنا حول صور ثبوت الخيار، خروجٌ عن محطّ الكلام.

ثمّ إنّ البائع و المشتري في صورة التداعي أو الادعاء و الإنكار،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 254

يتوافق قول كلّ منهما مع الأصل، مثلًا مقتضىٰ أصالة السلامة كون المتاع سليماً، فيكون العيب المشاهد بلا أثر، و الاستصحاب القهقرى العقلائيّ في أمثال المقام و لا سيّما مع معلوميّة عصر القبض يقتضي حدوث العيب قبل القبض، أو القرائن الخاصّة ربّما توجب كون الأصل حدوث العيب قبله؛ لظاهر الحال، فعلى ما تحرّر منّا من أنّ العبرة بالمدّعي و المنكر في مقام المراجعة إلىٰ القاضي، فلا

أثر لهذه الأُصول.

نعم، لها الآثار بالنسبة إلىٰ الأجنبيّ عن الدعوىٰ، غير المرجوعة إلىٰ القاضي، كما لا يخفىٰ.

و أمّا أصالة صحّة القبض؛ بمعنى أنّ كون المقبوض صحيحاً، فلا أصل لها، و لا بمعنىٰ أنّ القبض صحيح. مع أنّها لا تثبت كون العيب حدث بعد القبض إلّا على القول بحجّية الأُصول المثبتة العقلائيّة.

و غير خفيّ: أنّ المشتري ربّما يدّعي أنّ هذا العيب المشاهد، عبارة عن ذاك العيب حين العقد، فالأثر باقٍ، و البائع ينكر ذلك عليه؛ من غير أن يكون ناظراً إلىٰ حدوث العيب المشاهد في يده، فيكون التغيّر موجباً لسقوطه؛ لاحتمال قوله بأنّ مجرّد التغيّر لا يوجب السقوط، بل إحداث الحدث يوجبه، و المفروض خلافه.

و علىٰ هذا، ترجع الدعوىٰ إلىٰ السقوط. إلّا أنّ إنكار البائع كما يمكن أن يكون إقراراً بالعيب حين العقد؛ حتّى يثبت الخيار به، و هكذا الأرش يمكن أن يكون السلب التحصيليّ سلباً بانتفاء موضوعه، فينكر واقعاً أصل وجود العيب؛ لأنّ إنكار مقالته لا ينافي إنكار أصل العيب، فيرجع إلى الدعوىٰ في الثبوت، و هذا ممّا لا ينبغي أن يختفي على

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 255

القاضي العارف بالمسائل.

نعم، ربّما يكون سلباً عن الموضوع المفروض؛ لشهادة القرائن و الحال.

و علىٰ هذا، يقع البحث في أنّه يؤخذ بهذا الإقرار؛ لعدم ادعائه تغيّر المتاع عند المشتري، أو لا يعتمد علىٰ مثله؛ لأنّه ليس بإقرار صريح، أولا يسمع إلى الدعوىٰ المذكورة؛ لإجمالها، فلا بدّ من ترتيب حتّى يتبيّن الحال، و أنّه ينكر عليه و يريد لازمه الآخر؛ و هو حدوث العيب تحت يده، لا الإقرار بالعيب حين العقد فقط، أم يرجع ذلك إلىٰ إقرار من جهة، و ادعاء من اخرىٰ، وجوه لا تخفى.

الصورة الخامسة في اختلافهما في التبرّي

و

هذا تارة: يكون المتاع الموجود بين أيديهم معيباً.

و أُخرى: يكون صحيحاً.

ففي الفرض الأوّل، يكون مدّعي التبرّي مدّعي السقوط؛ لظهور الحال في ثبوت الخيار مع قطع النظر عن تبرّيه، فمنكر البراءة يحلف.

و لو رجع المشتري إلى القاضي و ادّعى الخيار، فعليه البيّنة، و لا ترجع دعواه عن مصبّها إلى المصبّ الآخر، كما صرّح به في غير موضع

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 256

صاحب «الجواهر» (رحمه اللّٰه) «1» و لكنّه خرج من البحث المخصوص بالسقوط، فلا تخلط.

و أمّا في الفرض الثاني، فإن كان المتاع في حال الدعوىٰ عند البائع، فلا أثر لهذه المخاصمة؛ لأنّه إمّا تبرّأ البائع فلا خيار للمشتري، و لو لم يتبرّأ و زال العيب قبل العلم و القبض فكذلك. بل و لو قلنا: بأنّه يورث سقوط الخيار قبل الردّ، فلا خيار أيضاً للمشتري؛ سواء تبرّأ أو لم يتبرّأ.

فإن كان النظر في الدعوى المذكورة إلى الخيار، فهذا حكمه.

و أمّا لو كان النظر إلى الأرش، و قلنا بأنّ العيب حين العقد يورث الأرش بوجوده الحدوثيّ كما هو ظاهر الشيخ (رحمه اللّٰه) «2» في محلّه، فادعاء التبرّي له الأثر؛ و هو عدم الأرش، و إنكاره يستلزم الأرش، و القول قول المنكر عرفاً، بل و أصلًا باستصحاب عدم التبرّي.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المحموليّ منه بلا أثر، و النعتيّ منه بلا سابق، كما مرّ مراراً.

و غير خفي: أنّه لو كان الميزان علىٰ مرجع الدعوىٰ، فالاختلاف في التبرّي ينتج أنّ المشتري يدّعي الخيار، و أصالة اللزوم خصمه.

______________________________

(1) جواهر الكلام 23: 285 286.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 253/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 257

الصورة السادسة ما لو اختلفا في شرط من شروط تأثير التبرّي
اشارة

بعد عدم كفاية مجرّد التبرّي علىٰ تقدير ثبوته لسقوط الخيار.

و ذلك كما

إذا اختلفا في سماع التبرّي، فيدّعي المشتري عدم السماع، أو اختلفا في صحّة القوّة السامعة، فيدّعي البائع صحّتها؛ نظراً إلىٰ نفي الخيار و الأرش، و ينكرها المشتري، فإنّه بعد ما عرفت الحال في سائر الصور، لا حاجة إلىٰ التكرار.

و غير خفي: أنّ ادعاء التبرّي ليس إقراراً بالعيب الموجب للخيار، كما أنّ ادعاء عدم السماع، ليس إقراراً بنداء التبرّي؛ و أنّ البائع نادى بذلك.

و علىٰ كل تقدير: قضيّة الأصل عدم سماع التبرّي، فلا يسقط الخيار فيما إذا ادعى البائع سماعه.

و أمّا إذا ادعى المشتري عدم السماع، و كان الميزان العرف في التشخيص، فلا عبرة بالأصل، فيحلف البائع، و يردّ إليه الثمن.

دلالة مكاتبة جعفر بن عيسىٰ
اشارة

و ربّما يشير إلىٰ هذه المسألة مكاتبة جعفر بن عيسىٰ قال: كتبت إلىٰ أبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك، المتاع يباع فيمن يزيد، فينادي عليه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 258

المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كلّ عيب فيه، فإذا اشتراه المشتري و رضيه، و لم يبق إلّا نقده الثمن، فربّما زهد فيه، فإذا زهد فيه ادعى فيه عيوباً، و أنّه لم يعلم بها.

فيقول المنادي: قد برئت منها.

فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها.

أ يصدّق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدّق، فيجب عليه الثمن؟

فكتب (عليه السّلام): «عليه الثمن» «1».

و ربّما كان ذلك إشعاراً بأنّ البائع يحلف؛ فإنّ العبرة بمصبّ الدعوىٰ، و هنا يكون المشتري مدعياً، و يكون القول قول البائع، و تكون الرواية شاهدة علىٰ مقالتنا. و الحكم الجزميّ بردّ الثمن إشعار بأنّ القول قول البائع، و عليه الإثبات و إقامة البيّنة، و لا يجوز له منع الثمن.

و لو كان المدار على المرجع، فربّما يختلف المرجع الأوّل و الثاني؛ فإنّ هنا يكون المرجع

الأوّل أصالة عدم السماع فيثبت له الخيار، و المرجع الثاني أصالة لزوم البيع فلا خيار له.

فمنه يعلم: أنّ القاضي ينظر إلى الدعوىٰ؛ فمن راجعه و طرحها يطلب منه البيّنة؛ سواء كانت مقالته معنى وجوديّاً، أو عدميّاً، كعدم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 66/ 285، وسائل الشيعة 18: 111، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 8، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 259

السماع في المقام.

و أمّا الاختلاف في سند الحديث، فهو كثير الذيل؛ لأنّ رواية الصفّار، عن محمّد بن عيسىٰ، عن جعفر بن عيسىٰ، محلّ إشكال من جهات:

لاختلاف محمّد بن عيسىٰ في هذه الطبقة؛ و إن كان الأظهر هنا هو اليقطينيّ ابن عُبيد.

و في جعفر بن عيسى بحث.

و كون الرواية معمولًا بها بوجه ينجبر ضعفها، أيضاً غير واضح، و لأجله استشكل أحياناً الأردبيليّ (رحمه اللّٰه) «1»، فيها و منعه الآخر «2».

و أمّا الاختلاف في فهم متنه، فربّما ينتهي إلىٰ عدم قرار معنى ظاهر، إلّا أنّه حيث تكون قضيّة فرضيّة، لا واقعيّة اتفاقيّة، و تكون من قبيل الاستفتاء، فربّما كان السائل يحتمل حجّية قول المشتري، فيكون المقصود ترتيب آثار الصحّة على الثمن غير المقبوض إذا كان معيّناً، فأُجيب بردّ الثمن إليه؛ لعدم الحجّية، و لزوم الوفاء بالعقد.

أو كان النظر إلىٰ أنّه لو انتقل الثمن إلى البائع، يجوز ترتيب الآثار علىٰ ذلك الثمن، أم لا؛ لاحتمال كونه مصدّق القول؟ و لكنّه بعيد؛ لقوله: «فيجب عليه الثمن»، فإنّه يعلم منه: أنّ نظر السائل إلىٰ حكم ردّ الثمن و عدمه، لا ترتيب الآثار بالنسبة إلىٰ نفس السائل؛ و هو جعفر

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 8: 437.

(2) الحدائق الناضرة 19: 92.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 260

بن عيسىٰ

حتّى تكون أجنبيّة عن مسائل القضاء.

و بالجملة: بناءً ما علىٰ احتملناه، لا تكون الرواية محتاجة إلىٰ توجيه «الحدائق» «1» الراجع إلىٰ معلوميّة كذب المشتري في دعواه، و لا إلىٰ توجيه الشيخ «2» الراجع إلىٰ أنّ ظاهر الحال يقتضي سماع المشتري، فيكون مدّعياً؛ لعدم الظهور بعد كون الأحداث حين النداء كثيرة، مع احتمال كونه ثقيل السمع، و ترك الاستفصال.

و أمّا المناقشة في حجّية هذا الظهور، فهي في غير محلّها، لا لأجل دلالة نفس الرواية علىٰ حجّيته، كما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «3» لعدم الملازمة و جواز التفكيك، و الالتزام بكون الرواية علىٰ خلاف قواعد القضاء؛ لكثرة التخصيصات في الأحكام و القواعد الأوّلية، بل لأجل عدم الحاجة في تشخيص المدّعى و المنكر إلىٰ حجّية الظهور؛ لأنّ المنظور و ما هو المقصود هو العنوان عرفاً، و هو حاصل.

بقي شي ء: حول إشكال في مكاتبة جعفر بن عيسىٰ

قد استشكل في كلماتهم على الرواية: بأنّ الظاهر منها عدم اشتراط التبرّي في طيّ العقد في موارد المزايدة، و عندئذٍ لا يسقط الخيار، فلا

______________________________

(1) نفس المصدر.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 5.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 111.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 261

يوجّه الحكم بردّ الثمن.

و من الغريب ذهاب السيّد الوالد «1» مدّ ظلّه إلىٰ أنّه لا حاجة إلى الاشتراط؛ لأنّ الحكم عقلائيّ، و قد كان بناؤهم علىٰ أنّ العيب سبب للخيار، و التبرّي يوجب قصور السببيّة. و حديث أصالة السلامة و الاشتراط الضمنيّ في ثبوت الخيار حتّى نحتاج إلى الاشتراط في السقوط ممّا لا أساس له!! و قد مرّ وجه عدم تماميّة مرامه؛ ضرورة أنّه لا يتصوّر حكم العقلاء بسببيّة العيب للخيار إلّا عقيب بناء منهم علىٰ سلامة الأمتعة، و قرارهم الطبيعيّ علىٰ مطلوبيّة

السالم، كما مرّ بتفصيلٍ. و أصالة السلامة أجنبيّة عن هذه المرحلة، بل هي أصل يشخّص الصغرىٰ؛ و أنّ هذا المتاع الخاصّ سالم إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و أمّا قصّة براءة البائع، فهي توجب انقلاب ذاك البناء و المحيط في دائرة صغيرة؛ و هي دائرة بيع الأمتعة في المزايدة مثلًا، و يضمحلّ الأصل و البناء بعد ذاك النداء، من غير اعتبار اشتراط ذلك في ضمن العقد؛ حتّى نحتاج إلىٰ بعض المحتملات الواقعة في كلمات المحشّين و غيرهم، و قد فصّلنا حوله فيما سبق بما لا مزيد عليه.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 112.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 262

الصورة السابعة في موارد ادعاء البائع سقوط الخيار الملازم لإقراره بثبوته عرفاً

كما إذا ادعى أنّه أسقط خياره بعد العقد، أو اشترط عدم الخيار حين العقد، أو رضي و التزم به حين العقد، أو بعده، أو تصرّف بما يوجب السقوط أو أحدث ما يسقطه، أو تغيّر بما يوجب السقوط، أو غير ذلك، فالاستحلاف يتوجّه إلى المشتري.

إلّا أنّ للبائع أن يحاول مع المشتري خارج مجلس القضاء؛ علىٰ وجه تنقلب الدعوىٰ عند القاضي، فيدّعي الخيار، أو عدم الإسقاط، أو بقاءَ العين علىٰ حالها، و غير ذلك، فيستحلف البائع عندنا و لو كان بحسب المرجع الأصل مع المشتري، و الحجّة في بعض الصور العقلائيّة أيضاً معه زائداً على الاستصحاب.

و غير خفيّ: أنّ استصحاب العدم النعتيّ، جارٍ حتّى في صورة ادعائه الشرط في ضمن العقد؛ لأنّه أمر يحصل متأخّراً عنه زماناً، فتأمّل.

و يجوز المناقشة في جميع هذه الأُصول العدميّة النعتيّة؛ ضرورة أنّ إسقاط الخيار ليس موضوعاً لحكم، حتّى يكون استصحاب عدم الإسقاط كافياً و ما هو موضوع الحكم هو الخيار، بل هو نفس الاعتبار الوضعيّ، و المفروض أنّ مصبّ الخلاف هو السقوط

و الإسقاط.

نعم، إذا كان الرضا أو الالتزام بما هما موضوعاً فهو، و إلّا فلا.

و للمناقشة في موضوعيّتهما وجهٌ وجيه؛ لأنّ الظاهر أنّ الرضا

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 263

و الالتزام بما أنّهما ينافيان وجود الخيار و يزول بهما الخيار يعتبران، و لا دليل علىٰ أنّ الالتزام سبب.

نعم، في خصوص الرضا و لو ورد دليل «1»، إلّا أنّه لخصوص بعض الأبواب، فلا تغفل.

نعم، في موارد الاختلاف في الإحداث و التغيّر، يمكن تتميم الأصل، فافهم و تأمّل أيضاً.

و بالجملة: لا حاجة إلى الأُصول رأساً، كما مرّ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 264

البحث الثالث في موارد الخلاف في الفسخ
اشارة

و غير خفيّ: أنّ كلّاً من البائع و المشتري تصحّ له الدعوىٰ على الآخر؛ لفرض الأثر، مثلًا يدّعي البائع فسخه نظراً إلىٰ عدم ردّ الأرش؛ لما فيه من ثمرته، أو نظراً إلىٰ بعض الأغراض الأُخر الراجعة إلىٰ رجوع العين إلىٰ ملكه، كما يدّعي المشتري فسخه إلّا أنّه بالنسبة إلىٰ الزمان الأسبق؛ لأنّه إذا ثبت الفسخ السابق، يتعيّن على البائع خسارة حفظ متاعه عند المشتري، و علوفته مثلًا، أو يكون ناذراً لعدم الفسخ من الزمان الكذائيّ، فيدّعي الفسخ السابق عليه؛ لما لا يتمكن شرعاً من الفسخ بعد ذلك.

فبالجملة: دعوى كلّ واحد منهما، يجوز أن تكون ذات ثمرة تسمع عند القاضي.

و ربّما يدّعي المشتري عدم الفسخ؛ حسبما مرّ آنفاً من إمكان أن يحتال البائع في بيان الدعوىٰ، علىٰ وجه يدّعي المشتري عند القاضي، و تكون النتيجة عدم تعيّن الأرش.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 265

حكم ادعاء المشتري للفسخ و لا يريد الفسخ في زمان دعواه

منها: لو اختلفا في الفسخ، و كان المشتري يدّعيه، و لا ثمرة في زمان دعواه إلّا في موردين، و لا يريد إنشاءه في زمان الادعاء؛ إمّا لأجل نقض غرضه من الدعوىٰ، أو لأجل الحنث. و لو لم يكن له في دعواه الأثر، و كان له الإنشاء، فلا معنىٰ لدعواه، فما في كلام الشيخ «1» و «الدروس» «2» و بعض المحشّين «3»، غير مطابق لما وصل إلينا من البحث، و الأمر سهل، فعليه يحلف البائع.

مع أنّ الأصل مع المدّعى بالضرورة؛ لبقاء الخيار، و لعدم الفسخ؛ بناءً علىٰ كون استصحاب عدم فسخ الخيار مفيداً.

و لو ادعى البائع بقاء الخيار، يحصل التداعي.

ثمّ إنّ في دعواه الفسخ، و إقراره بالفسخ، و إخباره بأنّه فسخ فيما مضى؛ و إن كان إظهاراً لحلّ العقد، إلّا أنّه في

كفايته إشكال و لو كان إظهار الرضا و الالتزام، كافياً في سقوط الخيار فإنّ سقوط الخيار يعلّل بأخبار خيار الحيوان، المشتملة علىٰ أنّ الرضا يكفي لسقوط

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 16.

(2) الدروس الشرعيّة 3: 286.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 95/ السطر 4، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 266

الخيار «1»، بخلاف حلّ العقد، فالقياس مع الفارق، فلا تغفل.

فما في كلمات بعض المحشّين من انكشاف الحلّ بالإقرار «2»، غير تامّ. هذا مع أنّه لو كان تامّاً فهو هنا غير صحيح قطعاً؛ لأنّه يريد ضدّ هذا الكشف، ضرورة أنّه يريد الفسخ في الزمان السابق لمصالح فيه، و ربّما يكون نادماً بعد ذلك؛ لما في الفسخ من المنقصة عليه، كما قد يتّفق.

فعلى ما تحرّر و تقرّر، لا يبقى وجه لما في «الدروس» «3» علىٰ جميع الوجوه الممكنة، بل مقتضىٰ أصالة صحّة الدعوىٰ؛ عدم إمكان انكشاف الحلّ من الحين و لو أمكن استعمال الجمل التصديقيّة التي يكون الموضوع فيها خاصّاً في الأكثر من معنى واحد و لو كانا متقابلين، كالإخبار و الإنشاء. مع أنّ تقابلهما في رتبة الاستعمال، محلّ الكلام في غير المقام.

و من هنا يظهر: أنّ قياس ما نحن فيه بالطلاق و الرجوع «4»، أيضاً في غير محلّه.

كفاية ادعاء المشتري لسقوط خياره في حلّ العقد

نعم، لا منع من البحث الأجنبيّ عن المسألة: و هو أنّه لو ادعى

______________________________

(1) لاحظ وسائل الشيعة 18: 13، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 4، الحديث 1.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 7.

(3) الدروس الشرعيّة 3: 286.

(4) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 265/ السطر 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 267

المشتري سقوط خياره و إسقاطه، فهل يكفي

هذا لحلّ العقد؛ بعد ظهوره في الإخبار من غير النظر إلى المرافعة الراجعة إلىٰ طرح الدعوىٰ عند القاضي، أم لا؟ وجهان.

لا يبعد الأوّل؛ لأجل إعراضه عن الأخذ بالأرش، بعد العلم بأنّه إمّا لا يعرض عنه، أو يفسخ، و إلّا فمجرّد الرضا بالحلّ غير كافٍ و لو ينكشف ذلك بإخباره.

و أمّا إذا لم يحرز ظهور كلامه في الإخبار، بل كان من قبيل كلمة «يعيد» الواردة في كثير من الأخبار «1»، فلا منع عنه بالضرورة.

ادعاء المشتري للفسخ و كان الدعوى خارج زمان الخيار

و منها: لو ادعى الفسخ، و لم يكن زمان الدعوىٰ زمان الخيار، فهو بعينه ما مرّ؛ لأنّ في الفرض الأوّل و لو كان زمانها زمان الخيار، إلّا أنّه لو لوحظت الدعوىٰ بالنسبة إليه للزمت لغويّتها، و سقوط الادعاء عن صلاحية الاستماع، فمضيّ الزمان المذكور على الوجهين، و إلّا فالصورتان واحدة، فلا تغفل عمّا في كلام الأعلام، عليهم رضوان اللّٰه الملك العلّام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 142، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 4، الحديث 1، و: 173، الباب 14، الحديث 9، و: 248، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 268

بقي شي ء: ممانعة ادعاء الفسخ عن استحقاق الأرش

هل ادعاء الفسخ يمنع عن استحقاق الأرش؛ لأجل أنّه في صدقه لا يستحقّ، و لا معنىٰ لحمل كلامه على الكذب، و لا للتفكيك؛ للزوم العلم بمخالفة الواقع إمّا لمنعه عن الفسخ، أو لأخذه الأرش؟

أم لا؛ لإمكان التعبّد بالتفكيك، مع أنّ عدم حمل كلامه على الكذب، لا ينافي الكذب الثبوتيّ، مع احتمال كونه قاصداً لغرض في طرح دعواه، فلا يستكشف من ادعائه إعراضه عن حقّ الأرش؛ حتّى يحكم بثبوت الأرش له على البائع، و اشتغال ذمّته به.

و ربّما يقال: إنّ مقتضىٰ إطلاق ما في الأخبار من أنّ الحلف يذهب بحقّه أعمّ من الحقّ الذي هو مورد دعواه، و لازمه، و كان العقد باقياً حسب الحلف، فيمكن دعوى ثبوت الأرش حسب إطلاق دليله، و هذا الإطلاق أقوى من الإطلاق السابق المانع بلازمه عن الأرش، فلولا بعض الوجوه المشار إليه، كان تعيّن الأرش على البائع قطعيّاً.

و أمّا ما عن «الدروس» «1» فهو مبنيّ علىٰ ما أشرنا إليه؛ من رجوع خيار العيب إلىٰ خيار الغبن؛ لزيادة الثمن حسب الطبع عن القيمة السوقيّة، لكون

الصحيح أغلى من المعيب، فإذا فسخ المشتري بعد حلف البائع بعدم فسخه، فلا بحث.

و أمّا إذا لم يفسخ فيلزم اشتغال ذمّة البائع بالنسبة إلىٰ الأقلّ؛

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 286.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 269

للعلم الإجماليّ الدائر بين الأقلّ و الأكثر، ضرورة أنّه يعلم إجمالًا: بأنّه إمّا مديون بمقدار الأرش، أو مقدار زيادة الثمن، فإن اتفقا فهو، و إن اختلفا فيؤخذ بالأقلّ المتيقّن بينهما.

و هذا من غير فرق بين كون الأرش غرامة، أو ديناً؛ ضرورة أنّه عند الطلب يجب عليه إمّا أداء عشرين ديناراً، أو عشرة، و القدر المتيقّن هي العشرة. فما في كلام العلّامة المحشي (رحمه اللّٰه) «1» في غير محلّه، فلا يعتبر في إيجاب الأداء بالأقلّ، اشتغال ذمّته بالأرش.

نعم، بناءً علىٰ عدم وجوب أداء الأرش عند المطالبة، لأعلم إجماليّ، إلّا أنّه لا حاجة إليه بناءً علىٰ ما مرّ؛ لأنّ المعاملة غبنيّة، و له الرجوع إليه لأجل الغبن، كما مرّ تفصيله و ما حوله من (إن قلت قلتات).

و لو قيل: له الفسخ فقط في خيار الغبن.

قلنا: قد ذكرنا أنّ في صورة جبران الغبن لا يثبت خيار الفسخ؛ لإطلاق وجوب الوفاء بالعقد، و القدر المتيقّن من المقيّد تلك الصورة.

نعم بناءً علىٰ ما احتملناه من أنّ البيع الغبنيّ غير نافذ، و لا يصح إلّا إذا لحقته الإجازة، فلا محطّ لإيجاب الوفاء؛ لأنّ دليل فساده أقوى، كما إذا كان البيع عن إكراه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 16.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 270

الاختلاف في وقوع الفسخ فوراً

و منها: أنّه بناءً علىٰ كون الخيار فوريّاً، إذا اختلفا في أنّ الفسخ وقع في الوقت الأوّل، فيكون مؤثراً، أم في الوقت الثاني، فلا يؤثّر، فهل القول قول البائع،

أم المشتري، أو يختلف كيفيّة طرح الدعوىٰ، و ربّما يحصل التداعي؟ وجوه.

و الذي ينبغي الإشارة إليه حتّى يتبيّن مواضع الخلل في كلام القوم: هو أنّ الموضوعات العقلائيّة التي أمضاها الشرع، يشكل إجراء الأصل الصحيح الشرعيّ فيها؛ لما لا تكون معلومة، فإنّه لا يكون معلوماً مثلًا أنّ الشرع اعتبر أنّ الفسخ في أوّل الوقت معتبر و نافذ، أو اعتبر أنّ الفسخ في زمان لا يخلّ بالفوريّة نافذ، أو أنّ ذا الخيار فسخه نافذ إذا وقع فوراً، أو أنّه لا يؤثّر الفسخ إذا كان متأخّراً، أو الفسخ المتأخّر عن الوقت الأوّل غير مؤثّر، أو غير ذلك من الاحتمالات التي ربّما تبلغ إلى الأزيد من مئات.

و لا دليل شرعيّ في أمثال هذه المقامات وارد على الموضوع المبيّن، حتّى يحرز بالأصل الوجوديّ، أو العدميّ.

و قد تحرّر منّا في العامّ و الخاصّ: أنّ الخاصّ بعد ما لم يكن موجباً لتعنون العامّ، لا يمكن إجراء الأُصول في الأعدام الأزليّة؛ لأنّ المدار علىٰ ما هو الموضوع إثباتا، لا ثبوتاً و لبّاً.

فعلى هذا البحث عن الأُصول الجارية هنا، من البحوث غير

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 271

الصحيحة، فيرجع الكلام إلىٰ تشخيص المدّعى من المنكر بحسب الأُصول العقلائيّة، و الأمارات، و التشخيصات العرفيّة حسب كيفيّة طرح الدعوىٰ.

نعم، ربّما يتخيّل أنّه في موارد دعوى الفسخ، قضيّة أصالة الصحّة وقوعه في عصر الخيار، فيكون مثلًا في أوّل الوقت، و لكنّه غير ثابت أصلُ جريانه في خصوص المسألة، و لا سيّما بعد معارضته بالدعوىٰ، و لا أقلّ من الشكّ. و في إمكان إثبات وقوعه في أوّل الوقت بها إشكال آخر؛ بناءً على الحاجة إلى الإثبات المذكور.

الاختلاف في الجهل بالخيار و فوريّته

و منها: اختلافهما في الجهل و العلم بالخيار، أو

بفوريّته، فيسمع قوله إن احتمل في حقّه الجهل؛ للأصل.

و غير خفيّ: أنّ دعوى الجهل بالخيار ليست ذات أثر؛ لأنّه لو كان عالماً بالخيار، و كان الخيار مبنيّاً على التراخي، لا يترتّب على الدعوى المذكورة أثر ظاهر، فبين الاختلاف في الجهل و العلم بالخيار و الفوريّة ارتباط، و تكون العبارة «واواً» عوض «أو» أي اختلفا في العلم و الجهل بالخيار و بفوريّته في ضمن الادعاء الأوّل، فيدعي المشتري أنّه كان جاهلًا به و بفوريّته، و يكفي للأثر دعوى: أنّه جاهل بالفوريّة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ العلم بالخيار شرط ثبوته، فلو كان جاهلًا بالخيار حين العقد، لا يثبت له الخيار بعد العقد، و يكون الجهل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 272

بالفوريّة حين العقد، موجباً لتأخير الفوريّة إلىٰ زمان العلم بها، فإنّه حينئذٍ يكون النزاع مفيداً؛ سواء كان المدّعى بائعاً، أو مشترياً.

و أمّا الجولان حول الأُصول في هذه المسألة أيضاً مثل ما مرّ، فإنّها غير نافعة.

نعم، ربّما يقتضي الظاهر علمَ المدّعى الخلاف، و لكنّه غير مضرّ بما هو المقصود من «التشخيص» لأنّ المدار علىٰ مفهومهما العرفيّ، و لا يعتنىٰ بمثل هذه الظواهر، و كذا الأُصول في هذا المقام، كما عرفت.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 273

الجهة العاشرة في ماهيّة العيب و تعريفه عدم جواز تدخّل الفقيه في تعريف الموضوعات و تعيين المصاديق

اشارة

اعلم: أنّ من المحرّر عندنا في محلّه؛ ممنوعيّة الفقيه عن التدخّل في تعريف مفاهيم الموضوعات اللّاتي هي ذوات الأحكام؛ ضرورة عدم حجّية رأيهم في المسألة، فربّما يتوهّم المقلّدون لزوم الأخذ بحدودهم و تعييناتهم و تشخيصاتهم، مع أنّ تشخيصهم علىٰ خلاف ما رأوه.

نعم، لو كان يكفي إخبارهم حجّةً من غير حاجة إلىٰ الانضمام في الموضوعات؛ لكفاية العدل الواحد كان فيه الصواب؛ بشرط عدم اعتقاد المقلّد خلاف ما فهمه، و لذلك

ترى أنّ الأخبار و الشريعة ساكتة عن التدخّل في هذا الأمر، و أوكلت المسألة إليهم بحسب الطبع و العادة.

فما ترى في كتبهم و رسائلهم العمليّة من الدخول في صغريات

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 274

الكبريات الفقهيّة، غلط جدّاً، و خطأ سهواً، و إغراء بالجهالة أحياناً، فالبحث عن ماهيّة الحنطة و الشعير في الزكاة، و التمر و الزبيب، و العصير العنبيّ في الطهارة، و غير ذلك كالبحث عن ماهيّة العيب ممّا لا معنىٰ له، و ربّما لا ينتهي إلىٰ شي ء؛ لأنّ كثيراً من تعاريفهم منقوضة بما لا يمكن الالتزام به حتّى في تعاريف ماهيّات العقود و الإيقاعات، و ماهيّة الحكم و الإنشاء و الوضع و التكليف، فيراجعون محيطهم عند الابتلاء علىٰ خلاف ما أتوا به حدّا و رسماً؛ لعدم جواز تجاوزهم عن فهم العرف إلىٰ حدودهم المعيّنة حسب تخيّلاتهم، فيخطّئون أنفسهم، و يتّبعون الأسواق رغم أنفهم، كما ترى كثيراً.

نعم، لو ثبت في الشريعة المتّبعة تعريف شي ء من الموضوعات المعبّر عنه ب «الموضوعات المستنبطة» فإن كان ذلك محمولًا على التعريف بحسب المنطقة و المحيط، من غير التزام صاحب الشريعة به في جميع الأعصار و الأمصار، فالغور فيه لنا أيضاً ممنوع؛ لما لا فائدة فيه بعد مضيّ تلك الأحيان و الأزمان.

و لو كان يستفاد منه تدخّل الشرع علىٰ رغم فهم العرف برفض مرامهم كما هو بعيد جدّاً فالمتّبع هو الشرع، و لا يكون العرف حجّة بالضرورة.

إذا تبيّن ذلك، فالبحث هنا يقع فيما ورد عن الشرع في تعريف «العيب» و أنّه هل هو صادر واقعاً، أم لا؟

و علىٰ تقدير ثبوت صدوره، فهل يردع العقلاء و العرف، أم لا يأتي بشي ء جديد؟

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 275

و علىٰ تقدير كونه جديداً، فهل هو باعتبار المحيط و المنطقة؛ بأن يحمل علىٰ أنّه جديد في عصرنا، و يصدّقه العرف في عصر الرواية؟

حديث ابن أبي ليلىٰ
اشارة

فبالجملة: في «الكافي» عن الحسين بن محمّد، عن السيّاري قال: روي عن ابن ابي ليلىٰ: أنّه قدم إليه رجل خصماً له، فقال: إنّ هذا باعني هذه الجارية، فلم أجد علىٰ رَكَبها حين كشفتها شعراً، و زعمك أنّه لم يكن لها قطّ.

قال: فقال لي ابن أبي ليلىٰ: إنّ الناس يحتالون لهذا بالحيل حتّى يذهبوا به، فما الذي كرهت؟! قال: أيّها القاضي، إن كان عيباً فاقض لي به.

قال: اصبر حتّى أخرج إليك؛ فإنّي أجد أذى في بطني.

ثمّ دخل و خرج من باب آخر، فأتىٰ محمّد بن مسلم الثقفيّ، فقال له: أيّ شي ء تروون عن أبي جعفر (عليه السّلام)، في المرأة لا يكون على رَكَبها شعر، أ يكون ذلك عيباً؟

فقال له محمّد بن مسلم: أمّا هذا نصّاً فلا أعرفه، و لكن حدّثني أبو جعفر (عليه السّلام) عن أبيه، عن آبائه، عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «كُلّ ما كان في أصل الخلقة، فزاد أو نقص فهو عيب».

فقال له ابن أبي ليلىٰ: حسبك، ثمّ رجع إلىٰ القوم، فقضى لهم

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 276

بالعيب «1».

بحث في سند الحديث

و ربّما يظهر انجبار ضعفه بالشهرة العمليّة، كما في «حاشية الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه)» «2» و ذلك لاشتمال كثير من المتون عليه.

و نوقش فيه أوّلًا: بأنّ في جمع من المتون تعابير أُخر.

و ثانياً: لا يثبت به الاستناد اللازم في الانجبار.

و ثالثاً: بأنّ من الممكن تصديقهم للخبر؛ لأجل فهمهم منه ما يفهمه العرف في عصرهم، فلا يثبت به تعبّدهم بالرواية، حتّى يخرج من الضعف.

هذا مع أنّه ربّما يناقش في المتن: بأنّ قوله: «كلّ ما كان.» إلىٰ آخره، مغشوش لا ينبغي عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و

سلّم) الذي هو «أفصح مَن نطَق بالضّاد» «3» و إمكان تصحيحه بوجهٍ لا ينافي استبعاده عن حضرته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و من المحتمل أن تكون النسخة «كلّ ما كوّن» من التكوين «في أصل الخلقة» علىٰ وجه معلوم عند العامّة «فزاد عليها أو نقص عنها فهو عيب»، أي معيب.

مع أنّ مفهوم «الخلقة» يختصّ بالطبائع، فلا يشمل سائر السلع.

______________________________

(1) الكافي 5: 215/ 12.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 98/ السطر 2 3.

(3) لم نعثر على هذا التعبير في المجامع الروائية، انظر بحار الأنوار 17: 158/ 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 277

و بعبارة اخرىٰ: السلعة لها الهيئة الطبيعيّة و الوحدة الواقعيّة كسلعات الحيوان، و النبات، و الجمادات، و لها الهيئة التأليفيّة كالدار و أمثالها، و لها الهيئة الاعتباريّة كالعامّ المجموعيّ، و فيها العيب، و لها الخيار بالضرورة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ قضيّة التعريف المذكور، تورث إلغاء الخصوصيّة عند العرف.

حول مفاد الحديث

ثمّ إنّ احتمال كونها بصدد تحديد العيب تعبّداً بعيد. و حمل مفاد الحديث علىٰ أنّ ما كان عيباً في منطقة الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو عيب على الإطلاق زماناً و مكاناً، أبعد، و غير معمول به. مع اختلاف البلدان و الأزمان، في تشخيص العيوب.

و توهّم: أنّ المنظور في الحديث، إفادة أنّ ما هو السبب للخيار و الأرش، هو العيب الخاصّ، في غير محلّه. و مجرّد إمكان الأخذ به غير كافٍ؛ بعد قصور سنده كما أُشير إليه.

فعلى هذا، لا وجه لتدخّل الفقهاء في تعريف العيب و تشخيصه، و إنّما الأمر موكول إلىٰ محيط التجارة و المعاملات، و تشخيص العرف في تلك المنطقة و ذلك المحور.

و من الغريب إعادة الكلام حول

بعض أحكام المسألة في هذا الفصل!! و قد مرّ منّا في السابق: أنّ ما هو الموجب للخيار، هو العيب

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 278

الملازم للنقص الماليّ.

و بعبارة اخرىٰ: قد عرفت منّا أنّ خيار العيب في وجهٍ هو خيار الغبن، إلّا أنّ له أحكاماً خاصّة.

و ما قد يقال: من أنّ نفس كون السلعة معيبةً، موجب للخيار بما هو هو، من اللجاج جدّاً، و إن شئت توضيحه فراجع.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ إطالة الكلام في المقام، من اللغو المنهيّ، و ادعاء الإجماعات في مواضع من «التذكرة» «1» علىٰ عدّ أُمورٍ من العيب، لا ترجع إلىٰ حجّة شرعيّة كما هو الواضح.

فتحصّل لحدّ الآن: أنّ المرجع فيما هو العيب، هو العرف في منطقة المعاملات؛ سواء كان ذلك، من جهة زيادة كمّية، أو نقيصة، و سواء كانت الزيادة ترجع إلىٰ النقيصة الخلقيّة، أم لم ترجع؛ فإنّ مبادئ اختلاف مصاديقه كثيرة جدّاً.

تذنيب: حول أحداث السنة في غير الرقيق و الإماء

لا خلاف بينهم ظاهراً في أنّ أحداث السنة من عيوب الرقيق و الإماء، و لا توجب خياراً في غيرهما من الأمتعة، فلو كان في الحيوان تلك الأمراض الخاصّة كالبرص، و الجذام، و القرن، و الجنون بعد مضيّ

______________________________

(1) فقال مثلًا-: الجذام و البرص و العمى و العور و العرج و القرن و الفتق و الرتق و القرع و الصمم و الخرس عيوب إجماعاً و كذا أنواع المرض.، تذكرة الفقهاء 1: 540/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 279

الثلاثة، فلا يردّ المبيع.

و في نفسي شي ء؛ لعدم ثبوت الاختصاص من متون الأخبار، بعد كونهما موجبتين، ففيها ما يتذكّر مصبّها، و ما لا يتذكّر، بل يكون السؤال عن الأحداث و عددها، و لو لا اتفاقهم في فهم

الاختصاص كان للتجاوز وجه. إلّا أنّ القول بثبوت الخيار في الثلاثة، أيضاً خلاف القواعد، فضلًا عن السنة.

و غير خفيّ: أنّ الردّ في الثلاثة على الإطلاق؛ سواء ظهر عيب، أم لم يظهر؛ علىٰ ما مرّ تفصيله مع إشكالٍ مضى منّا، و أمّا في المقام فالردّ بعد ظهور تلك الأمراض الخاصّة، و مقتضى وحدة السرّ و النكتة؛ عدم الفرق أيضاً بين الحيوان و الإنسان من هذه الجهة. و كان ينبغي البحث حول ذلك في ذيل خيار الحيوان، و لعلّ اللّٰه يحدث للمتأخّرين بعد ذلك أمراً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 281

الجهة الحادية عشرة في الأرش

اشارة

غير خفيّ: أنّ في جميع الأخبار الواردة في خيار العيب إلّا رواية واحدة أو روايتين، كرواية عبد الملك بن عمير (عمرو) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «1» و تأتي من ذي قبل إن شاء اللّٰه تعالىٰ لا يكون عنوان «الأرش» مورد الحكم، و موضوعاً لشي ء، و قد مرّ أنّ ما هو أساس بحث خيار العيب، خبرا زرارة «2»

______________________________

(1) جميل بن صالح، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: لا تردّ التي ليست بحبلىٰ إذا وطأها صاحبها، و له أرش العيب و تردّ الحبلىٰ و يردّ معها نصف عشر قيمتها.

الكافي 5: 214/ 3، تهذيب الأحكام 7: 62/ 267، وسائل الشيعة 18: 106، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 5، الحديث 3.

(2) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: أيّما رجل اشترى شيئاً و به عيب و عوار لم يتبرّأ إليه و لم يبيّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ علم بذلك العوار و بذلك الداء، أنّه يمضى عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء

و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

الكافي 5: 207/ 3، تهذيب الأحكام 7: 60/ 257، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 282

و جميل «1»، و ليس فيهما من لفظة «الأرش» شي ء، و هكذا في روايات اشتراء العبيد و الإماء «2».

نعم، في خبر حمّاد بن عيسىٰ «3» وردت لفظة «الأرش» و من العجيب أنّ الفقيه اليزديّ «4» توهّم: أنّ خبر «قرب الإسناد» «5» غير رواية ابن عيسىٰ، فذكره بعنوان مستقلّ.

فعلى ما تحرّر و تقرّر، لا وجه للغور في مفاد «الأرش» و إطالة الكلام حوله، و لا سيّما بعد وضوح المسألة، و وضوح المراد من

______________________________

(1) جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السّلام) في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، فقال: إن كان الشي ء قائماً بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب.

الكافي 5: ي 207/ 2، الفقيه 3: 136/ 592، تهذيب الأحكام 7: 60/ 258، وسائل الشيعة 18: 30، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 16، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 18: 97 109، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 1 7.

(3) حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: قال عليّ بن الحسين (عليه السّلام): كان القضاء الأوّل في الرجل إذا اشترى الأمة فوطأها ثمّ ظهر على عيب، أنّ البيع لازم، و له أرش العيب.

تهذيب الأحكام 7: 61/ 263، وسائل الشيعة 18: 104، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 7.

(4) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 6.

(5) قرب الإسناد: 16/ 52.

الخيارات (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 283

«الأرش» بعد عرضه علىٰ سائر الروايات الصريحة، فما في «حاشية العلّامة الأصفهانيّ (قدّس سرّه)» «1» في غير محلّه.

و قد أطال بعض اللغويّين ك «تاج العروس» «2» حوله، و هو في محلّه؛ لأنّه أهله، و قد ذكر هناك أُصول هذه اللفظة؛ على الخلاف الكثير الموجود بين اللغويّين.

فما هو المطلوب بحوث آخر، نشير إليها في طيّ جهاتٍ إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الجهة الأولىٰ في ضمان الأرش
اشارة

في أنّ الأرش مضمون على البائع، و أنّه مشغول الذمّة به، فيكون ديناً عليه يتعلّق بتركته مثلًا بعد وفاته، و يجوز للمشتري التقاصّ عند المماطلة. أم لا ضمان رأساً، بل هو حكم تعبّدي، و إيجاب شرعيّ على البائع عند سؤال المشتري، وجهان:

من حكم العقلاء في أمثال الموارد بالضمان و الاشتغال.

و من أنّه تعبّد صِرْف علىٰ خلاف الأُصول و القواعد، و لذلك يختصر و يقتصر على النصّ، و لا يقولون في سائر الموارد بالأرش، و لا تقتضي

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 1، ص: 283

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 130.

(2) تاج العروس 4: 279.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 284

الأدلّة الخاصّة إلّا الحكم التكليفيّ.

و ربّما يستظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» هنا: أنّه على القاعدة؛ و ذلك لأنّ البائع التزم بالوصف للمشتري، و أخذ بملاحظته زائداً عمّا يستحقّه على العين، فإذا تبيّن عدم وجود الوصف وجب أن يخرج من عهدته بإعطاء عوضه، انتهىٰ ما أوردناه، و لو كان مصبّ كلامه في جهة أُخرى، تأتي إن شاء اللّٰه.

و من هذا القبيل ما حرّره الفقيه اليزديّ «2»، و إجماله: أنّ هناك

بيعاً صوريّاً إنشائيّاً لبّياً إحساسيّاً، و بيعاً لبّياً، و بالنظر إلىٰ الأوّل فلا تقتضي القاعدة ضماناً، بخلاف الثاني؛ نظراً إلىٰ حكم العقلاء.

و غير خفيّ أوّلًا: أنّ ما أفادوه يجري في خيار الغبن أيضاً.

و ثانياً: البائع بما أنّه بائع، غير ملتزم بإعطاء الصحيح، بل هو عارف بعيب متاعه، و يخفيه علىٰ صاحبه و مشتريه، نعم العقلاء بناؤهم علىٰ كون المتاع صحيحاً، و ما هو النافع هو الأوّل، و أنّ البيع اللبّي ممّا لا أصل له، و زيادة القيمة لأجل العوارض و الأُمور الخارجيّة التكونيّة، أو الاعتباريّة قطعيّة، إلّا أنّ من اللواحق الاعتباريّة ما لا يورث خياراً؛ حتّى خيار الغبن، فضلًا عن العيب، مع كونها موجبة لترغيب الزيادة في القيمة.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 32.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 14.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 285

مثلًا: إذا اشترىٰ داراً بألف دينار؛ لكونها قرب السوق و الشارع، فاتفق أنّ الحكومة بعد ذلك البيع هدمت السوق و الشارع، فإنّه لا يورث شيئاً للمشتري بالضرورة، مع أنّ زيادة القيمة كانت لأجل العوارض اللاحقة التي منها الصحّة.

أقول: من العيب ما يقابل الصحّة، و يكون وصفاً و كيفاً، فهذا ممّا لا يقابله شي ء من الثمن، و من العيوب و لو كان مقابل الصحّة، و وصفاً و كيفاً في نظرٍ، و لكنّه أيضاً موجب لنقصان الكمّية.

مثلًا: البطّيخ تارة؛ يعيب بأن يحصل فيه الريح النتن، و أُخرى: يعيب بذهاب قسم منه، و مقدار يعتدّ به، و هكذا في سائر الأمتعة الطبيعيّة و التأليفيّة، كالبيوت و الدور، فإذا تلف بعض منه يردّ بعض الثمن حسب القاعدة؛ للتقسيط العقلائيّ، فتأمّل.

وهمٌ: استفادة ضمان الأرش من معتبر زرارة

ربّما يستظهر من الأدلّة الخاصّة اشتغال الذمّة؛ فإنّ قوله (عليه السّلام):

«يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به» كما في معتبر زرارة «1»، ظاهرٌ في أنّ الردّ لازم، و ناشئ لزومه من أنّ بعض الثمن ملك المشتري.

و فيه: أنّ الردّ من شخص الثمن غير واجب كما يأتي، فلا يدلّ على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 281.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 286

اشتغال الذمّة.

و توهّم: أنّ وجوب الردّ على الإطلاق، يكشف عن الدين، و عن أنّه في حكم الغاصب، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ في موارد النذر يجب المبادرة، و لا يلزم منه ذلك عند جمع، بل الأمر كذلك في الزكاة و الخمس، و لا يلزم منه ذاك عند بعضٍ.

و من هنا يظهر حكم سائر الأخبار المشتملة على الردّ.

استفادة ضمان الأرش عن سائر الأخبار

و أمّا الأخبار المشتملة على الوضع، كخبر زرارة «1»، و ابن سِنان «2»، و غيرهما، فهي و إن لم يبعد ظهورها في المعنى الوضعيّ؛ و اعتبار حقّ للمشتري على البائع في الثمن، إلّا أنّ ظهورها في خصوص الثمن المقطوع عدم إرادته، يوجب الوهن فيها، فتأمّل.

______________________________

(1) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السّلام) لا يردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها، و كان يضع له من ثمنها بقدر عيبها.

الكافي 5: 15 2/ 7، تهذيب الأحكام 7: 61/ 261، وسائل الشيعة 18: 103، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 5.

(2) ابن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: قال علي (عليه السّلام): لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها.

الكافي 5: 214/ 2، تهذيب الأحكام 7: 61/ 266، وسائل الشيعة

18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 287

و يقرب منها الأخبار المشتملة علىٰ أنّ له أرش العيب «1»، الظاهرة في أنّه صاحب حقّ. و لكنّها أضعف ظهوراً من السابقة في اشتغال الذمّة، بل لو كان له حقّ الرجوع، يكفي لصحّة التعبير المذكور، كما لا يخفى.

فبالجملة: مقتضى القواعد وقوع جميع المبيع في قبال جميع العوض؛ بحسب المبادلة الاعتباريّة، و قد انتقل إلىٰ المشتري ذلك بحسب الواقع، فالبائع وفىٰ بعهده و عقده، فثبوت المعنى الوضعيّ الزائد عليه يحتاج إلىٰ دليل، و هو في غير ما مرّ مفقود.

و أمّا فيما أُشير إليه من العيوب الموجبة للنقصان الكمّي، فالحقّ أنّ قضيّة القواعد عدم الانفساخ، و حديث «التلف في زمن الخيار.» لا يقتضي في المقام شيئاً، كما مرّ و يأتي تحقيقه.

و دعوىٰ: أنّ المسألة إجماعيّة، غير محرزة؛ لعدم ظهور معتدّ به يقتضي جواز التقاصّ. و انتقال دَينه إلىٰ التركة بعد موته و هو التصالح لمكان دعوى دلالة مجموع الأخبار علىٰ أنّ الشرع احتفظ بمال المشتري في أموال البائع، و أنّ الحكم بالردّ و الوضع و الأرش، ناشئ عن أمر وحدانيّ؛ و هو مالكيّة المشتري على البائع. و اختلاف تعابير الأخبار يعرب عن ذلك، و سيأتي مقتضى الأُصول العمليّة إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 281 و 282.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 288

الجهة الثانية كيفية ضمان الأرش

بناءً علىٰ كونه مضموناً على البائع؛ علىٰ ما هو المعروف بينهم، فهل هو ضمان اليد، أم ضمان المعاوضة، أو ضمان ثالث، أو في المسألة تفصيل؟

فربّما يقال: بأنّه لا وجه لضمان اليد؛ لأنّ العقد وقع على التالف، لا أنّه تلف مال المشتري في يد

البائع.

و فيه: أنّ من موارد خيار العيب، حدوثَ العيب بعد العقد و قبل القبض؛ علىٰ ما هو المعروف عنهم كما مرّ، فعليه يمكن تضمينه بضمان اليد؛ لأنّ التلف وقع في يد البائع، و قد انقلبت يد البائع إلىٰ اليد الضامنة، و لا خصوصيّة للأخذ، كما مرّ تفصيله في أوائل بحوث البيع. و لا ينافيه حقّ الحبس، مع أنّه يمكن فرض سقوط حقّه؛ لأداء العوض من قِبَل المشتري إليه.

نعم، مقتضىٰ ما تحرّر منّا عدم تماميّة ضمان اليد رأساً، فراجع «1».

و أمّا توهّم ضمان المعاوضة، فقد أُشير إلىٰ أنّه و إن كان يستظهر من

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع: 371 و ما بعدها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 289

بعضهم «1»، و لكنّه غير وجيهٍ إلّا في بعض صور المسألة.

و ربّما يقال: إنّ وصف الصحّة ليس كسائر الأوصاف، و لا يقاس بها؛ إمّا لأجل حكم العقلاء، أو لأجل حكم الشرع، و كلاهما ممنوعان.

نعم، بناءً علىٰ كون مالكيّة العين؛ هي مالكيّة الآثار و الخواصّ و المنافع المرسلة، و لا معنىٰ لمالكيّة الجوهر و الجسم المركّب من المادّة و الصورة في السوق، ففي محيط المعاملات و الاتجار تكون العين المملوكة تلك الأُمور المندمجة المنضمّة من غير قيدٍ و شرط و حدٍّ، في قبال مالكيّتها في مثل الإجارة و نحوها، فيمكن أن يقال بضمان المعاوضة، حسب التقسيط العرفيّ.

و ما ترى من التقسيط العرفيّ بالضرورة في خيار العيب بالنسبة إلىٰ مقدار الثمن كما يأتي، يشهد علىٰ هذه المقالة، و هي أساس ذلك، فلا تخلط.

و غير خفيّ: أنّ إنكار وقوع الجزء في مقابل جزء الثمن ممكن؛ ضرورة أنّ البيع واحد، و الانحلال في الوحدات التأليفيّة و الطبيعيّة، من الأكاذيب إلّا في

مورد مسّ الحاجة، و تكون حينئذٍ حكميّة؛ أي بمعنى ردّ بعض الثمن؛ غرامةً و جبراناً للضرر و النقصان. و الانفساخ، أو عدم وقوع العقد من الأوّل بالنسبة إلىٰ بعض المبيع، غلط لا أصل له كما تحرّر؛ و ذلك للزوم كون الجزء مستقلا في مقام المبادلة، مع أنّه فانٍ في الكلّ بالضرورة، و مغفول عنه.

______________________________

(1) لاحظ شرائع الإسلام 2: 32، جواهر الكلام 23: 288.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 290

فلو باع داره، و كان باب منها ناقصاً، لا يعدّ البيع بالنسبة قاصراً في النقل، و لا منفسخاً لو تلف بعد العقد، بل المبيع و هي الدار باقية، و لا قصور في سبب نقل الكلّ العنوانيّ؛ فإنّ الأجزاء بأسرها فانية فيه. فما ترى في كلمات القوم من مفروغيّة البطلان و الانفساخ بالنسبة إلىٰ الجزء غير جيّد جدّاً.

فتحصّل: أنّه لو كان الأرش مضموناً، فهو ضمان ثالث، و تعبّد شرعي علىٰ خلاف قاعدة اليد، إلّا في بعض الصور. مع أنّ ضمان اليد ليس عقلائيّاً، و علىٰ خلاف ضمان المعاوضة.

و حيث إنّ الأدلّة اللفظيّة و أخبار المسألة، قاصرة عن إثبات الضمان و اشتغال الذمّة بالأرش كسائر الديون و الضمانات، كضمان الإتلاف مثلًا فلا يثبت في المقام ضمان ثالث؛ حتّى في الموارد التي يكون العيب موجباً لنقص الجزء و مقدار من المبيع.

نعم، فيما إذا كان العيب موجباً لعدم تحقّق البيع العنوانيّ، و عدم صدقه كما إذا باع داراً، و كانت هي خربة؛ بحيث لا يصدق عليها عنوان «الدار» فلا بيع. و في موارد صدق العنوان يكون الثمن منتقلًا إلىٰ البائع، و يجوز له الفسخ أو طلب الأرش.

إن قلت: في هذا ضرر على المشتري؛ فإنّه إذا كان من الواجبات التكليفيّة المحضة،

فلا يجب التقاصّ، و لا يعدّ ديناً حتّى يتعلّق بتركته، و لازمه تضرّره و ذهاب حقّه بلا جبر.

قلت: بعد كونه بالخيار بالنسبة إلىٰ الفسخ و حلّ العقد، فإذا لم يفسخ مريداً عوض النقص، فالضرر من آثار إقدامه، و لا يلومنّ إلّا أنفسهم

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 291

و هم يعلمون. نظير ما إذا لم يفسخ في موارد خيار الغبن و الرؤية، و قلنا بالفوريّة، أو كان موت البائع موجباً للزوم العقد علىٰ الإطلاق.

لا يقال: إنّه لو كان تكليفاً صِرفاً، لكان يمتنع إسقاطه، مع أنّه يجوز عند الأصحاب بالضرورة.

لأنّا نقول: قد مرّ أنّه حقّ عرفيّ منتزع عن التكليف التخييري، و لا شبهة في جواز إسقاط مثله؛ ضرورة أنّه ليس تكليفاً، لما لا كلفة على المشتري، بل له الرخصة في الرجوع إلى البائع بطلب شي ء منه؛ جبراناً لما ذهب من كيسه.

و من الغريب إقرار بعضهم بأنّه ضمان ثالث، لا كضمان اليد و المعاوضة «1»!! و لو كان ضماناً فلا بدّ و أن لا يختلف عن سائر الضمانات في الماهيّة، و إنّما اختلافه معها في الدليل و السبب، فيكون لازمه اشتغال ذمّة البائع بالأرش، مع اعترافهم بعدم الاشتغال.

و أمّا توهّم امتناع التخيير بين الخيار و الاشتغال، فهو لا يختصّ بكون الأرش اشتغالًا؛ لأنّ الخيار الوضعيّ أيضاً غير قابل لكونه طرف التخيير التكليفيّ.

فما به ينحلّ الإشكال: أنّ الحكم الوضعيّ في الطرفين لو ساعدنا الدليل ينتزع من التكليف التخييري و جعل الرخصة، إلّا أنّه لا دليل عليه، و غاية ما يقتضيه هو أنّ المشتري له حقّ حلّ العقد، و حقّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 23، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131/ السطر 17.

الخيارات (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 292

الرجوع، كما له تعيين أحدهما، و إخراج الطرف الآخر عن الطرفيّة؛ قضاءً لحقّ الحقّية.

و فيما أفاده العلّامة المحشّي الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «1» هنا، مواضع كثيرة من الضعف، ربّما ظهرت ممّا نقّحناه في هذا المضمار، فتدبّر.

ثمّ إنّ من المحتمل أن يستفاد عن الأدلّة إمكان تغريم البائع؛ بأن يكون للمشتري حقّ تضمينه و جعله ضامناً، فيصير بعد ذلك مشغولة ذمّته بالأرش، و يترتّب عليه أحكام الدين، فتأمّل.

الجهة الثالثة في تعيين الأرش
اشارة

اختلفوا في أنّ المشتري مثلًا، له المراجعة إلىٰ تفاوت الصحيح و المعيب بالنسبة إلى القيمة الواقعيّة، أم له المراجعة إلى التفاوت بلحاظ القيمة المسمّاة.

و قد نسب الأوّل في كلام الشيخ (قدّس سرّه) «2» إلىٰ جماعةٍ من القدماء «3»، و هو مختار بعض أهل العصر «4».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 14.

(3) المقنعة: 597، النهاية: 392، لاحظ مفتاح الكرامة 4: 631.

(4) لم نجزم بمراده من بعض أهل العصر، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 293

و نسب الثاني إلىٰ كثير من المتأخّرين «1»، و هو مختار سيّدنا الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «2».

و اختلفوا ثانياً في أنّ مقتضى القواعد هل هو الأوّل، أم الثاني؟

و علىٰ كلّ من التقديرين، قضيّة أخبار المسألة و الأحكام العقلائيّة خصوصاً في المقام ماذا؟

و الذي يظهر لي: أنّ الأصحاب لم يدخلوا المسألة من بابها، و لأجله وقعوا فيما وقعوا فيه من المشكلة الاولىٰ و الثانية؛ و ذلك أنّ من البحوث المغفول عنها هنا: هو أنّ المدار هل علىٰ تفاوت القيمتين يوم البيع، أم علىٰ تفاوت القيمتين يوم مطالبة المشتري؟

و توهّم: أنّه لا وجه لتخيّل الثاني، بل الضرورة قاضية بأنّ الأوّل

متعيّن، و إنّما يقوّم يوم المطالبة الصحيح و المعيب، و ينقص بحسب النسبة عن المسمّى أو الواقع في يوم البيع، غير تامّ؛ ضرورة أنّه لو كان المتاع مختلف القيمة في اليومين، فلا بدّ و أن يرجع مثلًا إلىٰ البائع طالباً منه تفاوت يوم المطالبة؛ لأنّ قيمته ازدادت، و يكون إعمال الخيار بفسخ العقد موجباً لرجوع المتاع إليه بقيمة زائدة بالنسبة إلىٰ يوم البيع، فبالنظر إلىٰ هذه الجهة يجوز دعوى: أنّ له مطالبة تفاوت يوم الطلب.

______________________________

(1) لاحظ شرائع الإسلام 2: 32، الدروس الشرعيّة 3: 287، جامع المقاصد 4: 335، مسالك الأفهام 4: 299، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 21.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 127.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 294

مثلًا: إذا اشترىٰ داراً في أوّل السنة، ثمّ بعد مضيّ شهرين تبيّن أنّها معيبة، و قد زادت قيمتها أضعاف قيمة يوم البيع، فإن فسَخ العقد ينقص على البائع ما يعدّ ضرراً أحياناً؛ لأنّه ملكه و ماله، و إن أخذ بما به تفاوت يوم البيع، يكون هو إخلالًا بحقّ المشتري، فما هو الحكم العدل مثلًا هو التخيير بين الفسخ، و أخذ تفاوت يوم المطالبة، فعلى ما تحرّر ليس تعيّن تفاوت يوم البيع أمراً واضحاً حسب القواعد العقلائيّة.

نعم، إذا لم يكن اختلافٌ بين اليومين في القيمة، فالبحث المذكور غير نافع؛ لتقارب اختلاف القيمة المسمّاة و الواقعيّة.

و لو قيل: ربّما يمكن أن يكون بين القيمتين و لو لم يكن اختلاف بين اليومين تفاوت كثير؛ حتّى يلزم أن يعود إلى المشتري لأجل الأخذ بالأرش أضعاف ما انتقل منه إلىٰ البائع ثمناً، كما وقع في كلام الأعلام (رحمهم اللّٰه) فلا يكون البحث قليل النفع.

قلنا: هذا لا يتصوّر إلّا في

البيع المهاباتيّ، و إلّا ففي البيع المتعارف لا يعقل أن يكون وقت البيع، اختلاف القيمتين كذلك؛ فإنّ المراد من «يوم البيع» هو وقت البيع، لا اليوم الاصطلاحيّ حتّى تكون ساعةُ العصرِ من يوم البيع، فيقال: إنّ القِيَم اختلفت لأجل اختلاف الأسواق. و في البيوع المهاباتيّة يشكل ثبوت الخيار؛ لأنّ المتعارف وقوعها على مبنى ليس فيه الخيار، و لا الأرش، كما أُشير إليه في أحكام الخيار، و ذكرنا هناك بعضاً من البحث، فعلى هٰذا ما تراه في كلام القوم خالٍ من التحصيل، و بعيد عن الواقع.

إذا عرفت هذه الوجيزة المحتوية علىٰ تحرير البحث، نقول: إنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 295

للشرع ثبوتاً جعل قانون كلّي؛ و هو الأخذ بالخيار أو الأرش، من غير ملاحظة حال الأفراد الخاصّة؛ لتعارف الاطلاع على العيب، و مراجعة صاحب المتاع إلىٰ المشتري في وقت لا يختلف قيم الأمتعة نوعاً، و التزامه بالبيع و أخذ الأرش، و لو كان في مورد إعماله خياره موجباً لضرر البائع لأجل ارتفاع قيمة المتاع فهو ممّا لا يعتنى به في محيط ضرب القانون الكلّي.

و هكذا إذا كان أخذ الأرش في يوم المراجعة علىٰ وجهٍ يكون الأرش أزيد من قيمة المتاع كلّها؛ لتنزّل قيمته السوقيّة، فإنّ هذا الاختلاف يرفض في جنب القانون العامّ؛ نظراً إلىٰ حفظ النظام، نظير ضرب قانون الكرّ و المسافة، فإنّ المتعارف ابتلاء المكلّف بما دون الكثير، أو ما يزيد عليه بكثير، و قلّما يتفق ابتلاؤه بالكرّ بمقداره الواقعيّ حتّى يقال: إنّه كيف يؤثّر المثقال الواحد في طهارته، و نجاسته؟! فإنّه وهمٌ ناشئ عن عدم ملاحظة مصالح ضرب القانون العامّ، و قد تحرّر تحقيقه في الأُصول «1».

و بعد ذلك، فالذي هو الظاهر

من أخبار المسألة و لا سيّما بالنسبة إلىٰ عصر صدورها و مصرها-: أنّ المدار علىٰ تفاوت القيمة يوم البيع، و ليس ذلك لأجل عدم نقل مقدار من الثمن إلىٰ البائع بالعقد، فإنّه باطل كما مرّ، بل لأجل ظهور الأخبار المؤيّد بفهم الأصحاب (رحمهم اللّٰه) في ذلك؛ سواء كان الأرش المأخوذ أكثر من قيمة العين بالنسبة إلىٰ اليوم

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 230 231.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 296

و وقت المطالبة، أو كان شيئاً يسيراً في جنبه.

فعلى هذا يسقط بحث النسبيّة، بل يلاحظ اختلاف القيمتين في يوم البيع، و يراجع إلىٰ أهل الخبرة المطلعين علىٰ قيمته في ذلك اليوم؛ حسب الحدس و الخرص و التخمين، الذي يأتي بعض الكلام حوله.

فالقول: بأنّه يقوّم الصحيح و المعيب في يوم المراجعة، و بالنسبة إلى الاختلاف المذكور ينقص من القيمة المسمّاة، ليس وجهاً صحيحاً.

نعم، هو أحد طرق الاطلاع علىٰ حلّ المشكلة؛ بفهم اختلاف القيمتين يوم البيع، فلا تخلط.

بقي شي ء: في سقوط الخيار باختلاف قيمة المتاع

ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ إعمال الخيار بعد اختلاف قيمة المتاع و السلعة، ضرر منفيّ بالقاعدة، فإطلاق دليل الخيار ينفى بها.

أو إنّ ذلك الاختلاف من موارد إحداث الحدث، و حصولِ التغيّر الموجب لسقوط الخيار.

و كلا الوجهين غير مرضيّين؛ ضرورة أنّ اختلاف القيمة ليس ضرراً، بل يُعدّ من سدّ النفع العائد إلىٰ البائع، و إلّا فهو أيضاً ضرر على المشتري؛ فإنّ المقتضي لرجوع تلك القيمة و السلعة إلىٰ المشتري، يكون تامّاً، و قد قيل في المثال: بأنّه من الضرر عرفاً، و أنّ التغيير و إحداث الحدث و أصل الحدث، أمر أجنبيّ عن هذا الخلاف، الناشئ من

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 297

الأُمور الخارجيّة. مع أنّ المدار علىٰ

ما عرفت عندنا علىٰ إحداث الحدث، لا مجرّد حدوثه غير المستند «1»، فتدبّر.

نعم، لو أحدث البائع في جنب السلعة شارعاً أو سوقاً موجباً لرقاء قيمة الأرض المبتاعة؛ بحيث يستند اختلاف القيمة إلىٰ فعله و تسبيبه، فإنّه و إن لم يكن حدثاً في العين، إلّا أنّ إطلاق الخيار ربّما ينفي، و يجوّز له أخذ الأرش حسب قيمة يوم البيع كما عرفت، و هذا من موارد سقوط الخيار، دون الأرش أيضاً، فتدبّر تعرف.

تتميم: في كون الاختيار بيد المشتري

لأحد توهّم: أنّ الاختيار بيد المشتري، فله المراجعة إلىٰ تفاوتهما بالنسبة إلىٰ يوم البيع، أو يوم المطالبة. بل لو كان بين اليومين يوم ثالث ارتفعت فيه قيمة السلعة فيكون الأرش في ذلك اليوم أزيد من اليومين، فله الأخذ به؛ و ذلك لأنّ أخبار المسألة بين ما لا نظر فيها إلىٰ يوم معيّن فتكون مهملة أو منصرفةً بدواً إلىٰ يوم البيع؛ لعدم اختلاف الأسواق في تلك الأيّام و الأعوام و العصور و الأمصار، و بين مالها الإطلاق، كرواية طلحة بن زيد «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «قضىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) في رجل اشترىٰ جاريةً فوطأها، ثمّ وجد فيها عيباً، قال: تقوّم و هي صحيحة،

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع 2: 440.

(2) سنده في الكافي هكذا: محمّد بن يحيىٰ، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن يحيىٰ، عن طلحة بن زيد.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 298

و تقوّم و بها الداء، ثمّ يردّ البائع علىٰ المبتاع فضلَ ما بين الصحّة و الداء» «1».

و نتيجة ذلك: أنّ المدار علىٰ القِيَمِ الواقعيّة، و لا يلاحظ قيمة يوم البيع الواقعيّة فقط.

و توهّم: أنّ الأمر كما يكون بيد المشتري، يكون بيد البائع، فربّما يتعاركان و

يتعارضان، في غير محلّه؛ لأنّ الخيار للمشتري، فله المراجعة إلى المقوّمين، كما هو المتعارف، و نتيجة الإطلاق ما أُشير إليه.

و فيه: مضافاً إلىٰ بتريّة ابن زيد العامّي «2»، و أنّه لم يوثّق، إلّا أنّه عندنا معتبر قويّاً، و لكن في رواية محمد بن يحيىٰ عنه، و كونه الخزّار الثقة «3»، إشكال للاشتراك، فراجع، و مضافاً إلىٰ احتمال كونه قضاءً خاصّاً، إلّا أنّه بعيد أيضاً أنّ في جميع الأحيان إذا كان أخذ الأرش من الضرر، يجوز تقييد ذلك الإطلاق بقاعدة نفي الضرر.

هذا مع أنّ الوجدان الحاكم في هذا الميدان، يشهد علىٰ أنّ المدار علىٰ جبران النقيصة المتوجّهة إلىٰ المشتري، و بذلك يحكم العقلاء، و لا حاجة إلىٰ الأخبار، بعد انصرافها إلىٰ ما لا يزيد عليه. فتوهّم غير ما أُشير إليه من الاعوجاج؛ سواء فيه العلّامة المحشّي الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) «4»

______________________________

(1) الكافي 5: 214/ 4، تهذيب الأحكام 7: 61/ 265، وسائل الشيعة 18: 102، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 2.

(2) رجال النجاشي: 206/ 550، رجال الطوسي: 126.

(3) رجال النجاشي: 359/ 964.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 131 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 299

و من فصّل بين عيب المعوّض و العوض.

الجهة الرابعة في أخذ الأرش من الثمن الشخصي

اختلفوا في أنّ المشتري بعد الأخذ بالأرش، هل له تعيين كونه من الثمن الشخصيّ، أم لا؟ وجهان، بل قولان:

ربّما ينشئان تارة: عن اختلافهم في القواعد؛ و أنّ مقتضى القاعدة عدم نقل مقدار من الثمن إلىٰ البائع، فيتعيّن عليه ردّه.

بل مقتضىٰ هذا المرام عدم جواز تعيين غير الثمن، فيكون المتعيّن واقعاً ردّ بعض الثمن المردود؛ و ذلك لما مرّ من توهّم: أنّ الأرش علىٰ وفق الأصل العقلائيّ؛ علىٰ تقاريب مختلفة كلّها باطلة، إلّا

في بعض الصور التي أشرنا إليها، فإنّه و إن كان المفروغ عندهم اتفاقاً تقسيط الثمن، إلّا أنّه أيضاً عندنا في غير محلّه؛ و لو كان جزء من السلعة.

بل الظاهر في صورة التقسيط، و عدم نقل الثمن بتمامه، أنّه لا يستحقّ أزيد من الماليّة؛ لأنّ الأثمان ساقطة خصوصيّاتها في الملكيّة، و لا دليل علىٰ ملكيّة المالك بالنسبة إليها، و من ادعىٰ خصوص ثمنه يكون سفيهاً يبطل بيعه رأساً، فتأمّل.

و أُخرى: عن مقتضى الأخبار الظاهرة في أنّه ينقص من ذلك الثمن،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 300

كما في معتبر زرارة «1»، و سائرُ الأخبار إمّا مهملة، أو مطلقة أو مقيّدة.

و من الغريب تردّد «جامع المقاصد» «2» في المسألة!! و العجيب أنّ الشيخ احتمل ذلك «3»؛ لمكان قولهم: بأنّه الأرش، و هو جزء الثمن! فإنّ «الثمن» المذكور في الأخبار و المتون الفقهيّة، ليس الأمر الشخصيّ.

و لعمري، إنّه بحث باطل عاطل لا طائل تحته، و لا يجوز لأحد تخيّل خلافه، و هو من الإطالة المنهيّة و اللغو المذموم.

و أعجب من ذلك البحث عن أنّ في موارد يكون الثمن كلّياً، فهل يردّ من المردود، أم هو يخصّ بموارد تكون شخصيّة؟!! غفلةً عن أنّ المبادلة الشخصيّة الواقعة بين النقد الرائج و السلعة، ليست من البيع حقيقة عندنا كما تحرّر؛ ضرورة أنّ المعاوضات كانت بيعاً في العصر الأوّل، و أمّا في العصور الأخيرة التي منها عصر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فيكون البيع تمليك الشي ء، لا مبادلة شي ء بشي ء، و التفصيل في محلّه، و سيمرّ عليك حكم المعاوضة، و قد مرّت المناقشة في جريان الأرش في المعاوضات؛ بعد كونه خلاف الأصل، فتأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 281.

(2) جامع المقاصد

4: 194.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 301

الجهة الخامسة في ردّ غير النقدين بعنوان الأرش

اختلفوا في أنّ البائع هل يجوز له ردّ غير النقدين بعنوان الأرش، أم لا؟ وجهان.

فلو اشترى الحنطة، و بانت أنّها معيبة، و رجع إليه المشتري لأخذ الأرش، فهل له أن يردّ قطعة من الأرض، أو مقداراً من اللحم، و غير ذلك، بعد وجود النقد عنده و في البلد رائجاً، أم يتعيّن نقد البلد؟

و منشأ ذلك اختلاف القواعد و الأخبار؛ ضرورة أنّ قضيّة القواعد ليست إلّا أنّه يجب عليه جبران النقيصة و الخسارة عند المراجعة، و مقتضى الأخبار ردّ الأرش من الأثمان الظاهرة في نقود البلاد، و إلّا فلا يعدّ عوض المعاوضة من الثمن؛ لأنّ كلّ طرف ثمن و مثمن.

و الذي هو المرجع حكم العرف الممضى ظاهراً حسب الأخبار، أو عدم الردع، و لا شبهة في أنّ بناءهم العمليّ علىٰ تعيّن النقود علىٰ اختلافها في العصور. بل لا يبعد جواز عدم قبول نقد البلد الأجنبيّ في بلد المعاملة.

و ظهور الأمر في مقام الردّ تابع لثمن التجارة، فلو اختلفا مكاناً، و تعاملًا هاتفيّاً، و اختلفت نقود المكانين، فيرجع إلىٰ ما اعتبر ثمناً في البيع.

و ربّما يقال: إنّ ذلك في البيوع المتعارفة، و أمّا في المعاوضات فلا

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 302

يجوز ردّ غير الجنس، و لا ردّ غير الشخص، فلو تبادلا الحنطة بالعدس، فبانت الحنطة معيبةً، يردّ من العدس، و لا يجوز للمشتري دعوى غيره، و لا للبائع تحميل الغير بعد فرض وجوده، و ليس ذلك إلّا لحكم العقلاء المرضيّ الممضيّ بعدم الردع.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعدم دليل علىٰ عدم الردع؛ لعدم شياع ذلك، أو أنّه ليس شائعاً حتّى

يتعيّن على الشرع ردعه، كما لا يخفى.

فإذا كانت المعاملة ثابتة بين الجنس، فلزوم كون الأرش بعد عدم كونه موافقاً للقاعدة من الشخص أو ما يقرب منه غير ثابت، فلو ردّ شيئاً آخر إليه من نقد و غيره، لا يجوز للمشتري ردّه.

هذا، و الذي هو الأظهر ما مرّ: من عدم جريان خيار العيب؛ بمعنى التخيير بين الفسخ و الأرش في المعاوضات، فيسقط البحث رأساً، و السرّ كلّه ما أُشير إليه من أنّه علىٰ خلاف القواعد، و الأدلّة الخاصّة ناظرة إلى البيوع بالنقود، فلاحظ تعرف.

و أمّا ما يقال: من أنّ الأرش تغريم، و يكون التغريم هنا كسائر المقامات، ففي المثليّ بالمثل، و في القيميّ بالقيمة «1».

ففيه: مضافاً إلىٰ عدم أساس للمثليّة و القيميّة، كما تحرّر تفصيله أنّ الأرش ليس تغريماً، بل هو حقّ الرجوع إلىٰ جبر النقيصة و الخسارة فقط، و أمّا أنّه بما ينجبر تعييناً أو تخييراً، فهو أمر موكولٌ إلىٰ البناءات الخارجة عن اختيار الطرفين، و يحوّل إلى العادات

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 102/ السطر 12 17.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 303

و المتعارفات في عصر الأخبار، أو عصر المتعاملين، و حيث لا تعيّن للعصر الأوّل؛ لكونه محمولًا علىٰ متعارف ذلك العصر، يلاحظ الثاني طبعاً.

الجهة السادسة هل الجنس المردود بعنوان الأرش نفس الأرش أم بدله؟

اختلفوا في أنّ البائع إذا لم يتمكّن من جبران الخسارة بالنقود المتعارفة، فهل يكون الجنس الذي يتدارك به عوضاً عن الأرش، أو هو نفس الأرش؟

فإن كان عوضاً عن الأرش، فربّما يجري الربا؛ لاختلافهما في المقدار. مثلًا إذا بانت أنّ الحنطة معيبة، و تثبت حقّة من الحنطة عليه، و ليس عنده إلّا الشعير، فلا يردّ إلّا حقّة من الشعير؛ لأنّ ردّ الحقّتين منه يوجب الربا، لأنّهما من جنس

واحد في بابه. و أمّا لو كان هو نفس الأرش، فلا يلزم الإشكال المذكور.

و عندي احتمال آخر: و هو سقوط الأرش و تعيّن الخيار في موارد كون الأرش متعيّناً في شي ء خاصّ؛ نقداً كان أو جنساً. و هو مضافاً إلىٰ كونه مقتضى القاعدة، أنّه لا إطلاق في دليل الأرش حتّى يشمل ذلك الذي يُعدّ أرشاً طولًا لا عَرْضاً، و إلّا فلو كان أرشاً عَرْضاً فلا بحث رأساً، كما هو الظاهر.

و لو لم يكن له الخيار؛ لأجل الجهات الأُخر، ينتظر؛ لما لا حقّ له إلّا المراجعة إليه لأخذ الأرش، و النقصان علىٰ خلاف القواعد،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 304

و القدر المتيقّن منه صورة كونه متمكّناً من جبرانه بما هو الأرش و المتعيّن عليه بدواً، لا في المرحلة المتأخّرة.

هذا مع أنّه لا معنى للبحث المذكور؛ ضرورة أنّه لو كان يجوز للمشتري المراجعة إليه بعد العجز عن الأرش شرعاً أو عرفاً، فهو الأرش الطولي، لا عوض عن الأرش الأوّل، و لا أرش مطلق، بل هو أرش في طول الأرش المتعيّن أوّلًا؛ و ذلك لأنّ ما يجب على البائع ليس إلّا الجبران، و لا اشتغال في البين، و ما يجوز للمشتري هو الرجوع إلىٰ البائع بمطالبة النقد، و أنّه إذا لم تجز مطالبة النقد لجهة من الجهات يجوز له مطالبة غير النقد، و هكذا.

ثمّ إنّه لنا أن نمنع حرمة الربا المذكور هنا؛ لأنّه معاوضة قهريّة، لا إنشائيّة، و لا دليل علىٰ حرمته في تلك الصورة. مع أنّه ليس من المعاوضة بين الأعيان؛ لما لا اشتغال بالذمّة كما عرفت، بل هو تعويض تسامحيّ، و معاوضة في حقّ الرجوع، و أنّى ذلك من الربا؟! و غير خفيّ: أنّ في

كلمات القوم مواضع كثيرة من الضعف، يظهر كلّها من التدبّر فيما أجملناه و فصّلناه، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 305

الجهة السابعة في مقتضى الأُصول العمليّة في هذه البحوث المذكورة

و نشير إليها إجمالًا:

لا شبهة في أنّ مقتضى الأصل؛ عدم اشتغال ذمّة البائع بعد تحقّق البيع بشي ء.

فلو شكّ في أنّ الأرش حقّ وضعيّ علىٰ ذمّة البائع، يدفع هو باستصحاب البراءة، أو بالبراءة عن وجوب إفراغ الذمّة. بناءً علىٰ عدم جريان الاستصحاب المذكور. هذا في ناحية البائع، و هكذا في ناحية المشتري.

و لو شكّ في أنّه ضمان اليد، أو ضمان المعاوضة، فلا أصل يثبت به أحدهما. و بعد إمكان الثالث يثبت الثالث، و لكن لا يترتّب عليه أثره لو كان له الأثر الخاصّ.

و لو شكّ في أنّ للمشتري حقَّ المراجعة إلىٰ التفاوت بالنسبة إلىٰ القيمة الواقعيّة أو المسمّاة: فإن قلنا باشتغال ذمّة البائع فالزائد منفيّ؛ سواء كانت واقعيّة، أو المسمّاة. و إن قلنا بأنّه مجرّد حقّ الرجوع، فيلزم العلم الإجماليّ بأحدهما.

و معارضة الأصلين إذا كان في البين أثر، ممّا لا بأس بها، إلّا أنّه فيما هو المقصود في المقام، لا يعارض أصالة عدم ثبوت حقّ الرجوع إلىٰ الواقعيّة، أصالة عدم ثبوت حقّ الرجوع إلىٰ المسمّاة؛ لأنّ المفروض

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 306

وجود الأثر للأوّل، دون الثاني. و لو قلنا بجريانهما، فالبراءة عن وجوب ردّ الزائد محكّمة.

و لو شكّ في أنّ المشتري هل له حقّ تعيين الأرش من الثمن المتعيّن في المعاملة، أم لا؟

فربّما يقال: إنّ قضيّة أصالة عدم تسلّط المشتري علىٰ شي ءٍ من الثمن، عدم جواز تعيينه، كما صرّح به الشيخ «1»، و صدّقه الوالد- مدّ ظلّه «2».

و فيه: أنّ الأصل المذكور من العدم النعتيّ، و لا سبق

لعنوان «الثمن» بما هو هو إلّا في العقد المحتمل تحقّق حقٍّ معه زماناً. و لو كان من العدم المحموليّ، فالفساد أظهر.

و أمّا نفي حقّه بالأصل عن النقد الخارجيّ، فهو ممكن؛ لسبق العدم النعتيّ بالنسبة إليه.

و ما في كلام المحشّي العلّامة الخراساني (قدّس سرّه) «3» من استصحاب بقاء الحقّ الثابت له، فهو في غير محلّه؛ بعد عدم كونه حقّا وضعيّاً و ديناً، بل هو مجرّد حقّ المطالبة. و الزائد عليه يمكن نفيه بأصل البراءة أيضاً؛ بناءً علىٰ حلّ مشكلة إثباته في أمثال المسألة، كما فرغنا عنها في محلّها.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 32.

(2) لم نعثر عليه في كتاب البيع للإمام الخميني (قدّس سرّه) فلعلّ المصنّف الشهيد نقل عن مجلس الدرس.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 232.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 307

و ما في كلام الشيخ «1» من أصالة براءة ذمّة البائع من وجوب دفعه، ممّا لا معنىٰ له؛ لما أنّ الأرش ليس في الذمة، و لا تشتغل به الذمّة. كما أُشير إليه. بل لو كان في الذمّة، يكون الأمر دائراً بين المطلق و المقيّد، و المقيّدُ يحتاج إلىٰ دليل.

و لو لم يجرِ الأصل لنفي الزيادة؛ لكونه مثبتاً، لا يمكن إيجاب الزائد على البائع؛ لعدم جواز أخذ المشتري في صورة عدم رضا البائع إلّا بما هو الواقع، فيلزم وقوعه في المحذور الراجع إلىٰ رضاه بالمطلق طبعاً، فافهم و اغتنم.

و أمّا توهّم: أنّ الشكّ في بقاء الحقّ الديني، مسبّب عن الشكّ في تعلّق حقّه بالمقيّد؛ و هو الثمن الخاصّ، و نفي ذلك بالأصل موجب لرفع الشكّ المسبّبي «2»، فهو غير جيّد؛ لأنّ التسبّب ليس شرعيّاً.

و بعبارة اخرىٰ: حكومة الأصل السببيّ على المسبّبي ممنوعة، بل ممتنعة، و

مجرّد التسبّب التكوينيّ غير كافٍ، فليتدبّر.

و أمّا إذا شكّ في جواز ردّ البائع غير النقدين في صورة كون العوض من النقدين فحكمه ما مرّ؛ ضرورة أنّ ما هو الثابت للمشتري ليس حقّ مطالبة النقدين؛ لاحتمال كون حقّه متعلّقاً بالأعمّ، و هي الماليّة؛ أي حقّ مطالبة الجبران، و رفع الخسارة.

و من هنا يظهر حكم صورة كون العوض من الأعيان؛ بناءً علىٰ جريان

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 271/ السطر 32.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 308

حديث الأرش في المعاوضات، فتدبّر.

خاتمة حول الأرش المستوعب و العيب المستوعب

بعد البناء علىٰ أنّ الأرش الذي يؤخذ به لأجل العيب يكون بالنسبة إلىٰ القيمة المسمّاة لا الواقعيّة، لا يعقل الأرش المستوعب لمقدار القيمة المسمّاة.

و بعبارة اخرىٰ: بعد البناء علىٰ أنّ المدار على التفاوت في يوم البيع، كيف يمكن أن يقوّم المعيب و الصحيح بقيمة واحدة؟! و وجه الامتناع ذلك، لا ما ذكره الشيخ «1» و تبعه جمع؛ فإنّ من الممكن أن يستوعب الأرش تمام القيمة، أو يزداد عليها فيما إذا كان المدار على القيمة الواقعيّة، و لكن لمكان أنّ السلعة ارتفعت قيمتها السوقيّة يوم المطالبة، لا تبطل ماليّتها.

مثلًا: يجوز أن تكون أرضٌ قيمتها عشرة دنانير يوم السبت، و إذا تبيّنت أنّها معيبة يردّ لأجل المقايسة إلىٰ القيمة الواقعيّة إلىٰ المشتري عشرة، و لكنّها في يوم الجمعة و هو يوم التبيّن و المطالبة تكون قيمتها مائة دينارٍ، فحديث بطلان ماليّته بكون الأرش مستوعباً، غير جيّد. بل و لو قلنا بلزوم رجوع شخص الثمن إلىٰ المشتري.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 272/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 309

نعم، إذا كان الأرش المستوعب، موجباً لتصوّر العيب المستوعب، فربّما يشكل الأمر؛ من

جهة أنّ استيعاب العيب إذا كان علىٰ وجهٍ يقوّم المعيب و الصحيح واحداً و متساوياً، فلازمه كون العين تالفة، و نتيجة التلف بطلان البيع واقعاً؛ في صورة كونه معيباً حين العقد، أو حكماً؛ فيما إذا حدث العيب قبل القبض، أو في عصر الخيار المضمون، فلا أرش حينئذٍ، بل يرجع الثمن.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الحقّ عدم الانفساخ القهريّ، و عدم تعيّن رجوع شخص الثمن، و عدم كون البائع مشغول الذمّة، بل هو بحكم الأرش. و لكن لو تمّ الأوّلان كما لا يبعد، لا يتمّ الثالث ظاهراً، فتأمّل.

و يمكن دعوى: أنّ العيب المستوعب و لو كان موجباً لاستيعاب مقدار القيمة، و لكنّه لا يستلزم فساد المعاملة؛ لأنّ حقّ الاختصاص من تبعات الملك، أو هو مرتبة ضعيفة من الملك. و كونه مالًا لا ينافي الاستيعاب المذكور؛ لأنّ ماليّته في طول ماليّة العين، التي بيعت و انتقلت، أو ربّما يكون له النفع التكوينيّ المطلوب.

مثلًا: لو باع أمنان حنطةٍ، ثمّ تبيّن أنّها معيبة؛ بحيث لا تفيد أثر الحنطة، إلّا أنّها تنفع للتسميد، فإنّه لا يردّ إلىٰ المشتري إلّا الأرش المستوعب عرفاً؛ لأنّ التسميد ليس من آثار الحنطة، و لا تقوّم لذلك، فلا يبطل البيع؛ لكفاية هذا الأثر لبقائه في الملكيّة، و لصحّة البيع و لو كان العيب المستوعب حين العقد.

و السرّ في ذلك: أنّ ما به قوام صحّة البيع، أعمّ من الماليّة و حقّ الاختصاص، فلو باع عيناً لأجل الماليّة، ثمّ تبيّن أنّ مصحّح بيعها قيام حقّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 310

الاختصاص بها، يكون البيع صحيحاً، و لكن العيب المستوعب يوجب استيعاب الأرش القيمة المسمّاة، فلا فرق بين كون العيب حين العقد، أو قبل القبض، أو

في زمان الخيار المضمون، خلافاً لما يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «1».

كما تبيّن ممّا ذكرنا مواضع المناقشة في كلمات القوم، و لا حاجة إلىٰ أمثلة «التذكرة» «2» و «القواعد» «3» و «التحرير» «4» ممّا هي ليست صحيحة في ذاتها، كما لا يخفى.

و بالجملة: كما أنّ الماليّة منشأ صحّة بيع العين، كذلك حقّ الاختصاص منشأ صحّة بيعها، و لكن قيمة حقّ الاختصاص خارجة عن القيمة المسمّاة؛ لأنّ مالك العين قبل العيب المستوعب، لا يكون له حقّ الاختصاص، فصاحب الكوز مالكه، و ليس له حقّ الاختصاص، و لكنّه بعد ما انكسر الكوز يعتبر له حقّ الاختصاص مثلًا.

فعلى هذا، لا يلزم من كونه مقوّماً لأجل حقّ الاختصاص، عدم استيعاب الأرش القيمة المسمّاة؛ لأنّها قيمة الشي ء بلحاظ الماليّة، التي هي في الرتبة المتقدّمة وجوداً و اعتباراً علىٰ رتبة مالية حقّ الاختصاص، فافهم و اغتنم.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 272/ السطر 11.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 540/ السطر 27.

(3) قواعد الأحكام: 146/ السطر 21.

(4) تحرير الأحكام 1: 185/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 311

بقي شي ء: حول كون العيب مقابلًا بجزء من الثمن

ربّما يقال: إنّ العيب غير المستوعب إذا لم يكن له قسط من الثمن؛ لكونه كيفيّة عرضيّة، و الفساد و الصحّة خارجان عن محطّ المبادلة، فلا بدّ و أن يكون العيب المستوعب أيضاً غير مقابل بشي ء من الثمن، فضلًا عن مجموعة فعليه كيف يقال: إنّه في صورة العيب المستوعب، تعدّ العين تالفةً إذا كان أرشه مستوعباً؟! و هذا غير معقول؛ لأنّ حكم العيب المستوعب و غير المستوعب واحد، فمن هنا يعلم: أنّ العيب يقابل بجزء من الثمن، إذا كان غير مستوعب، و هذا خلاف ما عليه المحقّقون، و يكون عويصة لا بدّ من حلّها.

و الذي هو

التحقيق: أنّ العيب المستوعب للعين، لا يستوعب أرشه القيمة المسمّاة في الصورة التي هي محلّ البحث؛ و هي كون المدار علىٰ نسبة الأرش إلىٰ المسمّاة، و كان البيع على القيمة العادلة المتعارفة، و إلّا فلا خيار؛ لظهور البيع في التبرّي أو الإسقاط، فعلى هذا لو كانت الحنطة مثلًا في المثال المذكور سابقاً عفنة، فإن كانت العفونة ضعيفة فلا تلف عرفاً، و يصحّ البيع، و إن كانت شديدة جدّاً فالبيع باطل؛ إمّا حقيقة إذا كانت حين العقد، أو في حكم البطلان إذا كانت قبل القبض، فالعيب المستوعب و غير المستوعب لا يقابل بالثمن؛ لا حين العقد، و لا حين التغريم.

نعم، في صورة الاستيعاب المنتهى إلىٰ سقوط العين عن الأثر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 312

المطلوب النوعيّ، يكون موجباً للتلف الموجب لرجوع الثمن مثلًا، فلا تغفل.

تحقيق: حول ثبوت الأرش في العيب المستوعب

هذا تمام الكلام في تصوير العيوب المستوعبة، و أمّا أنّ الأرش فهل هو ثابت شرعاً بعد كونه خلاف الأصل؟ ففيه كلام؛ ضرورة أنّ قضيّة أخبار المسألة، اختصاص المفروض فيها بالعيوب غير المستوعبة؛ لنصوصيّتها في غير المستوعب، و لا إطلاق لمعقد الإجماع، و لا طريق إلىٰ إلغاء الخصوصيّة، كما لا يخفى.

فلو كان في مورد الأرش مستوعباً؛ لأنّ البيع واقع على القيمة النازلة، و كان الخيار ثابتاً فرضاً، و قلنا بأنّه في هذه الصورة يلاحظ الأرش بالنسبة إلىٰ القيمة الواقعيّة في يوم البيع، فلا يجوز الأخذ بالأرش؛ لقصور الكبرى و لو فرضت الصغرىٰ فرضاً صحيحاً.

و لكنك عرفت: أنّ في موارد بيع الأمتعة على القيمة النازلة، يكون البيع علىٰ مبنىٰ سقوط الخيار و الأرش، فتأمّل.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 313

الجهة الثانية عشرة في معرفة الأرش

اشارة

ضرورة أنّه ربّما يختلف الناس في تشخيص الأرش، و ليس هو من الأُمور الواضحة، فلا بدّ من الرجوع إلىٰ الغير، و الاتكال علىٰ قوله.

و الذي لا شبهة فيه؛ أنّه لا خصوصيّة لذلك الغير، من الرجولة، و الأُنوثة، و البلوغ، و غير ذلك في المسألة؛ لعدم الدليل عليه، و هو مقتضى الإطلاق المقاميّ.

و أمّا توهّم: أنّه لو كان الغير شاهداً كسائر موارد قيام الشاهد فيعتبر فيه ما يعتبر في قبول قول الشاهد، كما صرّح به العلّامة الأنصاري (قدّس سرّه) «1» فهو غير مرضيّ؛ لأنّ شهادة الشاهد في أمثال هذه الأُمور، ترجع نوعاً غالبيّاً إلى اتكاله علىٰ قول أهل الخبرة، و رأي أرباب البصيرة، و خرص أصحاب التخريص أحياناً، و عندئذٍ تسقط شهادته؛

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 273/ السطر 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 314

ضرورة أنّ الفرق بين الشهادة و الإخبار كما يظهر من الأخبار «1»، من

غير حاجة إلىٰ مراجعة الأقوال، و أهل الاستدلال هو أنّ الإخبار أعمّ، و يكون من الإخبار الخبر الكاذب الذي يعرف المخبر بكذب خبره، بخلاف الشهادة، فإنّها أخصّ؛ لخصوصيّةٍ لاحقةٍ بالمخبر، و هي صفة اليقين و العلم الحاصلة للمخبر. و هذا هو المستفاد من آية سورة المنافقين «2»، فراجع.

فما ترى في كلماتهم من الاختلاف، فكلّه ناشئ من قلّة التدبّر في الآثار، و التفصيل في محلّ آخر.

فبالجملة: قبول الشهادة الشاهدين في هذه المواقف، الظاهر اعتمادهم فيها علىٰ رأي أرباب الخبرة، يحتاج إلىٰ الدليل، كقبول شهادتهم المستندة إلىٰ الأُصول العمليّة، و لذلك قال جمع منهم باعتبار شهادة هؤلاء؛ إذا صرّحوا بمستندهم حين الشهادة، حتّى يكون من الشهادة و لو كان المشهود أمراً ظاهريّاً، و حكماً ثانويّاً.

فعلى هذا، ففي كفاية شهادة الشاهد و لو كان كثيراً في مثل المقام مناقشة؛ لعدم دليل علىٰ حجّية الشهادة، إلّا إذا كان مستندهم ممّا يعتبر عند العرف و العقلاء، كما إذا كان إلىٰ إخبار أهل الخبرة، دون مثل الاستصحاب، فتدبّر.

و أمّا رأى أهل الخبرة و نظر الفنّان و المقوّم، فهو و لو كان من الإخبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 341، كتاب الشهادات، الباب 20.

(2) المنافقون (63): 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 315

المستند إلى الأُمور القريبة أو البعيدة أحياناً، و لكنّه لا بدّ من الالتزام باعتباره؛ نظراً إلىٰ السيرة و بناء العقلاء من الأوّل.

نعم، يحتمل مردوعيّة بنائهم؛ لخبر مَسعدة بن صدقة، لأنّ قوله: «الأشياء كلّها علىٰ ذلك حتّى تستبين، أو تقوم به البيّنة» «1» ظاهر في أنّ الحجّة أمّا حجّة شخصيّة؛ و هو العلم و الاستبانة، أو الحجّة النوعيّة؛ و هي البيّنة، فالخبر الواحد و رأي أصحاب الخبرة و فتوى المفتين، غير

حجّة؛ لخروجها عنهما. و لا معنىٰ لحكومة أدلّتها علىٰ ذلك، بعد مقابلته لقوله: «أو تقوم به البيّنة».

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المراد من «البيّنة» هي الحجّة و الدليل، و إلّا يلزم خروج الاستصحاب و الإقرار منها. مع أنّ في كثير من الموارد لا تكفي البيّنة؛ للحاجة إلىٰ شهادة أربعة عدول. و هكذا يلزم خروج موارد خاصّة، ناهضة علىٰ اعتبار قول الثقة فيها روايةٌ خاصّة، كإخبار البائع و نحوه.

هذا مع أنّ من الممكن اشتراط الاستبانة أو قيام البيّنة في باب

______________________________

(1) مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة.

الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 316

إثبات الممنوعيّة و الحرمة، لا مطلق الحكم الشرعيّ؛ ضرورة أنّ قوله: «الأشياء كلّها علىٰ ذلك» إشارة إلىٰ الحِلّ.

و بالجملة: قد تحرّر منا مناقشتنا في مَسْعدة بن صدقة في الفقه «1» و الأُصول «2».

نعم، رواية عبد اللّٰه بن سليمان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الجبن قال: «كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة» «3» ظاهر في عدم كفاية قول أهل الخبرة. إلّا أنّه من المحتمل اختصاص ذلك بما أُشير إليه آنفاً.

مع

أنّ تلك السيرة القطعيّة القويّة، لا يمكن ردعها بمثل رواية، فليتأمّل جيّداً، و تفصيل المسألة يطلب من قواعدنا الأُصوليّة.

تذنيب حول كيفية التقويم

ربّما وقعوا في كيفيّة التقويم، و هذا أيضاً من موارد غفلة الأصحاب (رحمهم اللّٰه) عن الأمر اللائق بشأنهم؛ فإنّ ما هو وظيفتهم، ليس إلّا إرجاع الأُمّة إلى الأخذ بالأرش؛ و تعيين أنّه التفاوت بين الصحيح و المعيب

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الفقه، كتاب الطهارة 2: 252، الخلل في الصلاة: 227.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 26 30.

(3) الكافي 6: 339/ 2، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 317

بالنسبة إلى القيمة المسمّاة، و أمّا كيفيّة التقويم فهي موكولة إلى العرف؛ لاختلاف البلدان و الأمصار و الأزمان و الأعصار في ذلك أحياناً، و لا معيّن شرعاً لها، فما أفادوه من الصور لا يرجع إلىٰ محصّل.

و توهّم: أنّ منظورهم من التوغّل فيها، توضيح موارد التقويم من مواضع الشهادة؛ لاختلاف الحكم باختلافها، في غير محلّه؛ لأنّ اختلاف الشاهد و المقوّم من الأُمور الواضحة. مع أنّ اعتبار العدالة و التعدّد في مورد الشهادة على الإطلاق، محلّ منع؛ لما لا دليل عليه إلّا في مواضع خاصّة في باب القضاء.

و ما في بعض الأخبار: من تقويم الصحيح و المعيب «1»، ربّما يومئ إلىٰ أنّ التفاوت الذي يؤخذ؛ هو بالنسبة إلىٰ القيمة الواقعيّة، كما قيل، أو المسمّاة، كما استظهر، فلا نظر فيها إلىٰ بيان أصل الكيفيّة؛ لأنّه من الأمر الواضح الغنيّ عن البيان.

مع أنّه ربّما لا نحتاج إلىٰ تلك الكيفيّة؛ لأنّه إذا ثبت أنّ السلعة من نوع كذا تكون قيمتها واضحة، لأنّ بين النوعين منها اختلافاً واضحاً، و يعدّ أحدهما

بالآخر معيباً.

و أمّا مثل الذهب و الفضّة و العقيق اليمانيّ و غيره، فهو خارج عن

______________________________

(1) عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه سأل عن الرجل يبتاع الجارية فيقع عليها، ثمّ يجد بها عيباً بعد ذلك؟ قال: لا يردّها على صاحبها، و لكن تقوّم ما بين العيب و الصحّة فيردّ على المبتاع، معاذ اللّٰه أن يجعل لها أجراً.

الكافي 5: 215/ 6، تهذيب الأحكام 7: 61/ 264، وسائل الشيعة 18: 103، كتاب التجارة، أبواب أحكام العيوب، الباب 4، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 318

مسألتنا؛ لأنّ غير اليمانيّ و الردي ء منهما ليس معيباً عرفاً و إن كان ناقصاً في قبال الكامل، فلا تخلط.

و ممّا يشهد علىٰ عدم الحاجة إلىٰ الكيفيّة الخاصّة: أنّ تقويم المعيب يكون كافياً، فيعيّن ما هو تفاوتهما من غير تعيين، فاغتنم.

تذنيب مقتضى الأُصول عملية عند تعذّر تعيين القيمة

في موارد تعذّر التعيين لجهة من الجهات الممكنة، فمقتضى الأصل سواء قلنا: بأنّ الأرش دين، أو تغريم، و حقّ الرجوع و المطالبة يكون الزائد منفيّاً بالبراءة، و باستصحاب العدم النعتيّ؛ بناءً علىٰ كونه ذا أثر شرعاً. و استصحابُ بقاء عنوان «الدين و الحقّ» مسبّب عن الشكّ في المقيّد المرميّ قيده بالأصل.

و لمنع جريان الاستصحاب المذكور وجه؛ لأنّ كلّي الدين ليس موضوع الأثر، و ما هو موضوع الأثر غير متيقّن، مثلًا إذا علم باشتغال الذمّة بعشرة دنانير، فعليه الأداء إلىٰ العلم بالفراغ، و لا ينقض اليقين إلّا باليقين الآخر، و أمّا إذا علم بالدين فلا حكم له في الشرع، فلا تغفل.

و غير خفيّ: أنّه ربّما يشكل جريان استصحاب العدم النعتيّ المشار إليه؛ لأنّ نفي الحكم بنفي الموضوع، من المثبتات الجليّة و إن التزموا بجريانه. و لو وصلت النوبة إلىٰ

البراءة عن وجوب الردّ عند مطالبة المشتري، يكون استصحاب بقاء الحقّ الجاري في «حاشية العلّامة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 319

الخراساني» «1» حاكماً عليها، إلّا أنّك قد عرفت وجه ممنوعيّة جريانه.

بحث و ذنابة حول تعارض أرباب التقويم
اشارة

لو تعارضت أرباب التقويم، و اختلفت أقوال المقوّمين، يحتمل وجوه من الكلام؛ لوجوه من المحتملات، و تمام البحث حوله يتمّ ضمن أُمور:

الأمر الأوّل في صور المسألة

فإنّها كثيرة؛ ضرورة أنّه تارة: يكون الاختلاف بين المقوّمين، و أُخرى: بين الشاهدين و البيّنتين، و ثالثة: بين المقوّم و البيّنة أو الشاهد.

و علىٰ كل تارة: يتعدّد أحد الطرفين، و يتعاضد بعضهم ببعض بقيام المقوّمين مثلًا علىٰ قيمةٍ، و مقوّم واحد علىٰ قيمة، و أُخرى: يتّحد، و يكون الطرفان متساويين.

و على الأوّل تارة: يكون الاختلاف كثيراً، و أُخرى: قليلًا. مثلًا تارة: يقوّم السلعة بعشرة عند خمسة، و بخمسة عند واحد، و أُخرى: بعشرة عند

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 232.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 320

خمسة، و بخمسة عند الأربعة. و ربّما يوجب اختلاف الحكم اختلاف المقوّمين في حدود التقويم.

و علىٰ كلّ تقدير تارة: يختلفان في مقدار الصحيح و المعيب معاً، و أُخرى: يختلفان في الصحيح، و يتّحدان في المعيب، و ثالثة: ينعكس.

و علىٰ كلّ تقدير تارة: يكون الاختلاف في المطابقة، كما إذا قوّم أحدهما الحنطة المبتاعة بعشرة، و ثانيهما بالتسعة.

و أُخرى: بالالتزام، كما إذا قوّم أحدهما بعشرة، و قال الآخر: «أنّها حنطة أرض خيبر» و تكون تلك الحنطة بعشرين عندهما فيكون المعيب الموجود بين أيديهما مختلف القيمة حسب لوازم كلامهما، أو حسب صريح أحدهما، و لازم الآخر. و غير ذلك من الصور المحتملة في المسألة.

الأمر الثاني في مقتضى القواعد العقلائيّة
اشارة

أي مع قطع النظر عن الأدلّة الشرعيّة؛ و الترجيحات الخاصّة التعبّدية.

لا شبهة في حجّية إخبار المقوّم ورائه في ذاته، كما لا شبهة في حجّية شهادة البيّنة أيضاً في ذاتها، و إنّما الشبهة في حجّية كلّ واحد عند المعارضة، فيكون قضيّة الأصل سقوطهما؛ لعدم المقتضي، و لعدم الدليل على الحجّية على الإطلاق في أمثال المقام، فلا وجه للمراجعة إلىٰ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 321

المرجّحات؛ و

ترجيح الحجّة على الحجّة. و لو كانا حجّتين في مقام المعارضة، و ساقطين لأجل التعارض، يقدّم أحدهما على الآخر بالمرجّح. و ربّما كان يكفي مجرد الترجيح و لو كان بالأُمور الأجنبيّة، كترجيح البيّنة بأصل البراءة.

و بالجملة: مقتضى القاعدة عدم الفرق بين كون التعارض حاصلًا بين المقوّم، و الخبر العادل، و البيّنة، بعد الفراغ عن حجّية كلّ واحدٍ في ذاته عند العرف و العقلاء. و لا أقلّ من الشكّ في ذلك، فإنّه يرجع الأمر في النتيجة إلىٰ شي ء واحد.

نعم، في صورة اعتضاد أحد الطرفين بالمماثل؛ فقوّم المقوّمون مثلًا بعشرة، و واحدٌ بالتسعة، أو قوّم المقوّم المعتضد بالشهادة من البيّنات بعشرة، و قامت بيّنة على التسعة، فلا يبعد قيام بناء من العقلاء علىٰ طرد الأقلّ؛ بشرط كون التفاوت بين الطرفين كثيراً.

و في صورة اختلاف المقوّمين في المقدار، مع كون أحد الطرفين معتضداً بالبيّنات و المقوّمين، يتعيّن الرجوع إليهم قطعيّاً، و يكشف عندهم خطأ الآخر.

و أمّا في سائر الصور، فمقتضى الأصل هو التساقط في التعارض بين البيّنات، أو البيّنة و المقوّم.

و لعلّ سرّه: أنّ البيّنة إمّا تستند إلىٰ رأي المقوّم واقعاً، أو تكون بنفسها مقوّمةً، و لا دليل عند العقلاء علىٰ تقديمها علىٰ رأيه.

نعم، في موارد لزوم الرجوع إلىٰ أحدهما، و ضرورة الأخذ برأي أحدهما و قولهما، يكون عندهم المرجحات موجودة، كما في موارد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 322

المراجعة إلىٰ الطبيب، و أمّا فيما نحن فيه فلا ملزم للرجوع؛ بعد وجود الأُصول، و القواعد الأُخر صالحةً للمراجعة و المرجعيّة.

و بالجملة: مجرّد كون أحد الطرفين مقوّماً، و الآخر بيّنة عادلة، لا يكفي لطرح المقوّم عندهم. و لا إطلاق يقتضي حجّية البيّنة على الإطلاق؛ و يكون الاتكال

علىٰ تقويم المقوّم، مقيّداً بعدم تعارضه بالشهادة، كما لا يخفى؛ لكون دليله بناء العقلاء، و هو لبّي.

بقي شي ء: إبداع الفرق بين الموارد

ربّما يقال: «إنّ الجمع مهما أمكن أولىٰ من الطرح» «1» معناه في المقام غير ما هو المقصود في باب التعادل و الترجيح؛ فإنّ في باب التعادل و الترجيح، يكون الجمع بين الدليلين مهما أمكن إمكاناً عقلائيّاً مقبولًا، فإنّه الأولىٰ؛ بمعنى المتعيّن في قبال الطرح.

و أمّا مجرّد الجمع حتّى بين المتناقضين بالكلّية؛ بدعوىٰ أنّ «أكرم العلماء» نصّ في العدول، و ظاهر في الفسّاق، و «لا تكرم العلماء» نصّ في الفسّاق، و ظاهرٌ في العدول، فيجمع بينهما، و يكون النصّ قرينة على الظاهر في كلّ منهما، فهو غير كافٍ، و إلّا يلزم سقوط الأخبار العلاجيّة.

و أمّا في المقام، فمعناه هو أنّ مقتضى الدلالة المطابقيّة في كلّ واحدٍ من الطرفين المقوّمين للمعيب مثلًا، تعيّن العشرة و التسعة مثلًا، و قضيّة الدلالة الالتزامية نفي كلّ واحد منهما الآخر، و لازم سقوطهما بعد

______________________________

(1) لاحظ عوالي اللآلي 4: 136.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 323

ذلك هو الرجوع إلىٰ أصالة البراءة، و المشتري لا يعلم للمعيب إلّا بالسبعة؛ لاحتمال كون القيمة سبعة واقعاً لا الأزيد، فلا وجه لتعيّن الأخذ بالتسعة، و هذا ممّا يكذّبه العقلاء.

فعليه يجوز أن يقال: بأنّ القول بالعشرة معارض بالذات مع الدلالة الالتزاميّة للقول بالتسعة، و بالعكس، و لا يمكن مقاومة الدلالة الالتزاميّة مع المطابقة عند المعارضة في محيط العقلاء، فإمّا لا يكون لكلّ منهما دلالة وجوداً كما هو الأظهر، أولا حجّية لتلك الدلالة الالتزاميّة و لو كانت موجودة. و علىٰ كلّ تقديرٍ ترتفع المعارضة؛ لأنّ القول بالعشرة يجتمع مع القول بالتسعة، لأنّها تحتوي عليها، بعد سقوط تلك الدلالة الالتزاميّة،

فيلزم الأخذ بهما، و الجمع بينهما.

و أمّا الأخذ في المثال المذكور بالتسعة و النصف، فهو غير جيّد، لا لأجل أنّه مورد نفيهما؛ لأنّ قضيّة الدلالة الالتزاميّة نفي ذلك، فإنّه غير تامّ؛ ضرورة سقوط الالتزاميين للمكاذبة الذاتية التي وقعت بينها و بين المطابقيّة، بل لأجل أنّ الأخذ بالتسعة، أخذ بتمام الدلالة المطابقيّة، و الدلالة التضمّنية. و يؤيّد ذلك بقاعدة العدل و الإنصاف أحياناً.

فبالجملة: فيما إذا كان المقوّم مثلًا مرجعاً لتقويم المعيب فقط لأنّ المفروض معلوميّة قيمة الصحيح؛ لأنّ البيع وقع عليها، و المدار علىٰ قيمته حال البيع، و إنّما يرجع إلىٰ المقوّم لتقويم المعيب؛ نظراً إلىٰ الأخذ بالتفاوت يتعيّن حسب الصناعة قول المقوّم الذي هو الأقلّ.

و دعوىٰ: أنّه معارض بتقويم الأكثر، و ساقط حسب الأصل، صحيحة، إلّا أنّه فرق بين الأخذ بالأقلّ لأنّ الأكثر من قبيل بيّنة الخارج المخالف

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 324

للأصل، كما في «حاشية الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه)» «1» و بين الأخذ به لجهة أنّه من الجمع بين القولين في دلالة المطابقة و التضمّن العرفيّ؛ ضرورة أنّه لا تكاذب ذاتاً بين التقويم بالتسعة و العشرة بما هو هو، و إنّما المكاذبة و المناقضة تحصل من الأخذ بالمفهوم و التحديد الظاهرين بدواً من المقوّمين، و بعد سقوط ذلك فلا مناقضة بين التسعة اللّابدية بشرط، و بين العشرة.

فتحصّل: أنّ طريقة العقلاء في باب الأقلّ و الأكثر كما نحن فيه و باب المتباينين مختلفة؛ ففي موارد التباين تتساقط الطرق، و أمّا في الأقلّ و الأكثر فلا يطرد الدليلان و الطريقان بالرجوع إلىٰ مقتضى الأُصول الأُخر المنافية؛ لما أُشير إليه. كما أنّه يظهر: أنّ حديث معارضة البيّنتين القائمين على العين الشخصيّة، أجنبيّ عن بحث

الأرش، فما أطاله المحشّي العلّامة الأصفهانيّ «2» هنا، ممّا لا طائل تحته.

و من هنا يظهر سقوط الاحتمالات الأُخر، كالرجوع إلىٰ الحاكم، أو القرعة، أو بيّنة الأكثر أو بيّنة الأقلّ، أو قاعدة العدل و الإنصاف. و لا فرق بين أقسام التقويم؛ لرجوع الكلّ إلى الأقلّ و الأكثر في القيميّات.

نعم، فيما إذا اختلفا في المثليّات كما إذا تبادلت الحنطة بالعدس فربّما ينتهي إلىٰ التباين، و لكن بعد ما عرفت من عدم جريان الأرش فيها، فلا يهمّنا البحث حوله.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 103/ السطر الأخير.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 136 137.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 325

و ممّا ذكرنا يظهر وجه سقوط الاختلاف الآخر المحكيّ «1» هنا بين المعظم، و بين الشهيد (رحمه اللّٰه) «2» و صاحب «إيضاح النافع (رحمه اللّٰه)» «3»؛ ضرورة أنّ تقويم المقوّم و شهادة الشاهد فيما نحن فيه، لا أثر له إلّا بالنسبة إلىٰ المقدار الذي يحقّ للمشتري أن يرجع به إلىٰ البائع، فما هو محطّ اختلاف المقوّمين و مصبّ تشاحّ الشاهدين الذي هو منظور العقلاء في الرجوع إليهم، ليس إلّا ذلك. فلو اختلفت آراؤهم في تقويم الصحيح و المعيب معاً، لا يجوز طرح المجموع، و الرجوع إلىٰ أصالة البراءة كما هو مقتضى الصناعة، و لا الأخذ بالطريقة المنسوبة إلىٰ المعظم، أو الشهيد «4» و غيره بناءً علىٰ عدم رجوعهما إلىٰ أمر واحد، كما يستظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) «5» لأنّ سقوط الدلالة المطابقيّة في كلّ منهما بالمطابقة في الآخر في تقويم الصحيح و المعيب ممنوع؛ لما عرفت من عدم المعارضة ذاتاً بينها.

و أمّا توهّم لزوم الأخذ بالالتزاميّة عند العقلاء؛ إذا كانت مشتركة، كما إذا كان اختلاف كلّ منهما في

تقويم الصحيح و المعيب؛ علىٰ وجهٍ يورث كون النسبة بالنصف، فهو غير تامّ؛ لأنّه ليس بنفسه الأثر الذي لأجله وقع التعبّد بالأخذ بقول كلّ من المقوّمين؛ ضرورة أنّ ما هو الأثر هو الحقّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 274/ السطر 3.

(2) لاحظ الروضة البهيّة 1: 380/ السطر 7، فإنّه نقل عن النسبة إلى الشهيد الأوّل (قدّس سرّه).

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 4: 633.

(4) لاحظ الروضة البهيّة 1: 380/ السطر 7.

(5) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 274/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 326

الذي يحقّ للمشتري الرجوع به إلىٰ البائع، و ذلك أمر دائر بين الأقلّ و الأكثر، و لا يجوز إلّا الأخذ بالأقلّ؛ لما مرّ، فلو كانت الطريقتان راجعتين إلىٰ واحدة، و هي ترجع إلىٰ ما ذكرناه فهو، و إلّا فلا دليل علىٰ تلك الكيفيّة المعروفة عن المعظم و غيره، كما صرّح به الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1».

الأمر الثالث في مقتضى القواعد الشرعيّة

اعلم: أنّه ربّما يقال: إنّ في موارد المعارضة لا بدّ من المراجعة إلىٰ الأخبار العلاجيّة «2»؛ سواء كانت المكاذبة بين الروايات في الأحكام أو الموضوعات أو بين إخبار المقوّمين و شهادة الشاهدين، و ذلك لأنّ المستفاد من تلك الأخبار، أنّ نظر الشرع إلىٰ حلّ المشاكل و مراجع الأُمور؛ بمجرد مزيّةٍ، من غير النظر إلىٰ كون المزيّة تمام العلّة لإصابة الواقع و الأقربيّة؛ لإمكان كون خبر غير الفقيه أقرب إلىٰ الواقع، لكونه أثبت في التعبّد بالعبارات الواصلة.

بل المنظور كما يظهر، عدم الوقوف على الحوادث، من غير أن يلزم الترجيح بلا مرجّح، أو ترجيح المرجوح على الراجح، و لأجله ورد التخيير «3».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 142.

(2) لاحظ وسائل الشيعة 27: 106 124، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب

9.

(3) عن الحسن بن الجهم، عن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت له: تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة، فقال: ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّٰه عزّ و جلّ و أحاديثنا، فإن كان يشبههما فهو منّا، و إن لم يكن يشبههما فليس منّا، قلت: يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين، و لا نعلم أيّهما الحقّ، قال: فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت، الاحتجاج: 357، وسائل الشيعة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 40، لاحظ التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 119 126.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 1، ص: 327

فعلى هذا فيما نحن فيه و في أمثال المقام، يرجع إلىٰ المرجّحات العرفيّة و العقلائيّة، و المزايا الاستحسانيّة، إلّا فيما ورد خصوصاً وظيفة خاصّة عند تعارض البيّنتين و غيره. و لأجل هذا و أمثاله نجد ترجيح الأصحاب البيّنة الداخلة على الخارجة، و إلّا فلا دليل شرعاً في خصوصه؛ علىٰ ما عندي عاجلًا.

فعلى هذا يمكن دعوى: أنّ المكاذبة بين المقوّمين علىٰ أقسام التقويم؛ حتّى فيما إذا قال أحدهما: إنّ له أن يأخذ التفاوت عشرة، و قال الآخر: بالثمانية؛ نظراً إلىٰ حاصل تقويمهما للصحيح و المعيب و لو كانت بالعرض، إلّا أنّ الأخذ بالأرجح يتعيّن علىٰ خلاف الأصل. فلو كان المقوّم للزيادة راجحاً في الخبرويّة مثلًا، يؤخذ به، و هكذا الأعدليّة و غيرها.

بل ربّما يقال: إنّ تقديم دلالة المطابقة على الالتزام بلا وجه عرفاً، و لكنّه وجيهٌ بالنظر إلىٰ هذه الجهة، و ما تعارف بين الفقهاء في تقديم المنطوق على المفهوم في مقام المكاذبة، ليس وجيهاً إلّا لمجرّد الاستحسان المستفاد جوازه من الأخبار العلاجيّة.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد،

مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الجزء الثاني

المقصد الثالث في الشروط

اشارة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 3

مقدمة:

تعريف الفقهاء لمفهوم الشرط

و قبل الخوض في بحوثها، لا بأس بالإشارة إلىٰ مقدّمةٍ وجيزة: فقد أشرنا في بحث خيار العيب إلىٰ أنّ تدخّل الفقهاء في تشخيص المفاهيم اللغويّة، خروج عن الشأن اللائق بهم، و ربّما يوجب الإضلال و الإغراء بالجهالة «1»، و من الضرورة أنّ من تلك الموارد مفهوم «الشرط» فإنّ الشرع لم يعيّن مفهومه بشارعيّته في هذا المقام أيضاً.

و لو تبيّن فرضاً عند فقيهٍ مفهوم الشرط بحدوده، فلا أثر عمليّ له في حدّ ذاته إلّا أنّه لمكان الإفتاء علىٰ طبقه، يلزم مراجعة المقلّدين إليه. مع أنّه لا تجوز المراجعة إليه في الرأي المستند إلىٰ فهم المعنى اللغوي؛ بعد اختلاف المقلِّد معه في حدّه. بل و ليس له الرجوع إليه مطلقاً، إلّا بما أنّه أحد أهل الخبرة؛ لو كان منهم.

فما ترى في المقام من اختلافهم في معنى «الشرط» و بنائهم علىٰ إرجاع المعاني المختلفة مثلًا إلىٰ واحد، فيكون من الاشتراك المعنويّ، أو بنائهم على الاشتراك اللفظيّ، أو المجاز و الحقيقة، على اختلاف

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الثالث: 273.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 4

المجازات، كلّه من الغفلة عن حقيقة الحال. فكما أنّ في الأخبار ورد توضيح أحكام الشروط من غير بيان ماهيّتها و مفهومها، و أوكلوا الأمر إلىٰ فهم المخاطبين؛ المقلّدين، أو المجتهدين، كذلك وظيفتهم ذلك؛ ضرورة أنّ من المقلّدين من يكون أهل الخبرة في المفهوم اللغوي، فيكون مرجعاً للفقيه، فكيف يعقل حجّية رأيه في مورد بالنسبة إليه، مع كون سبب فتواه فهم معنى الشرط علىٰ خلاف فهمه؟! هذا مع أنّ الأمصار و الأعصار و البلدان و الأزمان، يختلفن في ذلك، و يكون كلّ إلىٰ علمه، و هذا ممّا

لا بأس به بعد كون الكبريات الكلّية عامّة في جميع الأحيان و الأماكن، و لا بأس بأن يكون في قطرٍ الشروط البدويّة شرطاً حقيقة، و في قطر آخر مجازاً.

و أمّا دعوى الاشتراك اللفظيّ؛ و إرادة المعاني المختلفة؛ لقيام القرائن أحياناً، فهي غير صحيحة؛ لأنّ قصّة القوانين و ضرب الكبريات التشريعيّة، غير قصص الشِّعر و اللغز و الأدب، فإنّ ساحتها بعيدة عن استعمال الواحد في الكثير؛ و لو كان جائزاً واقعاً.

نعم، لا بأس عند اقتضاء القرائن، اختلاف أخبار المسألة؛ فيكون الشرط في المؤمنون عند شروطهم «1» بمعنى، و في

المسلمون عند

______________________________

(1) عن منصور بزرج، عن العبد صالح (عليه السّلام)،

قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج امرأة ثمّ طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّا أن يجعل للّٰه عليه أن لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه باللّيل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: المؤمنون عند شروطهم.

تهذيب الأحكام 7: 371/ 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 5

شروطهم

«1» بمعنى آخر، و لكنّه مجرّد فرض لا واقعيّة له ظاهراً. و من هنا يظهر سقوط كثير من الإطالات في المسألة.

في معنى الشرط

و لكن بعد اللتيا و التي، يكون «الشرط» له معنى متيقّناً؛ و هو المعنى الالتزاميّ في ضمن معنى آخر، سواء كان متقدّماً أو متأخّراً أو في الأثناء، و سواء كان المعنى الثاني عقداً أو إيقاعاً أو غير ذلك، و سواء

كان منجّزاً أو معلّقاً؛ لأنّ الالتزام علىٰ كلّ تقدير تنجيزيّ، و الملتزم به في صورة تنجيزيّ، و في الأُخرىٰ تعليقيّ، فإذا باع داره علىٰ أن يكرم زيداً إذا جاءه، يكون الالتزام بالمضمون تنجيزيّاً، فلا تخلط.

و لا يبعد كونه من الشرط إذا كانت المبادلات بصورة الاشتراط؛ لأنّه في ضمن ما يحصل بعد ذلك، و هذا هو الأمر المتعارف بين الدول و الشركات العامّة، فتشترط حكومة أن تبيع من حكومة أمتعة خاصّة، علىٰ أن تبيع منها الأمتعة الأُخرىٰ؛ و هي القرارات، و كأنّ كلّ واحد يبيع

______________________________

(1) عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز.

تهذيب الأحكام 7: 22/ 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 6

متاعه علىٰ أن يبيعه الآخر متاعاً خاصّاً، فيعدّ شرطاً أيضاً.

و أمّا البدويّات من الشروط، فهي و لو كانت شروطاً لغة، إلّا أنّها غير ملتحقة بها حكماً؛ فإنّ الضرورة قاضية بعدم وجوب الوفاء بها. مع أنّ احتمال كونها من الشرط لغة على الاشتراك اللفظيّ، مشكل.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ وجه صدق «الشرط» علىٰ ما في ضمن العقد أو الإيقاع، ليس لأجل الضمنيّة؛ حتّى يمتنع الاشتراك اللفظيّ، بل هو لأجل كونه قراراً و عهداً و إلزاماً، بخلاف البيع، فإنّه ليس إلزاماً بدويّاً، و لكنّه موضوع للإلزام. و بذلك يقال: «التكليف شرط من اللّٰه».

و غير خفيّ: أنّ في جميع موارد الاستعمال سواء فيه الشرط اللغويّ، و الأُصوليّ، و العقليّ يكون الشرط باعتبار نوع ربط، فأداة الشرط سمّيت «شرطاً» و «أداة للشرط» و القضية تسمّى «شرطيّة»

باعتبار الربط بين التالي و المقدّم، و كأنّ التالي في ضمن المقدّم، فلاحظ و لا تغفل عمّا تلوناه عليك في أوّل المسألة.

و أمّا موارد وجوب الوفاء بالشرط، فتأتي في طيّ البحوث الآتية، و سيظهر إن شاء اللّٰه تعالىٰ: أنّه لا منع ثبوتاً بين بطلان المشروط فيه، و وجوب الوفاء بالشرط؛ قضاء لحقّ إطلاق أدلّته، و صدق «الشرط» طبعاً لو لا بعض المشاكل الأُخر.

و ربّما يجوز أن يشترط في ضمن شرط شرطاً؛ فإنّ الشرط الأوّل باطل؛ لكونه بدويّاً، بخلاف الثاني، فافهم و تدبّر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 7

تذنيب: حول كون الشرط أعمّ من البدويّات

ربّما يستدلّ بطائفة من الأخبار علىٰ أنّ الشرط أعمّ، و يناقش بأنّها في موارد تكون الشروط فيها ضمنيّة، و منها: معتبر منصور بن يونس «1»، كما لا يخفى.

و أمّا المناقشة: بأنّ جهة صدورها غير واضحة؛ فإنّها تقيّة، فهي في غير محلّها؛ لأنّ المنظور هي الاستفادة منها حسب استعمال الشرط في محيط أهل اللسان. بل كونها تقيّة أولىٰ بذلك؛ فإنّ المخالفين يفهمون من «الشرط» معنى أعمّ، و هم أهل اللسان، فلا تخلط.

نعم، في معتبر ابن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليه السّلام)

إنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم. «2»

إلىٰ آخره.

فإنّ قضيّة الإطلاق وجوب ذلك؛ و لو كانوا حين العقد غافلين عن الشرط المذكور قبله، فلا يكون عقد الزواج مبنيّاً عليه حتّى يعدّ من الضمنيّة أيضاً، فتأمّل.

و الإنصاف: أنّه بعد عدم وضوح المسألة بحسب أهل اللغة، مع

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 4 5، و هو منصور بزرج لاحظ، رجال النجاشي: 413/ 1100، رجال الطوسي: 360، الفهرست، الطوسي: 164.

(2) تهذيب الأحكام 7: 467/ 1872، وسائل الشيعة

18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 8

احتمال كون الأصل فيه هو الخيط؛ فإنّ الشريط خيوط من حرير، أو منه و من قصب تفتل مع بعضها، فيكون سائر الاستعمالات لأجل نحو خيط بين المشروط و المشروط فيه، و لذلك يقال لما تحفظ فيه الأصوات: «شريط» لأنّه من قبيل الخيط يشكل الوثوق بصدقه في غير الموارد التي ذكرناها من البدويّات.

مع أنّه ربّما يتوهّم: أنّه لا بدّ و أن يراد من «الشرط» في النبويّات الخاصّة «1» و العامّة «2» معنى أعمّ، و إلّا فالشروط الضمنيّة تتبع العقود، و يفي بها دليل تلك العقود، فتأمّل.

إذا تبيّنت هذه الوجيزة، فالكلام يقع في طيّ بحوث:

______________________________

(1) لاحظ تهذيب الأحكام 7: 371/ 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(2) صحيح البخاري 3: 195، كتاب الإجارة، الباب 315، سنن أبي داود 2: 328، كتاب الأقضية، الباب 12، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 9

البحث الأوّل فيما هو شرط صحّة الشروط أو قيل أو يمكن أن يقال

اشارة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 11

الأوّل القدرة
و هي من الأُمور المفروغ عنها.

و غير خفيّ: أنّ البحث هنا ممحّض في الشرط المفقود فيه القدرة، مع كونه جامعاً لسائر الشرائط المعتبرة، كأن لا يكون سفهيّاً في ذاته، و لا يكون غرريّاً، و لا يكون مخالفاً للسنّة، و هكذا.

و علىٰ هذا، اشتراط الطيران إلى السماء، أو خلق السماوات و الأرض، أو غير ذلك، فهو و إن لم يكن مقدوراً، و لكنّه غير معهود، فيكون خارجاً عن حدود الشروط و سفهيّاً طبعاً. كما أنّ اشتراط خياطة الثوب مباشرة على غير العالم بها، أيضاً من الشرط السفهيّ، فلو كان باطلًا فربّما يستند إلىٰ الشرط الآتي، و يعدّ ذاك دليل بطلانه، و هكذا في صورة الغرر.

فعلى هذا، فهل القدرة شرط في الصحّة، أم لا؟ بعد كونه غير باطل من الجهات الأُخر؛ لما أنّ المتعاقدين غير ملتفتين إلىٰ عجز

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 12

المشروط عليه، فلا يكون لأجل العجز من السفه؛ و إن كان من الجهالة المركّبة، و لكنّها غير مضرّة عندهم؛ لكفاية رفع الغرر و لو بالجهل المركّب، فلا تغفل.

و من هنا تظهر مواضع ضعف في كلمات القوم دليلًا، و الأمثلةُ تظهر أنّها غير مرتبطة بالمسألة، بل من المسألة ما إذا اشترط خياطة الثوب مباشرةً غافلًا عن العجز؛ حتّى يمكن صدور الإرادة الجدّية في إنشاء الشرط جدّاً، و إلّا فيلزم البطلان من ناحية فقد قوام الشرط لا شرط الشرط، فلا تخلط.

و يمكن دعوى: أنّ اشتراط عدم كونه من السفاهة كافٍ؛ لأنّ العجز الواقعيّ سفه، و توهّم القدرة لا يوجب خروجه عن السفاهة الواقعيّة؛ لأنّها من صفات نفس الأمريّة، بخلاف الغرر المقصود في باب المعاملات، و إلّا فالجهالة أيضاً من الصفات نفس

الأمريّة، و دليل نفي الغرر «1» دليل على اعتبار القدرة، و لذلك استدلّوا في محلّه «2» على اعتبار القدرة؛ بما يدلّ على شرطيّة المعلوميّة؛ لأنّ جهالة التحصّل و الوجود أعظم من جهالة وقت الحصول و كيفيّته.

______________________________

(1) نهىٰ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن بيع المضطرّ و عن بيع الغرر.

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 45/ 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 185/ السطر 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 13

تحقيق المسألة

و الذي هو التحقيق الحقيق بالتصديق: أنّ في موارد شرط الفعل يعتبر القدرة، و لكن لا بالمعنى المعهود بين القوم؛ ضرورة إمكان كون الشرط واجباً تكليفاً و إن كان المشروط عليه عاجزاً؛ لما تحرّر من إمكان فعليّة الخطاب و الأمر على العنوان، لمكان أنّه قانونيّ و لا ينحلّ إلىٰ الخطابات الشخصيّة، و تفصيله في الأُصول «1».

و هكذا في شرط النتيجة؛ لأنّ الوفاء به أيضاً قابل لأن يتعلّق به التكليف، و يكفي في صورة كون المشروط عند المشروط له، إمكان أخذه منه، فإنّ الوفاء الواجب عليه معناه إبقاؤه عنده، كما في باب البيع و الإجارة. فنفي اعتبار القدرة على الإطلاق، غير صحيح؛ فإنّ القانون العامّ لا بدّ و أن يكون مقدوراً للأُمّة في الجملة، كما تحرّر في محلّه «2».

و اعتبار القدرة بالنسبة إلىٰ كلّ مورد، أيضاً غير صحيح إذا كان المنظور كشف الصحّة الوضعيّة من التكليف الشرعيّ الفعليّ، فما أفاده القوم حتّى الوالد المحقّق هنا «3» في غير محلّه؛ لأنّ النفي المطلق و الإثبات المطلق، كليهما ممنوعان.

نعم، القدرة تكون شرطاً من ناحية أنّ فقدها الشخصيّ في كلّ مورد

______________________________

(1)

تحريرات في الأُصول 3: 347 455.

(2) نفس المصدر.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 276. البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 143.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 14

خاصّ، ملازم للسفاهة الواقعيّة و لو كانت مغفولًا عنها، كما أشرنا إليه أخيراً. إلّا أنّ لازم ذلك هو التفصيل بين العجز حين العقد، و بين العجز حين الامتثال، و تكفي القدرة في الثاني للخروج به عن السفه بالضرورة.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ السفاهة الواقعيّة المجهولة، لا تضرّ بإمكان صدور الإرادة الجدّية؛ بالنسبة إلىٰ شرط الخياطة مباشرة في الوقت الذي يعجز عن تعلّمه، و إذا تبيّن عجزه عنها لا يلزم إلغاء الشرط بنحو لا يوجب الخيار، ففي صورة الالتفات إلىٰ العجز لا يعقل حصول الجدّ، فلا معنىٰ لعدّ القدرة شرطاً، بل هي مقوّم، و في صورة الغفلة لا يلزم فقد التكليف كما عرفت، و لا فقد الأثر الوضعيّ؛ و هو الخيار، لأنّه و لو كان ملغى للسفه الواقعيّ، و لكنّه لا يورث سقوط الخيار عند كافّة العقلاء.

و توهّم: أنّ إلغاء الشرع موجب لسقوط جميع الآثار، ممنوع أوّلًا، إلّا إذا ثبت النظر إلىٰ ردع بناء العقلاء.

و ثانياً: فيما نحن فيه لا دليل خصوصاً بالنسبة إلىٰ الإلغاء إلّا بناء العقلاء و هو أيضاً قائم على الخيار، كما لا يخفى.

بقي شي ء: البحث حول القدرة التي هي شرط صحّة الشرط

لأحد دعوى: أنّ الكلام هنا ليس حول القدرة التي هي شرط التكليف، حتّى يقال ما قيل، بل البحث حول القدرة التي هي شرط صحّة الشرط؛ و أنّه في موارد العلم بالعجز أو الشكّ في العجز، يصحّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 15

الشرط، أم لا؟ و في مورد الجهل المركّب يقع صحيحاً، أم لا؟

ثمّ بعد ذلك، هل ينافي بطلان الشرط شرعاً لزوم الخيار

عرفاً و استلزام حقّ الفسخ عند العقلاء، أم لا؟

و الذي لا شبهة فيه: أنّه باطل؛ بمعنى عدم إمكان تحقّقه ثبوتاً عند الالتفات إلىٰ العجز، و لو كان قادراً واقعاً فيقع الشرط مجرّد لقلقة في اللسان، و لا يتحقّق جدّاً، و عندئذٍ لا يكون في تخلّفه الخيار أيضاً بالضرورة، إلّا إذا كان الشارط غافلًا، و المشروط عليه عالماً بالعجز.

و أمّا في موارد الشكّ في القدرة، أو رجاء حصول القدرة في ظرف الامتثال، فلا منع ثبوتاً من حصول الجدّ بالضرورة، و يستتبع الخيار طبعاً، إلّا إذا قيل ببطلانه لكونه من الجهالة في الحصول، و هي أعظم من الجهالة في وقته و كيفيّته.

فمن هنا يعلم: أنّ المسألة تحتاج أحياناً إلىٰ دليل نفي الغرر «1»، فلو كان الغرر مضرّاً و مانعاً، و المعلوميّة شرطاً بهذا المعنىٰ، فيلزم بطلان الشرط. و لكنّه لا يستلزم سقوط الخيار؛ لعدم إلغاء الشرع هذا الشرط بهذه الكيفيّة. مع أنّه لا يكفي دليل نفي الغرر لفساد الشرط في الصورة المذكورة؛ ضرورة أنّ الشرط معلوم و إن كان تحقّقه مجهولًا، نظير اشتراط مدّة التسع و التسعين في المتعة، فإنّ الشرط معلوم، و تحقّقه مجهول.

______________________________

(1) لاحظ عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 45/ 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 16

تنبيه: تصحيح الشرط مع العلم بالعجز

يمكن أن يصحّ الشرط حتّى في صورة علم الشارط بعجز المشروط عليه مطلقاً؛ و ذلك لأجل أخذه بالخيار.

و توهّم: أنّه يشترط عليه الخيار، في غير محلّه؛ لأنّه لا يوجب تعيّنه، و لا سيّما إذا احتمل و لو ضعيفاً اقتداره على الشرط.

نعم، إذا لم يرد من الشرط إلّا الأخذ بالخيار عند التعذّر، فوجوب الوفاء

على المشروط عليه عند اتفاق قدرته عليه ممنوع، فتأمّل.

تذنيب: هل القدرة بوجودها الواقعي شرط أم بوجودها العلمي

بعد فرض اشتراط القدرة في الجملة، فهل هي بوجودها الواقعيّ شرط، أم يكفي وجودها العلمي؟

فإن قلنا باعتبارها بالقياس إلى التكليف، فهي في مورد الاشتراط شرط بوجودها الواقعيّ، إلّا أنّه لا يلزم وجودها حين التكليف، كما تحرّر.

و إن قلنا باعتبارها بالنسبة إلى الصحّة الوضعيّة، فلا يعتبر إلّا وجودها العلميّ؛ ضرورة أنّ الدليل القائم على اعتبارها لا يقتضي أكثر من ذلك؛ فإنّ السفاهة و الغرر منتفيان.

فلو انكشفت القدرة اتفاقاً حين التسليم، فلا بحث. و إذا لم يكن المشروط عليه قادراً إلىٰ الآخر، فانتفاء الخيار بانتفاء الشرط للعذر ممنوع، كما أُشير إليه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 17

و من هنا يظهر حكم مسألة اشتراط صفة في العين الشخصيّة، كشرط الحمل في الأمة أو الحيوان في المستقبل. و من الغريب ما هو المحكيّ عن العلّامة من البطلان؛ مستدلّاً بأنّه من الغرر «1»! مع أنّ الحمل ممّا يدركه الخرّاصون و أهل فنون الحيوانات.

و أمّا دعوى: أنّه لا معنى لاعتبار القدرة بالنسبة إلىٰ الشرط الراجع إلىٰ اتصاف العين بصفة و حالة؛ بعد كون العين المبتاعة شخصيّة، فهي مندفعة؛ لأنّه لا يزيد علىٰ مثل شرط النتيجة، و قد مرّ أنّه يكفي لاعتبارها فيه باعتبار التسليم الذي هو مورد القدرة، و إذا كان قادراً عليه و لو بواسطة القدرة علىٰ تسليم شخص العين يكفي اشتراطه في قبال العاجز؛ ضرورة أنّه بدون الشرط لا يرتفع الغرر أحياناً، كما يكفي لصحّة اعتباره الخيار عند التخلّف.

و أغرب ممّا مرّ، ما أفاده الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) «2» حول نظريّة الشيخ «3» و القاضي (رحمهما اللّٰه) «4»!! مع أنّ فتواهما موافقة للتحقيق؛ فإنّ اشتراط الحمل في المستقبل، جائز

و لو كانت القدرة شرطاً؛ لإمكان الاطلاع عليه، و لا يعتبر القدرة حين العقد بالضرورة، فلا يلزم من مقايسة نظرهم إلىٰ نظر العلّامة، التردّد في اشتراط القدرة، و الأمر سهل، فتأمّل.

بقي شي ء: و هو أنّ نفوذ شرط النتيجة يحتاج إلىٰ التدبّر و التأمّل، و ربّما يظهر تحقيقه في البحوث الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 385/ السطر 19.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 276/ السطر 24.

(3) المبسوط 2: 156.

(4) جواهر الفقه، ابن البرّاج: 60، المسألة 219 و 220.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 19

الثاني أن لا يكون الشرط بنفسه من الممنوعات و المحرّمات
اشارة

و يكون المراد منه هو الاشتراط، لا المشروط.

و في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه): «أن يكون الشرط سائغاً في نفسه «1»».

و يشكل الأمر: بأنّه يرجع إلىٰ الشرط الرابع «2»، كما في كلام الفقيه اليزديّ «3»، و العلّامة الأصفهانيّ (رحمهما اللّٰه) «4».

و ربّما يمكن أن يقال: إنّ المشروط في الرابع هو شرط مخالفة الكتاب و السنّة بعنوانها الأوّلي؛ سواء كانت مخالفة واقعاً، أم لا، فإنّه شرط فاسد مثلًا و لو تبيّن بعد الاشتراط أنّه ليس من المخالفة. و هذا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 276/ السطر 34.

(2) و هو عدم كون الشرط مخالفاً للكتاب و السنّة.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 109/ السطر 1 و 2.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 142/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 20

الشرط ناظر إلىٰ كون المشروط سائغاً في نفسه، و جائزاً بالحمل الشائع، و لذلك استدلّ بحديث استثناء إحلال الحرام، و إحرام الحلال «1» حسب التخيّل، و في مرحلة الإنشاء و البناء، و إلّا فلا يعقل ذلك كما لا يخفىٰ، و يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و أمّا وجه خروجه به عن الجواز؛ فهو

أنّ المستفاد من هذا الاستثناء هو التحميل بالشرط على المشروط عليه الإفتاءَ بغير ما أنزل اللّٰه تعالى الذي كان رائجاً في عصر الأخبار، فربّما كان في ذلك العصر شيطان يتمسّك بدليل الشرط لتحليل الإفتاء المذكور، فورد في أخبارنا أنّه شرط غير نافذ، فاشتراط شرب الخمر على المشتري مثلًا ليس بنفسه من المحرّمات، و لا يجب الوفاء به، بخلاف اشتراط الإفتاء، فإنّ الشرط غير جائز.

و غير خفيّ: أنّه كلّ ذلك مجرّد تصوّر لا يقربه التصديق؛ و إن كان يمكن أن يكون نظر الشيخ (رحمه اللّٰه) فيه إلىٰ ما ذكرناه، فتأمّل.

و ما جعلناه عنواناً تبعاً لما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه في توجيه الفرق بين هذا الشرط، و شرط عدم كونه مخالفاً للكتاب و السنّة «2»، فهو و إن كان أيضاً في نفسه ممكناً؛ ضرورة إمكان دعوى حرمة الاشتراط المصدريّ و لو كان المشروط جائزاً، كما إذا نهىٰ عن الاشتراط أحد الوالدين أو الحاكم، أو كان مخالفاً للنذر و إخوانه، أو

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 276/ السطر الأخير.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 148 150.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 21

مخالفاً لرضا الزوج، أو كان في وقت النداء أو الاعتكاف، إلّا أنّ حرمة عنوان «الاشتراط» في جميع هذه الموارد ممنوعة، و كونه باطلًا علىٰ فرض الحرمة، محلّ إشكال محرّر في الأُصول و المسائل الأُخر، فتدبّر.

و ما أُفيد أخيراً يشبه السفر المحرّم، و السفر لغاية محرّمة، فإنّ الثاني موجب للتمام، من غير لزوم كون نفس السفر حراماً، و الأوّل يحتاج إلى الدليل، و أمثلته ما مرّ من الأمثلة، و ذكرنا المناقشة في جميعها في كتاب الصلاة «1».

و غير خفيّ: أنّه تفصيل متين لتوجيه الفرق تصوّراً،

و لكنّه غير مساعد لما في ذيل كلام الشيخ «2»، كما هو الظاهر، و الأمر بعد ذلك كلّه سهل جدّاً.

تنبيه: رجوع الشرط الرابع إلى هذا الشرط

ربّما يخطر بالبال أن يقال: برجوع ما في الشرط الآتي إلى هذا الشرط؛ لأنّ شرط مخالفة الكتاب سواء كان بالحمل الأوّلى، أو الشائع يستلزم حرمة ذات الاشتراط؛ نظراً إلى أنّه منكر عرفاً، فيجب دفعه.

كما يمكن دعوى: أنّ الاشتراط المصدريّ إذا كان محرّماً في ذاته، يكون ملغى عند العقلاء؛ لأنّ بناءهم ليس في باب الشروط على التوسّل بالشرط إلىٰ نقض القوانين المعتبرة عندهم، كما يأتي في الشرط الآتي

______________________________

(1) هذه المباحث من كتاب الصلاة من تحريرات في الفقه مفقودة.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 22

إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و يحتمل أن يعدّ اشتراط كون العبد كافراً من الشروط المحرّمة فيكون شرطاً حراماً بمعناه المصدري و بعنوانه الذاتي و إن لم يكن نفس عنوان «العبد كافراً» من المحرّمات، فيحصل الفرق بين الشرط الثاني و الرابع في كلامه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 23

الثالث كون الشرط ذا غرض عقلائي
اشارة

اعتبروا في صحّة الشرط كونه ذا منفعة معتدّ بها، أو مورد غرض يعتنىٰ به عند العقلاء «1».

و الذي يظهر لي: أنّ جميع هذه الشروط في الحقيقة، ترجع إلىٰ شرط واحد؛ و هو أن يكون الشرط عقلائيّاً و عرفيّاً متعارفاً، و إنّما البحث عن اعتبار القدرة، يرجع إلىٰ أنّ القدرة دخيلة في العقلائيّة، و أنّ العجز يضادّ عرفيّته، أم لا.

و البحث عن كونه جائزاً في نفسه، أيضاً يرجع إلىٰ أنّ حرمة ذاته تنافي العقلائية، أم لا. و قد عرفت بالمنافاة؛ ضرورة أنّ الشروط الصحيحة عندهم، ليست قابلة لنقض قوانينهم الرائجة، و يعدّ ذلك من الشروط غير الصالحة جدّاً، كما يأتي تفصيله في الشرط المخالف للكتاب.

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 24

حول اشتراط عدم اللغوية أو ثبوت المنفعة في صحّة الشروط

و هذا الشرط أيضاً يرجع إلىٰ أنّ عقلائيّة الشرط منوطة بكونه ذا منفعة يعتدّ بها، أم يكفي عدم كونه لغواً؟ وجهان، بل قولان:

يظهر من الأكثر الأوّل «1».

و ذهب الوالد المحقّق مدّ ظلّه إلىٰ الثاني «2».

و سيظهر التحقيق في طيّ الشروط الآتية، و أنّ الجميع يرجع إلىٰ شرط واحد، و إنّما الموارد التي ذكروها ترجع إلىٰ ما ذكرناه، فاغتنم.

و أمّا الحقّ في المسألة: فهو أنّ مجرّد كون النظر إلىٰ إثبات الخيار بجعل الشرط في طيّ العقد، خروج عمّا هو مورد النظر في المقام؛ حتّى يقال بكفاية عدم اللغويّة، كما يظهر من «التذكرة» حيث استدلّ لإبطال الشرط باللغويّة «3»، و كأنّه لو كان غير لغو يكون الشارط له الخيار عند تخلّف الشرط؛ و ذلك لأنّ الخيار من أحكام تخلّف الشرط، و كونه الغرض في اعتبار الشرط، بعيد عن البناءات العقلائيّة و إن لا يلزم اللغويّة، و لكن لا يكفي ذلك لإمكان جعل الخيار بعنوانه في طيّ العقد.

أو يقال: إنّه من اشتراط الخيار علىٰ طريق معوّج، و هذا أيضاً ممّا

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 1.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 150 151.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 524/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 25

لا بأس به، و لكنّه ليس من تخلّف الشرط.

و بالجملة: حيث إنّ الشرط يجب الوفاء به شرعاً؛ حسب المعروف، فاشتراط كلّ أمر و لو لم يكن من المحرّمات غير واضح جوازه؛ للزوم كونه قابلًا للإيجاب في محيط التقنين، و قابلًا للإسناد إلىٰ الشرع المقدّس، و أنّه و إن لم يجب بعنوانه فرضاً، و لكنّه يجب لأجل إيجاب الشرط ما ينطبق عليه، و هذا أيضاً ممّا لا يمكن أن يكون صالحاً.

و

أمّا دعوى: أنّ البناءات العقلائيّة الخارجيّة و إن كانت قاصرة؛ لعدم معهوديّة أمثال الشروط النادرة ذات المنفعة القليلة، أو الغرض غير المعتنىٰ به، و لكن إطلاق أدلّة الشروط مرجع صالح لتنفيذ موارد الشكّ.

فهي و إن كانت مورد تصديق جماعة من المحقّقين حسب الصناعة، إلّا أنّ المحرّر عندنا في صورة كون قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

المؤمنون عند شروطهم «1»

بصدد الإيجاب الشرعيّ أنّه غير صالح لتصحيح الشرط و نفوذه. و حديث الملازمة لا يفيد شيئاً، كما ذكرناه في ذيل قاعدة الوفاء بالعقود «2».

هذا مع أنّ المنصرف منها نظراً إلىٰ البناء القطعيّ الخارجيّ الذي هو بحكم القرينة يكون أخصّ، فلا ينعقد الإطلاق، و لا أقلّ من الشكّ. و هذا من غير فرق بين المطلقات و العمومات؛ للزوم اختصاص

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 4 5.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 1: 91 96.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 26

مصبّها، كما لا يخفىٰ.

فاشتراط جهالة العبد بالعبادات غير جائز؛ للزوم رجوعه إلىٰ الرضا بوقوع المنكرات، و ترك الواجبات، مع أنّه يجب عليه تحصيل العلم. و لو اشترط ذلك؛ نظراً إلىٰ تصدّي الشارط لتعليم العبادات، فهو ممّا لا بأس به، فما في «الدروس» من الإطلاق «1»، في غير محلّه.

تذنيب: في ثبوت الخيار عند اشتراط شرط باطل عن جهل

في موارد الشروط غير الصالحة، إذا لم تكن واجبة الوفاء؛ لعدم كونها نافذةً، فتكون ملغاةً، هل يثبت الخيار إذا كان الاشتراط عن جهالة بالأمر، أم لا بعد معلوميّة عدم ثبوت الخيار في صورة الاشتراط عن توجّه إلىٰ كونه من الشروط غير الصالحة عرفاً؟ وجهان.

لا يبعد الثاني؛ لأنّ الخيار العقلائيّ ثابت في موارد إيجاب العقلاء الوفاء به، و إلّا فمع انتفاء حكمهم بذلك لا معنى لحكمهم بالخيار، و لا دليل شرعاً

علىٰ ثبوت الخيار في صورة التخلّف عن الشرط حتّى في موارد الشروط الصالحة. و لو كانت تلك الشروط موجبة للخيار عند ترك الوفاء، لما كان فرق بين صورتي العلم و الجهل، إلّا إذا كان العلم مانعاً عن ترشّح الجدّ على الاشتراط.

و لو قيل: في موارد العجز يكون حكم العقلاء عدم وجوب الوفاء، مع أنّه يوجب الخيار.

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 215.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 27

قلنا: فرق بين انتفاء الوجوب لتعذّر الوفاء، و بين انتفائه لعدم صلاحية الشرط، مع أنّه يجب الوفاء، إلّا أنّه معذور، كما تحرّر في موارد العجز.

اللهمّ إلّا أن يقال: قضيّة حديث

رفع. ما لا يطيقون «1»

انتفاء الوجوب ذاتاً و لو كان قابلًا للإثبات قانوناً؛ و يكون فعليّاً.

و أمّا دعوى: أنّ الأحكام الوضعيّة تتبع التكليفيّة، فإذا لم يجب الوفاء فلا خيار، فهي مضافاً إلىٰ عدم مسموعيّتها في محلّها غير قابلة للتصديق في باب الخيارات؛ ضرورة أنّ خيار المجلس من الوضعيّات، و لا تكليف، فتأمّل.

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، و النسيان، و ما اكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكّر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 29

الرابع عدم كونه مخالفاً للكتاب و السنّة
اشارة

قد اشتهر و هو المجمع عليه و المسلّم في الجملة بين الفريقين؛ أنّ من شرائط صحّة الشرط و نفوذه؛ عدم كونه مخالفاً للكتاب، بل و السنّة «1».

مقدمة: في كون هذا الشرط تعبّدياً أو عقلائياً

و قبل الخوض في مسائل المسألة الراجعة إلىٰ أخبارها، نشير إلىٰ نكتة مرّت: و هي أنّ من الجائز توهّم أنّه شرط تعبّدي، و ليس بعقلائيّ.

و الذي يظهر لي: أنّه إلىٰ العقلائيّة أقرب من السوابق؛ و ذلك لأنّ الميزان في مراعاة الأحكام العقلائيّة، النظر إلىٰ محيط العقلاء

______________________________

(1) لاحظ تذكرة الفقهاء 1: 489/ السطر 32.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 30

و بناءاتهم بالنسبة إلىٰ المحترمات عندهم، فإذا كانوا يزعمون قوانين خاصّة، و يعتقدون بالمنظمات في إدارة العائلة البشريّة، فلا بدّ و أن يحترموا تلك القوانين، كما يدركون أنّ كلّ إنسان إذا كان يدرك حرمة قانون لازم في المجتمع فرديّاً كان، أو اجتماعيّاً يجب عليه التحفّظ عليه، فلا معنىٰ للشرط في ضمن عقد بيع الدار؛ علىٰ أنْ يخلّ بالنظام، أو ينقض القانون، و علىٰ ذلك يضحك كلّ ذي شعور دانٍ، فضلًا عن المتوجّهين إلىٰ أطراف المسألة بحدودها.

فما قد يقال: من أنّه و لو كان شرط السرقة غير صالح، و لا شرط القتل و التجاوز على العرض، و أمّا مثل شرط الربا و القمار، و شرب الخمر مرّة، و عدم ردّ السلام، و أمثال ذلك، فهو ليس من الشروط غير الصالحة، فهو في غير محلّه؛ لأنّه لوحظ من جانب، و لم يلاحظ من جوانب؛ ضرورة أنّ الربا من المسائل العقلائيّة أحياناً، أو شرب الخمر في الجملة، و لكن يحكمون بأنّ الشروط في محيط كلّ مجتمع، لا بدّ و أن تكون صالحة بالقياس إلىٰ المحترمات من قوانين ذلك المجتمع، فالمسلم المؤمن

بالقوانين الإسلاميّة، لا بدّ و أن يكون شرطه صالحاً غير مخالف للقانون المحترم عنده، فإنّها ليست ملعبة و هكذا، فشرط عدم ردّ السلام أيضاً من هذا القبيل.

مع أنّه يجوز دعوى: أنّ الشروط المخالفة للآداب العقلائيّة الأخلاقيّة النافذة في الشريعة المقدّسة، غير صالحة أيضاً؛ ضرورة أنّ القوانين المحترمة لا تختصّ بالإلزاميّات.

و بالجملة: بعد مراعاة ذلك الأمر، يتبيّن عدم الفرق حسب القواعد-

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 31

بين الشرط المخالف للكتاب و السنّة القطعيّة، و غير القطعيّة، نبويّة أو غير نبويّة.

و أمّا المخالف للقوانين العرفيّة التي تعدّ عقلًا لازمةً؛ للزوم الاختلال، و يرجع إلىٰ خلاف قوانين الإسلام و حكومته، فهو كذلك.

و أمّا المخالف للقوانين العرفيّة المحضة فلا، كما لو شرط في ضمن العقد أن يجد له طريقاً للتخلّص من العشّار، أو ما يشبه ذلك من القوانين النظاميّة؛ نظراً إلىٰ إطلاق دليل الوفاء بالعقد الشامل للشرط و للوفاء و القيام بالشرط، بل لعموم أدلّته.

و لو قيل: كما لو جاز في مورد خاصّ شرعاً شرط مع كونه مخالفاً للكتاب، يكون هو المتّبع، فكذلك ما ثبت بالعموم، فدليل الوفاء بالشرط و لزوم القيام به، يعمّ جميع الشروط؛ لتجويز الشرع ذلك، إلّا أنّه يخرج منه ما هو المقدار الثابت من المخصّص و المقيّد؛ و هي مخالفة الكتاب، دون السنّة.

قلنا: الخاصّ لا يمكن ردعه بعد كونه تامّاً صدوراً و جهة، و أمّا المطلق فلا ينعقد إطلاقه؛ لما مرّ. بل و هكذا العموم عندنا.

بل و لو قلنا في العمومات بالدلالة اللفظيّة كما عليه بعضهم تكون القضيّة المذكورة موجبةً لتحديد مصبّ العامّ، و قيداً له، و يرجع «كلّ عالم يجب إكرامه» إلىٰ «كلّ عالم فقيه إسلاميّ» قضاءً لحقّ ما يقتضيه المحيط، فلا تخلط.

هذا

مع أنّ الجمع المحلّىٰ بالألف و اللام، لا يعقل دلالته الوضعيّة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 32

على الاستيعاب الأفراديّ، كما حرّرناه في الأُصول «1»، فلاحظ. بل حجّية الخاصّ هنا محلّ المناقشة؛ لكونه يرخّص الأخذ بالمخالف للكتاب، مع أنّ في الأخبار أنّ المخالف له زخرف «2»، فتأمّل.

بقي شي ء:

يمكن أن يقال: إنّ العموم الوارد مستقلا، إذا ورد متعقّباً بمجمل متّصل به، يشكل الاتكال عليه؛ لسراية الإجمال إليه، نظراً إلىٰ الجمع بينهما عرفاً، و إلى ما يصلح للقرينيّة في محيط التقنين و التشريع، الذي يورث كون المنفصل في حكم المتّصل من هذه الجهة.

فما ورد من قوله

المسلمون عند شروطهم

بسند معتبر عن أبي الحسن (عليه السّلام) بقوله في رواية مفصّلة

و المسلمون عند شروطهم «3»

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 5: 210 212.

(2) أيوب بن راشد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف.

الكافي 1: 69/ 4، وسائل الشيعة 27: 110، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 12، أيوب بن الحرّ قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: كلّ شي ء مردود إلى الكتاب و السنّة، و كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّٰه فهو زخرف.

الكافي 1: 69/ 3، وسائل الشيعة 27: 111، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 14.

(3) عليّ بن رئاب، عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) قال: سئل و أنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإن لم تخرج معه فإنّ مهرها خمسون ديناراً إن أبت أن تخرج معه إلى بلاده؟ قال: فقال: إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، و

لها مائة دينار التي أصدقها إيّاها و إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين و دار الإسلام فله ما اشترط عليها، و المسلمون عند شروطهم، و ليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتّى يؤدّي إليها صداقها أو ترضى منه من ذلك بما رضيت و هو جائز له.

الكافي 5: 404/ 9، تهذيب الأحكام 7: 373/ 1507، وسائل الشيعة 21: 299، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 40، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 33

و بسند معتبر عن عبد صالح حكاية عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

المؤمنون عند شروطهم «2»

غير صالح للاتكال في الشرط المخالف للسنّة؛ بعد إجمال المستثنىٰ، و هو الشرط المخالف للكتاب. و أمّا المتمسّك بعموم الوفاء بالعقود، فهو عندنا في غير محلّه «1»، من شاء فليرجع بابه فتأمّل.

و هناك رواية عن ابن الخشّاب، و هو معتبر، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)

إنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به؛ فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطاً حرّم حلالًا، أو أحلّ حراماً «9».

فإنّه لولا المناقشة في سندها لابن كلوب الذي لم يصرّحوا بوثاقته، و لم تقم عليها الأمارات العامّة، مع قوّة كونه عامّياً. و حكاية

______________________________

(2) تقدّم في الصفحة 4 5.

(1) لاحظ تحريرات في الفقه، البيع 1: 32 37 و 91 96.

(9) تهذيب الأحكام 7: 467/ 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 34

عمل الطائفة بإخباره عن «عدة الشيخ» «1» مضافاً إلىٰ عدم كفايتها، غير ثابتة، بل منعه بعض الفضلاء المعاصرين

مدّ ظلّه «2» فما في كلام الشيخ الأنصاريّ (رحمه اللّٰه) من التوثيق «3»، في غير محلّه. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الشيخ اشترط شرطين في العمل بأخبار غير الإماميّ الشيعيّ، و من ذلك عدم كونه معارضاً، و الخبر المذكور منه. إلّا أن يقال: بأنَّ مفهوم الحصر في سائر الأخبار يعارضه كما سيمرّ عليك.

و بالجملة: ما هو المهمّ أنّه لا يكفي حكاية الشيخ لنا، و لا تفيد حجّية خبر عندنا، كما لا يخفى لكانت دلالتها علىٰ الإطلاق واضحة؛ فإنّ المناط في بطلان الشرط تحليل الحرام و بالعكس؛ سواء كان من الكتاب، أو غيره.

______________________________

(1) عدّة الأُصول: 61/ السطر 5.

(2) لاحظ قاموس الرجال 8: 355 (غياث بن كلوب).

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 35

بحوث حول أخبار المسألة
البحث الأوّل حمل الأخبار على الاستحباب
اشارة

قد وردت في أخبارنا روايات كثيرة في الترغيب بالوفاء بالعهود و العدات، و في التحريض و الحثّ عليها «1»، و هذا ممّا يصلح لأن يكون قرينة علىٰ أنّ هذه الأخبار من سنخها، فلا تدلّ علىٰ وجوب العمل علىٰ طبق الشروط وجوباً نفسيّاً شرعيّاً.

و دعوىٰ: أنّ الاستثناء يدلّ على الوجوب، غير مسموعة؛ لإمكان كونه دليلًا علىٰ عدم الوجوب، و يكون شاهداً علىٰ أصل الرجحان و الصحّة الوضعيّة؛ ضرورة أنّه لو كان المستثنىٰ منه وجوب الوفاء بالشرط، لا يلزم الحرمة الوضعيّة في المستثنىٰ.

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): من كان يؤمن باللّٰه و اليوم الآخر، فليف إذا وعد.

الكافي 2: 364/ 2، وسائل الشيعة 12: 165، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 109، الحديث 2.

عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال:. أوفوا بعهد من عاهدتم.

وسائل الشيعة 15: 223، كتاب

الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 14، الحديث 14.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 36

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ استفادة الوجوب في جانب المستثنىٰ منه، تكون لأجل الصحّة و التعهّد، فيكون لازم الوفاء، و إذا لم يكن لازم الوفاء في جانب المستثنىٰ فهو لأجل فقد الصحّة.

و فيه ما لا يخفىٰ؛ فإنّ نفي الوجوب أعمّ، بخلاف إثباته.

و بالجملة: لو كانت هذه الطائفة من الأخبار الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ دليلًا علىٰ الوجوب التكليفيّ، فالظاهر نفي الوجوب، و هذا باطل بالضرورة؛ ضرورة أنّ ظاهرها إبطال الشروط في ناحية المستثنىٰ، فيكون هو دليلًا علىٰ أنّ في جانب المستثنىٰ منه أيضاً تكون الأخبار بصدد إفادة المعنى الوضعيّ؛ و أنّه لازم بلزوم عقلائيّ. و أمّا النفسيّ المولويّ فهو غير ثابت، فلا يستفاد إلّا الخيار عند التخلّف، كما هو المساعد عليه الاعتبار. هذا في شرط الفعل.

و أمّا في شرط النتيجة، فبناءً علىٰ صحّته يكون الوفاء لازماً؛ نظراً إلىٰ لزوم الغصب الممنوع تكليفاً. و ربّما يشعر إلىٰ أنّه حكم إرشاديّ، أخذ عنوان «المؤمن» و «المسلم» كما لا يخفى. و مجرّد كون القضيّة الخبريّة آكد و أظهر في الوجوب، لا يكفي بعد تلك القرينة، بل و القرائن الصالحة.

بقي شي ء: حول بعض الروايات التي يستفاد منها وجوب الوفاء

و هو أنّ مقتضى بعض الأخبار الخاصّة؛ وجوب الوفاء، و منه يعلم: أنّ الوفاء بالشروط واجب شرعاً، و هو المفروغ عنه المسلّم عندهم.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 37

فمنها: ما مرّ من قوله (عليه السّلام)

من شرط لامرأة شرطاً فليفِ لها به «1».

و منها: ما مرّ الإيماء إليه؛ و هو معتبر منصور بزرج، عن عبد صالح قال قلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج امرأة. إلى أن قال: ثمّ بدا له في التزويج بعدُ، فكيف

يصنع؟

فقال

بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل أو النهار؟! قل له: فليفِ للمرأة بشرطها؛ فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: المؤمنون عند شروطهم «2».

و قضيّة التعليل استفادة التكليف من الكبرى الكلّية.

و يمكن دعوى: أنّها في صورة صدورها مذيّلة بالاستثناء، فلها ظهور غير الظهور البدويّ، و في صورة غير مذيّلة، و لا منع من صدورها مرّات مختلفة، فليتدبّر.

و في ذلك الاستدلال نظر واضح؛ ضرورة أنّ هذه الطائفة من الأخبار، معارضة بما وردت في أنّ شرط عدم التزويج خلاف الكتاب و يكون باطلًا «3»، فكونها صالحة لاستفادة الوجوب منها محلّ المناقشة، و يظهر في محلّها تحقيقه، و المشهور علىٰ ترك العمل بها ظاهراً فراجع، و المسألة عندي غير واضحة، و تحتاج إلىٰ مزيد فحص.

و أمّا الإجماع فهو ثابت ظاهراً، إلّا أنّه عليل؛ لاستناد المجمعين إلىٰ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 33.

(2) تقدّم في الصفحة 4 5.

(3) لاحظ وسائل الشيعة 21: 275 277، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 1 و 2 و 6، و: 296 297، الباب 38، الحديث 1 و 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 38

الأخبار و الكبريات أحياناً، و اللّٰه العالم.

و ربّما يؤيّد ما ذكرناه معتبر ابن سِنان قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الشرط في الإماء؛ لا تباع و لا توهب.

قال

يجوز ذلك غير الميراث، فإنّها تورث؛ لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل «1».

و كونه كبرى كلّية مستقلّة بعيد، فيشهد علىٰ أنّ تلك الكبريات بصدد التصحيح و الإبطال.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 67/ 289، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2،

ص: 39

البحث الثاني فيما يستدلّ به على بطلان الشرط المخالف للسنّة
اشارة

قضيّة ما مرّ منّا في تنقيح المسألة، فساد الشرط المخالف و الناقض للقوانين علىٰ الإطلاق؛ من غير حاجة إلىٰ التشبّث بالأُمور الأُخر، إلّا أنّ الأصحاب ركنوا إلىٰ أُمور في توسعة الشرط الفاسد؛ و أنّه أعمّ من المخالف للكتاب و السنّة:

الأوّل: أنّ المراد من «الكتاب» هو معناه اللغويّ

و هو المكتوب الإلهيّ الأعمّ من كونه مكتوباً واصلًا بالقرآن العزيز، أو بطريق آخر من السنّة و غيرها؛ فإنّ الكلّ حكم اللّٰه «1». و حمل «الكتاب» في أخبار المسألة «2» على القرآن، من الاصطلاح المتأخّر، و لم يكن شائعاً إلىٰ حدّ ينصرف إليه، و فيما يشكّ في ذلك بعد كونه نقلًا، يستصحب عدم النقل، و هو من الأصل العقلائيّ، فما دام لم يثبت إرادة المعنى الاصطلاحيّ المتأخّر حدوثاً، يثبت الظهور للمعنى اللغويّ.

و فيه: مضافاً إلىٰ عدم ثبوت بناءٍ من العقلاء، بعد تحقّق المعنى

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 21.

(2) وسائل الشيعة 18: 16 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 40

الاصطلاحيّ المنصرف إليه، و الجهلِ بالتأريخ أنّ أخبار المسألة الصادرة في عصر الأئمّة المتأخّرين، منصرفة إلىٰ المعنى الاصطلاحيّ.

نعم، ما عن الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1» يحتمل الأعمّ، فيدور الأمر بين الأخذ بقاعدة أُصوليّة و هي أنّهما الموجبتان، و يؤخذ بالأعمّ بعد قصور كون الأخصّ مقيّداً له كما نحن فيه.

أم يحمل ما في كلامهم (عليهم السّلام) علىٰ تفسير ما في كلامه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) المرويّ من طرق العامّة «2»، و هكذا النبويّ المرويّ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في طرقنا المصحّحة

من اشترط شرطاً سوىٰ كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز ذلك له،

______________________________

(1) ابن سنان، عن

أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق، قال: ليس ذلك بشي ء، إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّٰه فلا يجوز ذلك له و لا عليه.

تهذيب الأحكام 7: 373/ 1508، وسائل الشيعة 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.

(2) هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق في كلّ عام أوقيّة فأعينيني فقالت: إن أحبّوا أن أعدّها لهم و يكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت من عندهم و رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) جالس فقالت: إنّي قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلّا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فأخبرت عائشة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: خذيها و اشترطي لهم الولاء فإنّما الولاء لمن أعتق، ففعلت عائشة ثمّ قام رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الناس، فحمد اللّٰه و أثنى عليه ثمّ قال: ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّٰه، ما كان من شرط ليس في كتاب اللّٰه فهو باطل و إن كان مائة شرط، قضاء اللّٰه أحقّ و شرط اللّٰه أوثق و إنّما الولاء لمن أعتق.

صحيح البخاري 3: 376، كتاب الشروط، الباب 600، الحديث 930.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 41

و لا عليه «1»

و يكون حمله علىٰ معناه اللغويّ في عصره (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قريباً؛ لعدم نزول جميع القرآن، و ذلك الحمل لأجل

أنّه لو كان المراد في كلامه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أخصّ يكون التفسير المذكور من الخيانة، كما لا يخفى.

و الذي ربّما يخطر بالبال: أنّه لو كان المراد من «الكتاب» في لسان الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو الحكم، و في لسان الأئمّة (عليهم السّلام) هو القرآن، يلزم التعارض، و لا يكونان من المثبتين، و تصير النتيجة تقييد العموم في لسانه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بما في لسانهم (عليهم السّلام).

هذا مع أنّ الظاهر من خبر بُرَيرة؛ أنّ المراد من «كتاب اللّٰه» هو القرآن؛ لقوله

فما كان من شرط ليس في كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فهو باطل

و لو كان المراد من «الكتاب» هو الحكم المكتوب، لما كان وجه لكلمة

في

كما لا يخفى.

و توهّم: أنّ فيه

و الولاء لمن أعتق

و هو ليس في الكتاب، بل مخالف له؛ لأنّ الإرث للوارث، دون العتق، فاسد؛ لأنّه ربّما يكون ناظراً إلىٰ أنّ العبد لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ «2» فيكون شاهداً علىٰ أنّ ما للعبد هو لمولاه و الولي هو معتقه لأنّه لا عتق إلّا عن ملك، فتأمّل تعرف.

و من المصحّح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أيضاً هو الحكم الموجود في القرآن؛ لأنّ له صدراً يشتمل علىٰ أحكام كلّها مذكورة في الكتاب العزيز.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 373/ 1508، وسائل الشيعة 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.

(2) النحل (16): 75.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 42

الثاني: التصريح بالسنّة في الأخبار

إنّ في جملة من الأخبار تصريح ب

السنّة

كمعتبر محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السّلام): أنّه قضىٰ في رجل تزوّج امرأة، و أصدقته هي، و اشترطت عليه أنّ بيدها الجماع

و الطلاق.

قال

خالفت السنّة، و وليت حقّا ليست بأهله

فقضى أنّ عليه الصداق، و بيده الجماع و الطلاق، و ذلك السنّة «1».

و في نسخة الشيخ

أنّ على الرجل النفقة «2».

و كمرسلة ابن فضّال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في امرأة نكحها رجل، فأصدقته المرأة، و شرطت عليه أنّ بيدها الجماع و الطلاق، فقال

خالف السنّة، و ولى الحق من ليس أهله

و قضى أنّ على الرجل الصداق، و أنّ بيده الجماع و الطلاق، و تلك السنّة «3».

و كمرسلة مروان بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟

قال: فقال لي

ولّى الأمر من ليس أهله، و خالف السنّة، و لم يجز

______________________________

(1) الكافي 5: 403/ 7، الفقيه 3: 269/ 1276، وسائل الشيعة 21: 289، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 29، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 7: 369/ 1497.

(3) الكافي 5: 403/ 7، وسائل الشيعة 22: 98، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 42، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 43

النكاح «1».

و يظهر المناقشة في كون المراد من

السنّة

هي السنّة الاصطلاحيّة: بأنّه اصطلاح خاصّ. مع أنّ الأمثلة من أحكام اللّٰه في الكتاب، و قد تعارفت السنّة استعمالًا في القرآن العزيز.

و بالجملة: لا يتمّ هذا الوجه لاستفادة الأعمّية.

و دعوىٰ: أنّ مرسلة الغنية «2» لاجتماع الكتاب و السنّة فيها تشهد على الأعمّية، غير مسموعة لإرسالها، فلا تخلط.

الثالث: الإجماع و الاتفاق المفروغ عنه

و فيه: أنّه معلّل بما في هذه الأخبار القابلة للاستناد، كما ترى.

الرابع: إلغاء الخصوصيّة

إلغاء الخصوصيّة تارة من الأخبار المشتملة على الكتاب؛ بأنّ المخالفة للحكم الثابت بالكتاب ليست لها الخصوصيّة عرفاً.

و أُخرى: بأنّ أخذ

السنّة

في هذه الطائفة موضوعاً، يشهد علىٰ أنّ ما هو الموضوع هو الحكم بما هو حكم؛ لأنّه السنّة، و أمّا سائر

______________________________

(1) الكافي 6: 137/ 4، تهذيب الأحكام 8: 88/ 301، وسائل الشيعة 22: 93، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شروطه، الباب 41، الحديث 5.

(2) الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب و لا سنّة» الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 44

خصوصيّات الحكم الثابت بالكتاب ككونه معجزاً، و وحياً، و غير ذلك فهي ملغاة لأجل ذلك.

هذا مع أنّ في هذه الأخبار إبطال الشرط؛ لكون المشروط له تولّىٰ ما ليس حقّا له، و ليس له أهلًا، و هذا أعمّ كما هو الواضح.

و أنت خبير: بأنّ ما يثبت بالكتاب العزيز قطعيّ الصدور، بخلاف غيره، إلّا ما ثبت بالسنّة القطعيّة، و هو نادر في باب الشروط العقلائيّة المخالفة. و كون الكتاب محترماً بين المسلمين و في الإسلام، يوجب هذه المزيّة.

و أمّا الأخبار الظنّية فلا تقاس بالظواهر الظنّية؛ فإنّ حجّية الظواهر أقرب إلىٰ الواقع، بخلاف حجّية خبر الواحد مثلًا، و لا سيّما مع ما يتوجّه إليه من المبعّدات المحرّرة في الأُصول جدّاً، فلا يقاس الحكم الثابت بالقرآن عزّ شأنه، بما يثبت بالخبر الواحد المتكفّل له عامّي فطحيّ، كما لا يخفىٰ.

و أمّا قضيّة تولية ما ليس أهلًا له أو حقّا له، فهو ليس أعمّ؛ لأنّ من الممكن أن لا يكون أهلًا لتولّي ما ثبت بالقرآن عزّ اسمه، دون غيره؛ لما

أُشير إليه، فما أفاده المحقّق الوالد وجهاً للأعمّية «1»، غير واضح سبيله.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 152 156.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 45

الخامس: الاستدلال بآية مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
اشارة

ما خطر بالبال هو أن يقال: إنّ كلّ شي ء ثبت بالسنّة النبويّة أو العلويّة أو غيرهما لأجل كونها واحداً عندنا يكون واحداً في الحكم، و كلّ ما ثبت من ناحية الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فالشرط المخالف له شرط مخالف للكتاب الإلهي؛ لما فيه مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «1» فعلى هذا كلّ شرط خالف السنّة يكون مخالفاً للقرآن عزّ قائله، فالتوسّل بأدلّة الشروط لتنفيذها غير صحيح.

بقي شي ء: في تعارض الآية و الأخبار

و هو أنّ ممّا أتى به الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

المؤمنون عند شروطهم «2»

فيجب الأخذ به، و من وجوب الأخذ به يلزم عدم وجوب الأخذ بما يشترط في طيّ العقد علىٰ خلاف قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، فيدور الأمر بينهما، فلا يثبت به ما هو المطلوب هنا.

اللهمّ إلّا أن يقال بالانصراف، و أنّ الأمر يدور بين طرح جميع ما ثبت بالسنّة، و طرح هذه السنّة خصوصاً، و لا ريب في تعيّن الثاني، فتأمّل جيّداً.

______________________________

(1) الحشر (59): 7.

(2) تقدّم في الصفحة 4 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 46

البحث الثالث هل المناط عدم كون الشرط مخالفاً للكتاب أم يشترط كونه موافقاً له؟
اشارة

حول النظر إلىٰ مفاد المستثنيات الواردة في هذه الأخبار؛ و أنّه هل يعتبر أن لا يكون الشرط مخالفاً للكتاب، أو يشترط أن يكون الشرط موافقاً للكتاب، أو يكون مخالفة الكتاب مانعاً عن نفوذ الشرط؟ وجوه و احتمالات.

و هناك احتمال رابع: و هو أنّه لا يعتبر كلّ واحد من هذه العناوين بالحمل الأوّلي، بل الميزان هو الأمر الخارجيّ: و هو أن يشترط في ضمن العقد ما هو ليس في الكتاب؛ من غير النظر إلىٰ مفاهيم الموافقة و المخالفة، أو غير المخالف، أو يشترط في طيّه ما يناقض الكتاب و يضادّه بالحمل الشائع.

و إنّما أُخذت العناوين مشيرة إلىٰ ذلك، فلا يدور الأمر مدار هذه العناوين حتّى يرجع عنوان «الموافقة» إلىٰ عدم المخالفة، أو غير ذلك ممّا يصنع به في الأخبار الواردة في حجّية الخبر الواحد؛ على اختلاف ألسنتها البالغة إلىٰ خمسة «1»، أو الأخبار الواردة في علاج

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 431 439.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 47

المتعارضين «1».

حول إمكان كون المناط عدم المخالفة للكتاب إثباتاً

و بالجملة: قبل الخوض فيما هو مورد النظر إثباتاً، لا بأس بالإشارة إلىٰ نكتة ثبوتيّة: و هي أنّه ربّما يقال: بأنّ اشتراط أن لا يكون الشرط مخالفاً للكتاب، غير جائز ثبوتاً، و لأجله ترى في كلمات القوم (رحمهم اللّٰه) و متونهم، اعتبارَ اشتراط أن لا يكون الشرط مخالفاً للكتاب؛ و ذلك لامتناع تصوير المانعيّة في الأُمور الاعتباريّة و الموضوعات الاختراعيّة، بخلاف المسائل التكوينيّة؛ ضرورة أنّ الرطوبة تمنع عن تحقّق الإحراق، بخلاف الحرير، فإنّه لا يمنع عن تحقّق الصلاة بعد القول بالأعمّ، فلا بدّ و أن يرجع مانعيّة الحرير إلىٰ شرطيّة العدم؛ حتّى لا ينطبق المأمور به علىٰ المأتيّ به، فيكون فاسداً.

و من الغريب ما ذهب

إليه أخيراً الوالد المحقّق مدّ ظلّه من إمكانه بحسب المصالح و المفاسد، أو بحسب الادّعاء!! فإنّه غير خفيّة ممنوعيّته؛ ضرورة أنّ إطلاق الدليل متّبع، و سعة الموضوع له مورد النظر، و لا منع من الادّعاء شرعاً، إلّا أنّه لا دليل عليه، و لا يساعد عليه ظواهر المانعيّة مثلها كما لا يخفىٰ، و تفصيله في محلّه.

و أمّا فيما نحن فيه فاعتبار المانعيّة ممّا لا بأس، و لا يقاس ما نحن فيه بمثل المركّبات الاختراعيّة؛ ضرورة أنّ من الأُمور اللازمة لصحّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 48

الشرط، تنفيذَ الشارع، فلو اعتبر المخالفة مانعاً فلا تنفيذ في مورد الشرط، و لا يدور الأمر هنا مدار كون الموضوع له أعمّ، فكون المخالفة مانعاً يرجع إلىٰ عدم إمضاء الشرع الشرط المخالف.

ففرق بين المانعيّة هنا، و المانعيّة في باب الصلاة؛ فإنّ المانعيّة هناك اعتبرت علىٰ وجه تمنع عن تحقّق المأمور به، و الصلاةِ خارجاً، و المانعيّة هنا اعتبرت علىٰ وجه تمنع عن نفوذ الشرط، لا تحقّقه، فلا تخلط و اغتنم.

بقي كلام: حول إمكان الجمع بين تلك الاحتمالات الأربعة

و الذي لا يرتاب فيه: أنّه لا يجتمع الاحتمال الرابع مع واحد من الاحتمالات الثلاثة؛ لأنّ قوامه بطرح عنوان «الموافقة» أو «المخالفة» و أنّ النظر ليس إلىٰ صدق شي ء من هذه المفاهيم، حتّى يقال بصدق «المخالفة» في صورة كون الشرط مبايناً لما في الكتاب.

و أمّا إذا كانت النسبة بينهما الأعمّ و الأخصّ، فلا تصدق «المخالفة» عرفاً في محيط التشريعيّات؛ و إن كانت تصدق في محيط آخر ضرورة، و هكذا.

و أمّا الثلاثة الأُخر، فبحسب مقام الثبوت يمكن الجمع بين كون الموافقة شرطاً، و المخالفة مانعاً؛ أي أنّه في صورة

وجود الحكم في الكتاب كحرمة شرب الخمر يكون كلّ غير صادق، فيلزم بطلان الشرط المذكور للجهتين: المخالفة المانعة، و عدم الموافقة التي

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 49

هي شرط نفوذ الشرط.

و في صورة عدم وجود الحكم في الإسلام، يلزم بطلانه لجهة واحدة: و هي فقد الشرط، و هي الموافقة.

كما يلزم بطلانه في صورة الجهل بالحكم في الإسلام؛ لأنّ شرط نفوذ الشرط هي الموافقة، فلا بدّ من إحرازها، مثلًا إذا اشترط في ضمن العقد شرب التتن، و كان شرط نفوذ الشرط موافقة الكتاب و الحكم، فإنّه لا دليل علىٰ نفوذه، و لا معنى للتمسّك بالمطلقات و العمومات الأُخر؛ بعد ورود تلك الاستثناءات المفيدة شرطيّة الموافقة للكتاب في النفوذ.

و أمّا دعوى: أنّ الموافقة أعمّ من الموافقة للأحكام الواقعيّة و الظاهريّة، فهي مشكلة، و لا سيّما على القول بانحفاظ الحكم الواقعي الجدّي في مرحلة الحكم الظاهريّ، كما لا يخفى.

إن قلت: يكفي اشتراط الموافقة عن مانعيّة المخالفة؛ لأنّ في موارد المخالفة ليست الموافقة حاصلة، فتلزم اللغويّة في جعل المانعيّة.

قلت: يجوز أن يكون المجعول أوّلًا هي المانعيّة، ثمّ الشرطيّة، و لا يلزم منه إلغاء المانعيّة، بل يجوز إلغاء الشرطيّة الموافقة في موارد اتفاق الجهتين. بل لا يلزم منه ذلك بعد كون الثاني الأعمّ قانونيّاً.

نعم لو قلنا: بأنّ الموافقة و المخالفة باعتبار الأحكام الموجودة في الكتاب، فإذا لم يكن حكم في الكتاب فلا موافقة، و لا مخالفة؛ لأجل انتفاء الموضوع، و هو خلف، فاشتراط الموافقة بعد فرض وجود الحكم في الكتاب، و هكذا جعل المانعيّة، فعندئذٍ يشكل الجمع بينهما؛

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 50

لما يكفي جعل أحدهما علىٰ أيّ تقدير عن الآخر.

كما يكون الأمر كذلك في جعل

شرطيّة عدم المخالفة، و جعل مانعيّة المخالفة.

و في بالي: أنّ في «الجواهر» تجويز الجمع بين مانعيّة لبس الحرير، و شرطيّة عدم لبسه.

و توهّم ظهور الثمرة في موارد الشكّ و جريان الأصل، لا ينفع هنا؛ لأنّ استصحاب عدم وجود المخالف و المانع و لو كان يجري، إلّا أنّه بعد كون مقتضى الدليل الاجتهاديّ موافقة الكتاب و شرطيّة لبس الحرير، فلا يفيد تقدّمه عليه؛ ضرورة أنّ المفروض اعتبارهما معاً، فليتدبّر جيّداً.

و أمّا حديث عدم الملكة و العدم المطلق، فله موقف في البحوث العقليّة أجنبيّ عن المسائل الاعتباريّة.

ما يستفاد من الأدلّة
اشارة

إذا تبيّن ذلك، فلا بدّ من النظر إلىٰ الأدلّة بحسب مقام الإثبات و ما هو مورد التصديق:

اعلم: أنّ المستثنىٰ في الأخبار علىٰ طوائف:

الطائفة الأُولىٰ: ما يكون ظاهراً في مانعيّة المخالفة للصحّة و النفوذ

فمنها: معتبر ابن سِنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

المسلمون عند

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 51

شروطهم، إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز «1».

و منها: ما مرّ من ابن سِنان أيضاً، إلّا أنّه ليس بشكل الاستثناء و قال

لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل «2».

و في رواية أبي المعزى، عن الحلبيّ، و هو أيضاً ليس بشكل الاستثناء، و قال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

و إن كان شرطاً يخالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فهو ردّ إلىٰ كتاب اللّٰه عزّ و جلّ.

الحديث «9».

و من هذه الطائفة ما مرّ من الأخبار المشتملة على السنّة و مخالفتها «8».

الطائفة الثانية: ما يستفاد منها اعتبار الموافقة

فمنها: معتبر ابن سِنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّٰه فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 22/ 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

(2) سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الشرط في الإماء لا تباع و لا توهب، قال: يجوز ذلك غير الميراث، فإنّها تورث لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل.

تهذيب الأحكام 7: 67/ 289، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 3.

(9) الكافي 5: 258/ 1، تهذيب الأحكام 7: 25/ 107، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 4.

(8) تقدّم في الصفحة 42 43.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 52

عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّٰه عزّ و جلّ- «1».

الطائفة الثالثة: ما دلّت على اعتبار وجود الشرط في الكتاب

أي ما تشهد علىٰ أنّ العبرة ليست بمفهوم الموافقة أو المخالفة؛ حتّى يقع فيه الخلاف، بل العبرة بالحمل الشائع؛ و هو لزوم كون الشرط ممّا يوجد في كتاب اللّٰه.

فمنها: رواية حكاية بُرَيْرة السابقة، و فيها قال

ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّٰه؟! فما كان من شرط ليس في كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فهو باطل، قضاء اللّٰه حقّ، و شرطه أوثق، و الولاء لمن أعتق «2».

و منها: مصحّح نبويّ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

من اشترط شرطاً سوىٰ كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز ذلك له، و لا عليه «3».

و الظاهر منه أنّه لا بدّ و أن يكون الشرط ممّا يوجد في الكتاب، فلو كان خارجاً عنه فلا يصحّ؛ من غير النظر إلىٰ الموافقة أو المخالفة بحسب

مقام الصدق و المفهوم.

______________________________

(1) الكافي 5: 169/ 1، تهذيب الأحكام 7: 22/ 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 40 من طرق العامّة، و لاحظ دعائم الإسلام 2: 247/ 935، مستدرك الوسائل 13: 300، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 5، الحديث 2، و 15: 31، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 36، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 7: 373/ 1508، الإستبصار 3: 232/ 836، وسائل الشيعة 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 53

الطائفة الرابعة: ما يدلّ على بطلان الشرط المحلّل للحرام

منها خبر إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام)

أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يقول.

و قد مرّ، و في ذيله

إلّا شرطاً حرّم حلالًا، أو أحلّ حراماً «1».

و الظاهر منه بدواً؛ أنّ الشرط الذي تكون نتيجته تحليل الحرام و بالعكس باطل، أو غير واجب الوفاء به؛ لكونه خارجاً عن العمومات، فيكون باقياً علىٰ حاله من الحرمة و الحلّية الأوّلية الذاتيّة.

و من هذه الطائفة ما ورد عن محمّد بن عليّ بن الحسين قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

البيّنة على المدّعى، و اليمين على المدّعىٰ عليه، و الصلح جائز بين المسلمين، إلّا صلحاً أحلّ حراماً، أو حرّم حلالًا «2».

النظر حول الطوائف الأربع
اشارة

و إليك نبذة من الأنظار حولها على الترتيب:

النظر الأوّل:

إنّ الطائفة الرابعة غير حجّة بعدُ و الطائفة الثالثة المشتملة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 33.

(2) الفقيه 3: 20/ 52، وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح، الباب 3، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 54

علىٰ حكاية بريرة عامّية، و مصحّح نبويّ لمكان كون الصدر مشتملًا على الأحكام الثلاثة الموجودة في الكتاب لازمه كون العبرة بوجود الشرط في الكتاب، إلّا أنّه لا معنى لأن يراد منه جواز اشتراط ارتكاب المحرّم في الكتاب؛ لكونه في الكتاب، فيرجع إلىٰ أنّه لا بدّ و أن يكون في الكتاب، و لا يختلف حينئذٍ بين أن يكون موافقاً، أو مخالفاً بحسب المفهوم؛ لعدم الفرق بينهما بعد لزوم كونه في الكتاب، فإنّه طبعاً يكون موافقاً و غير مخالف بالضرورة.

و أمّا الطائفة الثانية، فالظاهر أنّها ليست إلّا رواية واحدة، و لا مفهوم لها؛ لأنّها ليست مشتملة على الحصر و أداته، و لا بأس بكون الشرط الموافق نافذاً، و أمّا غير الموافق الذي هو غير المخالف فهي ساكتة عنه.

و دعوىٰ: أنّ قضيّة المفهوم لكونه في مقام التحديد هو اعتبار الموافقة في نفوذ الشرط، غير تامّة؛ لأنّ في صدر معتبر عبد اللّٰه بن سِنان السابق «1» ما ينافي كون الذيل في مقام التحديد؛ لظهور قوله (عليه السّلام) علىٰ نعت القضيّة الشرطيّة في أنّ الشرط إن كان مخالفاً لكتاب اللّٰه فلا يجوز، و نتيجة ذلك أنّ الشرط الغير المخالف نافذ، و علىٰ هذا يشكل استفادة المفهوم من الطائفة الثانية.

و تصير علىٰ هذا خلاصة الكلام: أنّ المانعيّة لنفوذ الشرط ثابتة لعنوان «المخالفة للكتاب» و أمّا إذا لم تكن مخالفة سواء كان بانتفاء

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 50 51.

الخيارات

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 55

المحمول، أو الموضوع فلا منع من صحّته و نفوذه؛ لإطلاق العمومات و البناءات العقلائيّة.

النظر الثاني:

إنّ الطائفة الرابعة لمكان كونها مورد العمل حجّة، و المعارضة المتوهّمة المانعة عن حجّيتها حسبما أفاده الشيخ في «العدة» بالنسبة إلىٰ روايات غياث بن كلوب «1» قابلة للدفع؛ و ذلك لأنّ الجملة المستثناة تحتمل وجوهاً من الاحتمالات، إلّا أنّ تحريم الحلال واقعاً غير ممكن، و بالعكس، سواء استند ذلك إلى الشارط، أو إلىٰ نفس الشرط، كما في تحليل الكلام و تحريمه. و التحريم الصوريّ ممكن إذا أُريد منه التشريع، كما أنّ التحريم الجدّي ممكن إذا أُريد به مثل ما يراد به في النذور و الايمان، كما قال اللّٰه تعالىٰ يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ «2».

و علىٰ هذا، يجوز أن يكون الخبر أجنبيّا عمّا هو مورد البحث، فإنّ الشرط المخالف أو الموافق هو الشرط بالنظر إلىٰ الكتاب، و حكم اللّٰه صوريّاً ممّا لا يعقل لمن يعتقد بأحكام اللّٰه أن يترشّح منه الجدّ إلىٰ الشرط المذكور بعد الإذعان بأنّه غير نافذ. و أمّا تحليل الحرام و عكسه علىٰ نفسه، فهو ممكن؛ لما يمكن أن يكون له في ذلك غرض عقلائيّ،

______________________________

(1) عدّة الأُصول: 61/ السطر 5.

(2) التحريم (66): 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 56

فالأوّل باطل من جهة المخالفة، و الثاني باطل من جهة كونه محلّلًا و محرّماً جدّاً و واقعاً، و إذا كان صوريّاً فيبطل لعدم الاقتضاء.

و أمّا الطائفة الثاني، فيجوز أن يكون ذيل معتبر ابن سِنان قانوناً كلّياً ذا مفهوم، و يكون الشرط في الصدر لمكان كونه غير موافق باطلًا، و إن كان مخالفاً فتلزم المعارضة بين خبري ابن سِنان «1»

و الطائفتين: الاولىٰ، و الثانية؛ لظهور الحصر في أنّ الشرط الباطل هو الشرط المخالف.

و توهّم: أنّ الشرط غير الموافق مخالف، فيجمع بين الطائفتين؛ لأنّ النسبة بين المفهومين العدم و الملكة، و المفروض في الشرط غير الموافق وجود الموضوع، في غير محلّه، كما تحرّر في الأخبار العلاجيّة «2»، و في مسألة حجّية الخبر الواحد «3».

نعم، يمكن دعوى: أنّه مضافاً إلىٰ أقوائيّة مفهوم الحصر من احتمال كون الطائفة الثانية في التحديد، أنّ مانعيّة المخالفة منصوص عليها، و أمّا شرطيّة الموافقة فلا تنصيص عليها، بل هي مجرّد ظهور، فيكون الأوّل مقدّماً.

و أمّا التفصيل بين موارد مفهوم الحصر: بأنّه في مثل

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس «4»

يستفاد الحصر إذا كان بينه و بين الخبر الآخر، عموماً من

______________________________

(1) تقدّما في الصفحة 50 51.

(2) لاحظ التعادل و الترجيح، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 182.

(3) تحريرات في الأُصول 6: 435.

(4) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، أنّه قال: لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود.

الفقيه 1: 225/ 991، وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 57

وجه، و أمّا إذا كان بينهما العموم المطلق فلا، فلو ورد «لا تعاد الصلاة إلّا من السبع» يجمع العرف بينهما، و يتعاملون معهما معاملة المثبتين، و فيما نحن فيه تكون النسبة عموماً مطلقاً، فهو و إن كان غير بعيد، إلّا أنّه فيما نحن فيه ليس من المطلق و المقيّد العنوانيّ.

و لو صحّ ما قيل، فهو في مثل «لا يكرم إلّا العالم» و قوله «لا يكرم إلّا العالم العادل» و أمّا في مثل المقام فيشكل.

و غير خفيّ: أنّ

الشرط لو كان عنوان «الموافقة» فاشتراط ترك صلاة الليل أو الغسل يوم الجمعة، يعدّ باطلًا، بخلاف ما إذا كانت المخالفة مانعاً، أو عدم المخالفة شرطاً؛ ضرورة أنّه لا يصدق عرفاً أنّ اشتراط عدم الغسل مخالف، فتأمّل جيّداً.

النظر الثالث:

الذي يخطر بالبال؛ أنّ المشكلة تنحلّ بمراجعة البناءات العرفيّة حسبما عرفت، و قد تبيّن أنّ عناوين «الموافقة» و «المخالفة» يجوز إلغاؤها؛ لما في بعض الأخبار من الشاهد عليه، كما مرّ، و أنّ المخالفة بالحمل الشائع تمنع عن صحّة الشرط، و توجب خروجه عن الشروط الصالحة عرفاً، و أنّ نقض القوانين الإلزاميّة غير ممكن

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 58

بأدلّة الشروط.

و هكذا القوانين الوضعيّة فإنّ الشرط المنتهى إلىٰ خلاف ذلك الوضع باطل، و تحليل الحرام الوضعيّ و عكسه أيضاً ممنوع؛ حسب خبر ابن عمّار «1»، لأعميّة الحلّية و الحرمة من الوضع و التكليف. و وجه ممنوعيّته أنّه مخالف و مضادّ للقانون.

فتحصّل لحدّ الآن: أنّ المدار على المخالفة؛ بمعنى كون الشرط مضادّاً للقانون التكليفيّ أو الوضعيّ؛ من غير النظر إلىٰ عنوان «المخالفة» فضلًا عن عنوان «الموافقة».

بقي شي ء: حكم الالتزام المخالف للكتاب
اشارة

و هو أنّ العبرة في بطلانه بلا إشكال؛ بأن يكون ما هو الملتزم به و المشترط، مضادّاً و مخالفاً لقانون الكتاب و السنّة، و لحكم اللّٰه تعالىٰ، فلو شرط خياطة الثوب مثلًا فهو أي الملتزم به موافق، و ليس مضادّاً، و هكذا لو كان الملتزم به من قبيل النتيجة، كما لو شرط أن يكون داره لزيد. و أمّا إذا كان الملتزم به مضادّاً كما إذا شرط أن يصوّر له صورة، و يخلق له خلقاً متجسّماً، أو يكون له الخمر الكذائيّة، و هكذا فإنّه مضادّ.

و أمّا إذا كان نفس الشرط و الالتزام مخالفاً، كما لو التزم ترك الغسل المستحبّ، و صلاة الليل، أو التزم ترك التسرّي، و غير ذلك من

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 33.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 59

التكليفيّات و الوضعيّات، فهل هو أيضاً باطل على الإطلاق،

أو صحيح على الإطلاق، أو يفصّل في المسألة لصحّتها حسب القواعد، و يكون البطلان تابعاً للأدلّة الخاصّة، كما احتمل في روايات دلّت علىٰ بطلان شرط التسرّي و التزويج؟

فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: فيما هو قضيّة القواعد

فربّما يقال: إنّ ما هو الباطل هو الالتزام المخالف؛ سواء كان منشأ مخالفته نفس ذات الالتزام، كما في الأمثلة المذكورة، و في جميع المستحبّات و المكروهات؛ إذا التزم المشروط عليه تركها و فعلها، فإنّ ذلك التزام خلاف الكتاب؛ ضرورة أنّ المستحبّ يجوز تركه حسب الكتاب، و المكروه يجوز فعله، أو كان منشأه ممنوعيّة الملتزم به، فإنّ الالتزام أيضاً مضادّ للكتاب عرفاً.

و فيه أوّلًا: كون الالتزام في الصورة الثانية خلاف الكتاب، مبتنٍ علىٰ مقدّمة خارجيّة ممنوعة أُشير إليها سابقاً.

و ثانياً: أنّ المنصرف من كلمة «الشرط» في المستثنىٰ منه هو الملتزم به، فلو شرط خياطة الثوب فعليه الوفاء به، أو يكون المؤمن و المسلم عنده، فإنّ معناه أنّ عليه أن يجعله خارجيّاً، و يوجده و يقرّبه مثلًا.

و يؤيّد ذلك نسبة التحريم و التحليل إلىٰ نفس الشرط، و هذا لا

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 60

معنىٰ له إذا أُريد منه الالتزام.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه لا معنى له علىٰ كل تقدير، و لذلك ذكرنا قوّة كونه أجنبيّا عمّا نحن فيه، و تكون الرواية ناظرة إلىٰ أن يشترط على المشروط عليه الإفتاء بغير ما أنزل اللّٰه، فيكون الملتزم به الإفتاء بغير ما أنزل اللّٰه، و هو تحريم الحلال و عكسه، أو تكون الرواية ناظرة إلىٰ أن يكون نتيجة الشرط، تحليلَ الحرام و عكسه.

و علىٰ كلّ حال: لا تدلّ علىٰ أنّ الباطل منحصر بالملتزم به المضادّ للكتاب و السنّة.

و ربّما يمكن أن يقال: إنّ إرادة الشرط المصدريّ

و المشروط و الملتزم به من كلمة «الشرط» غير جائز؛ لعدم الجامع، و لا قرينة على الجامع المجازي. مع أنّه ممنوع في استعمال الألفاظ في القوانين العامّة. كما لا يجوز استعمال الواحد في الأكثر فيها؛ و إن جاز ذاتاً في الأشعار و النثر، كما هو المحرّر في الأُصول «1».

و علىٰ هذا، يتعيّن كون المناط أحد الأمرين؛ لا سبيل إلىٰ أن يراد منه الالتزام المضادّ، فيكون المراد هو الملتزم المضادّ؛ تكليفيّاً كان، أو وضعيّاً.

و الذي هو الأظهر، و هو قابل للتصديق: أنّ أخبار الشرط روايات صدرت لتحريك الناس و الأُمّة إلىٰ إيجاد ما يلتزمون به في طيّ العقد، إمّا بكونه وفاء به؛ بمعنى إيجاده، كخياطة الثوب، أو يكون عملًا علىٰ

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 1: 300 301.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 61

طبقه بتسليم ما عنده، كما في شرط النتيجة، و حيث إنّ ذات الالتزام ممّا لا يعقل التحريك نحوه و البعث إليه؛ لأنّه معنى قد تحقّق و وجد، فعليه يكون حسب الفتوى الملتزم به داخلًا بذاته في هذه الأخبار، و دخول الالتزام غير ثابت. مع أنّ ظاهرهم جواز الالتزام بترك مستحبّ مثلًا، أو فعل مكروه؛ في موارد خاصّة لأغراض عقلائيّة.

و يشبه أمر هذه المسألة أمر الوالدين، حيث

إنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «1»

و أنّ بالشرط أيضاً لا يلزم طاعة المخلوق في معصية الخالق.

و غير خفيّ: أنّ الالتزام الممنوع أعمّ من كون متعلّقه ترك المستحبّ، أو فعل الواجب، أو الترك و فعل المباح و إن لم يكن المباح مجعولًا، فضلًا عمّا إذا كان مجعولًا، فافهم.

و أمّا قضيّة بطلان ترك التسرّي بالشرط، فهو بحث آخر ربّما يرجع البطلان إلىٰ جهة أُخرى، فلا تشهد أخباره

علىٰ ما نحن فيه، و سيمرّ عليك تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

فعلى ما تحصّل إلىٰ هنا إنّه و إن يمكن ثبوتاً استعمال

الشرط

في الأعمّ؛ نظراً إلىٰ أنّ الالتزام المتعلّق بالممنوع يعدّ عرفاً ضدّاً للكتاب، فلا يتمّ ما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه «2» من المناقشة الثبوتيّة،

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 124، وسائل الشيعة 16: 155، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي، الباب 11، الحديث 10.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 162.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 62

و هكذا غيره من الاستعمال المجازيّ، و لكنّه أخصّ إثباتاً، فلا يتمّ ما أفاده الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» نظراً إلىٰ رواية في شرط ترك التسرّي «2»، أو بعض الأخبار الأُخر «3»، فالأقوىٰ هو الحدّ الأوسط من إمكان الأعمّ، و تعيّن الأخصّ استظهاراً.

المقام الثاني: فيما هو قضيّة الروايات

قد وردت روايات دلّت علىٰ بطلان شرط التسرّي و التزويج «4»، و هو مورد فتواهم، فلا بدّ من الخروج عن قضيّة القواعد؛ ضرورة أنّ الملتزم به جائز بأصل الكتاب و السنّة، و إنّما الالتزام ممنوع، فيكون باطلًا.

بل ربّما تشهد هذه الأخبار علىٰ أنّ الالتزام ممنوع علىٰ خلاف الكتاب، و أنّه يمكن الوفاء به؛ لأجل إمكان الوفاء و العمل علىٰ طبق الملتزم به بترك التسرّي خارجاً، فما أُشير إليه أخيراً أيضاً مخدوش بتلك المآثير.

أقول: سيمرّ عليك في ذيل البحث الآتي ما هو التحقيق حول هذه الأخبار إن شاء اللّٰه تعالىٰ. و ما هو الأقرب منها هو المعنى الراجع إلىٰ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 28.

(2) وسائل الشيعة 21: 277، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 6.

(3) يريد بها رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة في الصفحة 33، و مرسلة الغنية المتقدّمة

في الصفحة 43، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 30.

(4) وسائل الشيعة 21: 275 277، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 1 و 2 و 6.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 63

صحّة شرط التسرّي في ذاته، كما وردت في الأخبار الأُخر «1»، و إنّما البطلان وليد الأمر الآخر المخصوص به تلك الروايات، كما أفاده الأُستاذ المحقّق الوالد مدّ ظلّه- «2» فانتظر حتّى حين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 27، كتاب العتق، الباب 12.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 170 171.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 64

البحث الرابع حول ما هو الضابط للشرط المخالف و المضادّ
اشارة

علىٰ وجه لا يلزم منه المناقضة، و يكون جامعاً و مانعاً.

[بيان الضابط]

و قبل الخوض في ذلك، نشير إلىٰ نكتة ورودهم في ذكر الضابط: و هي أنّ المستفاد من أخبار المسألة و لسان طائفة منها؛ أنّ تقييدها و تخصيصها غير جائز عرفاً، لإبائها من ذلك، و في الرواية المعروفة المحكيّة عن كتب العامّة «1» و الخاصّة، كالشيخ «2»، و العلّامة (رحمهما اللّٰه) «3» المتضمّنة لقصّة بُريرة لما اشترتها عائشة قال

ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّٰه عزّ و جلّ-؟!

فإنّها تأبىٰ من تجويز بعض الشروط المخالفة، فلذلك في موارد الإشكال وقعوا في حيص و بيص بتوجيه بعض الموارد، أو الالتزام بالبطلان، أو المناقشة في السند و جهة الصدور، أو بكونها صحيحة غير مخالفة للضابط، أو باطلة و مخالفةً للعمومات دون المستثنيات، و غير ذلك ممّا يأتي في ذيل هذا البحث إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و لعمري، إنّه مجرّد استبعاد، و لا يكون أبعد من صحّة النذر المحرّم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 40.

(2) الخلاف 3: 157، المسألة 249، المبسوط 4: 260.

(3) مختلف الشيعة: 396/ السطر 30، تذكرة الفقهاء 1: 490/ السطر 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 65

في بعض الموارد الواردة فيها الأخبار الخاصّة «1» المفتى بها «2». و مجرّد كون ذلك المورد خاصّاً، و دليل الشرط عامّاً، لا يوجب الفرق.

و أمّا رواية حكاية بُرَيْرة «3»، فهي عندنا غير حجّة شرعاً؛ لعدم ثبوت سند لها، و لا جابر لخصوصها كما لا يخفى.

فعلى هذا، لا تعارض بين المستثنىٰ هنا، و ما ورد في نفوذ شرط الضمان في العارية «4»، مع أنّه علىٰ خلاف الكتاب عندهم، و هكذا في شروط إرث المرأة، مع تعارض شديد بين رواياتهم

«5»، فراجع.

و أمّا دعوى: أنّ الاستثناء يوجب نصوصيّة المستثنىٰ منه في مفاده، فيأبىٰ عن التخصيص، و لا سيّما إذا كان من الاستثناء المنقطع، فهي غير واضحة، و ما نحن فيه من المتّصل، كما هو الواضح، فمع الحصر المستفاد من النفي و الإثبات ربّما يأبىٰ من التقييد، و لكنّه في محيط التقنين أيضاً قابل للمنع؛ لأنّ دليل القيد في محيط التشريع، و إن لا يمنع عن استقرار الظهور للمقيّد، و لذلك يتمسّك به، و لكنّه مع ذلك ليس استقرار الظهور تامّاً لترقّب ذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 11: 326 327، كتاب الحجّ، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 1 و 2 و 3، و 10: 198، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 10، الحديث 7.

(2) جواهر الكلام 18: 122.

(3) تقدّم في الصفحة 40.

(4) وسائل الشيعة 19: 91 و 96، كتاب العارية، الباب 1، الحديث 1، و الباب 3، الحديث 1.

(5) وسائل الشيعة 21: 66 68، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 66

إذا تبيّنت هذه الوجيزة فاعلم: أنّ الأعلام تشتّتوا في تحرير الضابط، و وقعوا فيما هو خارج عن فنّهم، و عن الذي ينبغي، و سيظهر بعض ما هو راجع إلىٰ مقالاتهم إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

في أنّ أحكام كتاب الهّٰر على صنفين

و أمّا الذي يظهر لي؛ أنّ كتاب اللّٰه و أحكامه علىٰ صنفين:

الأوّل: هي الأحكام الإلهيّة السماويّة التأسيسيّة بالتشريع الإسلاميّ، أو كانت في سائر التشريعات، و هي أيضاً تشريع تأسيسيّ هنا.

و الثاني: هي الأحكام العقلائيّة الإمضائيّة الإسلاميّة، كالعمل بالخبر الواحد، و نفوذ اشتراط الخيار في ضمن العقد، و غير ذلك.

فما كان من القسم الأوّل، فالشرط المخالف له يعدّ من مخالف الكتاب، و ممّا ليس في كتاب اللّٰه،

و يكون ضدّاً و نقيضاً له.

و من القسم الثاني لا يكون بحسب الطبع من الشرط المخالف لحكم اللّٰه؛ لأنّه لا حكم للّٰه في تلك الموارد، و سكوت الشرع في قبال الأحكام العرفيّة العقلائيّة، لا يوجب صحّة إسناد تلك الأحكام و الكتاب إلىٰ اللّٰه تعالىٰ.

فعلى هذا، الشرط المخالف للقسم الأوّل سواء كان وضعيّاً أو تكليفيّاً، إيجابيّاً أو ندبيّاً، تحريميّاً أو كراهتيّاً يكون من الشرط المخالف عرفاً للكتاب، و يضادّه و يناقضه، و قد مرّ أنّ العبرة ليست بعنوان «المخالف» مع أنّه يصدق «المخالف» علىٰ شرط ترك المستحبّ، أو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 67

إتيان المكروه.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ترك المستحبّ من الترخيص المستند إلىٰ الكتاب، و هكذا فعل المكروه؛ و إن لم يكن من التكليف حتّى يلزم انحلال المستحبّ إلىٰ الأمرين، أو الواجب إلىٰ الواجب و الحرام، و الحرام إلىٰ الحرام و الواجب، كما قد يتوهّم، فإنّه عندئذٍ يجوز الشرط كما لا يخفى.

و بالجملة: الترخيص في ناحية ترك المستحبّ و فعل المكروه، يكون من الكتاب؛ لأنّ ذلك يستفاد من القرائن الموجودة فيها، فلا يكون الشرط المذكور مخالفاً و مضادّاً، و لا سوىٰ كتاب اللّٰه عزّ و جلّ بل موافق له، كما عرفت.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 68

تنبيهات
التنبيه الأوّل: الشرط المخالف للكتاب في الوضعيات

إنّ الأحكام الوضعيّة سواء كانت من قبيل الأسباب و المسبّبات، أو كانت من قبيل التورّث الذي هو أيضاً نوع من التسبّب، حيث إنّ سبب الإرث موت المورّث في الاعتبار، أو كانت من قبيل ذلك تارة تقع تحت الشرط حصول المسبّب بما هو مسبّب لسببيّة أُخرى غير ما هو المتعارف؛ أي يكون الدار مثلًا مبيعةً و يشملها «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال

البائع»، فهو ضدّ للقانون العقلائيّ. و قد عرفت أنّ أدلّة الشروط، قاصرة عن هدم القوانين المعتبرة عند العقلاء؛ لأجل جهة أُخرى، لا لكونها من الكتاب و خلاف الكتاب الإلهيّ.

و هكذا تورّث المورّث قبل الموت، أو عدم تورّثه بعد موته.

و أمّا كون العين الخارجيّة لزيد بالشرط، و يكون شرط نتيجة قهراً، فهو جائز بناءً علىٰ صحّة شرط النتيجة.

و أمّا جعل الخيار علىٰ خلاف الأمر بالوفاء بالعقود الذي هو من الكتاب، فيكون هو من الشرط المخالف و من الوضعيّات، فهو محلّ إشكال من جهات مرّت في طيّ البحوث السابقة:

منها: أنّ الخيار عندنا لا ينافي اللزوم، بل الخيار هو من الاختيار علىٰ هدم الموضوع، فلا يبقى عقد حتّى يجب الوفاء به.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 69

و منها: أنّ الوفاء بالعقود من الأحكام العقلائيّة الإمضائيّة، و قد حكم العقلاء بجواز اشتراط الخيار من غير كونه مستنداً إلىٰ أدلّة الشروط، فلا يكون نقضاً للقانون العقلائيّ بتلك الأدلّة، بل هو بناء منهم علىٰ صحّة الشرط المذكور من غير حاجة إلىٰ ما قالوه في المسألة، مع ما فيه، كما سيظهر إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

التنبيه الثاني: الشرط المخالف للعمومات

إنّ المراد من «الكتاب و حكم اللّٰه» هو الحكم الجدّي، لا الصوريّ الإنشائيّ، فلو كان الشرط مخالفاً و مضادّاً للعامّ و المطلق، و موافقاً للخاصّ و المقيّد، لا يكون هو من الشرط المخالف، و من نقض القانون بالضرورة، و هذا ممّا لا ينبغي أن يختفي علىٰ أحد.

و إنّما الإشكال في كشف الخاصّ و المقيّد بأدلّة الشروط؛ ضرورة أنّه لو صحّ الشرط في مورد علىٰ خلاف كتاب اللّٰه، فهو يكشف عن عدم كونه من الكتاب في ذلك المورد بالضرورة، فيعلم الموافقة الثبوتيّة؛ و عدم المخالفة و المضادّة،

و أنّه لو صحّ ذلك يلزم جواز شرط المخالفة مطلقاً، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

فعلى هذا، كلّ شرط كان مخالفاً للعامّ في غير مورد التخصيص، أو مخالفاً للخاصّ، و مضادّاً له، و مناقضاً إيّاه، فهو داخل في هذه الأدلّة طبعاً، و مورد حكم العقلاء بعدم النفوذ؛ لأنّه يكشف مع قطع النظر عن الشرط أنّه عامّ مطابق للجدّ و الواقع، و ليس صوريّاً، فالعنوان

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 70

الثانويّ في المقام لا يكون حاكماً على العنوان الأوّلي؛ للزوم لغويّة جعل المانعيّة للشرط المخالف، كما هو الواضح.

التنبيه الثالث: حول بعض الشروط المخالف للكتاب
اشارة

المواضع التي وقعت مورد المناقشة و الإشكال، كلّها قابلة للدفع بعد ما أسّسناه ضابطاً للأمر في المقام، و إليك الإشارة الإجماليّة إليها، و تفصيل كلّ واحد منها إلى الكتاب المتعهّد له في الفقه.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 70

اشتراط ترك التسرّي و التزويج

فمنها: قصّة اشتراط ترك التسرّي و التزويج، فإنّ ذلك جائز في حدّ ذاته؛ لأنّه ليس مخالفاً و مضادّاً للقانون الشرعيّ، و لا العرفيّ الممضى. و إنّما الإشكال هو التوسّل إلىٰ حصول المسبّب بالسبب الأجنبيّ؛ و هو الشرط، ضرورة أنّ أخبار هذه المسألة، ظاهرة في أنّ ما هو الباطل هو حصول الطلاق بالشرط، و قد مرّ أنّه نقض للقانون الممضى، و لذلك وردت روايات دلّت علىٰ جواز شرط ترك التسرّي و التزويج، و أنّه عند التخلّف يعطي شيئاً و درهماً مثلًا «1»، فلو كان نفس ذلك باطلًا، لما كان فرق بين هذه الموارد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 23: 27، كتاب العتق، الباب 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 71

و أمّا ما في «تفسير العيّاشي» «1» فربّما يكون من التقيّة في تطبيق الكبرى على الصغرىٰ، و هو كثير الدور في فقهنا، و قد حكي أنّهم قالوا بنفوذ الشرطين، و يحكمون بوجوب الوفاء به، كما في «كتاب الإجارة» للمحقّق الرشتيّ (قدّس سرّه) «2» مع أنّه لم يثبت عندنا أنّ ما بين أيدينا من التفسير هو ذاك التفسير، و لا سيّما مع ما فيه من الخلط و الاختلاف في الاستنساخ، فراجع أوائل هذا الكتاب المنير، فتدبّر.

و أمّا ما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه-: من احتمال كونه من تطبيق العيّاشي

نفسه «3» فهو خلاف الظاهر، و لا يكفي مجرّد الاحتمال، كما لا يخفىٰ.

اشتراط رقّية ولد الحرّ

و منها: اشتراط رقّية من كان أحد أبويه حرّا، مع أنّه تابع لأشرف الأبوين شرعاً، فهل هو مخالف للكتاب، أم لا، أو تختلف المسالك، كما هو الظاهر؟

و غير خفيّ: أنّ ذلك ليس من الأحكام المخلوط فيها جانب حقوق الناس، حتّى يقال: بأنّ تلك الأحكام تتبدّل بأدلّة الشروط، كما يتبدّل

______________________________

(1) تفسير العيّاشي 1: 240/ 121، وسائل الشيعة 21: 277، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 6.

(2) الإجارة، المحقّق الرشتي: 58.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 172.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 72

كثير من الأحكام بالعناوين الثانويّة الأُخرىٰ؛ ضرورة أنّ استرقاق الولد ليس من حقوق الوالد، و مثله منع الولد عن الإرث، فالحكم بلحوقه بأشرف الأبوين، حكم شرعيّ و قانون تأسيسيّ لا يجوز خلافه بالشرط؛ لأنّه يضادّه و يناقضه، و ليس بين العقلاء حكم من هذه الجهة فيما إذا كان أحدهما حرّا، بل الحكم العقلائيّ رقّية الولد إذا كان الوالد رقّاً، فتأمّل.

اشتراط تورّث المتعة

و منها: اشتراط تورّث المتعة، فإنّه خلاف الكتاب؛ لأنّ ما في الكتاب أوّلًا هو تورّث الزوجة «1»، فالمتعة لو كانت زوجة فتورّث، و ما في السنّة تقييد لما في الكتاب؛ و هو أنّها مستأجرة لا تورَّث «2»، و هذا هو الحكم الجدّي، فلا يكون الشرط نافذاً، و هذا من الأحكام التأسيسيّة الإسلاميّة، فالشرط المناقض معها باطل جدّاً.

نعم، لو كان في الأخبار الخاصّة كما قيل جواز شرط التورّث «3»، فهو من التخصيص بالعنوان الثانويّ الجائز عندنا كما عرفت، فتدبّر.

______________________________

(1) النساء (4): 12.

(2) عن محمّد بن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): لِمَ لا تورّث المرأة عمّن يتمتّع؟ فقال: لأنّها مستأجرة، و عدّتها خمسة و أربعون يوماً.

المحاسن: 330/ 90، وسائل الشيعة 26:

231، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 17، الحديث 4.

(3) وسائل الشيعة 21: 66، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 73

اشتراط الضمان في العارية و الإجارة

و منها: اشتراط الضمان في العارية و الإجارة، فإنّه حسب المشهور جائز في الأُولىٰ «1»، و غير جائز في الثانية «2»، و اختار جمع جوازه في الثانية، كالفقيه اليزديّ «3»، و خالفه في بحث الإجارة سيّدنا الأُستاذ البروجرديّ (قدّس سرّه) «4» و التفصيل من جهات خاصّة، محرّرة عندنا في كتابنا في الإجارة «5».

و أمّا نفوذ الشرط، فقد يظهر من الوالد المحقّق مدّ ظلّه حلّ هذه المشاكل كلّها؛ لأنّ الشرط المخالف للعامّ و الموافق للخاصّ نافذ؛ لأنّه ليس مخالفاً للكتاب و السنّة «6».

و هذا واضح لكلّ أحد، و إنّما الخلاف في موارد عدم وجود الخاصّ الأوّلي، و قد أُريد تخصيص العامّ الأوّلي بالخاصّ الثانويّ؛ و هو دليل الشرط، و علىٰ هذا يلزم علىٰ رأيه بطلان شرط الضمان في العارية

______________________________

(1) جواهر الكلام 27: 183.

(2) جواهر الكلام 27: 216.

(3) العروة الوثقى 2: 600، كتاب الإجارة، الفصل 4.

(4) تقريرات مباحث الإجارة من آية اللّٰه العظمى البروجردي (قدّس سرّه) التي ألقاها بقم المقدّسة لم يطبع من تلاميذه، فراجع العروة الوثقى مع تعليقة آية اللّٰه العظمى البروجردي: 573، الهامش 1.

(5) كتاب الإجارة من تحريرات في الفقه (مفقود).

(6) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 174.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 74

و الإجارة؛ لعدم دليل خاصّ يدلّ على الضمان فيهما عند الشرط.

نعم، لو كانت الشهرة و الإجماع علىٰ وجه يكشف عن وجود الخاصّ، فلا بأس به، و إلّا فلا بدّ من القول بالبطلان، و إلّا يلزم صحّة جميع الشروط المخالفة،

كما مرّ تفصيله.

و أمّا الأخبار الدالّة خاصّة علىٰ صحّة اشتراط الضمان «1»، فلا تكون هي من قبيل التخصيص بالعنوان الأوّلي، كتخصيص إكرام العلماء بعدم وجوب إكرام فسّاقهم، بل هو ناشئ من دليل الوفاء بالشروط و عمومه، و يكون مندرجاً في المسألة التي مضت، و هو لسان المستثنىٰ الوارد في الأخبار الماضية يأبىٰ من التقييد، فكيف يمكن الجمع؟! و هكذا بالنسبة إلى أخبار اشتراط إرث المتعة مثلًا.

و الذي هو الأظهر و الأقرب: أنّ عدم الضمان في العارية و الإجارة عند عدم الإفراط و التفريط، من الأحكام الإمضائيّة العقلائيّة، و ليس من الكتاب و السنّة حتّى يكون الشرط مخالفاً لما في الكتاب، فيكون الشرط نافذاً من هذه الجهة لولا الإشكال الآخر، فتدبّر.

______________________________

(1) الحلبي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه إلّا أن يكون اشترط عليه.

الكافي 5: 238/ 1، تهذيب الأحكام 7: 183/ 805، وسائل الشيعة 19: 91، كتاب العارية، الباب 1، الحديث 1.

قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان، إلّا الدنانير فإنّها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضماناً.

الكافي 5: 238/ 2، تهذيب الأحكام 7: 183/ 804، وسائل الشيعة 19: 96، كتاب العارية، الباب 3، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 75

و توهّم: أنّه نقض للقانون العقلائيّ؛ و هو عدم الضمان، مندفع بأنّه فرق بين حكم العقلاء بحجّية الخبر الواحد و بالضمان في موارد الإتلاف، و بين سكوتهم عن الضمان في موارد أُخر، و فيما نحن فيه لا يحكمون بالضمان، فلا تخلط، و اغتنم.

اشتراط اختيار الزوجة بالنسبة إلى المكان

و منها: اشتراط كون اختيار المكان إلى الزوجة، أو اشتراط أن لا يخرج

بالزوجة إلىٰ مكان آخر، و بلدة اخرىٰ، و ما يشبه ذلك ممّا يعدّ علىٰ خلاف الكتاب؛ و هو أنّ إطاعة الزوج واجبة على الزوجة.

و فيه منع محرّر في محلّه؛ فإنّ الجماع بيد الزوج، كما في النصوص «1»، و أمّا وجوب إطاعة الزوج في سائر الأُمور فمحلّ منع و إشكال جدّاً، فكونه خلاف الكتاب غير ثابت، و سيظهر حكم الشكّ و مقتضى القاعدة في الآتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

اشتراط حرمة أو بطلان المعاملات

و منها: اشتراط كون البيع حراماً عليه، أو الإجارة باطلة، أو الصلح غير جائز، فالمعروف عندهم بطلانه.

إمّا لأجل أنّه يمتنع ذاتاً، لامتناع تحريم ما أحلّه اللّٰه واقعاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 20: 157، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 79.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 76

أو لأجل أنّه داخل في مستثنى

إلّا شرطاً أحلّ حراماً، و حرّم حلالًا

فيكون باطلًا لهذه الجهة.

و القول: بأنّه ليس في كلماتهم إلّا شي ء واحد؛ و هو عدم كون الشرط مخالفاً للكتاب، و رواية إسحاق بن عمّار «1» راجعة إلىٰ تلك الروايات، و ليست مفيدة الشرط الآخر غير الشرط المذكور، قابل للمنع، و الالتزام بتعدّد الشرط غير بعيد؛ لما مرّ أنّ الأظهر دلالتها علىٰ أنّ هذا الشرط باطل، لكونه راجعاً إلى الإفتاء بغير ما أنزل اللّٰه؛ ضرورة أنّ ظاهر قوله

إلّا شرطاً أحلّ حراماً

يكون هو المعنى المصدريّ؛ أي إلّا أن يشترط عليه إحلال الحرام، و إحرام الحلال.

و ما تخيّله بعض المحشّين من امتناعه الثبوتيّ «2»، في غير محلّه؛ لأنّه تحريم علىٰ نفسه، و تحليل علىٰ نفسه، و لا يكون من التدخّل في محيط تشريع المولى.

و لو كان مفاده شرط الإفتاء المحرّم فإمكانه واضح؛ لأنّه حرام شرعاً بالضرورة، فكيف يكون ممتنعاً؟! و ما

هو الممتنع هو التشريع القلبيّ، لا الإفتاء الصوريّ، فلا تخلط.

______________________________

(1) إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) إنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطاً حرّم حلالًا أو أحلّ حراماً.

تهذيب الأحكام 7: 467/ 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 144/ السطر 25.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 77

أو لأجل أنّه مخالف للكتاب و السنّة. و يظهر لي جوازه؛ لأنّ رواية إسحاق بن عمّار أجنبيّة عن المسألة، مع ما في سندها من التأمّل «1»، و لا يكون حلّية البيع و صحّة الإجارة و جواز الصلح، من الأحكام الإلهيّة التأسيسيّة، فلا يكون بطلانه من هذه الجهات.

نعم، يشكل صحّة الشرط المذكور؛ لكونه نقضاً لقانون العقلاء، و لا دليل من الشرع علىٰ نفوذ الشرط الناقض للقوانين العقلائيّة، و لا إطلاق و لا عموم يعتمد عليه؛ حتّى يستكشف به أنّ الشرع ردع عن الإمضاء في هذه الموارد، فليتأمّل جيّداً.

و غير خفيّ: أنّ اشتراط أن لا يبيع أو لا يستأجر، غير الشرط المذكور؛ فإنّه في الفرض الأوّل، لا يلزم بطلان البيع و نحوه عند التخلّف علىٰ إشكال محرّر في محلّه غير تامّ ظاهراً بخلاف الفرض الثاني، فافهم.

و دعوىٰ: أنّه لا يلزم البطلان مطلقاً؛ لأنّ بالشرط يجب الوفاء؛ و هو العنوان المنطبق على الفعل تارة، أو الترك اخرىٰ؛ مع تسامح، فلا نهي عن المعاملة، و دعوىٰ: أنّ المنهيّ عنها دليل صحّتها، غير تامّتين عندنا:

أمّا الدعوى الاولى؛ فلأنّ الوفاء بالشرط و لو كان في بعض الأخبار، و يستظهر منه أنّ المستفاد من النبويّ هو

الوفاء، إلّا أنّ الوفاء لو كان واجباً، يلزم لزوم القصد حين العمل علىٰ طبق الشرط، مع أنّ الضرورة

______________________________

(1) سنده في تهذيب الأحكام: عنه (أي الصفّار) عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمّار.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 78

قاضية بعدم لزوم القصد، و قد فصّلنا ذلك في محلّه «1»، فما هو اللازم بعد الشرط بحكم العقل؛ هو أن يحقّق المشروط خارجيّاً، أو يمنع عن تحقّقه في الخارج؛ سواء قصد الوفاء بالشرط، أو لم يقصد. هذا في جانب اشتراط فعل شي ء.

و أمّا في جانب اشتراط ترك شي ء، أو ترك البيع، فالعرف ببابك في فهم النهي؛ و أنّ العهدة الحاصلة بالشرط، مبدأ انتزاع نهي النهي عرفاً و عند العقلاء، و التدقيق في ذلك ينتهي إلىٰ إنكار الحكم الشرعيّ رأساً.

و أمّا الدعوى الثانية، فالمحرّر منّا في الأُصول؛ أنّ النهي عن البيع بما أنّه يلازم عدم الرضا به يستلزم فساده «2»؛ لتوقّف صحّته على الإمضاء، و هو ينافي الارتضاء عرفاً؛ و إن كان يمكن الجمع في محيط خارج عن فهم العقلاء، فلا تخلط.

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 152.

(2) تحريرات في الأُصول 4: 363 و ما بعدها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 79

شبهات تشحيذيّة
الشبهة الأُولى: الإشكال في المناط المذكور في كلام الشيخ الأعظم

لو كان المدار في مخالفة الكتاب علىٰ ما ذكره الشيخ (رحمه اللّٰه) و تبعه جمع: من أنّ الأحكام المتعلّقة بالموضوعات، بين ما هي ثابتة على الإطلاق، و بين ما هي ثابتة علىٰ وجه لا يمتنع نفيها بالطوارئ و العوارض اللاحقة، فما كان من قبيل الأوّل فاشتراط خلافه باطل، بخلاف الثاني «1».

و أنت خبير أوّلًا: بأنّ ما ورد في خصوص مثل غسل الجمعة «2» و صلاة الليل «3»، هو

أشدّ و آكد بمراحل ممّا ورد في خصوص ردّ السلام «4»، فكيف يمكن دعوى: أنّ الواجبات من القسم الأوّل، و المستحبّات من القسم الثاني؟! و ثانياً: أنّ ما يثبت به الحكم على الإطلاق، لا يمكن تقييده بالعنوان الأوّلي أيضاً؛ لإبائه منه، و هو غير ملتزم به، فهو يكشف عن أنّ الحكم ثابت في جميع المراحل علىٰ نهج واحد، و لا فرق بين الإطلاقات في الأبواب المختلفة.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 277/ السطر 33.

(2) وسائل الشيعة 3: 311، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة، الباب 6.

(3) وسائل الشيعة 8: 145، كتاب الصلاة، أبواب بقية الصلوات المندوبة، الباب 39.

(4) وسائل الشيعة 12: 57، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، الباب 33.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 80

و ثالثاً: كون الحكم الكذائيّ من قبيل الثاني، و كذا من قبيل الأوّل، ممّا لا سبيل إلىٰ فهمه، و علىٰ هذا يلزم في كثير من الأحكام المخالفة للكتاب جواز الشرط؛ لجريان استصحاب عدم كونه مخالفاً له عندهم، ضرورة أنّه لا فرق بين إجراء الاستصحاب في مورد الشكّ في أصل وجود الحكم المخالف، أو كيفيّة الحكم المنتهية إلىٰ أنّه من المخالف الكذائيّ، أم لا، فلا تغفل.

و لو قلنا: بأنّ الإباحة من الأحكام الإلهيّة، أو قلنا بأنّ قسماً خاصّاً منها من تلك الأحكام، فيلزم أيضاً الشكّ، و قضيّة الأصل المذكور لغويّة النظرية المزبورة؛ لصحّة الشرط في جميع هذه الموارد.

و لو نوقش في جريانه، فمقتضىٰ جواز التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقيّة أيضاً ذلك، كما هو الأقرب عندنا في الأُصول «1».

الشبهة الثانية: حول الشرط المخالف للحجج مع أنّ الظواهر حجج

قد يقال: إنّ الأوامر و النواهي الواردة في الكتاب و السنّة، ليست إلّا حججاً عقلائيّة منجّزة للواقع، و لا يعقل أو لا يكشف بها حكم اللّٰه

تعالىٰ؛ لعدم وجه للكشف بعد تخلّف كثير منها عن الواقع مطلقاً، أو في خصوص موارد التقييد و التخصيص؛ بعد قوّة احتمال وجودها.

فإذا اشترط شرطاً في ضمن العقد علىٰ خلاف ظاهر الكتاب، فكونه من الشرط المخالف للكتاب و السنّة، و المخالف لحكم اللّٰه، غير

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 5: 252.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 81

ثابت، فتصل النوبة إلى التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، أو استصحاب عدم كونه من المخالف بناءً علىٰ جريانه. و حمل ما في الأخبار علىٰ ما هو الظاهر و ما هو القائم عليه الحجّة، غير جائز.

و من الغريب أنّ العلمين: البروجرديّ «1» و والدي المحقّق «2» تمايلا إلىٰ تلك المقالة في الأُصول!! و ذكرنا هناك: أنّهما ممنوعان عن الإفتاء و الإخبار عن حكم اللّٰه «3».

ثمّ إنّ في غير هذه الموارد، أيضاً يحتمل أن يكون الشرط المذكور في طيّ العقد مخالفاً للكتاب، إلّا أنّه غير واصل إلينا.

و دعوى: أنّه محمول علىٰ ما هو الواصل إلى الشارط و المشروط عليه، غير جائزة، كما هو الظاهر.

فلو لم يجز الرجوع إلى العامّ في الشبهة المصداقيّة، أو إلى الاستصحاب المذكور، لانسدّ باب الوفاء بالشرط إلّا في موارد خاصّة؛ لولا بعض المناقشات الآتية، فاصبر حتّى حين.

الشبهة الثالثة: حول تعارض أدلّة الشرط و الأحكام

إنّ في مثل العهد و النذر و اليمين، يعتبر حسب الأدلّة الاجتهاديّة كون متعلّقاتها راجحة، أو غير مرجوحة، و هذا غير معتبر في الشرط.

______________________________

(1) لاحظ نهاية الأُصول: 101 104، 464.

(2) مناهج الأُصول 1: 255 256، و لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 94.

(3) تحريرات في الأُصول 2: 94 97، و 6: 267 268.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 82

و قضيّة الصناعة العلميّة؛ أنّ النسبة بين الدليلين عموم من وجه؛ أي دليل

حرمة شرب النجس، أو دليل أكل الميتة، و دليل الوفاء بالشرط، و قد قالوا بتقديم الدليل المتكفّل للعنوان الثانويّ كما في نفي الضرر و الحرج.

و حيث إنّ عنوان «المخالفة» مجمل؛ لاحتمال إرادة المخالفة مع الحكم و الإرادة الجدّية، أو يكون المراد هي المخالفة مع الحجّة الموجودة على الحكم في الكتاب و السنّة، فيلزم إجماله، و قالوا بعدم سراية الإجمال إلىٰ العامّ المنفصل، فيلزم جواز التمسّك ب

المؤمنين عند شروطهم «1»

لتقدّمه علىٰ ما في الكتاب و السنّة، و عدم سراية إجمال المخصّص و المقيّد إليه، و قد تبيّن لك وجه كونه من إجمال المفهوم، لا الشبهة المصداقيّة، فلا تخلط و اغتنم.

و علىٰ هذا، لا تصل النوبة إلىٰ ملاحظة المرجّحات، كما عن النراقيّ «2»، بل دليل الشرط دائماً مقدّم. و لا وجه لما في كلام العلّامة النائينيّ: من عدم جواز التمسّك بالعامّ؛ لسراية الإجمال، لكونه متّصلًا «3»؛ ضرورة أنّه ورد منفصلًا و مستقلّا، فلا تخلط.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 371/ 1053، الإستبصار 3: 232/ 835، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(2) عوائد الأيّام: 151.

(3) انظر منية الطالب 2: 130، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 523.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 83

الشبهة الرابعة: حول اشتراط المندوبات مع صيرورة المشروط واجباً

ظاهر القوم أنّ المشروط يجب بدليل الشرط، و قد أشرنا إلىٰ أنّه موافق للفهم البدويّ العرفيّ، و ذكرنا أنّ القول: بأنّ الوفاء واجب، ممّا لا يمكن الالتزام به و في أشباهه و نظائره.

فعلى هذا، لو شرط في ضمن العقد صلاة الليل و غسل الجمعة، يلزم بطلانه؛ للزوم التصرّف بالشرط فيما يثبت بالكتاب و السنّة؛ ضرورة أنّهما مندوبان، فشرطهما في طيّ العقد خلاف الكتاب، و مضادّ له.

و لو كان

المدار على الموافقة، لكانت هذه الشبهة أشدّ إشكالًا، و أصعب حلّا، كما لا يخفى، و قد عرفت: أنّ المعروف عدم وجود الواسطة بينهما.

الشبهة الخامسة: حول اشتراط ما يلازم الأحكام عقلًا

لو اشترط ترك شرب الخمر، أو ترك المكروه، يكون باطلًا؛ لأنّ ما هو في الكتاب ليس إلّا حرمة الخمر، و كراهة كذا، و أمّا ترك شرب الخمر فليس من الكتاب جعلًا.

نعم، بحكم العقل يلزم الترك، و قد تحرّر في الأُصول أنّ الحرام لا ينحلّ إلىٰ حكمين: واجب، و حرام، و الواجبَ لا ينحلّ إلىٰ حكمين، و هكذا. فإذا كان جواز الشرط منوطاً بكونه موافقاً للكتاب، و أنّه عين المخالفة، للزم ما ذكرنا. و هذه الشبهة متوجّهة إلىٰ قاطبة القائلين

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 84

بعدم الواسطة.

و من هنا يظهر حكم اشتراط ترك المستحبّ، أو ترك الواجب؛ ضرورة أنّ لعنوان الترك ليس حكماً في الكتاب، و هو مورد الشرط كما ترى.

الشبهة السادسة: اشتراط شي ء مباين للأحكام

لو كان الميزان مخالفة الكتاب و الحكم عرفاً، كسائر العناوين العرفيّة، ففي صورة اشتراط شي ء مباين للحكم كما لا يتفق إلّا تصوّراً فهو يعدّ من المخالف.

و أمّا الشرط الأخصّ، فإنّه و إن كان بينه و بين العامّ الكتابيّ و مطلقه عموم و خصوص مطلقاً، أو كان بينهما العموم من وجه، إلّا أنّه لا يعدّ من المخالف العرفيّ؛ نظراً إلىٰ أنّ المراد من «المخالف» في الأخبار العلاجيّة «1» هو التخالف بالتباين، و هكذا في أخبار عرض الروايات على الكتاب «2»، فإنّ من تلك الموارد يستظهر: أنّ المراد من «المخالف» هنا معنى خاصّ، و لا أقلّ من الشكّ، و لازمه بناءً على

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 20/ 45، وسائل الشيعة 27: 113، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 9، الحديث 21. و أيضاً في هذا الباب الأحاديث 11 و 29 و 40 و 41.

(2) وسائل الشيعة 27: 108 119، كتاب القضاء، أبواب

صفات القاضي، الباب 9، الأحاديث 5 و 7 و 10 و 12 و 14 و 15 و 18 و 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 85

المسلكين المذكورين جواز الأخذ بالشرط المخالف و صحّته، و هذا ممّا لا يلتزم به أحد قطعاً.

و بالجملة: الموجبة الكلّية و الجزئيّة، و السالبة الكلّية و الجزئيّة، و إن كانتا متخالفتين في المنطق و حدّ القضايا، بل و لو كانتا متخالفتين عرفاً، إلّا أنّهما في محيط الروايات غير واضح سبيلهما؛ لما أُشير إليه، فيكون عموم

المؤمنون عند شروطهم

مرجعاً في المسألة؛ حسبما تحرّر في الأُصول.

الشبهة السابعة: المناط في الأحكام الوضعية

لو كان الضابط في المسألة بالنسبة إلىٰ الأحكام الوضعيّة ما أفاده بعضهم: «من أنّها إن كانت من الحقوق و الأموال التي هي تحت سلطان الشارط، فلا شبهة في التبدّل بالشرط؛ إذ المفروض سلطنته عليها. و هذا أيضاً ليس من قبيل العلّية؛ لإمكان قيام دليل خاصّ على المنع من التصرّف، كبيع المصحف من الكافر.

و إن كان من قبيل ما لا سلطنة له عليه مثل كون

الولاء لمن أعتق «1»

و ولد الحرّ حرّا، و هكذا، ك

الطلاق بيد من أخذ بالساق «2»

-

______________________________

(1) الكافي 5: 485/ 1، وسائل الشيعة 21: 162، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 52، الحديث 2.

(2) درر اللآلي 2: 2، مستدرك الوسائل 15: 306، كتاب الطلاق، الباب 25، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 86

فلا ينفذ الشرط؛ لكونه مخالفاً» «1» انتهىٰ.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ المناط كون الشرط تحت سلطان المشروط عليه، لا الشارط.

و أنّ في شرط النتيجة، لا سلطنة إلّا علىٰ وجه يرجع إلى السلطنة على العمل بالشرط، و إلّا فلا يكون، فاشتراط كون مال المشروط عليه للشارط، ليس تحت

سلطان الشارط، و لا المشروط عليه.

و أنّ تدخّل الشرع في موارد خاصّة كالمثال الذي ذكره و لكنّه غير صحيح أو في موارد الإجارة بأكثر ممّا استؤجر عليه، أو في موارد

فضل الأجير حرام «2»

يوجب الشكّ في أنّ الشرط مخالف للكتاب، أم لا؛ لاحتمال كونه مخالفاً بحسب الواقع، فلا بدّ من التشبّث بأحد المسلكين: من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، أو استصحاب عدم كونه مخالفاً، و علىٰ فرض ممنوعيّة المسلكين، لا يمكن استظهار أنّ الشرط ليس مخالفاً؛ لما لا شاهد عليه، فتأمّل. و مضافاً إلىٰ بعض الأُمور الأُخر.

أنّ كون العقد تحت يده بإسقاط الخيار المجعول فيه، أو باشتراط الخيار فيه عين كون الطلاق تحت يده؛ باشتراط كونه تحت يد الزوجة في يوم من الأيّام مثلًا، و هكذا في موارد تحريم البيع و الصلح

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 144/ السطر 23.

(2) الكافي 5: 272/ 5، وسائل الشيعة 19: 126، كتاب الإجارة، الباب 20/ الحديث 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 87

و غيرهما، فإنّ ذلك أيضاً من الأُمور التي تحت سلطانهم، مع عدم إمكان التزامهم بصحّتها؛ لأنّها تحريم حلال بالكتاب و السنّة، و هكذا.

فمن هنا يظهر: أنّ أسلم الضوابط ما ذكرناه «1».

و أمّا الضابطة الأُخرىٰ: و هي أنّ في الموارد التي لوحظ الحكم حفاظاً علىٰ حقوق المكلّفين، فلا بأس بأن يتصرّفوا في حقوقهم، و أمّا في الموارد التي لوحظ فيها الجهات الأُخر زائداً عليها، أو تكون مستقلّة في اللحاظ فلا، فهذا الضابط أيضاً واضح البطلان في موارد موافقة الوارث و سائر الورثة على اشتراط إرث الأجنبيّ، أو إرث أحد الورّاث زائداً علىٰ ما فرضه اللّٰه تعالىٰ.

و هكذا في سائر الموارد من الأحكام التعبّدية الخاصّة

في المعاملات، التي ظاهرها اعتبار كونها بلحاظ حقوق الطرفين، فلو جاز توافقهما علىٰ سقوط خيارهما في المجلس، فيجوز توافقهما علىٰ بقاء خيار المجلس إلىٰ ما بعد التفرّق، فافهم و اغتنم.

و هكذا بالنسبة إلىٰ سائر الموارد، مع أنّه أيضاً من الإحالة إلى الأُمور المجهولة نوعاً، فتصل النوبة إلىٰ ما مرّ مراراً.

التنبيه الرابع: في مقتضى القاعدة إذا شكّ في أنّ الشرط مخالف للكتاب

و حيث إنّه لا بدّ من إحراز كون الشرط غير مخالف للكتاب؛ حتّى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 66.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 88

يحكم بأنّه نافذ، سواء كان عنوان «المخالفة» مانعاً، أو عنوان «عدم المخالفة» شرطاً، و إذا شكّ في أنّ الشرط مخالف أم لا، يشكّ في أنّه واجد للمانع، أو فاقد للشرط الدخيل في نفوذه، فلا بدّ من دليل يرجع إليه لتحصيل الموضوع للنفوذ.

فإن قلنا بأنّ التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة غير جائز، أو قلنا بأنّ المستثنى المجمل يسري إجماله إلىٰ مطلق العمومات؛ سواء كانت متعقّبة بالاستثناء، أو لم تكن، كما نحن فيه، فلا يمكن حلّ هذه المشكلة من ناحية العمومات.

و أمّا إذا قلنا بجواز التمسّك، و عدم إجمال في المستثنىٰ، أو عدم سراية الإجمال إلى العموم المنفصل كما هو الأقرب فيمكن حلّ المشكلة بنفس العمومات؛ لأنّ مثلًا شرط الضمان في عقد الإجارة، أو شرط تورّث المتمتّعة في عقدها، داخل تحت العموم. و من جواز التمسّك به يكشف إنّاً أنّ مورد التمسّك به خارج عن تحت الخاصّ، كما تحرّر في الأُصول «1».

بل و لو لم يلزم الكشف، و لكن نفس جواز التمسّك به كافٍ، و لازمه نفوذ الشرط في موارد الشكّ في المخالفة؛ سواء كانت هي مانعة، أو عدمها شرطاً، و لا حاجة حينئذٍ إلى الأصل المحرز لو كان جارياً. و في جواز

إجرائه ذاتاً كلام يطلب من محالّه.

و أمّا على المعروف المشهور غير المعتضد بالبرهان و الوجدان،

______________________________

(1) انظر تحريرات في الأُصول 5: 275.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 89

فالعموم ساقط، فتصل النوبة إلىٰ إحراز فقد المانع أو وجود الشرط بالأصل المنقّح، و قد أطالوا البحث في أمثال هذه المسألة؛ لكونها من صغريات بحث الأصل العدم المحموليّ الأزليّ، و جريان استصحاب الأعدام الأزليّة و أُسلوب سلب الموضوعات، معركة الآراء.

و لكن الذي يخطر بالبال و أشرنا إليه: أنّ في موارد أُخر جريان الأصول العدميّة التي تكون موضوعية، ليست حجّة، كما في موارد الشكّ في القرشيّة، و القابليّة، و التذكية؛ إذا أُريد بها فهم حال الموضوع الخارجيّ، و التفصيل في محلّه.

و أمّا فيما نحن فيه فلا بأس به؛ و ذلك لأنّ مقتضىٰ ما تحرّر في العامّ و الخاصّ، أنّ العمومات بعد التخصيص بل و المطلقات بعد التقييد و إن كانت بحسب اللبّ و الثبوت مقيّدات قطعاً؛ لامتناع الإهمال الثبوتيّ، و لكنّها بحسب الإثبات و القانون باقيات علىٰ حالها الأوّلية، فإذا جرى الاستصحاب في الشبهة الحكميّة علىٰ وجه يلزم منه التعبّد بعدم انطباق عنوان المخصّص و المقيّد على المورد فلا نحتاج إلىٰ شي ء آخر وراءه.

مثلًا: إذا شكّ في أنّ شرط الضمان في عقد الإجارة مخالف، أم لا، فالعامّ الوارد علىٰ عمومه باقٍ، و إنّما الشكّ في أنّ ذلك الشرط مخالف، أم لا. و لا شبهة في أنّه لم يكن شرط الضمان في ضمن عقد الإجارة، مخالفاً عند انتفاء جميع هذه القيود و الإضافات، فإذا تعبّدنا بأنّ شرط الضمان الآن أيضاً غير مخالف، يلزم خروج مورد الشكّ عن تحت الخاصّ، و اندراجه تحت العامّ وجدانيّ، و بذلك يتمّ الكلام، و ليس

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 90

وراءه شي ء إلّا من ناحية قلّة التدبّر في أُصول البحث و المرام في المقام.

فبالجملة: فرق بين بابي التخصيص و التنويع، فإنّ في موارد التنويع يكون كلّ من الموضوعين المتقابلين مقيّدين ثبوتاً و إثباتاً، نحو «المسافر يقصر» و «الحاضر يتمّ» و في باب التخصيص يكون الموضوع في ناحية المستثنىٰ منه و المخصّص، باقياً علىٰ إطلاقه إثباتاً؛ و إن كان لأجل الاستثناء مقيّداً ثبوتاً، و ليس مفاد الاستثناء و التخصيص إلّا الإخراج من موضوع العامّ المستثنىٰ منه باعتبار الحكم.

فالعامّ المعروف

المسلمون عند شروطهم «1»

باقٍ علىٰ أنّ موضوعه هو الشرط، و إنّما خرج من الشرط الشرط المخالف للكتاب، و ليس حديث التنفيذ موضوعه إثباتاً إلّا نفس الشرط، و المانع عنه هي المخالفة للكتاب، فإذا جرى استصحاب نفي الموضوع و عنوان المستثنىٰ منه، و كان جريانه صحيحاً أي قابلًا لأن يكون نفس التعبّد بعدم كونه مخالفاً، كافياً لجريانه لتمّ المطلوب؛ من غير حاجة إلىٰ ما أطالوا حول القضايا، و كيفيّة الاعتبارات الواردة فيها، و حول كيفيّة تركّب الموضوعات من الجواهر و الأعراض، و غير ذلك.

نعم، في جريان هذا الأصل العدميّ الأزليّ، إشكال يشترك معه سائر

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز.

تهذيب الأحكام 7: 22/ 93، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 91

الأُصول العدميّة الأزليّة؛ حتّى في استصحاب عدم الوجوب و الحرمة و الجعل؛ ضرورة أنّ الكتاب و الحكم الإلهيّ في الإسلام و إن كان بحسب كونه فيما لا يزال من الأحداث الزمانيّة، و لكنّه

من المجعولات الأزليّة، و إنّما ظرف فعليّتها متأخّر، فلا يبقى زمان حتّى نعلم بعدم المخالفة؛ لاحتمال كون الشرط المذكور مخالفاً للمجعول بعد ما لا نعلم ذلك، فافهم و اغتنم، و يطلب تحقيقه من الأُصول.

و ممّا ذكرنا يظهر حكم الشكّ في أنّ الشرط المجعول في طيّ العقد محلّل حرام، أو بالعكس؛ و أنّه يمكن إجراء الأصل على التقريب المزبور، و يندفع بما أبدعناه و أشرنا إليه آنفاً.

و حيث لا يجري الأصل المذكور؛ فإن كان التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة جائزاً، كما هو الأظهر، ففي موارد الشكّ نرجع إليه.

و أمّا رفع شرطيّة شي ء لنفوذ الشرط، أو رفع مانعيّة المانع المتوهّم عن صحّة الشرط في ضمن العقد بحديث الرفع، فهو و إن كان ممكناً، إلّا أنّ شبهة المثبتية تمنع، و لا سيّما في الفرض الأوّل.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الشكّ في صحّة الشرط، ناشئ عمّا هو المرفوع بالحديث تعبّداً، فلا يبقى الشك، و لا نطلب إلّا ذلك، فلاحظ.

و لو قطع النظر عن جميع هذه الأُمور، و رأينا أنّه وقع شرط في طيّ عقد، و شكّ في أنّه مخالف للكتاب، فلا تبعد كفاية دليل لزوم العمل علىٰ طبق العقد لوجوب الوفاء بالشرط؛ لأنّه من تبعات ذلك العقد، و من صحّته بإطلاق ذاك الدليل، يكشف إنّاً عدم مخالفته للكتاب؛ حتّى لا يلزم تخصيص بلا مخصّص هو لا يكون من سنخ العامّ؛ أي حتّى لا يلزم

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 92

تخصيص الدليل الأوّلي بالدليل الثانويّ العرضيّ، فليتأمّل جيّداً.

و غير خفيّ: أنّه لا نحتاج إلىٰ تماميّة قوله تعالىٰ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» حتّى يقال بأجنبيّته عمّا نحن فيه، كما هو كذلك عندنا، بل يكفينا بناء العقلاء الممضى فتأمّل، و بعض

الأخبار الخاصّة الواردة، فافهم.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 93

الخامس عدم كونه منافياً لمقتضى العقد
اشارة

أي من شرائط نفوذ الشرط الذي يذكر في طيّ العقد: أن لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد.

و قال في «الغنية» نافياً للخلاف: إنّ من الشروط الفاسدة، اشتراط ما ينافي مقتضى العقد، مثل أن لا يقبض المبيع، أو لا ينتفع به «1».

و يظهر من بعضهم أنّه باطل، مع اقتصارهم علىٰ ذكر الشرط الفاسد المخالف للكتاب.

و حيث قد عرفت منّا: أنّ الميزان في المخالفة هي مخالفة الشرط للأحكام التأسيسيّة السماويّة، دون الإمضائيّة العقلائيّة «2»، فلا بدّ و أن لا يرجع هذا الشرط إلىٰ ما سبق، و يظهر أنّ استدلال الشيخ ثانياً

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524/ السطر 36.

(2) تقدّم في الصفحة 66.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 94

لبطلانه: بأنّه مخالف للكتاب «1»، في غير محلّه من هذه الجهة، لأمن الجهة التي ذكرت في كلام المحشّين «2»؛ لأنّه باطل في الدليل الأوّل بالوجه الآخر، و لا بأس بأن يكون ما سبق دليلًا علىٰ شرط آخر؛ لاختصاصه بدليل آخر، فتدبّر.

ثمّ إنّ هنا إطالة الكلام و الغور فيما أفاده الأعلام، تضييع لأوقات أصحاب الأفهام، فلا بدّ و أن نشير إلىٰ ما يظهر لي في المقام الذي زلّت و تزلّ فيه الأقدام، فنقول:

تحقيق المسألة

اعلم و على اللّٰه التكلان: أنّ كلّ شرط إن كان مناقضاً لماهيّة العقد، و موجباً لعدم تحقّقه، إذا كان نافذاً فهو خارج عن دليل الشرط المختصّ بالشروط الضمنيّة؛ لما يلزم من وجوده عدمه، كما ترى، و كلّ شرط أمكن الجمع بين مفاده و بين مفاد العقد فهو حسب إطلاق أدلّة الشروط و عمومها نافذ بشرط أن لا يكون باطلًا من ناحية من النواحي الأُخرىٰ.

و علىٰ هذا، نحتاج لإبطال الشرط المتجمّع مع مفاد العقد عقلًا و عرفاً إلىٰ

دليل من الشرع: من كتاب، و سنّة، و إجماع، كما في كلام

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 281/ السطر 6.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 65/ السطر 13، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 150/ السطر 11.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 95

«الغنية» «1» و إلّا فمجرّد كونه منافياً لمقتضى العقد بالمعنى الآخر من المعاني الممكنة، غير كافٍ، كما هو الظاهر و الواضح بالضرورة.

و ما قد يتوهّم دليلًا عرفيّاً على البطلان هنا غير الدليل الشرعيّ، فهو من الاشتباه؛ فإنّ الاستدلال علىٰ أنّ شرط عدم القبض مثلًا باطل؛ لكونه خلاف مقتضى العقد، فإنّه حسب العادة و النوع، و إلّا فربّما يتعلّق الأغراض الاستثنائيّة بنفس المالكيّة الاعتباريّة. و لا يجوز أن يقال: إنّ الميزان هي الأغراض العاديّة؛ لأنّ تلك الأغراض الاستثنائيّة، موجبة لصحّة المعاملة عند كافّة العقلاء في صورة ابتلائهم بها.

نعم، الابتلاء قليل و نادر، و لكن حكمهم بالصحّة على العنوان الكلّي، و دركهم لنفوذ العقد أو الشرط، موجود، و لا قصور في أدلّة العقود و الشروط. هذا هو الضابط الكلّي، و الحجر الأساس.

و لنعم ما حكي عن بعض مقاربي العصر: من عود الشرط هنا إلى النقض و إلى المشترط «2»؛ أي يكون مفاده مناقضاً لمفاد العقد.

و ما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه من الدقّة حول العنوان الموجود «3»، خالٍ من التحصيل؛ فإنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع ممّا في عقول الرجال.

نعم، كشف الإجماع و معقده يحتاج إلى التدبّر في معقده، و الأمر هنا

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 524/ السطر 36.

(2) لاحظ الإجارة، المحقّق الرشتي: 62/ السطر الأوّل.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 184 185.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 96

و لا سيّما في مثل إجماعات

«الغنية» واضح لفضلاء العصر، فضلًا عن محقّقيه، فلا تخلط.

تذنيب: ذكر بعض الشروط المخالف لمقتضى العقد
اشارة

بعد ما تبيّن ما هو الأصل و الميزان، يبقى الكلام في تشخيص الموارد، و هو عندنا و لا سيّما علىٰ ما سلكناه في هذا الكتاب، و يؤيّد كثيراً ما أبدعناه ما يستظهر منهم (رضوان اللّٰه تعالىٰ عليهم) هنا واضح جدّاً.

الأوّل: اشتراط عدم القبض في البيع

شرط عدم القبض باطل؛ لما عرفت من أنّ حقيقة البيع هي المبادلة الخارجيّة في جهة اعتباريّة، و علىٰ ما أفاده القوم يلزم صحّته؛ لما لا تنافي بين ماهيّة البيع عندهم، و هذا الشرط بالضرورة؛ لإمكان تعلّق الغرض كما مرّ بالملكيّة الاعتباريّة استثناء.

و من الغريب أنّ السيّد الوالد المحقّق مدّ ظلّه مع ذهابه إلىٰ أنّه ربّما يصحّ بيع ما لا ماليّة له؛ لأغراض أُخر، مثل بيع الفأرة و العقارب «1»، فإنّه عنده لا بدّ و أن يجوز أن يبيع علىٰ أن لا يقبض، بل و يتلفه!! و لو كان المناط على الأغراض النوعيّة العاديّة لما صحّ بيعها رأساً، مع أنّ ذلك ربّما قد يتّفق أحياناً، كما اتفق حسبما نقلوه، فإنّ بعض

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 97

الحكومات ربّما يشترون الحيوانات المضرّة بالمزارع، و يكيلون ما يشترونه، ثمّ يحرقونه؛ نظراً إلىٰ خطر هذه الحيوانات علىٰ مصالح المسلمين و الأُمّة، و إذا كان الأمر كذلك، فكيف لا يجوز اشتراط عدم القبض «2»؟! نعم، حيث إنّ البيع حقيقة المبادلة الخارجيّة كما في اللغة لا معنى لذلك قطعاً.

و أمّا صحّة هذا؛ فهي لأجل أنّ اشتراط عدم الإقباض، يرجع إلىٰ أن يكون قبض المشتري قبضه بإفنائها، أو أن يكون في قبضته، كما لا يخفى.

بل ربّما يجوز أن يشتري شيئاً، و يشترط على البائع إتلافه؛ لأنّه مورد غرضه، نعم ربّما يلزم بطلانه؛ لأنّ

إتلاف ماله خلاف الكتاب، اللهمّ إلّا إذا كان في بقاء وجوده ضرر عليه عرفاً، أو مالًا، أو نفساً، فاغتنم.

الثاني: اشتراط عدم الملكية في البيع

اشتراط عدم الملكيّة صحيح عندنا، و باطل عندهم؛ و ذلك لأنّ البيع عندهم هي المبادلة في الملكيّة، و أمّا هي عندنا فأعمّ من ذلك و من المبادلة في السلطنة المقابلة للملكيّة، و هذا ممّا لا بأس به، و قد يتعلّق به الغرض، أو في الإباحة في مطلق التصرّفات، أو التصرّفات الخاصّة، فأصل المبادلة لازم، و أصل التمليك الأعمّ من التسليط لازم، و هو النوع الخاصّ منه، فيمكن اشتراط خلافه بعد كونه مورد الغرض،

______________________________

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 186.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 98

و ليس سفهيّاً.

نعم، لو باع و بادل، و شرط عدم حصول شي ء من هذه الأُمور، فهو باطل؛ لكونه مضادّاً لمفاد العقد و ماهيّته الاعتباريّة؛ لأنّه نظير أن يشترط عدم تحقّق البيع، فإنّه لا يعقل ترشّح الإرادة الجدّية من الملتفت، و أمّا من غير الملتفت فهو و إن أمكن، و لكن حيث لا أثر له يلزم بطلانه من جهة أُخرى.

و أمّا اشتراط المالك عدم تحقّق البيع الموضوع لحكم العقلاء بالملكيّة، و يتحقّق البيع الإنشائيّ الشبيه بالفضوليّ، كما مرّ منّا في أقسام العقد الفضوليّ، فهو جائز؛ لأنّ النظر إلىٰ تحقّق الموضوع القابل للتأثير عند لحوق الإجازة، و يشترط ذلك الشرط نظراً إلى الحاجة إلى التدبّر، و لكنّ ذلك باطل من جهة أنّ البيع العقديّ ليس عندنا بيعاً، و الفضوليّ، ليس بيعاً، و يصير بالإجازة بيعاً، إلّا أنّ العقد على الوجه المذكور جائز، فإذا إنشاء عقد البيع فهو يصلح لأن يصير بالإجازة و ردّ المتبادلين بيعاً و قد مرّ تحقيق الفرق بين عقد

البيع و ذاته.

فبالجملة: الشرط المذكور على الوجه المزبور جائز، فلاحظ.

الثالث: اشتراط الخروج عن ملك المشتري بالبيع

أن يشترط في طيّ العقد أن يصير وقفاً، أو ينعتق قبل أن يدخل في ملكه، أو يصير ملك الأجنبيّ، فإنّ كلّ ذلك صحيح عندنا و قد أبطلوه؛ و ذلك لما مرّ من أنّ حقيقة البيع هي المبادلة في ناحية العوضين، و أمّا كون

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 99

طرف الإضافة أيضاً نفس المالكين الأوّلين، فهو مضافاً إلىٰ ممنوعيّته حسب تعريف البيع في اللغة، و لا سيّما تعريف «المصباح» «1» غير معتبر عند العرف و العقلاء.

و ما اشتهر «2»: من دخول المعوّض في محلّ خروج العوض، و بالعكس، من الشهرة التي لا أصل لها إلّا بحسب المتعارف. و أمّا ماهيّة البيع فهي تتحقّق بالأعمّ، و تفصيله محرّر في كتاب البيع، فلاحظ جيّداً.

و أنت إذا تأمّلت في كلّ ذلك تجد: أنّ إبطال هذه الأُمور يحتاج إلى التكلّفات، كتكلّفهم لبطلان شرط عدم القبض بما في كلام الوالد المحقّق «3» الذي هو أحسن تقريب هنا للحقّ إنصافاً، فليراجع.

هذا فيما إذا قلنا: بأنّ الوقف مملوك الموقوف عليهم، فإنّه يصير كالمثال الثالث من أمثلة هذا البحث.

و أمّا علىٰ ما هو الحقّ حتّى في الوقف الخاصّ فيشكل؛ لأنّ حقيقة البيع هي المبادلة الخارجيّة في جهة من الجهات، فلا بدّ من القبض و الإقباض، و أنّ ماهيّة البيع هي المعاطاة الخارجيّة التي كانت من الأوّل مستحدثةً، و عقد البيع معاقدة على المبادلة، و معاهدة على القبض و الإقباض بعنوان «البيع» لا الوفاء، فعندئذٍ كيف يعقل اشتراط أن

______________________________

(1) المصباح المنير: 69.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 128/ السطر 26.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 186.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 100

يصير

وقفاً؟! نعم، اشتراط أن يوقفه صحيح قطعاً، كاشتراط بيعه وهبته و هكذا، بل و اشتراط بيعه من نفسه فيما إذا كان مورد الغرض العقلائيّ، فلا تخلط.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الوقف لا ينافي كون المشتري مسيطراً عليه؛ و ذلك لكونه جائزاً، فله إرجاعه إلىٰ نفسه، أو يكون هو تحت سلطانه؛ لأنّ الواقف أولىٰ بالوقف من غيره عند العقلاء، و هذا كافٍ في المقام.

الرابع: اشتراط كون المبادلة بلا عوض

لو اشترط أن يكون البيع بلا ثمن، أو الإجارة بلا أُجرة، فإنّه باطل لو أُريد به أنّه بحسب مقام المبادلة في الملكيّة، بلا عوض.

و أمّا المبادلة بتسليط المشتري على المبيع، دون أن تحصل سلطة البائع على الثمن خارجاً، كما قد يتفق أن لا يعطيه، و لا يفي المشتري بالمبادلة، و لا يرجع إليه البائع أصلًا، فإنّه صحيح، فلو كان مفاد الشرط ذلك، فلا منع عن صحّته؛ لعدم منافاته لمقتضى ذات العقد و ماهيّة البيع.

بل كان في نفسي: أنّ حقيقة البيع؛ هو الإعطاء و الأخذ مرّة واحدة، متعلّقين ذلك الإعطاء و الأخذ بالمعوّض بحسب الماهيّة، و لكن بحسب الوجود لا يكون هذا إلّا مع عوض ما؛ معيّن كان، أو غير معيّن، و بذلك يمتاز البيع في رتبة الماهيّة عن الصلح و أشباهه. و الأمر كذلك في الإجارة بلا اجرة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 101

و نظير ذلك أن يكون مفاد الشرط اختيار المشتري أن يعطي الثمن، أو لا يعطي، فإنّه لا بدّ من تقدير الثمن في المبادلة، و لو أعطىٰ لا يصير ذلك هبة معوّضة، بل هو من إعطاء ثمن المبيع، و إذا لم يعطِ لا يكون البيع مراعى بذلك، فليلاحظ جيّداً.

الخامس: اشتراط المحجورية عن التصرّفات

بأن يشترط أن لا يبيع، و لا يهب، أو أن لا يكون له السلطنة علىٰ ذلك، أو غير ذلك، فإنّه صحيح عندنا؛ لأنّ قصّة تحديد السلطنة وضعاً، أو ممنوعيّته عن التصرّف علىٰ وجه لو تصرّف يكون نافذاً من الأحكام العقلائيّة الإمضائيّة. هذا مع أنّ عدم البيع من الأُمور التي رخّص فيه الشرع.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّه يرجع إلىٰ تحليل الحرام، و تحريم الحلال؛ لما لا معنىٰ له إلّا ذلك. و كون الشارط مسلّطاً

علىٰ هذا الشرط في حدود سلطنته بالنسبة إلى المبيع، لا ينفع بعد منع الشرع عن تحريم الحلال، كما منعه الشارع عن التبذير «1» و الإسراف «2»، و المشروط عليه ليس له السلطنة على المبيع بعدُ حتّى يقال: إنّ قبوله من إعمال السلطنة، لا تحديدها. فعلى ما تحرّر يشكل صحّته علىٰ مسلكهم، دون ما سلكناه.

و علىٰ كلّ تقدير: غير مربوط بمسألة الشرط المخالف لمقتضى

______________________________

(1) الإسراء (17): 26 27 لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ.

(2) الأعراف (7): 31 كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لٰا تُسْرِفُوا.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 102

العقد؛ فإنّ المبادلة هي تحصل، و الملكيّة أو المعنى الأعمّ أيضاً حاصلة، و التقيّدات منافية لما هو الخارج عن حدود الماهيّة، فيشملها عموم أدلّة الشروط.

بل قد عرفت: أنّ اشتراط محجوريّته عن مطلق التصرّفات أبداً، غير ممنوع إذا لم يرجع إلى السفاهة، أو لم يرجع إلىٰ عدم تمكّنه من العقد الجدّي اللازم في تحقّقه.

فما نسب إلى الشهرة من بطلانه «1»، فربّما كان لأجل ما يجدونه من أنّه خلاف الكتاب، كما أُشير إليه، و لذلك استشكل العلّامة في بطلانه «2»، و قوّى الآخر صحّته «3».

السادس: اشتراط عدم التصرّف مطلقاً في النكاح
اشارة

بأن يشترط في ضمن عقد النكاح، ممنوعيّةَ الزوج عن مطلق التصرّفات المعتبرة، و يكون النظر إلى المحرِّمية و المحرَّمية الخاصّة بالنسبة إلى الأُخت و الأُمّ، فإنّه عندنا من جهة الشرط ممّا لا بأس به.

إلّا أنّ نفوذ النكاح بلا شرط بقصد المحرِّمية و المحرَّمية، محلّ تأمّل؛ لما لا دليل شرعيّ يستظهر منه تجويز النكاح علىٰ هذا الحدّ؛ ضرورة

______________________________

(1) لاحظ جامع المقاصد 4: 414، مفتاح الكرامة 4: 731.

(2) انظر تذكرة الفقهاء 1: 489/ السطر 42.

(3) انظر المكاسب، الشيخ الأنصاري: 281/ السطر 16.

الخيارات

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 103

أنّ المحرِّمية و المحرَّمية من الأحكام السماويّة، دون العقلائيّة، و هي مترتّبة علىٰ ما هو النكاح العقلائيّ. فإحداث النكاح بداعي تلك الأحكام و إن كان ممكناً ثبوتاً، و لكن محلّ تأمّل إثباتاً؛ ضرورة أنّ النكاح و الزواج كان لأغراض؛ من التناسل، و إيجاد العائلة، و التعاون الخاصّ في محيط معيّن، فلو لم يكن يترتّب عليه شي ء من ذلك، فكونه مع ذلك عقلائيّاً مشكل.

و ليس نتيجة ذلك انفساخ النكاح؛ بعد سقوط تلك الآثار بالنسبة إلى النكاح الموجود؛ لاختلاف نظر العرف بين الفرضين، فالمهمّ وجود دليل عامّ يقتضي ذلك.

و توهّم توجّه هذا الإشكال بالنسبة إلىٰ عموم أدلّة الشروط و إطلاقها، و لا أقلّ من انصرافها الذي هو بحكم القيد المتصل، في غير محلّه؛ لأنّ ما مرّ كلّه من الأغراض العقلائيّة القليلة الابتلاء، و فرق بين إيجاد الموضوع العقلائيّ لذلك الغرض النادر، و بين إيجاده للحكم الشرعيّ الإلهيّ، و لأجل ذلك استشكلنا في قواعدنا في كتاب النكاح «1» في صحّة العقد للمحرِّمية و المحرَّمية بين الصغار، أو الصغير و الكبير، أو بين الكبار الساقطة الآثار البالغة إلىٰ حدّ الإقعاد، فتأمّل.

وهمٌ و دفع

لأحد دعوى: أنّ شرط الممنوعيّة عن التصرّفات على الإطلاق بعد كون المرأة قابلة صحيح؛ و ذلك لأنّ بعد قبول الشرط و التخلّف، لا يكون

______________________________

(1) كتاب النكاح من تحريرات في الفقه (مفقود).

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 104

تصرّفه من التصرّف في الأجنبيّة، و لا يكون ولدهما من الزنا و هكذا، و هذا كافٍ لصحّة النكاح العقلائيّ، فيكون الشرط صحيحاً كما لا يخفى.

و فيه: أنّه مع كونه بانياً من أوّل الأمر علىٰ ذلك، فلا يصحّ الشرط؛ لما لا يكون جدّياً فيه، و

قابلًا له حقيقةً و إن كان بانياً على العمل بالشرط، فلا بدّ و أن يكون نكاحه غير سفهيّ، و هو لا يحصل إلّا بقصد المحرِّمية و المحرَّمية، فيلزم الإشكال في العقد أوّلًا، ثمّ في الشرط ثانياً، فافهم و اغتنم.

بقي شي ء: في صحّة مطلق الشروط العقلائيّة

قضيّة ما تحرّر منّا؛ أنّ مقتضى الصناعة صحّة جميع الشروط، إلّا الشرط المخالف للكتاب كما مرّ، و قد عرفت أنّه أيضاً من الأُمور التي ترجع إلىٰ عدم عقلائيّة الشرط، و قصورِ الأدلّة. و هكذا الشرط المخالف لذات العقد؛ لأنّه أيضاً ينافي عقلائيّة الشرط، و عقليّته أيضاً؛ لما لا يعقل ثبوتاً الجمع بينهما.

و ما يمكن الجمع بينه و بين مفاد العقد، و لم يرجع إلىٰ فقد بعض الجهات الأُخر السابقة الذكر اللازم اعتبارها، يكون نافذاً، إلّا إذا ادعي الإجماع علىٰ خلافه ادعاءً معتبراً، و هو قليل جدّاً. مع أنّه كثيراً ما يكون معلّلًا و لا سيّما في أمثال المقام، فليلاحظ جيّداً.

نعم، ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ أدلّة الشروط قاصرة عن تصحيح

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 105

مطلق الشرط العقلائيّ؛ فإنّ عقلائيّة الشرط إذا كان قليل الوجود و الابتلاء كما مرّ من الأمثلة يجوز أن لا تكون شرعيّة و نافذة؛ لأنّ تنفيذ العقود و الشروط التي تدور عليها رحى سياسة البلدان لازم؛ حفظاً للنظام من الاختلال، و خوفاً من أن لا يقوم سوق، و أمّا في الأمثلة النادرة فلا مهمّة للشرع.

إلّا أنّه مع ذلك لا يضرّ بالعموم و الإطلاق؛ لأنّ سياسة المنزل و إدارة الأغراض النادرة، أيضاً ممّا يلزم أحياناً؛ توسعةً على العباد، و نظراً إلى الرغبة في الدين السهل السمح، فلا تخلط.

السابع: اشتراط ضمان العين في الإجارة
اشارة

في جواز شرط ضمان العين في عقد الإجارة قولان: المشهور عدمه «1»، و ذهب الفقيه اليزديّ و جمع إلى الجواز «2».

و الذي هو الوجه لكونه خلاف مقتضى العقد: أنّ المشهور المتّفق عليه بطلان الإجارة حين تلف العين «3»، فيكون عقد الإجارة من مقتضياته بقاء العين المستأجرة إلىٰ آخر زمان الإجارة، فإذا تلفت

______________________________

(1) لاحظ جواهر لكلام 27: 216.

(2) رياض المسائل 2: 3/ السطر الأخير، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 115/ السطر 21، العروة الوثقى 2: 600.

(3) لاحظ جواهر الكلام 27: 278.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 106

العين تبطل الإجارة من حين التلف؛ حسبما هو المصرّح به في كلامهم «4»، و إذا انعدم العقد لا يبقى موضوع للشرط المتوقّف بحسب الماهيّة عليه؛ لأنّه من تبعاته، و الشرط ماهيّته أن يكون ضمنياً، كما هو المفروض، و قد فصّلنا المسألة بفروعها و محتملاتها في قواعدنا الإجاريّة في الأيّام السالفة «5»، و ذكرنا هناك وجه صحّة الشرط.

و ربّما يختلف المباني في حقيقة الإجارة بالنسبة إلىٰ هذه المسألة؛ نظراً إلىٰ إمكان الالتزام بعدم بطلان عقد الإجارة بتلف العين، كما هو كذلك في البيع؛ و ذلك لأنّ بالإجارة يملك المستأجر منفعة الدار الشخصيّة، إلّا أنّ المنفعة تكون كلّية.

أو يكون العقد باقياً؛ لظهور الثمرة في الإقالة و رجوع المسمّاة؛ بناءً علىٰ جواز الإقالة من الأوّل.

أو يكفي لضمنيّة الشرط حدوثه في طيّ العقد، و لا يعتبر بقاؤه لنفوذه.

أو يقال: إنّ بالشرط يشتغل ذمّة المستأجر بقيمة العين حين التلف، فيكون نتيجة الشرط اشتغال الذمّة و إن لم يبقَ الشرط المتقوّم بالضمنيّة، فتدبّر.

فما أفاده سيّدنا الأُستاذ البروجرديّ هنا وجهاً لبطلان الشرط حين

______________________________

(4) شرائع الإسلام 2: 144، العروة الوثقى 2: 590، تحرير الوسيلة 1: 577، المسألة 21.

(5) قد صنّفها بقم المقدّسة و هي مفقودة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 107

بحثه عن مسائل الإجارة «1»، قويّ جدّاً، إلّا أنّه مع قوّته قابل للدفع و الحلّ، فتأمّل.

و ما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه-: «من أنّه شرط مخالف للكتاب؛ حسب الأخبار الخاصّة الدالّة علىٰ عدم الضمان» «2» فهو

عندهم غير تامّ؛ لأنّه من أحكام إطلاق العقد، لا مطلق العقد.

نعم، علىٰ ما اختاره ميزاناً في الشرط المخالف «3» لا يبعد بطلانه، و لكنّه خلاف مختاره في كتاب الإجارة «4».

و يمكن دعوى: أنّ الأخبار الخاصّة «5» لا تفيد جعل عدم الضمان، بل هي تدلّ على السلب المحصّل اصطلاحاً، لا الإيجاب العدوليّ، فما تدلّ عليه من نفي الضمان لعدم وجود المقتضي له فيسلب الضمان سلباً محصّلًا، و هذا لا ينافي الضمان عند الاشتراط فتأمّل.

و قد عرفت: أنّه إذا لم يكن من الأحكام التأسيسيّة الشرعيّة السماويّة، لا يلزم منه بطلان الشرط المخالف؛ علىٰ ما أسّسناه «6».

______________________________

(1) لم تطبع تقريرات ما أفاده السيّد الحجّة آية اللّٰه العظمى البروجردي بقم المقدّسة بعد.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 193.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 166 167.

(4) انظر العروة الوثقى 2: 600، الهامش 2.

(5) وسائل الشيعة 19: 155، كتاب الإجارة، الباب 32، الحديث 1 و 2.

(6) تقدّم في الصفحة 66.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 108

حكم الشرط المخالف لمقتضى العقد في سائر العقود

و من هنا يظهر حال الاشتراط في ضمن سائر العقود، كالعارية، و الوكالة، و الوديعة، و الشركة، و المضاربة، فإنّ الشرط المنافي للمقتضي ينتهي إلىٰ بطلان نفسه، و إلّا فيصحّ كلاهما، و لا ثالث إلّا من ناحية قصور أدلّة الشروط، أو دليل الوفاء بالعقد علىٰ وجه يشمل الوفاء بالشرط.

نعم، في خصوص العقود الجائزة إشكال؛ من ناحية إمكان صحّة انصراف دليل نفوذ الشرط عنه، كعقد الشركة و أمثاله من العقود الجائزة، و لذلك اختلفوا فيه، و لعلّ الأكثر على البطلان، و ليس منشأه الشبهة العقليّة، كما قد يتوهّم، بل أساس الشبهة قصور ذلك.

و من المحتمل سراية لزوم الوفاء بالشرط إلى العقد، فيصير لازماً

بالعرض، فالشرط متقوّم بالعقد في الوجود، و العقد متقوّم بالشرط في اللزوم، فليلاحظ جيّداً.

ثمّ إنّ إطالة الكلام حول ماهيّة بعض العقود و أحكامها و أنواعها، هي هنا من اللغو المنهيّ. مع أنّ الفقيه يجب عليه الاحتياط، و هذا لا يحصل إلّا بإيكال أمر كلّ عقد بحسب هذه الجهات إلىٰ كتابه؛ لإمكان قصوره في استيفاء حقّ البحث و الفحص، و أمّا ما هو أصل البحث هنا، فهو ما أشرنا إليه من حديث الاقتضاء و حدود دخالته.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 109

بقي شي ء: حول حكم الشك في شرط أنّه مخالف لمقتضى العقد

مقتضىٰ ما تحرّر منّا في بيان كبرى المسألة؛ أنّه لا يبقى مورد يشكّ في أنّه مخالف لمقتضى العقد، كما أنّ قضيّة ما صحّحناه في الموارد التي اتفقت كلماتهم علىٰ بطلانه، صحّة سائر الشروط في ضمن سائر العقود بالأولويّة القطعيّة؛ لخروجه عن حديث الاقتضاء.

و أمّا في موارد الشكّ في نفوذ الشرط في ضمن عقد لأجل كونه خلاف المتعارف فلا يمكن تصحيحه بمراجعة دليل الشرط و غيره؛ لأنّ منشأ الشبهة في صحّته قصور الدليل، فلا يصلح العموم لحلّ المشكلة، و لا الإطلاق بالضرورة.

و ما في ذيل كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) هنا: من المراجعة إلىٰ أصالة ثبوت ذلك الأثر على الوجه الثاني، فيبقىٰ عموم أدلّة الشروط سليماً عن المخصّص «1»، انتهىٰ، فهو غير راجع إلىٰ محصّل؛ بعد ما عرفت أنّه لا يبقى مورد يشكّ في أنّه مخالف لمقتضى العقد.

نعم، بناءً علىٰ سائر التفاسير يمكن الشكّ، و يكون مراده (قدّس سرّه) هنا من «الأصل» أصلًا عقلائيّاً و استظهاراً عرفيّاً من الأدلّة؛ لأنّ ثبوت الحكم لموضوعه علىٰ وجه يكون الشرط مخالفاً لمقتضىٰ ذلك العقد و الموضوع؛ بالنسبة إلىٰ حكمه و أثره يحتاج إلى القرينة الخاصّة و المئونة الزائدة.

و علىٰ هذا لا يتوجّه إليه الإشكال الواضح؛ لأنّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 282/ السطر 7.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 110

المسموع بين الأصاغر فضلًا عن الأكابر، و لا سيّما رئيسهم أنّ الأصل العدم، و الأمر سهل، فتأمّل.

تنبيه: في التمسّك بالعامّ عند الشك أو الاستصحاب

بناءً علىٰ كون الشرط المخالف لمقتضى العقد باطلًا علىٰ وجه لا يلزم منه بطلان العقد، و يكون علىٰ وجه لا يرجع إلىٰ أنّ بطلانه مستند إلىٰ كونه مخالفاً للكتاب، فيكون هو بعنوانه باطلًا، فيمكن علىٰ ما تحرّر في البحث السابق إجراء الأصل الموضوعيّ المنقّح، و تصير النتيجة سلب عنوان المخصّص لأدلّة الشروط عن مورد الشكّ بعد كونه كلّياً، و يصير العامّ صالحاً للمرجعيّة، لو لم نقل بصلاحيته للمرجعيّة من غير حاجة إليه؛ نظراً إلىٰ جواز التمسّك به في الشبهة المصداقيّة.

نعم، حيث إنّ مقتضى العقد علىٰ هذا الفرض، قابل للسلب شرعاً، و للجعل و الإمضاء إثباتاً؛ لعدم كونه من لوازم الماهيّة غير القابلة للانفكاك عن العقد، يلزم الإشكال الذي أبدعناه في جريان هذه الأُصول كلّها؛ ضرورة أنّ المانع عن صحّة الشرط هو كونه خلاف مقتضى العقد؛ بعد إمضاء الشرع ذلك الاقتضاء، أو شرط صحّة الشرط هو كونه غير مخالف لمقتضى العقد الممضى عند الشرع، أو هو أن يكون موافقاً له.

فإن كان من الثالث، فعدم جريانه واضح.

و إن كان من الفرضين الأوّلين، فالإمضاء ليس من الأُمور الحادثة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 111

عند طلوع الإسلام؛ و بعد ظهور الدين الناسخ للديانات السابقة، بل هو كسائر الحوادث الكونيّة متأخّر وجوداً، و قديم إرادة و إمضاء و رضا، نظير الواجبات المعلّقة، فلا حالة سابقة لنا حتّى نتمسّك باستصحابها.

و هكذا استصحاب عدم الجعل، و عدم الوجوب و الحرمة، و

عدم النسخ، و غير ذلك من العدميّات المقطوع بجريانها عند كافّة الأصحاب صناعة و إجماعاً، مع أنّه غير صحيح؛ لأنّه لأعلم بعدم الوجوب السابق، بل عدم وجوب شي ء، لو كان مجعولًا قابلًا للاستصحاب كان أزليّاً، و إنّما أُخّر حسب المصالح إلىٰ عصر الإسلام، و ليس عدم الإيجاب حادثاً بحدوث الزمان المتأخّر، كما هو واضح عند أهله، و مخفيّ علىٰ جاهلية، و اللّٰه وليّ الأمر و التوفيق.

الثامن: اشتراط الوقت لبقاء العقد
اشارة

لو شرط في ضمن عقد البيع أو ما يشبهه أن يكون موقّتاً، فيبادل المالين إلىٰ زمان كذا، فالظاهر منهم بطلانه، بل هو ضروريّ عندهم؛ لأنّه خلاف ذات العقد، دون إطلاقه، فإنّ ماهيّة البيع مبنيّة على الإطلاق.

و قد خالفهم في ذلك العلّامة الطهرانيّ (رحمه اللّٰه) حيث قال: «بأنّ الإجارة بيع من حيثٍ إلىٰ حيثٍ» «1».

و لازمه عدم كون الشرط المذكور خلاف ذاته.

______________________________

(1) لم نعثر عليه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 112

نعم، هو خلاف مقتضىٰ إطلاقه؛ أي خلاف مقتضى العقد بعد وجوده من غير تقييد، فما هو خلاف الماهيّة لا ربط بوجود العقد في مخالفته، و ما هو خلاف إطلاقه مربوط بوجود العقد إذا لم يقيّد بشي ء.

و يمكن دعوى: أنّه شرط خلاف مقتضى العقد، من غير كون الماهيّة تقتضي عدمه؛ أي يكون مستوجباً للإطلاق، فإنّ تفسير البيع «بأنّه تمليك عين بعوض» ساكت عن التحديد بزمان، و هكذا تفسيره «بالمبادلة» و غيرها.

و هذا الشرط وحيد في كونه خارجاً عن مقتضىٰ طبيعة العقد و ماهيّة البيع، و داخل في كونه خلاف مقتضىٰ نفس العقد بعد وجوده، فإنّ سائر الأمثلة إمّا ترجع إلىٰ خلاف الماهيّة المنتهية إلىٰ عدم إمكان تحقّقها ذاتاً، أو ترجع إلىٰ أنّها ليست من الشروط المخالفة لمقتضى العقد، بل ترجع

إلى الأُمور الأجنبيّة.

مثلًا: اشتراط تحديد سلطنته بالنسبة إلى المبيع، أو الشروط الراجعة إلى الزوجة، أو غير ذلك، فإنّها كلّها بعيدة عن مقتضى العقد، و قريبة إلى المسبّبات و آثاره، و استنادها إلى العقد مع الوسط مَجاز غير جائز، و أجنبيّ عن حدود الاقتضاء المستند إلى العقد.

أقول أوّلًا: قد مرّ منّا في خيار شرط ردّ الثمن: أنّه يرجع في الحقيقة إلىٰ تحديد البيع لبّا إلىٰ ذلك الوقت المجهول، و قد صحّحه الأخبار «1»

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 18، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 7، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 113

و الأصحاب «1» بلا إشكال؛ ضرورة أنّ لازمه مبادلة المالين إلىٰ ذلك الوقت الذي ينفسخ فيه العقد.

و ثانياً: أنّ سعة الأُمور الاعتباريّة و ضيقها، تابعة لسعة الحاجة إليها في السياسات الاجتماعيّة، و لا شبهة في إمكان كون المبادلة بين العينين واقعاً إلىٰ زمان خاصّ؛ علىٰ وجه لو أخلّ أحدهما، و نقل العين في زمان قبل بلوغ ذلك الزمان الخاصّ، يصحّ نقله، و لا يكون إخلاله من المخالف للشرع و الشرط، فعلى هذا لا يكون هذا الأثر من الآثار غير القابلة للردع و السلب في محيط العرف و الشرع، و لا إجماع تعبّدي علىٰ خلافه.

نعم، لا معنى لإرجاع الإجارة العقلائيّة في عصرنا هذا إلى البيع، و لا لإرجاع البيع إلى الإجارة في بعض الصور، كما حرّرناه في تحريراتنا الإجاريّة «2»؛ لعدم المقتضي لذلك الإرجاع عند العقلاء فعلًا، و لا منع عنه عقلًا بعد ذلك.

فلو باع داره علىٰ أن تكون هي بنحو شرط النتيجة ملكه عند تخلّف المشتري من شرط كذائيّ إلىٰ وقت محرّر، صحّ ذلك البيع و الشرط عندنا؛ ما لم يثبت إجماع تعبّدي، و هذا

هو في الحقيقة بيع إلىٰ حدّ على وجه الشرط.

و ربّما يأتي في الأزمنة الآتية اعتبار العقلاء لبيع الدار إلىٰ زمان

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 4: 223 224.

(2) كتاب الإجارة من تحريرات في الفقه (مفقود).

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 114

كذا، من غير كونه مقيّداً بالمنفعة الخاصّة، حتّى يندرج في الإجارة، بل هو بيع إلىٰ زمان كذا، فإن بقيت إلىٰ ذلك الزمان ترجع إلىٰ مالكها بانفساخ العقد؛ أي بتماميّة موضوعيّته للأثر و حكم العرف، و إن تلفت أو انتقلت إرثاً أو بالاختيار إلىٰ غيره، فلا ترجع إليه.

و أمّا ممنوعيّة المشتري في هذه الصورة عن النقل في الزمان المذكور، فهي تحتاج إلىٰ ضميمة شرط آخر لا يؤدّي بطلان النقل و إن كان خلافه إثماً و عصياناً، كما لا يخفى.

و يشبه هذه المسألة، البيع مع بناء المتعاقدين على الإقالة في الزمان المعيّن؛ لغرض من الأغراض العقلائيّة.

و منه يظهر حكم اشتراط عدم كونه موروثاً و يبقى بعد موت المشتري بلا مالك؛ و من قبيل المال المعرض عنه، وجلا عنه أهله، فإنّه ليس من الشرط المخالف للكتاب؛ لأنّ ما هو المخالف هو أن يرث من لا يرث، أو لا يرث من يرث، أو يرث أكثر من الفرض، أو الأقلّ منه، و أمّا هذا فهو هدم لموضوع الإرث؛ لأنّه يخرج بموته عن التركة موضوعاً.

تذييل في تأييدٍ لاستقلال هذا الشرط

ممّا يؤيّد ما أبدعناه «1» في هذا المضمار: أنّ الشرط المخالف لمقتضى العقد مستقلّ، و الشرطَ المخالف للكتاب أيضاً شرط آخر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 66.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 115

مستقلّ في صحّة الشروط المذكورة في ضمن العقود، و لو كان المراد من «الكتاب» أعمّ من الشروط التأسيسية و الإمضائية، للزم اتحادهما،

و لذلك استشكل في التعدّد بعض مشايخنا مدّ ظلّه- «1».

و بعبارة اخرىٰ: الشرط المخالف لمقتضى العقد علىٰ وجه فسّرناه يرجع إلى الشرط الهادم لنفسه؛ لأنّه شرط مضادّ للعقد الذي يعتبر وجوده في صحّة الشرط في الجملة؛ بناءً علىٰ عدم صحّة الشروط البدويّة و لو تعبّداً، و هذا خلاف ظاهر كلماتهم.

و إرجاعه إلى الشرط السابق، كما في حواشي كثير من المحشّين «2»؛ نظراً إلى الدليل الثاني المذكور في كلام الشيخ «3»، أيضاً غير صحيح.

فينحصر الأمر بما ذكرناه: و هو أنّ الشرط المخالف للكتاب هو الشرط المخالف للحكم الإسلاميّ التعبّدي، أو الحكم الموروث من السلف، و يكون من الأحكام السماويّة السابقة، و أمّا الشرط المخالف لمقتضى العقد، فهو الشرط المخالف للبناءات العرفيّة، و للأحكام الإمضائيّة الإسلاميّة، فليلاحظ جيّداً.

______________________________

(1) لم نجزم بمراده من بعض مشايخه.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 242/ السطر 7، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 112 113.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 281/ السطر 6.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 117

السادس أن يكون معلوماً
اشارة

أي من الشرائط التي قيل بل اشتهر دخالته في نفوذ الشرط المذكور في طيّ العقد: معلوميّة الشرط أو يضرّ بصحّته جهالته، فتكون الجهالة مانعاً؛ علىٰ ما مرّ في البيع «1»، فإنّ بين الاعتبارين اختلافاً في الآثار.

و حيث قد عرفت منّا: أنّ اعتبار المعلوميّة، أو مضرّية المجهوليّة، أو اعتبار عدم المجهوليّة في أصل البيع، ليس من الشروط العقلائيّة إلّا في الجملة، و لا دليل شرعاً في أصل البيع على الإطلاق.

و ذكرنا في طيّ البحوث الماضية شواهد المسألة، و الإجماعاتُ المحكيّة معلّلة غير منقّحة، مع أنّ المرسلتين «2» غير كافيتين سنداً

______________________________

(1) ممّا يؤسف له أنّ هذه المباحث فقدت و لم تصل إلينا.

(2) قد نهى رسول اللّٰه

(صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن بيع المضطر، و عن بيع الغرر. عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 45/ 168، وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

نهى النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن بيع الغرر. الخلاف 3: 319 و 330.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 118

و دلالة؛ ضرورة أنّ النهي عن بيع الغرر و لو كان مسنداً كما مرّ، و لكنّه غير تامّ دلالة، و إلّا يلزم اعتبار العلم بالماليّة و القيمة السوقيّة، و لازمه بطلان البيع المغبون فيه، كما قوّيناه من جهة أُخرى، و أيّدناه بذلك.

مع أنّه لا يوجب اعتبار الشرط المذكور في الشرط على الإطلاق؛ لرجوعه إلى الجهالة في العقد بالنسبة إلىٰ بعض الشروط، فيكون بطلان العقد مستلزماً لبطلان الشرط؛ بعد كونه ضمنيّاً عندهم في الجملة.

و حديث إلغاء الخصوصيّة عن أصل البيع بأن يكون المنهيّ نفس الغرر، كي تكون هذه المرسلة المسندة في بعض الكتب غير المعتبرة عندنا، مثل المرسلة الأُخرى المتمسّك بها في كتب الشيخ و العلّامة «1» لا يرجع إلىٰ محصّل، لأنّه يلزم منه عدم بطلان الشرط، لأنّ النهي يتعلّق حينئذٍ بأمر خارج عن المعاملة منطبق عليها، فلا تغفل.

و إن كان الملغى عنوان «العينة» دون القرار المعامليّ، فهو ممّا لا بأس به من هذه الجهة، إلّا أنّ إتمام هذا الإلغاء غريب في مثل الشروط. مع أنّ في كثير من الموارد، يصحّ البيع مع الجهالة، كما مرّ في كتاب البيع.

هذا مع أنّ «الغرر» بمعنى الجهالة، غير معهودة، و انجبار المعنىٰ

______________________________

(1) الخلاف 3: 319 و 330، مختلف الشيعة 386/ السطر 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 119

و المفاد بفهم

العامّة و الخاصّة، غير معلومة صحّته، و غير ثابت جدّاً؛ لأنّه مجرّد نقل في بعض كتب المتأخّرين.

فعلى كلّ تقدير: قد مضى أساس البحث في محلّه، فلا خير في إعادته.

تذييل: في عدم ثمرة لشرط المعلومية في الشروط

و ربّما يقال: بأنّ هذا الشرط غير تامّ هنا؛ لأنّه إن كان يرجع إلىٰ جهالة العوضين، فبطلانه مستند إلىٰ بطلان المعاملة، و إن كان لا يرجع إليه، فيكون من الشرط المخالف للكتاب؛ لأنّ المعتبر معلوميّة الشرط، فإذا شرط شرطاً مجهولًا يكون باطلًا؛ لكونه خلاف الكتاب، فيندرج في المسائل السابقة.

و هو بمعزل عن التحقيق في الشقّين؛ ضرورة أنّه في الشقّ الأوّل، يكون النظر إلى اعتبار معلوميّة الشرط؛ لأجل أن يقع صحيحاً بصحّة العقد المقرون به؛ و إن كان عدم معلوميته مستلزماً لبطلان العقد المستلزم بطلان الشرط.

هذا مع أنّ بطلان العقد، لا يستلزم بطلان الشرط عند التحقيق؛ لأنّ الشرط متقوّم بالضميمة عند العقلاء مثلًا، فلو كان العقد صحيحاً عندهم، و باطلًا عند الشرع، يشمله عموم دليل الشرط؛ لحصول ما هو المعتبر في ماهيّته، و هو كونه ضمنيّاً، فاغتنم.

و أمّا في الشقّ الثاني، فما هو الباطل في المسائل السابقة هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 120

المشروط المخالف للكتاب، و أمّا ما هو الباطل هنا بناءً على اعتبار العلم فهو نفس الشرط، و قد مرّ وقوع الخلط احتمالًا في كلماتهم بين الشرط، و المشروط و هو الملتزم به، فالشرط المجهول باطل هنا بنحو التوصيف، و الشرط المخالف للكتاب باطل و يكون المقصود منه هو المعنى المفعوليّ و الملتزَم به، دون نفس الالتزام، و جهالة المشروط و الملتزم به لا تكون مضرّة، إلّا لأجل رجوعها إلىٰ جهالة القرار و الشرط؛ بناءً على اعتبار معلوميّته، نظراً إلىٰ ذكرهم شرطاً مستقلا

في كلامهم، و الأمر سهل.

و علىٰ هذا، فما أشرنا إليه في أصل البحث بقولنا: «مع أنّه لا يوجب اعتبار الشرط.» «1» إلى آخره، غير تامّ، و لا حاجة إليه، كما أنّ كلمات القوم هنا حول هذا الشرط، خالية من التحصيل.

تنبيه: في سراية الجهالة من الشرط إلى البيع

ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ جهالة الشرط توجب جهالة في البيع، فيلزم بطلانهما و لو كان الشرط البدويّ صحيحاً، لأنّ الشرط المذكور في ضمن العقد، دخيل في اختلاف القيم، فيكون في نظر العرف له قسط من الثمن، و يلزم من الاشتراط الضمنيّ في مثل النتيجة انتقال المشروط، و في مثل شرط الفعل تملّك الشارط على المشروط عليه في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 118.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 121

ذمّته، و لا تكون تلك الملكيّة بلا عوض قطعاً، مع أنّه غير معلوم حدّه و مقداره، و لازمه بطلانه؛ بناءً علىٰ مفروغيّة اشتراط معلوميّة الثمن في مطلق القرارات المعاوضيّة و لو كانت من قبيل الشروط البدويّة.

و توهّم نفوذ الشرط و لزومه من غير عوض، واضح البطلان؛ لاحترام مال المسلم و فعله.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ المجهوليّة الآتية من قبل الشرط، غير مضرّة بصحّة العقد؛ لاعتبار كون العقد في ذاته معلوماً، و هو حاصل، و لا دليل علىٰ أزيد منه.

أو يقال كما يأتي: إنّ إبطال الشرط شرعاً يوجب معلوميّة العقد، و يكون العوض في مقابل المعوّض رغم أنف الشارط، كما هو كذلك في بعض الأحيان.

أو يقال: إنّ المدار على المعلوميّة في ظاهر الأمر، دون مقام اللبّ، مثلًا إذا عقد على امرأة عقد انقطاع مدّة يعلم بموت المنقطعة فيها، أو يحتمل فيها اتفاقه احتمالًا عقلائيّاً، فإنّه يستلزم لبّا جهالة في العقد، و لكنّه ليس من قبيل الجهالة

في أصل العقد في مرحلة الإنشاء.

هذا مع أنّ حديث تعدّد المطلوب، ممّا لا ينبغي الغفلة عنه، فربّما يكون البائع راضياً في بيع داره بالثمن المذكور، إلّا أنّه يريد تحميل شي ء يسير على المشتري، كقراءة سورة في ضمن العقد؛ لما يعلم من عدم إمكانه بدواً، فلا يستلزم مطلق الشرط جهالة؛ لعدم دخالته دائميّاً في

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 122

حدّ العوض و زيادته، كما لا يخفى، فما أفاده الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» غير تامّ، كما لا يخفى.

بقي شي ء

لا شبهة في عدم اعتبار العلم بجميع خصوصيّات الدار مثلًا في بيع الدار، فلا يعتبر العلم بأنّ جميع أبوابها صحيحة سالمة، أو يكون بعض منها فيه النقصان، و هكذا بالنسبة إلى الزجاجات.

بل لا يعتبر العلم بأنّ جميع الزجاجات المتعارفة موجودة؛ لأنّ ذلك من تبعات الدار، و يكفي في بيعها الاطلاع علىٰ مهامّ امورها، فلا يبطل البيع بتلك الجهالة، بخلاف ما إذا اعتبر صحّة الزجاجات و الأبواب، فإنّ جعلها مورد النظر و اشتراطها مستقلا، يوجب كونها صحيحة، و يخرجها عن التبعيّة.

و بذلك يظهر النظر في مرام العلّامة (قدّس سرّه) «2» و يظهر الحقّ في مورد الخلاف بينه و بين صاحب «الدروس» (قدّس سرّه) «3» و تصير النتيجة عكس ما قيل، فليتأمّل جيّداً.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 282/ السطر 13.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 493/ السطر 26.

(3) الدروس الشرعيّة 3: 216.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 123

السابع أن لا يلزم منه المحال

بحث و تحصيل ربّما يقال: إنّ من شرائط صحّة الشرط؛ أن لا يلزم منه المحال.

و يتوجّه إليه: أنّه إن كان من الشرط الفقهيّ؛ و هو الالتزام في الالتزام، فيكون لازمه عجز المشروط عليه من الامتثال و الوفاء، فيكون مندرجاً في الشرط الأوّل، و من جهة يندرج في الشرط الآخر؛ و هو كونه عقلائيّاً، بمعنى أن يكون فيه الغرض العرفي، فيبطل لأجل الشرط الثالث، و قد مرّ بعض الكلام آنفاً حول كيفيّة دخالة الشرط الفقهيّ في تحقّق العقد، و يأتي تفصيله إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

هذا إذا كان الشارط غافلًا، و إلّا فلا يترشّح منه إرادة الشرط.

و إن كان من الشرط الأُصوليّ، فيلزم بطلان العقد لأجل التعليق المجمع عندهم علىٰ بطلانه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 124

فما في «التذكرة» «1» غير جائز

صدوره عنه (رحمه اللّٰه) و لأجل ذلك استشكل عليه: بأنّ قوله ببطلان اشتراط أن يبيع منه في ضمن عقد البيع، لا معنى محصّل له؛ لأنّه على الأوّل صحيح و جائز، و يكون مثله اشتراط أن يقف أو يهب أو يعتق أو غير ذلك ممّا يتوقّف صحّته على الملكيّة؛ لما «لا بيع إلّا عن ملك» «2»، و لا هبة و لا عتق و لا وقف إلّا عنه، و هي حاصلة.

و على الثاني يبطل البيع، إمّا عقلًا كما قيل، أو شرعاً كما أُشير إليه؛ نظراً إلى التعليق، و يكون البيع عندئذٍ مثل الواجب المشروط في وجه.

فلا تصل النوبة إلىٰ إبطال الشرط تارة: بالدور؛ لتوقّف البيع الأوّل في التأثير على البيع الثاني، و البيع الثاني في التأثير على البيع الأوّل.

و أُخرى: بأنّ البيع الثاني يستلزم بيع الشي ء من مالكه، و هو أيضاً محال؛ لتوقّف تأثير البيع الأوّل علىٰ عدم تأثير البيع الثاني، و إلّا يلزم أن يبيع في البيع الثاني متاع الشارط من نفسه، فيكون الشرط باطلًا من هذه الجهة، و هي غير الدور.

و ثالثة: بأنّه من الشرط غير العقلائي، و لازمه أن لا تصدر منه الإرادة الجدّية بالنسبة إليه حين الالتفات، أو يكون باطلًا لأجل هذه الجهة، لا الدور المذكور في «التذكرة» (قدّس سرّه) «3» هكذا نسب إلى

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 490/ السطر 21.

(2) مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 3 و 4.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 490/ السطر 21.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 125

الشهيد (رحمه اللّٰه) «2».

و ربّما يقال: بأنّه لا امتناع عقلًا؛ لإمكان كون الشرط البيعَ الإنشائيّ، فيحصل بالبيع الثاني الإنشائيّ الملكيّة، ثمّ ينتقل إلى

البائع الأوّل، كما في مسألة «من باع ثمّ ملك» و هكذا في الفرض الثاني، فإنّ الفضوليّ كما مرّ له صور و أقسام، و منها: أن يبيع المالك داره إنشاء، ثمّ يجيز متأخّراً لأجل الأغراض الخاصّة، و في المقام أيضاً يبيع البائع الثاني بالبيع الإنشائيّ الفضوليّ من المالك، ثمّ بعد ذلك ينتقل إليه، كما في المسألة المشار إليها.

و أمّا المناقشة في عقلائيّة القضيّة «3»، فهي واضحة المنع؛ ضرورة أنّ من المسائل المتعارفة احتياج أرباب الأملاك إلى النقود، فيبيع داره بمقدار أقلّ من قيمتها، و يشترط أن يبيعها منه في الزمان الآتي بأضعافها، و هذا نوع فرار من الربا.

و هكذا ربّما يتعلّق الأغراض الشخصيّة حتّى في الزمان المتأخّر القصير، و لا يعتبر الأغراض النوعيّة العاديّة في صحّة المعاملات كما مرّ، فتدبّر و تأمّل.

أقول: البحث هنا حول الشرط الأُصوليّ؛ بناءً علىٰ ما هو الحقّ من صحّة البيع التعليقيّ، و إلّا فلا ينبغي اختفاؤه علىٰ مثل العلّامة، مع إيراده الدور الظاهر في أنّه أراد منه الشرط الأُصوليّ.

______________________________

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 282/ السطر 23، الدروس الشرعيّة 3: 216.

(3) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 201.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 126

و أيضاً: يكون البحث في صورة أعمّ من كون البيعين معاطاتيّين، أو لفظيّين، فلا تنحلّ المشكلة العقليّة بالإنشاء و البيع الإنشائيّ. مع أنّ من الأقوال بطلانه، و إن كان الحقّ أنّه صحيح، إلّا أنّه يصير بيعاً بالإجازة، و لا يكون الإنشاء بيعاً بالحقيقة، فلا يحصل الشرط بالبيع الإنشائيّ؛ لأنّه ليس بيعاً.

هذا مع أنّ مفروض البحث أعمّ من كون الشرط البيع الإنشائيّ، و البيع المؤثّر الموضوع للأثر عند العقلاء، و البيع الذي تمّ و صار مملّكاً عند العرف.

فعلى ما

ذكرنا يظهر وجه النظر فيما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه هنا «1».

و الذي هو التحقيق: أنّه لا يعتبر في صحّة البيع تقدّم الملكيّة رتبة، بل يكفي حصول الملكيّة في الرتبة المتأخّرة في موارد المبادلة بين المالين في الملكيّة العرفيّة و تلك الإضافة العقلائيّة، فلو باع المشتري من البائع الأوّل، يحصل الشرط الأُصوليّ في الرتبة السابقة، و يحصل الموقوف عليه في الرتبة اللاحقة، و هذا ليس من البيع الإنشائيّ المتأخّر أثره زماناً.

ففي مورد البيع معاطاة، يرضى البائع بتصرّف المشتري نوع رضا بالضرورة، فإذا باع و بادل معاطاة تحصل الملكيّة التي هي أثر البيع الأوّل، و الملكيّة التي هي أثر البيع الثاني في الزمان الواحد، إلّا أنّ

______________________________

(1) نفس المصدر: 199 201.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 127

ما هو الدخيل في حصول الملكيّة بالبيع الأوّل، وجود البيع المعاطاتيّ الموضوع للملكيّة المتأخّرة عنه رتبة.

نعم، لو كان الشرط نفس المسبّب؛ و هي الملكيّة، أو السبب المتقيّد بالمسبّب؛ بحيث يلزم كونهما في هذا الاعتبار عرضيّاً فلا يعقل؛ للزوم تقدّم الملكيّة الثانية، على الاولىٰ، و هو مستحيل في الاعتبار، لا في الواقع؛ لما لا واقعيّة للاعتباريّات، فلا تخلط، و ليتأمّل جيّداً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 129

الثامن أن يذكر في متن العقد
اشارة

أي من شروط صحّة الشرط؛ أن يذكر في العقد، و في طيّ المعاوضة اللفظيّة، أو المعاطاتية، و في ضمن العقود الإنشائيّة.

و بالجملة: النظر هنا إلىٰ أنّه شرط و لو في الجملة، أم لا؟ و أمّا البحث عن الشروط في ضمن العقود الجائزة، أو الإيقاعات، بل و العقود الباطلة و الإيقاعات الفاسدة، فيأتي في محلّ آخر إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

ثمّ ممّا لا يخفى: أنّ مقتضىٰ ما تحرّر منّا «1»؛ أنّ حقيقة عنوان «الشرط»

ليست مرهونة بالذكر في ضمن العقد، و لا معنىٰ لإطالة الكلام و تكرار المرام بمجرّد انجرار المناسبات، كما ترى في كلام القوم، و لا سيّما الفقيه اليزديّ «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 5.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 118 119.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 130

فعلى هذا، يقع البحث في أنّه شرط شرعيّ أم لا؟

و ربّما يدلّ علىٰ أنّه شرعيّ عند الأصحاب ذكر هذا الشرط من شروط صحّة الشرط، دون تحقّق عنوانه، فتأمّل.

شبهة في إمكان الشرط الضمنيّ

و قبل الخوض فيما هو الوجه و الدليل عليه، نشير إلىٰ نكتة و شبهة: و هي أنّ مقتضىٰ ما قيل و اشتهر بين المتأخّرين من أنّ الشرط هو الأمر المذكور في ضمن البيع، و الالتزام في التزام عقديّ، كالبيع و نحوه مثلًا امتناع تحقّقه؛ و ذلك لأنّه إن ذكر هذا الشرط قبل العقد أو بعد العقد، فليس في ضمن البيع، و ليس البيع ظرفه كما هو ظاهر كلمة «في» الدالّة على الظرفيّة الواقعيّة، أو الاعتباريّة و الادعائيّة المحتاجة إلىٰ مصحّح.

و إن ذكر في أثناء ألفاظ البيع، فليس أيضاً في ضمن البيع؛ لما أنّه لم يتحقّق بعدُ بالضرورة؛ لأنّ المراد من «البيع» هو المعنى المسبّبي، لا الألفاظ المتوسّل بها إليه، إلّا بوجه مضى في أوّل كتاب البيع «1»، و كان هو خلاف التحقيق؛ لأنّ المعاطاة بيع.

فعلى ما أُشير إليه، لا بدّ و أن يكون الذكر الضمنيّ ممتنعاً، فيكون الشرط منحصراً في البدويّ لغةً و ماهيّة، و لا بأس بكون ذكره في طيّ ذكر ألفاظ العقد في أثنائها أو بعدها أو قبلها، دخيلًا في وجوب الوفاء به شرعاً.

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 1: 11.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 131

و هذا من غير

فرق بين كون البيع تمام الإيجاب، أو هو الإيجاب، و القبول، كما لا يخفى.

و يندفع الإشكال؛ بأنّ المراد من «كونه ضمنياً» هو التقيّد اللبّي اللازم قهراً في حصول الربط بين الأُمور الأجنبيّة، و هذا أمر ممّا لا بدّ منه، و إلّا فيكون هو من الشرط البدويّ، و هذا الربط اللازم لا يلزم أن يكون جزءً كسائر الأجزاء، فإنّ الأجزاء المقداريّة و التحليليّة مختلفة في التكوين و التشريع؛ ضرورة أنّ السورة جزء، و الطهارة جزء، إلّا أنّه جزء تحليليّ عقليّ، لا مقداريّ.

و بذلك يحصل الفرق بين ما يقع بحذائه الثمن جزءً بجزء مثلًا، و بين ما لا يقع كذلك، و هذا هو الفارق بين ما هو الموجب تخلّفه خيار تخلّف القيد و الوصف، و ما هو الموجب لخيار تخلّف الشرط.

فالشرط ما دام لم يقع في الضمن اللبّي المرتبط بقيود المعقود عليه لا العقد؛ كي يلزم التعليق، و يخرج عن محطّ البحث، لا يكفي مجرّد ذكره في طيّ العقد.

فما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه-: من أنّه و إن كان موجباً بحسب اللبّ تضيّقاً في المراد، و لكنّه لا يوجب تحديداً بحسب مرحلة الإثبات و الإنشاء «1»؛ نظراً إلىٰ بعض ما أُشير إليه غير تامّ ظاهراً؛ لإمكان كون تخلّفه موجباً لخيار الشرط، لاختلافه مع سائر القيود في الاعتبار.

فبالجملة تحصّل: أنّ الشرط لا بدّ و أن يكون قيداً، و هو معتبر في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 204 205.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 132

مرحلة الثبوت و الإثبات، و لذلك استدلّوا بدليل الوفاء بالعقد علىٰ وجوب العمل بالشرط أيضاً.

و أمّا توهّم: أنّ التقييد بالالتزام بكون المبيع ذا وصف كذائيّ، غير جائز؛ ضرورة أنّ لازمه عدم تقيّد

العقد بالالتزام و بمفاد الشرط، و هكذا التقييد بالالتزام بالخياطة؛ لأنّ الالتزام إمّا واقع من غير حاجة إلى الخياطة الخارجيّة؛ و كون الفرس عربيّاً، أو غير ممكن أن يقع في الخارج.

فهو أيضاً ناشئ عن الخلط بين الأجزاء التحليليّة، و الأوصاف و القيود؛ فإنّ الأجزاء التحليليّة بحسب الخارج لا تقتضي إلّا ما يقتضي العقد على الموصوف و المقيّد، و لكنّ الفرق بينهما ناشئ من كون تلك الأوصاف و القيود كالعربيّة، و الخياطة، و قراءة السورة، و ترك شرب الخمر، و الإتيان بفريضة، و غير ذلك من الأُمور الممكن أخذها في ضمن العقد؛ بتقييده بها في الفرض الأوّل موجبةً لتعلّق العقد بالموصوف و المقيّد.

و في الثاني موجبةً لتعلّقه بطبيعة التقييد بالمعنى الحرفيّ، و القيد خارج، بخلاف المقيّد في الأوّل، فإنّ التقيّد و القيد داخل، و ذلك المعنى الحرفيّ الداخل لا يجب أن يصير خارجيّاً؛ لأنّ خارجيّته بخارجيّة طرفه، و هي الخياطة، و ترك شرب الخمر، و أداء الفريضة، و لأجل ذلك لا يلزم أن يكون الشرط موجباً لاختلاف قيم المبيع، كما في بعض تلك الأمثلة، بل و لا موجباً للخيار، كما في النكاح أو في غيره؛ بإسقاط خيار التخلّف.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 133

و دعوىٰ: أنّه في صورة عدم تجزّؤ الثمن بالنسبة إليه، و عدم كونه موجباً للخيار و لا لغيره، يلزم كونه إمّا شرطاً بدويّاً أو يستكشف صحّة تلك المقالة، غير مسموعة؛ لأنّ المطلوب ربّما يكون له القيد المذكور علىٰ وجه لا يستتبع شيئاً وضعيّاً، و لكنّه يستلزم معنىً تكليفيّاً و تبعة أُخرويّة؛ لأنّ مطلوبه لا يزيد عليه، فبتعدّد المطلوب و مراتبه تنحلّ هذه المشكلة أيضاً.

و دعوىٰ: أنّه شرط غير مربوط، و لكن لا

يصدق عنوانه إلّا بذكر لفظيّ في طيّ العقد، أو يعتبر شرعاً ذلك، و إن كانت ممكنة، و لكنّه ليس شرطاً لغةً، بل هو أمر أجنبيّ مذكور في زمان إيجاد البيع، و لا منع عن التسمية، إلّا أنّه خلاف الوجدان، و بعيد عن الأذهان.

فما في كلمات القوم هنا، و ما أفاده الوالد المحقّق «1» مدّ ظلّه ممنوع، و ما هو المقصود هنا ليس أمراً زائداً علىٰ ما ذكرناه.

تنبيه: حكم الشرط البدوي المذكور عقيب العقد

إذا قال في موارد الإنشاء: «بعتك هذه الدار بكذا؛ علىٰ أن تقرأ سورة البقرة» يصير شرطاً ضمنيّاً.

و أمّا إذا قال: «بعتك هذه، و شرطت عليك كذا» يكون من الشرط البدويّ المذكور في زمان العقد و عقيبه عرفاً، و لا بأس بالالتزام بوجوب الوفاء بأمثال هذه الشروط البدويّة؛ لكونها خارجة عن مورد السيرة

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 205.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 134

القطعيّة الموجودة علىٰ عدم وجوب الوفاء بالشروط البدويّة غير المعاوضيّة، و الأجنبيّة عن الأُمور الماليّة، و إلّا فالوفاء لا يبعد وجوبه لو كان مفاد أدلّة الشروط وجوب الوفاء بها، و لكنّك عرفت ممنوعيّة ذلك، و سيمرّ عليك زيادة تحقيق حوله.

نعم، ربّما يناسب لزوم ذلك عند العقلاء؛ لعدم اختصاص بالعقود، فليلاحظ جيّداً، و تأمّل جدّاً.

و غير خفيّ: أنّه و لو كان مثل هذه الشروط واجبة الوفاء؛ لكونها خارجة عن المخصّص، أو واردة في الضمنيّة، و لكنّها لا توجب خيار التخلّف إلّا إذا كانت ضمنيّة لبّا و إثباتاً.

تحقيق المسألة

إذا تبيّنت هذه الوجيزة يظهر: أنّه لا فرق حسب التدقيق بين ذكر الشروط قبل العقد، أو في الأثناء، أو بعده. بل الإنصاف أنّ فهم السوق يساعد علىٰ ذلك و لو كان الشرط أمراً أجنبيّا مذكوراً في طيّ العقد؛ و ذلك لأنّ الشرط المذكور في ضمن العقد، ليس معنىً تصديقيّاً و جملة تامّة، بل هي جملة ناقصة، فلا بدّ أن تكون مرتبطة بالجملة الأصليّة، فلا معنىٰ لكونه معنى إنشائيّاً مستقلا.

فلو باع داره «علىٰ أن تقرأ سورة البقرة» ليس مفاد جملة «علىٰ أن تقرأ» إلّا معنى ناقصاً، فكيف يكون من الإنشائيات؟! و هذا من أحسن الأدلّة علىٰ أنّ الشروط قيود تحليليّة، فما يظهر من

الخيارات

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 135

القوم من كونها كسائر القيود، فبحذائها الأثمان، غير تامّ.

كما أنّ ما أبدعه الوالد المحقّق مدّ ظلّه من كونها أجنبيّات عن العقود مذكورات في زمان ذكر العقد «1»، بعيد عن الحقّ جدّاً و إلّا يلزم أن يكون مجرّد ذكر الشرط البدويّ مقارناً مع العقد، واجب الوفاء، أو يكون الأمر قصديّاً، بل لا يعتبر القصد في ذلك بعد كونها غير مرتبطة بأصل العقد.

فالحدّ الوسط أنّها من القيود التحليليّة و الأجزاء العقليّة، لا العرفيّة و العقلائيّة.

و غير خفيّ: أنّ إفادة الشرط كما تجوز على النهج المشار إليه، كذلك تجوز هكذا فيقول: بعتك الدار بكذا، مشارطاً كذا.

و أمّا قوله: «و شرطت عليك كذا» فهو لو صحّ يكون شاهداً علىٰ صحّة الشروط البدويّة؛ قضاءً لحقّ كلمة «الواو» المتخلّلة بين الجملتين. فما يظهر عن بعضهم من صحّة إفادة الشرط بالنهج المزبور، في محلّه بشرط كون «الواو» حاليّة، لا عاطفة؛ لأنّ البحث حول الشروط الضمنيّة، لا المطلقة، فلا تخلط.

لا يقال: نسب إلى المشهور اشتراط ذكره في ضمن العقد «2».

لأنّا نقول: إنّه محمول علىٰ ما يقابل الشروط البدويّة، و أمّا اعتبار ذكرها بعد الإنشاء، أو في الأثناء، فهو في الإشكال يشترك مع ذكرها قبله، كما مرّ.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 205.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 282/ السطر 33.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 136

و أمّا احتمال كونها شهرة تعبّدية و إجماعاً كاشفاً عن حكم خاصّ بلزوم ذكرها، فهو بعيد، و إلّا فلا يكفي الإشارة إليها، كما لا يخفى.

و ما في كلام الفقيه اليزديّ من كونها أُموراً قلبيّة «1»، أو في كلام الشيخ من بقاء وجودها إلىٰ حين العقد «2»، كلّه الغفلة عمّا هو الحقّ في

المسألة؛ فإنّ العقود المبنيّة على المقاولات السابقة، ليست ناقصة بالنسبة إلىٰ تلك المقاولات، و لا تكون تلك المقاولات إنشائيّات باقية، بل مذاكرة بين المتعاملين، فيكون داخلًا في مصبّ البيع، كسائر القيود و الأوصاف المنصرف إليها بحسب مقتضيات القطر و المحيط، إلّا أنّها قرائن عامّة كلّية، و هي القرائن الخاصّة الجزئيّة.

بقي شي ء: حكم الشرط للبائع من دون ذكر الثمن

لو باع داره بشرط أن يعطيه ألف دينار، و لم يذكر الثمن، فإن كان هذا بيان الثمن عرفاً، فلا بحث، و لا بأس به.

و أمّا لو كان شرطاً في ضمن الإيجاب، فعلى ما اختاره القوم من أنّ الثمن ركن في البيع فهو باطل، و لا فرق بين كون بطلان البيع؛ لأجل أنّ عدم ذكر الثمن موجب لبطلان الشرط، أو بطلان الشرط في حدّ نفسه؛ لما أنّ من شرائط صحّته ذكره في ضمن العقد الصحيح.

نعم، لو قلنا: بأنّ الشرط إذا كان قابلًا للتصحيح عند العقلاء، و كان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 118 119.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 282/ السطر 26 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 137

باطلًا لأجل البدويّة، فإذا كان العقد باطلًا فيمكن تصحيحه شرعاً، لخروجه بذلك عنها و لو كان بحسب المفهوم و العنوان مرهوناً بالضمنيّة، كما هو الظاهر.

مثلًا: لو كان من قصد البائع، استملاكه على المشتري خياطة ثوبه إذا جاء زيد من سفره، فإنّه لا يجوز بدويّاً، و لكنّه لو ذكر في طيّ العقد، فجاء زيد، فعلى المشتري القابل خياطة ثوبه، و أداء دينه و ملكه إليه مثلًا، فلو تبيّن بطلان العقد المذكور، لأجل الجهات الأُخر، فلا منع عن صحّة الالتزام المذكور و لزوم الوفاء به؛ بعد إطلاق أدلّته، و عموم أخباره.

تذييل: بعض الأخبار الدالّة على لزوم ذكر الشرط طيّ العقد

يستظهر من طائفة من الأخبار الواردة في خصوص النكاح؛ اشتراط ذكر الشرط في طيّ العقد، و أنّ العقد يهدم الشروط السابقة، و ما يذكر بعده يصحّ. و الظاهر أنّ الشرائط إن كانت تحميليّة من قِبل الموجب، فتذكر بعد الإيجاب، و أمّا الشروط التحمّلية من قِبل القابل، فتلك الأخبار ساكتة عنها.

و من هذه الطائفة: رواية ابن بكير عن

الصادق (عليه السّلام)

ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح، و ما كان بعد النكاح فهو جائز «1».

______________________________

(1) الكافي 5: 456/ 1، تهذيب الأحكام 7: 262/ 1134، وسائل الشيعة 21: 46، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 19، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 138

و في رواية أُخرى قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

إذا اشترطتَ على المرأة شروط المتعة، فرضيت به، و أوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح، فإن أجازته فقد جاز، و إن لم تجزه فلا يجوز عليها من ما كان شرط قبل النكاح «1».

و غير خفيّ: أنّ النكاح ربّما يختصّ بما لا يشترك معه غيره، و لعلّه احتياط في البضع. هذا مع أنّ إطلاق ذكره بعده غير قابل للتصديق إلّا على القول: بأنّها من الشروط البدويّة النافذة.

و إن شئت قلت: للمتعاقدين بعد العقد التصرّف في خصوصيّاته بزيادة الثمن و تنقيصه، و باعتبار شرط فيه و لو مضى عامّ؛ لأنّ العقد باقٍ، لجواز إقالته، و ليس هو من الشرط البدويّ، و لذلك ورد النصّ «2» و الفتوى «3» بأنّه لو بنيا في عقد النكاح على المهر الخاصّ المنسيّ ذكره في العقد صحّ، و يجب الوفاء به، فلو جاز التجاوز عن هذه الطائفة إلىٰ غير النكاح، لجاز عن الطائفة المشار إليها إلىٰ غيره أيضاً، فلو باع داره بثمن مثلًا، ثمّ بنيا علىٰ زيادته، يجب الوفاء؛ لكونه داخلًا في العقد الباقي في الاعتبار، و بذلك يخرج عن البدويّة، فليغتنم.

و الذي ربّما يستظهر من هذه الأخبار؛ هو أنّ مجرّد المقاولة غير كافية، بل لا بدّ و أن يكون العقد مبنيّاً علىٰ تلك المذاكرة، و هذه الأخبار

______________________________

(1) الكافي 5: 456/ 3، تهذيب الأحكام 7:

263/ 1139، وسائل الشيعة 21: 45، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 19، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 21: 271، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 15.

(3) جواهر الكلام 31: 37.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 139

ناظرة إلىٰ غير هذه الصورة نظير المقاولة علىٰ بيع الدار بألف دينار و عشرين كتاباً، ثمّ بعد الإيجاب قبله المشتري بألف دينار و لم يذكر الكتب، فإنّه يهدم المقاولة، بخلاف ما إذا لم يذكر الثمن أصلًا، فعليه ربّما كانت هذه الأخبار في مورد يذكر بعض القيود التي تذاكرا عليها، و لم يذكر الباقي.

ثمّ إنّ ظاهر هذه الأخبار: أنّ الرجل موجب، و المرأة قابلة، مع أنّ الأمر حسب القواعد على العكس؛ و أنّ وكيل المرأة يوجب، و الرجل يقبل، فتأمّل.

هذا، و تلك الأخبار مذكورة في الباب (19) من أبواب المتعة، و في سند أكثرها الإشكال إلّا واحداً منها، و هو الخبر الأوّل، و الالتزام به مشكل؛ لظهوره في تحديد الشرط النافذ، و هو ما يذكر بعد النكاح فلا يجوز ما يذكر في الأثناء و قبل القبول. و حمل النكاح على الإيجاب و لا سيّما بدعوىٰ: أنّه حقيقة النكاح خلاف ظاهره جدّاً.

تذنيب: حكم التعليق في الشرط

قد مرّ حكم التعليق في عقد البيع، و ذكرنا وجه صحّته ثبوتاً، و منع الدليل الصحيح إثباتاً «1»، و علىٰ هذا لو كان الشرط في ضمن العقد، راجعاً إلى التعليق في العقد؛ بأن يصير العقد و هيئة جملة «بعت» كهيئة الأمر في الواجب المشروط، أو كالواجب المعلّق، فلا يضرّ، فضلًا عمّا إذا

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 1: 168.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 140

كان الشرط من الشرط الفقهيّ، دون الأُصوليّ، فإنّه ممّا لا وجه للمناقشة فيه ثبوتاً، و لا

إثباتاً؛ لأنّ الالتزام بالقضيّة الشرطيّة في ضمن العقد المنجّز الفعليّ، التزام فعليّ، و الملتزم به قضيّة شرطيّة، من غير وجه لتوهّم السراية إلى العقد، أو توهّم انقلاب البيع الواحد إلى البيعين.

مع أنّ الشرط كما مرّ من الأجزاء التحليليّة و القيود العقليّة، لا المقداريّة و العرفيّة المقتسمة عليها الأثمان مثلًا. فما في كلام الشيخ هنا «1»، و كلام المحشّين «2»، غير نقيّ جدّاً.

و بالجملة: لو كان الشرط أُصوليّاً، فلا يلزم منه كون العقد و هيئته معلّقاً، و لا مشروطاً؛ على الاصطلاح في الواجبات، و السرّ كلّه أنّه ليس إلّا جزء تحليليّ، كما عرفت. و لو استلزم ذلك فلا يبطل على الأظهر، كما مرّ.

هذا كلّه حول البحث ثبوتاً، و أمّا البحوث الإثباتيّة فهي خارجة عن فنّ الفقيه؛ لاختلاف مقتضيات القرائن الخاصّة و العامّة.

و علىٰ كلّ تقدير: لو باع داره علىٰ أن تخيط ثوباً بثمن، أو علىٰ إن جاء زيد تخيطه بثمن معلوم، لا يكون هو شرطاً باطلًا في ذاته، و لا يلزم من تعليقته تعليقة العقد، حتّى يقال: بأنّ التعليق منه يسري إلى العقد، و البطلان من العقد يسري إلى الشرط؛ لأنّ وجه بطلان الشرط التعليقيّ هو بطلان العقد، لا الإجماع كي يناقش في ثبوته في المحلّ.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 283/ السطر 10.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 119 120، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 66/ السطر 9، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 154/ السطر 20.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 141

التاسع عدم الإكراه
اشارة

أي من شروط صحّة الشرط أن لا يكون عن إكراه. فلو اضطرّ إلىٰ بيع داره، و أكرهه المكره على شرط في ضمنه، لا يصحّ الشرط و لو كان قاصداً له و متمكّناً من التورية

و عدم القصد؛ لحكم العقلاء و بنائهم، بل و لحديث الرفع «1».

و يمكن دعوى ثبوت الخيار للمشتري؛ لأنّ التخلّف عن الشرط و لو كان جائزاً للبائع، و لكنّه لا ينافي حكم العقلاء بالخيار للمشتري بعد قبوله، فلو باع داره، و أُكره علىٰ أن يشترط علىٰ نفسه خياطة ثوب

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ، و النسيان، و ما اكرهوا عليه، و ما لا يعلمون و ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكّر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 142

المشتري فقبله، فإنّه إذا رفع عنه الإكراه لا يلزم عليه شي ء شرعاً، كما إذا انتفى الإلزام تكويناً، و لكنّ المشتري بالخيار؛ لأنّ الخيار معلول الأعمّ.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ

رفع. ما استكرهوا عليه

يستلزم اعتبار الشرط معدوماً، فلا خيار عند الشرع.

أو يقال: إنّه خلاف المنّة بالنسبة إلى المشتري، فلا يرتفع به الخيار.

أو يقال: لا يعتبر المنّة بالنسبة إلى المشتري، نعم لا يلزم نفي الخيار؛ لما لا يدلّ الرفع على التنزيل المدّعىٰ في حديث الرفع.

و أمّا توهّم: أنّه مع الاضطرار إلى البيع، لا يحصل الإكراه على الشرط، فهو واضح المنع.

نعم، دعوى عدم صحّة التمسّك بحديث الرفع هنا؛ لما لا منّة فيه بعد حكم العقلاء بالبطلان، قريبة تفصيلها يطلب من محلّها.

تذييل: حول الاشتراط في بيع المثل بالمثل

في بيع المثل بالمثل يجوز الاشتراط، حسبما ما تحرّر منّا: من أنّ الشرط جزء تحليليّ لا يقابل بالجزء المقداريّ،

فلا يلزم الربا في نفس الشرط، و لا في البيع.

نعم، بناءً علىٰ أنّه جزء من العوضين يشكل الأمر، كما اختاره السيّد (رحمه اللّٰه) «1» و نتيجته بطلان العقد، و لكنّ الشرط ليس باطلًا بما أنّه

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 116/ السطر 22، و 133 134.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 143

ربويّ، بل بطلانه معلول بطلانه، فما في كلام الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه): من أنّه من قبيل الشرط السادس «1»؛ و هو أن لا يكون غرريّاً، غير تامّ هنا و هناك.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 143

نعم، لو قلنا: بأنّ الزيادة الحكميّة و الشروط التحليليّة أيضاً ممنوعة، فالبطلان في جانب الشرط و هي الزيادة قطعيّة؛ لاحتمال صحّة البيع رغم أنف المتبايعين المتشارطين، و في نفسي أنّه (قدّس سرّه) استقوىٰ ذلك في «ملحقات العروة» «2».

و ما قيل: من أنّ الزيادة الباطلة في البيع، توجب البطلان في أصل البيع قهراً؛ للسراية، ممنوع؛ لأنّه ناشئ عن غفلة إمكان تدخّل الشرع في إلغاء القصد و تراضي المتبايعين هنا رغم أنف الشارط الآكل للربا، فاغتنم.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 119/ السطر 31.

(2) ملحقات العروة الوثقى 2: 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 145

العاشر نفوذ الشرط شرعاً
اشارة

أي من شرائط صحّة الشروط الضمنيّة كونه صحيحاً في حدّ نفسه و نافذاً شرعاً، و لم يكن مورد الشكّ و الردع بحسب طبعه و ذاته.

و تحقيق هذه المسألة يستدعي البحث في جهات:

الجهة الاولىٰ: في أقسام الشروط

فإنّها تنقسم إلىٰ شرط الفعل، و شرط النتيجة، و شرط الوصف. و الأخير و إن كان خارجاً عن القدرة بالأسباب التكوينيّة و التشريعيّة، إلّا أنّ مقدوريّة الموصوف في صورة كون الوصف قيداً للكلّي، يكفي لذلك، و في صورة كونه وصفاً للمبيع الخارجيّ، أيضاً لا يخرج عن جواز الاشتراط عند العقلاء، كما يأتي.

و ربّما يوصف الجزئيّ بوصف يتعلّق به القدرة، كالكتابة بالنسبة إلى العبد، و مثال الاولى الحلاوة بالنسبة إلى البطّيخ، و هكذا.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 146

ثمّ إنّ الشرط تارة: يكون من قبل البائع علىٰ نفسه.

و أُخرى: يشترط المشتري على البائع، و هذا يجري في الأقسام الكلّية السابقة.

مثلًا تارة: يشترط البائع حين بيع داره خياطة ثوب المشترى؛ لغرض من الأغراض العقلائيّة.

و أُخرى: يشترط المشتري على البائع ذلك، فيقبله البائع.

و توهّم عدم جريانه في مثل شرط النتيجة؛ لحصول الشرط قهراً في ملك المشتري، في غير محلّه؛ لأنّ قبول العقد في حكم قبول الشرط.

و من الشروط ما هو مذكور علىٰ نحو القضيّة البتّية الناقصة، كقوله: «بعت على أن تخيط لي ثوباً».

و أُخرى: يذكر على نعت القضيّة الشرطيّة، كما مرّ و عرفت.

و ربّما يجعل نفس المثمن أو الثمن بشكل الشرط في الإيجاب، كما أشرنا إليه، فيقول البائع: «بعتك داري بشرط أن تعطيني ألف دينار، و لا ثمن لها إلّا ذلك» و هكذا في جانب الثمن، و لكنّه يرجع إلى الأوّل في وجه.

و من الشروط البدويّات التي فيها الأغراض العرفية.

و منها الإلزامات و المعاهدات الدارجة

في هذه الأعصار بين الدول و الحكومات، و غير ذلك من أصنافها التي ربّما تختلف أحكامها، مثل أن يشترط في طيّ القعد أن يكون ثوبه مبيعاً له، أو أن يحصل بينهما بيع الثوب علىٰ نحو شرط النتيجة، حتّى يكون النتيجة عنوان «البيع» لا الملكيّة المشتركة، و يترتّب عليه أحكام البيع الشرعيّة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 147

الجهة الثانية: فيما هو الدليل و الحجّة علىٰ صحّة مطلق الشروط أو قسم خاص منها
اشارة

و نذكر بنحو الإجمال الأدلّة التي يتمسّك بها في المقام؛ سواء يستنتج منها صحّة مطلق الشروط، أو بعضها؛ لأنّ النظر إلىٰ تماميّة هذه الأدلّة العامّة و عدمها.

الأوّل: بناء العقلاء

فإنّه استدلّ به الوالد المحقّق مدّ ظلّه هنا علىٰ أنّ الشروط في القسمة الأُولىٰ الثلاثيّة صحيحة؛ و إن كان بعض أصناف تلك الثلاثيّة غير كافٍ لنفوذها بناء العرف و العقلاء.

و بالجملة: صحّة الشروط، و وجوب العمل بها، و الالتزام بمفادها و أحكامها، من المسائل العرفيّة غير المحتاجة إلى الأدلّة الخاصّة الشرعيّة أصلًا؛ لكفاية عدم الردع، بعد كونها أمراً رائجاً بين الناس، و شائعاً بمرأى و منظر من الشريعة «1».

أقول: قد تحرّر منّا في بحث حجيّة الخبر الواحد «2» مناقشة في هذه

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 208 210.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 511 512.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 148

الطريقة: بأنّ الشرع ربّما ردع و لم يصل إلينا. و توهّم وصوله إلينا ممنوع؛ لإمكان ردع طائفة خاصة منها، أو لإمكان اعتبار شرط في اعتبار طائفة خاصّة منها، و لا يلزم حينئذٍ وصوله إلينا، فيكون أمر الشروط مشكوك الاعتبار بعد العلم الإجماليّ بردع طائفة منها، أو بعد إمكان ردع طائفة منها غير واصل إلينا، فإنّه بحكم العلم الإجماليّ بسراية سقوط اعتبار سائر الشروط. و لا يلزم من ردع طائفة منها اختلال في النظم، و لا من اعتبار قيد تحريج على الأُمّة و الطائفة.

مع أنّ كثيراً من الناس ما كانوا يصغون إلىٰ ما يصدر عن أئمّة الحقّ، فربّما ورد ردع عن أئمّة الحقّ، و لم يصل إلينا؛ لما لا يلزم منه التالي الفاسد الذي هو قوام برهانهم المذكور في تلك المسألة، و لا بدّ منه هنا أيضاً،

فلا تخلط.

هذا مع أنّ بعضاً من أقسام الشروط كشرط النتيجة من الأُمور النادرة، فإنّ المتعارف شرط الفعل و الوصف، كما لا يخفىٰ، فلا يكون من الشروط الموجودة الشائعة.

و دعوىٰ عدم الحاجة إلى الإمضاء، و أنّ الردع يضرّ، و إن كانت مذكورة في بعض كتب المتأخّرين «1»، و لكن ذكرنا في الأُصول فسادها، و أنّه نحتاج في أمثال هذه الأُمور إلى الإمضاء «2».

و غير خفيّ: أنّه لو تمّ بناء العقلاء علىٰ صحّة الشروط و نفوذها،

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 193.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 499.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 149

و لزوم الوفاء علىٰ طبقها؛ من غير حاجة إلىٰ دليل آخر، فلا يبعد اختلاف آثار هذا الأمر باختلاف الشروط.

مثلًا: في شرط الفعل يجب الوفاء و ربّما يتملّك المشروط له على المشروط عليه خياطة الثوب، فيكون بحكم الأجير الخاصّ أحياناً.

و في شرط النتيجة بناءً علىٰ كونه عقلائيّاً، علىٰ إشكال أُشير إليه يكون أثره لزوم تسليم العين المنتقلة إلى المشتري، و لو كانت العين عنده، فمعنىٰ لزوم الشرط عدم جواز الرجوع إليه؛ لكونه من قبيل الرجوع إلى المالك و ادعاء ملكه الأجنبيّ عنه؛ لأنّه ملك المشتري حسب الفرض.

و فيما إذا كان شرط الوصف، يكون أثره قبول العين الفاقدة، و ردّ الثمن إلى البائع.

و بالجملة تحصّل: أنّ مجرّد البناء العقلائيّ غير كافٍ؛ لما لا يمكن كشف عدم الردع، و تفصيله في مباحث حجّية الخبر الواحد «1».

الثاني: العمومات الخاصّة
اشارة

فإنّها تفي بالإمضاء أوّلًا، و بالتأسيس في موارد الشكّ في بناء العقلاء ثانياً، و به أيضاً حتّى في مورد عدم بنائهم على الاشتراط المذكور، و ذلك نظير قوله (عليه السّلام)

من استولىٰ علىٰ شي ء فهو له «2»

فإنّه

______________________________

(1) تحريرات في

الأُصول 6: 511 512.

(2) تهذيب الأحكام 9: 302/ 1079، وسائل الشيعة 26: 216، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 8، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 150

إمضاء لقاعدة اليد.

و لو كانت اليد الشخصيّة ساقطة عرفاً، تكون هي معتبرة شرعاً؛ للإطلاق المذكور.

و لا يلزم أن يكون الدليل الواحد جامعاً للتأسيس و الإمضاء، و هما متقابلان؛ لأنّهما من عوارض نسبة الشي ء إلىٰ ما هو المعتبر عند العقلاء، و إلىٰ ما هو غير معتبر عندهم، فلا يكونان متقابلين علىٰ وجه يلزم التقابل في الإرادة و الاستعمال، كما تحرّر مراراً.

و المناقشة في سند

الشرط جائز بين المسلمين «1»

و في دلالة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» بما تحرّر منّا: من أنّه أجنبيّ عن بحوث المعاملات «3»، و أنّ الأجزاء التحليليّة خارجة عن العقود قيداً، و داخلة تقيّداً، و ما شأنه ذلك لا تشمله الآية، و أنّ الشروط في نفس ذاتها، ليست عقداً عرفاً، و لا تعدّ لأجل ذكر الشروط عقوداً متعدّدة كما ترى.

و لا ينبغي التمسّك بإلغاء الخصوصيّة بعد إلغاء الخصوصيّة من العقد إلى القرار، مع أنّ كثيراً من القرارات غير نافذة، أو تكون صحيحة قابلة للحلّ و الفسخ شرعاً، لا عرفاً و عقلائيّاً.

و بالجملة: المناقشة فيهما، لا توجب خللًا فيما ورد بسند معتبر

______________________________

(1) دعائم الإسلام 2: 228/ 854، مستدرك الوسائل 15: 87، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 31، الحديث 1.

(2) المائدة (5): 1.

(3) تحريرات في الفقه، البيع 1: 27 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 151

مستقلا

المسلمون عند شروطهم «1»

و

المؤمنون عند شروطهم «2»

من غير ذكر الاستثناء.

مع أنّ تقدّم بعض القرائن الخاصّة في العلويّ بقوله

فليفِ لها «3»

و في غيره بأنّه

يجوز فيما وافق كتاب

اللّٰه

أو

لا يجوز فيما خالف كتاب اللّٰه

لا يضرّ بما هو القانون العامّ الكليّ الجامع؛ فإنّ الكلمات النبويّة فيها الآثار و الأحكام الكثيرة بلسان بديع حسن قريب من الأفهام العاديّة، و قد عملنا في قاعدة

لا ضرر.

رسالة «4» تحتوي على المسائل الكلّية

______________________________

(1) عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّٰه فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّٰه عزّ و جلّ.

الكافي 5: 169/ 1، تهذيب الأحكام 7: 22/ 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، و أيضاً الحديث 2.

(2) منصور بزرج، عن عبد صالح (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج امرأة. كيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه باللّيل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ رسول الهّٰم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: المؤمنون عند شروطهم.

الكافي 5: 404/ 8، الاستبصار 3: 232/ 835، تهذيب الأحكام 7: 371/ 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

(3) جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) إنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطاً حرّم حلالًا أو أحلّ حراماً.

تهذيب الأحكام 7: 467/ 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

(4) رسالة «لا ضرر» من المصنّف (قدّس سرّه) مفقودة، لكنّه (قدّس سرّه) أورد أبحاث «لا ضرر» في تحريرات في الأُصول 8: 249.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)،

ج 2، ص: 152

الجامعة لشتات الآراء فيها، غافلين عن جامعيّتها لجميع تلك الاحتمالات.

و هذا القانون العام الكلّي أيضاً إمضاء لجميع الشروط العقلائيّة، و تأسيس لما ليست عرفيّة، من غير وجه لاختصاصها بالعقلائيّة منها، أو بالشروط الخاصّة، كشرط الفعل، كما يظهر من مثل الشيخ «1»؛ نظراً إلىٰ أنّ المستفاد منه وجوب الوفاء، و هو في شرط النتيجة و الوصف غير قابل للتطبيق، غفلةً عن أنّ الوفاء و الإيجاب، من تبعات اعتبار كون المؤمن عند شرطه؛ إذا كان ذلك الشرط شرط فعل.

هذا مع أنّ في شرط النتيجة، يعتبر الوفاء بالقياس إلى التسليم، كما مرّ في محلّه، و في مثل شرط الوصف إذا كان قيداً للكلّي، يعتبر الوفاء أيضاً، مع أنّ الحلاوة خارجة عن تحت القدرة في بيع البطّيخ بشرط الحلاوة، و لكنّها باعتبار موصوفها تحت القدرة.

نعم، في بيع البطّيخ الشخصيّ بشرط الحلاوة، يعتبر كون المسلم عند شرطه؛ إمّا بقبول غير الموصوف عند ردّ المشتري، أو التبديل بالموصوف لو قلنا: بأنّ البيع و لو كان متعلّقاً بالعين الشخصيّة إنشاءً، و لكن عند العرف يعتبر بعد التبديل أنّ المبدّل هو المبيع؛ للأعميّة و إلغاء الخصوصيّة، و قد مرّ في كتاب البيع ما يتعلّق به «2» بحمد اللّٰه.

بقي شي ء: المراد من «الشرط»

إنّ المراد من «الشرط» ليس مفهومه الأوّلي، و لا معناه المصدريّ،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 383/ السطر 17 و ما بعده.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 1: 174 175.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 153

بل هو عَبْرة إلىٰ ما يذكر بعنوان الجزء التحليليّ الخارج عن الأجزاء الواقعيّة قيداً و داخلها تقيّداً، و هو المتعارف، فيكون المؤمن عند الملتزم به.

و لو كان المراد نفس عنوان «الشرط» بالحمل الأوّلي، فما يذكر لا بصيغة الشرط لا

يكون المؤمن عنده، و هذا واضح المنع.

و أمّا إذا أُريد به المعنى المصدريّ، فيلزم أن يكون البائع في صورة الشرط علىٰ نفسه عند شرطه، و أمّا المشتري الشارط على البائع، فلا يلزم أن يكون البائع عنده؛ لأنّه لا يصدق «عند الشرط» بل يصدق «أنّه عند قبول الشرط» و هذا مقطوع الخلاف، فيعلم منه: أنّ المنظور هو نفس الملتزم به؛ و هو يشمل كلّ ما يذكر في طيّ العقد، فيكون المشروط عليه عنده؛ سواء كان الشارط نفسه، أم غيره.

فما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه-: من أنّ الشرط بمعناه المصدريّ، مثل الشرط بمعناه الآخر بحسب الاستفادة «1» غير تامّ ظاهراً بل يختلف كما أُشير إليه.

فقوله (عليه السّلام)

المؤمنون عند شروطهم

كقولهم: «المؤمنون عند بيوعهم» فإنّ المراد من هذا «البيع» ليس معناه المصدريّ؛ أي الموجد للبيع، حتّى يقال: إنّ المشتري ليس إلّا ممضياً و قابلًا للبيع الصادر من البائع حقيقةً، و ليس قبول المشتري داخلًا في أجزاء البيع ماهيّةً، كما عرفت، فالمراد من «بيوعكم» معنى يكون كلّ واحد من البائع و المشتري،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 210.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 154

ركناً فيه، و هو السبب و الموضوع للأثر العقلائيّ، لا السبب للمعنى الإنشائيّ المشترك فيه الفضوليّ و المكره و الأصيل، فلا تغفل.

فتحصّل إلى هنا: أنّ جميع الأُمور التي تذكر في طيّ العقد بعد كونها جامعة للشرائط الماضية تكون نافذة و صحيحة بإمضاء الشرع و تنفيذه، و جائزة بين المسلمين، و كلّ ما عرفت من المعاني التي تختلف باختلاف النسب و الإضافات، خارجة عنها بالمطابقة، و واردة فيها بالقصد و الجدّ؛ لاشتراك الجهة المذكورة فيها بينها، و هو نفس كون المسلم عند الشرط؛ من غير رجوعه

إلىٰ أنّ المؤمن يجب عليه الوفاء، أو يجب عليه التسليم، أو يجب القبول و التبديل عند كشف الخلاف في شرط الوصف عليه، مع أنّ كلّ ذلك مراد جدّاً، و بعيد عن المفاد الاستعماليّ صورة، و قريب منها بحسب اختلاف الإضافات و النسب.

بقي شي ء آخر: حول وجوب الوفاء بالشروط

قد ذكرنا في أوائل بحث الشرط المخالف للكتاب: أنّ هذه القاعدة الكلّية لأجل اقترانها بهذا الاستثناء، تستلزم مشكلة في المسألة و معضلة و هي:

أنّ المستفاد من الكلّية إن كان وجوب الوفاء، فلازم الاستثناء عدم ذلك الوجوب، و هو لا يدلّ علىٰ عدم صحّة الشرط المخالف للكتاب؛ لما لا تنافي بين عدم الوجوب، و الصحّة، كما في كثير من العقود

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 155

الصحيحة الجائزة.

و إن كان المراد تنفيذ الشرط و تصحيحه، فلازمه بطلان الشرط المخالف، إلّا أنّها لا تدلّ علىٰ وجوب الوفاء بالعقد، فلو شرط شرط فعل في طيّ العقد فهو نافذ، و لكن لا يجب، و هو خلاف مقصود المتمسّكين به في مسألة الشروط.

و توهّم كفاية البيان السابق لحلّ هذه المعضلة، أيضاً في غير محلّه؛ لأنّ المستثنىٰ أيضاً يختلف نسبةً باختلاف نسبة المستثنىٰ منه، فشرط الفعل المخالف غير واجب، و شرط نتيجة المخالف غير واجب تسليمه، أو غير صحيح، و هكذا. فعليه لا يمكن حلّ هذه المشكلة و المعضلة. و هذا متوجّه إليها علىٰ جميع التفاسير و الاحتمالات حول القاعدة.

و أمّا دعوى: أنّ فهم العقلاء في موارد الاستثناء؛ أنّه يكون حكم المستثنىٰ علىٰ ضدّ حكم المستثنىٰ منه جعلًا فهي غير مصدّقة عندهم، فلو ورد: «أكرم العلماء إلّا الفسّاق» لا يدلّ هو علىٰ أنّه يحرم إكرامهم، فلا يستفاد فيما نحن فيه حرمة الشرط المخالف وضعيّة و تكليفيّة.

و بالجملة: استفادة

إمضاء الشروط قاطبة به ممكنة، و ما هو المقصود بالبحث هنا ذلك، و أمّا وجوب الوفاء بالشرط تكليفاً فقد مرّ بعض الكلام فيه.

نعم، يمكن دعوى بناء العقلاء على الوجوب في موارد إمكان الإيجاب، فيتمّ المطلوب بضميمة هذا البناء، و لكنّك عرفت وجه الخدشة في بناء العقلاء.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 156

و سيمرّ عليك إن شاء اللّٰه في البحث الآتي، حديث وجوب الوفاء شرعاً، و مسألة أنّ الوجوب الشرعيّ يستدعي جواز الشرط، كما مرّ في إيجاب الوفاء بالعقد، فتصير النتيجة عكس المطلوب، فتدبّر.

تذنيب: وجه استفادة حرمة المكاسب المحرّمة من دليل الشرط
اشارة

ربّما يتمسّك بها لتصحيح جميع العقود و عناوين المعاملة؛ لأنّها شرط صدقاً، أو لأجل أنّ المراد من «الشرط» ليس إلّا القرار المبادليّ. و قد مرّ إمكان تصحيح جميع الشروط بقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» إلّا أنّه كان مورد الإشكال من جهات أُخر توجب كونه أجنبيّا عن مباحث المعاملات رأساً.

و أمّا هذا القانون العامّ هنا فمربوط ببحوث المعاملات، فبإلغاء الخصوصيّة يستفاد منها صحّة جميع العقود؛ لكونها قراراً معامليّاً معاوضيّاً، أو غير معاوضيّ، و من الاستثناء يستفاد ممنوعيّة بيع المحرّمات و إجارة الأُمور المخالفة للكتاب، فتكون هذه الطائفة من الأخبار، سنداً لبحوث المكاسب المحرّمة، و المتاجر المحظورة.

فشرط حصول المبادلة بين المحرّم، كالخمر، و آلات القمار و اللهو، و بين شي ء آخر محلّل أو محرّم غير نافذ؛ لكونه من الشرط المخالف، و لكونه داخلًا في أدلّة ممنوعيّة المبادلة عليها المذكورة في المكاسب المحرّمة.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 157

و ربّما يقال: إنّ حصول عناوين المعاملات بأدلّة الشروط مطلقاً، غير ممكنة؛ لأنّ تلك الأسباب في قبال سببيّة الشرط، فلا يعقل حصول تلك الأسباب بالشرط، فيصير الشرط سبباً لها، و سبب السبب.

و

قال الفقيه اليزديّ بجواز تحصيل عناوين المعاملات طرّاً بالشرط، و يترتّب عليها أحكامها الخاصّة، كخيار المجلس، و حرمة الربا، و جواز الإقالة، و غير ذلك «1».

و ذهب الوالد المحقّق مدّ ظلّه إلى التفصيل بين العناوين التي تقبل الجعل استقلالًا، كعنوان «الوكالة» و «الوديعة» و «الجعالة» و أمثالها ممّا يصحّ أن يتعلّق بها الجعل، فيقول الشارط: «بشرط أن تكون وكيلي» أو «هذا أمانة» و «وديعة» و غير ذلك، يمكن أن يقول: «جعلتك وكيلي»، بخلاف مثل البيع و الإجارة و الصلح، فإنّه لا يصحّ أن يقول: «جعلت هذا بيعاً» و «عيناً مستأجرة» بل هو أمر يستفاد بعد البيع و الإجارة، و ينتزع عنهما بهما، بخلاف الوقف و عنوان «المسجديّة» و «الهبة» فيصحّ مثل الأُوليات في طيّ العقد بنحو شرط النتيجة، بخلاف الثواني «2».

و فيه أوّلًا: أنّه ربّما لا يمكن جعل شي ء مستقلا، و لكنّه يصحّ في طيّ العقد، مثل أن يكون زيد مديوناً بمائة دينار، فإنّه جائز في طيّ الشرط

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 120/ السطر 27، و 122/ السطر 7 8، و 14 22.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 214 215.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 158

بعد القبول و يصير مديوناً، و يجب عليه الوفاء بالتسليم، و لا يعتبر ذلك مستقلا موضوعاً للوفاء، إلّا في موارد الشروط البدويّة، كما إذا قال: «إن رزقت ولداً فلك عليّ مائة دينار»، و لكنّه غير لازم.

و ثانياً: لو قال البائع بعد المقاولة: «هذا بيعك» مريداً به الإنشاء و المبادلة يصحّ قطعاً؛ لعدم خصوصيّة في ذكر الصيغ الخاصّة، و لذلك قال جمع بصحّة قوله: «هذا مسجد» مع أنّه أبعد.

فلو باع أو أجار داره، و شرط أن تكون

العين المعيّنة مبيعة تكون هي مبيعة، مثل الصورة الأُولى، فيترتّب عليها أحكامه؛ فإنّ سعة الاعتبارات تابعة لسعة الاحتياجات و المقاصد و الأغراض النوعيّة، بل و الشخصيّة، و إنّما تحتاج الاعتبارات إلىٰ إمضاء الشرع، و يكفينا هنا العموم المذكور.

و ما قيل: من أنّ الأسباب التي يتسبّب بها إلىٰ تلك النتائج، تقابل الشرط فهو خلط بين الألفاظ التي يتوسّل بها إلىٰ تلك المعاني التي هي موضوع باقٍ عند العقلاء، و تسمّىٰ ب «العقد» و تقبل الإقالة و الفسخ، و بين هذه المعاني، فالشرط ليس سبباً لحصول تلك الألفاظ، و لا يعقل لانتفاء المسبّب فرضاً، و إنّما الشرط سبب لحصول تلك المعاني الباقية القابلة للفسخ و الإقالة، و تسمّىٰ «عقداً» و «بيعاً مسبّبياً» كما لا يخفىٰ.

فحصول العناوين التي هي نتائج ألفاظ العقود و الإيقاعات بدليل الشرط، ممّا لا بأس به.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 159

و هم و دفع:

كون الوصول إلىٰ تلك النتائج بهذا السبب؛ بإلغاء الأسباب الخاصّة، إمّا خلاف الكتاب فيبطل، أو يكون مورد الشكّ، فنحتاج إلى التشبّث بتلك الأُصول العدميّة الأزليّة، أو بالتمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، فلا يمكن تصحيحها علىٰ جميع المباني.

و يندفع: بأنّ أساس هذه الشبهة، ناشئ عن توهّم أنّ المراد من «الكتاب» أعمّ من الإمضائيّات و التأسيسيّات، و علىٰ ما ذكرناه فلا محلّ لها.

نعم، علىٰ مبنى القوم فربّما يقال: إنّ منصرف أدلّة الشروط و منصرف الشروط المخالفة للكتاب، هي الأحكام المنجّزة، دون الأحكام غير الواصلة، و ليس في الشرع دليل علىٰ أن التسبّب بالشرط إلىٰ حصول تلك النتائج، خلاف الكتاب، و مجرّد الإمضاء لا يوجب الحصر.

نعم، في بعض الأُمور كالطلاق، و النكاح يمكن دعوى قطعيّة بطلان الشرط فيهما، كما هو كذلك عند العقلاء، و

هذا لا ينافي كون الأحكام غير الواصلة أحكاماً، و لكن أدلّة الشروط منصرفة إلى الواصلات.

مع أنّه قد تحرّر منّا: أنّ في الشبهات التحريميّة و الإيجابيّة الناشئة عن فقد الدليل، لا نحتاج إلى البراءة العقليّة، و العقلائيّة، و الشرعيّة فليراجع، و تأمّل.

و لو استشكل في الانصراف المذكور، للزم سقوط أدلّة الشروط؛ للحاجة إلى الاستصحاب في التمسّك بها، و هذا أمر غريب جدّاً؛ ضرورة أنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 160

لازم التوهّم المزبور الشكّ في جميع الشروط التي تذكر؛ حتّى الشرط القائم علىٰ جوازه و حلّيته الدليل؛ لاحتمال حرمته واقعاً، فليتأمّل.

و لا يمكن حلّ المشكلة إلّا بالاستصحاب، و قد مرّ البحث فيه، أو التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، كما مرّ أيضاً في محلّه قبل ذلك.

و علىٰ كلّ تقدير: لا نحتاج إلى التصحيح علىٰ جميع المباني، و كان هذا من الشبهات التي ذكرناها بتفصيل، فاغتنم.

الجهة الثالثة: في الوجوب التكليفي للوفاء بالشروط
اشارة

بعد الفراغ عن صحّة مطلق الشروط الضمنيّة على الوجوه السابقة يقع الكلام حول بحث مضى منّا في أوائل بحث الشرط المخالف للكتاب.

و إجماله: هو أنّه هل في موارد إمكان جعل الإيجاب أو الاستحباب، يدلّ الدليل علىٰ أنّ الشرط واجب الوفاء شرعاً تكليفاً محضاً؛ من غير النظر إلىٰ أنّه يستتبع معنىً وضعيّاً و حقّاً و ملكاً، حسب اختلاف المقامات، أم لا يقتضي دليل إيجابه و لا استحبابه التكليفي، أمراً زائداً على المعنى الوضعيّ الآتي تحقيقه؟

و بعبارة اخرىٰ: هل يستفاد من أدلّة الشروط، وجود إلزام شرعيّ مستتبع للعقاب الخاصّ زائداً على العقاب المترتّب على الإخلال بالمعنى الوضعي الآتي؛ بناءً على القول به؟

أم لا يستتبع ذلك إيجاباً، و لا استحباباً، كما هو خيرة بعضهم؟

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 161

أو يقتضي الندب، و

لا يزيد عليه، كما هو مختار بعضهم؟

أو يحتمل امتناع الإيجاب أو الندب الزائد؟

الشبهة الأُولىٰ:

و ذلك لأنّ في صورة استتباع الحقّ الذي يستتبع طبعاً وجوب التخلية بينه و بين صاحبه شرعاً، لا يعقل التكليف الآخر؛ لما تحرّر في الأُصول من أنّ متعلّق التكليفين التأسيسيّين، لا بدّ و أن يكونا متباينين، أو بالعموم و الخصوص من وجه، و أمّا إذا كانت النسبة بينهما التساوي، أو العموم و الخصوص المطلقين، فلا يعقل ترشّح الإرادة التأسيسيّة؛ لتقوّمها بالمراد، فلو كانت النسبة تساوياً، فلا شبهة في أنّ البعث و الأمر الثاني تأكيداً، و هكذا فيما كانت النسبة عموماً مطلقاً.

و فيما نحن فيه، لو كان يجب ردّ حقّ الغير إلىٰ صاحبه عند المطالبة، فكيف يعقل إيجاب الوفاء بالشرط؟! فمقتضىٰ هذه الشبهة امتناع التكليف الوجوبيّ و الندبيّ في موارد الشرط.

نعم، إذا قلنا: بأنّه لا يستتبع حقّا وضعيّاً كما عن «الدروس» «1» و يظهر تحقيقه يمكن الالتزام به ثبوتاً، و يقع الإشكال فيه إثباتاً.

و تندفع الشبهة أوّلًا: بأنّه ربّما لا يكون الشرط مستتبعاً لحقّ، فيلزم أن تكون النسبة عموماً من وجه، و ذلك مثل ما إذا شرط المؤجر على المستأجر أن لا يشرب الخمر، أو أن يصلّي فريضة، أو صلاة الليل،

______________________________

(1) لاحظ الدروس الشرعيّة 3: 214، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 284/ السطر 19.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 162

فإنّه لا يملك عليه شيئاً. و حديث حقّ الإلزام و الإجبار، غير حديث تملّكه عليه مثلًا، نعم بهذا تنحلّ المعضلة.

مع أنّ ثبوت حقّ و ملك في شرط الفعل، محلّ إشكال عندنا في الأجير العامّ.

هذا، و لو كانت النسبة عموماً مطلقاً واقعيّاً و تبايناً عنوانيّاً، ربّما يكفي في العموم و الخصوص، لا في المتساويين كما نحن

فيه، فإنّ الحكم الشرعيّ الثابت عقيب الوضع و الحقّ، منوط بالمراجعة، فلو رجع الشارط إلى المشروط عليه، فعليه ردّ حقّه بخياطة ثوبه، أو ردّ ملكه بردّ داره إليه، و تسليمها إليه، و أمّا الشرط فيجب أن يكون عنده شرعاً على الإطلاق، ففيما إذا لم يطلب منه، لم يكن إلّا تكليف واحد، و إذا طلبه منه يلزم الإشكال.

و لكنّه مندفع: بأنّه واجب مشروط، و باقٍ علىٰ مشروطيّته، فلا منع ثبوتاً من إيجاب الشرط؛ و بأن يلزم عليه الوفاء، أو يلزم عليه أن يكون عنده، و هو يختلف مقتضياته كما مرّ، فإنّه يجب الوفاء في صورة، و يجب قبول العين الفاقدة الصفة في صورة. بل ربّما يحرم أخذه منه في صورة، كما إذا كان المشروط عند المشروط له قبل الشرط، فإنّه بعد العقد و الشرط، لا معنى للإيجاب عليه إلّا بمعنى تحريم الأخذ منه و هذا ممّا لا بأس به ثبوتاً، كما هو الواضح.

الشبهة الثانية:

و هناك شبهة ثانية ثبوتيّة: و هي أنّ وجوب الوفاء بالشرط، ليس

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 163

معناه إلّا وجوب الخياطة التي هي الشرط بالحمل الشائع، و هي الملتزم به واقعاً في نظر العرف، فكيف يعقل الإيجاب الثاني تأسيسيّاً متعلّقاً بها؛ لأجل كونها حقّ الغير و ملكه؟! نعم، لو قلنا: بأنّ حبس مال الغير حرام، أو منع الغير عن حقّه حرام، فهو ممّا لا بأس به؛ نظراً إلىٰ تشديد الأمر بعد اختلاف العنوانين، فإنّ الإرادتين تختلفان باختلافهما، و تتعدّدان بتعدّدهما، كما تحرّر في الأُصول، و قيل: بأنّ الصلاة واجبة شرعاً، و تركها حرام شرعاً؛ قضاءً لأدلّتهما، فليتأمّل.

و بالجملة: لو كان مصبّ الإيجاب الآتي من قبل دليل الشرط، عنوانَ «الخياطة» الذي هو

ذاتيّ، و مصبّ الإيجاب الثاني عنواناً عرضيّاً و هو ردّ حقّ الغير، فيشكل أيضاً أمر المسألة ثبوتاً، و لكنّه مضافاً إلىٰ منع كون مصبّه عنوانه الذاتيّ، نمنع امتناع ترشّح الجدّ بعد كون الوجوب الثاني مشروطاً و باقياً علىٰ مشروطيّته، كما تحرّر في الأُصول.

فعلى ما تحصّل لحدّ الآن؛ لا وجه لامتناع التكليف الزائد على التكليف الآتي من قبل المعنى الوضعيّ، كما مرّ تفصيله في ذيل قوله تعالىٰ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» إلّا أنّ المسألة هناك كانت أقرب من أُفق التحقيق.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 164

الشبهة الثالثة:

و هناك شبهة ثالثة: و هي أنّ قضيّة الوجوب التكليفيّ عقيب الشرط، عدم لزوم الشرط، كما عن المحقّق الرشتيّ (رحمه اللّٰه) «2» في مسألة وجوب الوفاء بالعقد، و إذا لم يكن الشرط لازماً يلزم الخلف؛ لأنّ المفروض لزومه.

و فيه: أنّه يجب الوفاء بالعقد فوراً ففوراً، فلا يلزم من إيجابه المذكور جوازه، كما لا يلزم من عصيان أمر صلاة الزلزلة، إلّا سقوط الأمر الأوّل، دون الأمر الثاني الذي هو معنى الفور فالفور، و فيما نحن فيه أيضاً كذلك، فإنّ الشرط لازم و باقٍ، و هو على الدوام عاصٍ، و لا يتمكّن من إعدام موضوع عصيانه، فاغتنم.

الإشكال الإثباتي

إذا تبيّنت و حلّت مشكلة البحث ثبوتاً، فربّما يشكل إثباتاً: بأنّه لا معنى لإيجاب الكون عند الشرط بمثل هذه الأخبار؛ لاقترانها ببعض القرائن، و هو الإسلام و الإيمان المناسب للاستحباب و الاستحسان.

و لكونها قضيّة خبريّة؛ لا تقتضي إلّا إفادة كمال الإيمان بعكس نقيضها؛ و أنّه من لا يفي بشرطه ليس مؤمناً. بل عن النراقيّ (رحمه اللّٰه) «1»: أنّ

______________________________

(2) لم نعثر عليه.

(1) مناهج الأحكام: 41/ السطر 20.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 165

القضايا الإخباريّة مضافاً إلى أنّها ليست آكد و أبلغ في إفادة الوجوب، لا تفيد الإيجاب، و كونها كناية عن الإنشاء و الأمر و البعث، يحتاج إلى القرينة؛ بعد ظهورها في الإخبار، و تداول استعمالها في إفادة كمال الإيمان المناسب للندب، أو لا أقلّ من الإجمال، فلا تدلّ على الإيجاب.

و توهّم: أنّ المستثنىٰ في بعض النسخ بقوله

إلّا من عصى اللّٰه «1»

يوجب ظهوره في الإيجاب المتعلّق إمّا بإيجاب الإيمان الملازم للوفاء بالشرط هنا، أو المتعلّق بإيجاب العمل بالشرط، أو بكونه عند شرطه كناية.

غير تامّ؛ لعدم تماميّة تلك النسخة

أوّلًا و لعدم معلوميّة المراد من الاستثناء، بل و لزوم المحال؛ و اختصاص الأحكام بالمؤمنين العاملين، دون العصاة، فلا يلزم أن يكونوا عصاة إلّا مجازاً، أو في خصوص هذا الشرط؛ بأن يكون العصاة غير واجب عليهم الوفاء بالشرط!! و هذا أمر غريب، فتكون هذه النسخة أيضاً شاهدة علىٰ أنّ المقصود هم العصاة؛ بمعنى الفاقدين لكمال الإيمان، فيندرج في الأحكام الشاهدة علىٰ كمال الإيمان، فافهم و تدبّر جيّداً.

أو يقال: بأنّ العناوين المشيرة و غير النفسيّة، لا تقبل الإيجابات التكليفيّة عند العقلاء؛ لكونها منظوراً بها، و القرار و الشرط و عنوان «الالتزام» و «الملتزم به» بما هو هو، كلّه مغفول عنه، و ما هو مورد النظر عند العقلاء؛ ليس إلّا العناوين الذاتيّة التي تذكر عند العقد و في طيّ العقود، و من هذا عنوان «العقد» فإنّ إيجاب الوفاء به، أو إيجاب الوفاء بالشرط لكونه أيضاً عقداً، كما مرّ، أو لكونه من أذيال العقد كلّه غير

______________________________

(1) لاحظ عوائد الأيّام: 132.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 166

صحيح عرفاً؛ لأنّ المنظور هو المعاني الأُخر.

هكذا أفاد الوجه الأخير الوالد المحقّق مدّ ظلّه- «1» في درسه فيا ليت يصدّقه في مثل النذر و العهد، مع إصراره علىٰ أنّ الواجب هناك عنوان «الوفاء بالنذر» «2» مع وحدة الملاك قطعاً، فلو نذر شاة لزيد، فالواجب ردّ مال الغير و حقّه إليه، و إيجاب الوفاء به مترشّح عن ذلك الحقّ، فلا وجه للفرق.

و عليه يحمل ما في العلويّ «3» من الأمر بالوفاء، فإنّه أمر مترشّح من ملاك واحد هو يقتضي ردّ حقّ الغير إلىٰ صاحبه، و لا ملاك آخر في البين، فلو ترى الأمر و البعث اللفظيّ، فهو أيضاً قاصر عن إثبات التكليف

الشرعيّ في أمثال المسألة؛ حسب نظر العرف.

و ممّا يشهد علىٰ أنّه مترشّح من الحقّ المذكور الآتي تحقيقه: أنّه لو كان كذلك، لما قبل السقوط و التعجيل و المصالحة عليه.

اللهمّ إلّا أن يقال: هو تكليف مترشّح من أمرين: أحدهما الحقّ المذكور، فإذا سقط أو عجّل أو صولح عليه لا يبقى الوجوب قهراً، فلا تخلط.

و تمسّك العقلاء في مورد تخلّف المشروط عليه عن الوفاء بالشرط بأنّه غير جائز؛ لكونه خلاف قراره لا يستلزم كون القرار من

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 218 219.

(2) مناهج الوصول 1: 168.

(3) تقدّم في الصفحة 151.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 167

الأُمور المنظور فيها، بل هو مجرّد استدلال في النظر الثانويّ على المطلوب الأصليّ النفسيّ.

تحقيق المسألة

أقول: و الذي هو الإنصاف أنّ هذه الوجوه المترائية أحياناً في كلمات جمع منهم، كلّها قابلة للدفع.

و لكن الذي يظهر: أنّ هذه القوانين العامّة الكلّية التي تكون معلومة الطريق عند العقلاء، و واضحة السبيل في الأمصار و الأعصار كالقوانين العامّة التي تأمر بالعمل بالخبر الواحد و الظواهر لا تستدعي أزيد ممّا هو المعهود عند الأقطار و الأمصار في الأزمنة و الأعصار؛ و لو كان نطاقها أوسع في تأسيس صحّة طائفة من الشروط و لزومها، و لكنّها أجنبيّة عن المسائل الراجعة إلى العقاب و الثواب، بل هي وضعيّات محضة، و إمضائيّات صِرْفة لما عندهم، و تأسيس لسنخ ما لديهم في طائفة من الشروط.

أو تكون مرجعاً في موارد الشكّ فيما عند العرف و العقلاء، و إلزام قطعيّ؛ نظراً إلىٰ لزومها عند العقلاء، و إلى الاستشهاد بها في الأخبار، و أنّ الشاهد القويّ عليه استثناء الشرط المخالف للكتاب الذي هو أيضاً غير صحيح عند العقلاء، كما

مرّ تفصيله.

فلو كان المرام هنا إيجاب الوفاء، أو إيجاب الكون عند الشروط، ليلزم نفي ذلك الوجوب في مورد الاستثناء، مع أنّها في مقام إبطال تلك

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 168

الشروط المخالفة، فيكون المستثنىٰ منه في المفاد كالمستثنىٰ حسب النظر. و لو أمكن ثبوتاً خلافه، و لكن ليس مجرّد الإمكان كافياً في مرحلة التصديق و الاحتجاج، فيعلم منه نفوذ الشرط في المستثنىٰ منه، و لزومه و صحّته، و لا معنىٰ لكون المستثنىٰ باطلًا، و المستثنىٰ منه أمراً مستحبّاً شرعيّاً، فاغتنم.

الجهة الرابعة: في ثبوت حقّ عرفي سوى الخيار
اشارة

حكي عن الشهيد (قدّس سرّه) أنّه أنكر في موارد الشرط، شيئاً وضعيّاً و حقّاً عرفيّاً زائداً علىٰ ثبوت الخيار عند التخلّف، و انقلابِ العقد اللازم إلى الجائز «1» و هذا أيضاً يوجد احتماله في كلام «غاية المرام» «2».

و قد ذهب الآخرون إلىٰ خلافه، مع أنّ الخيار لا يورث الانقلاب عندنا كما عرفت، و لو صحّ ما نسب إليه بقوله: «و انقلاب اللازم جائزاً» للزم ممنوعيّة الشرط في طيّ العقد الجائز، فافهم.

موضع النزاع

و بالجملة: ثبوت الخيار كأنّه أمر مفروغ عنه، و سيمرّ عليك تحقيقه و حدود حدوثه و شرائطه، و إنّما الكلام هنا حول حدوث المعنى

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 283 284، الروضة البهيّة 1: 385 386.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 284/ السطر 28.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 169

الوضعيّ و الحقّ العرفيّ، و لازم ذلك بطلان شرط النتيجة؛ ضرورة أنّه مع صحّته و صيرورة الدار ملك المشروط له، يلزم جواز الرجوع إليه و المطالبة، فربّما كان نظره (قدّس سرّه) إلىٰ مورد شرط الفعل؛ و أنّه في موارد شرط الفعل كشرط الخياطة و أمثاله لا يحصل حقّ، كما لا يحصل حقّ في مثل شرط ترك شرب الخمر، و إتيانه بالفرائض الإلهيّة عليه، فلا يكون كلامه في مورد مطلق الشروط، و لا مطلق شرط الفعل؛ ضرورة أنّه من الشروط ما ربّما لا يكون من الثلاثة: و هو شرط الفعل، أو النتيجة، أو الوصف، كشرط ترك الحرام المبتلىٰ به، و لو كان دليل الشرط يقتضي شيئاً وضعيّاً حقّياً، يلزم بطلان الشرط الرابع.

و أمّا حديث المراجعة إلى الحكّام للإلزام، أو إلزامه بنفسه و مباشرة «1»، فهو بحث آخر غير مسألتنا هذه؛ فإنّ البحث هنا هو أنّه كما

يحصل للمستأجر تملّك الخياطة على الأجير، و لا سيّما في الأجير الخاصّ، فهل الأمر كذلك في الشرط، أم لا؟ فمحطّ النزاع هنا ذلك و لو كان كلام الشهيد (رحمه اللّٰه) قاصراً عن ذلك، و لكنّه قد استكمل ببيان منّا.

و مقتضى وحدة الدليل عدم حصول الحقّ بالشرط؛ لأنّه لو كان يقتضي ذلك يلزم عمومه، و حيث إنّه ممنوع يكشف منه أنّ قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

المؤمنون عند شروطهم

«2» لا يفيد أمراً وضعيّاً زائداً على اللزوم المذكور

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 220 221.

(2) الكافي 5: 404/ 8، الاستبصار 3: 232/ 835، تهذيب الأحكام 7: 371/ 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 170

المستتبع للخيار.

و بالجملة: لو كان كلامه (قدّس سرّه) راجعاً إلىٰ ما حرّرناه فلا وجه، و إلّا فلا وجه له جدّاً.

الإشكال في ثبوت حقّ عرفي

و بالجملة: لأحد إنكار الحقّ المذكور؛ لقصور دليل الشرط عن ذلك.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ استفادة المعنى الوضعيّ الحقّي ممكنة؛ لأجل اختلاف النسب و الإضافات، فقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

المؤمنون عند شروطهم «1»

إذا أُضيف إلىٰ شرط ترك المعصية، فلا يستدعي معنى وضعيّاً حقّياً يجوز إيجاره، كما لو كان الشرط أن يصرف جميع منافعه إلىٰ زمان كذا للبائع، فإنّه يجوز للبائع حسب الظاهر إيجاره بالنسبة إلىٰ مطلق منافعه، أو خياطته، و إذا أُضيف إلى المثال المذكور، يستدعي أنّه مالك عليه تلك المنافع.

هذا، و لو استشكل فيه: بأنّه فرق بين أن يقال: «المؤمنون عند شروطهم» و بين أن يقال: «الشروط جائزة بين المسلمين» و «الصلح جائز بينهم».

فيتوجّه إليه أوّلًا: أنّ المراد من «الشرط» لو كان معنى

مصدريّاً، فلا يحصل بين التعبيرين فرق، و لو كان معناه العرفيّ، فينتقل ذهن السامع

______________________________

(1) نفس المصدر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 171

منه إلىٰ أنّه يعلم منه: أنّ للشارط على المشروط عليه شيئاً كي يكون هو عنده، و هذا فيما نحن فيه هو الحقّ الوضعيّ.

تحقيق المسألة

و الذي هو الأظهر و هو مورد الإنصاف: قصور هذه الأخبار عن إثبات هذا المعنى الوضعيّ الزائد علىٰ جواز الإلزام.

و توهّم أنّه حكم العقلاء، و أنّهم يحكمون بمالكيّة الشارط على المشروط عليه شيئاً، غير تامّ، و لا شاهد على الإمضاء لو تمّ، لكنّ هذه الأخبار رادعة عنه بعد ظهورها في الخلاف، فليتأمّل.

و قد تحرّر منّا «1»؛ أنّ في موارد الإجارة، أيضاً غير ثابت وجود الاستملاك و الملكيّة، و لا سيّما الأجير العامّ، فضلًا عن باب الشروط، و لذلك ذهب جمعهم إلىٰ عدم بطلان المستأجر العين المستأجرة، و التي اشترط في ضمن عقد الإجارة أن لا يؤجرها من أحد، و هكذا في سائر موارد الشروط، كشرط عدم البيع و غيره.

فتحصّل: أنّ في موارد شرط الفعل، لا دليل علىٰ ثبوت الحكم الوضعيّ بالمعنى المذكور، كما لا يلزم قصر سلطنة المشروط عليه بالنسبة إلىٰ مورد الشرط وضعاً؛ حتّى يلزم بطلان بيع العين المشروط تركه، أو إجارتها المشروط تركها.

إن قلت: بناءً عليه فلا بدّ من الالتزام بوجوب الوفاء بالشرط، أو

______________________________

(1) كتاب الإجارة من تحريرات في الفقه (مفقود).

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 172

بوجوب الكون عنده تكليفاً، و إلّا فلا أثر له رأساً.

قلت: هناك شي ء ثالث؛ و هو جواز إلزامه و حقّ الرجوع إليه بإلزامه، كما يأتي، و هذا أمر ثالث غير التكليف، و غير الوضع المذكور، فلا يلزم سقوط أدلّة الشروط،

و اندراجها في المسائل الأخلاقيّة، كما قد يقال، فلا تخلط.

الجهة الخامسة: في جواز إلزام المشروط عليه
اشارة

لا يبعد وجود بناء العرف و العقلاء، علىٰ أنّ في موارد تخلّف المشروط عليه عن الشرط، جوازَ إلزام المشروط له، و هذا المعنىٰ هو الأمر الوضعيّ الحقيّ لجواز إعراضه عنه، و عدم الاعتناء به، أو جواز المصالحة عليه و التعجيل.

و أمّا مجرّد كونه بناءً عرفيّاً، فربّما لا يكون كافياً؛ لما عرفت منّا: من إمكان المناقشة فيه، و ردعه شرعاً.

و لكنّ استفادة إمضائه للكبرى الكلّية قريبة؛ لأنّ اللزوم المستفاد من تلك الأخبار، ليس معنىً تكليفيّاً، فيكون المستفاد من المستثنىٰ منه مضافاً إلىٰ صحّة الشروط، في قبال بطلانها، في المستثنىٰ لزوم ذلك الشرط عرفيّاً و عقلائيّاً؛ بمعنى جواز مراجعة الشارط إليه، و إجباره على الوفاء بالشرط.

فما يظهر من بعضهم: من أنّه لا دليل علىٰ جواز الإلزام، أو يظهر: أنّ دليل جواز الإلزام ينحصر ببناء العقلاء، غير تامّ، بل بناء العقلاء على الإلزام

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 173

و المطالبة قطعيّ، و دلالة تلك العمومات علىٰ هذا المعنى الحقّي، غير بعيدة؛ لأنّ اعتبار هذا اللزوم مترشّح من اعتبار نفوذ الشروط المفروغ عنه، فيكون مفاد الاستثناء بطلانَ المخالف و المحرِّم و المحلِّل، فلا يتوجّه حينئذٍ الإشكال الذي ذكرناه سابقاً إليها من هذه الجهة.

فعلى ما تقرّر، يمكن إمضاء بناء العقلاء هنا، و ما في «الدروس» من النظر في جواز الإجبار «1»، ربّما كان منشأه عدم إمكان استفادة إمضاء بناء العرف من ناحية الشرع.

التحقيق في المسألة

و لكن بعد اللتيّا و التي، إنّ في موارد شرط الفعل، إذا لم تكن مالكيّته للمشروط له على المشروط عليه، و لا حقّ له بالنسبة إلى العين المشروط إعطاؤها إليه بعد العقد كما قيل، بل و هو المشهور في النذر و أشباهه يكون القول باللزوم

التكليفيّ قريباً، و يجوز رجوع الشارط إلى الحاكم، أو إجباره بنفسه عليه؛ نظراً إلىٰ تلك العمومات الظاهرة في ضرب القوانين الإلهيّة، و إمضاء الطريقة العرفيّة، و إنّما الاستثناء فيها ناظر إلىٰ ما هو لازم المستثنىٰ منه؛ و هو نفوذ الشروط المستتبع للوجوب العرفيّ، الذي إذا أُضيف إلى الشرع، يعتبر تكليفاً يستتبع العقاب.

و بالجملة: إذا كان الوفاء بالشرط لازماً عرفيّاً، و ممضى شرعاً، أو

______________________________

(1) الدروس الشرعيّة 3: 214.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 174

تكليفاً زائداً على اللزوم العرفيّ، فلازمه جواز الإلزام في الجملة؛ لأنّه الحكم العرفيّ في هذه الصورة. بل في صورة كونه لزوماً عقلائيّاً، لا بدّ و أن نقول به، و إلّا فلا ثمرة في الالتزام بهذا اللازم، بخلاف شرط النتيجة، كما هو الواضح.

بقي شي ء: هل جواز الإجبار متوقّف على مراجعة الحاكم أم لا؟

إنّ جواز الإلزام هل يختصّ بمراجعته إلى الحاكم الشرعيّ، أم هو أعم منه و من مباشرته؟ وجهان، بل ظاهر بعضهم الأوّل.

و قيل بالثاني؛ نظراً إلىٰ أنّه خلاف الأصل، و لا دليل عليه، و ما اشتهر: من جواز الرجوع و التقاصّ في موارد الدين، مضافاً إلىٰ أجنبيّته عن مسألتنا، غير تامّ عندي في محلّه؛ فإنّ اختلال النظام بالدعاوي الباطلة غير جائز، و يجب سدّه عقلًا؛ فإنّه كثيراً ما يمكن دعوى شي ء علىٰ رجل بأنّه شرط عليه، فيلزمه عليه، فلا بدّ من المراجعة إلى الحاكم.

و تضييع الحقوق و إن كان ممنوعاً، إلّا أنّه لا بدّ من مراعاته من الابتداء بالكتابة و الإشهاد، حتّى لا يبتلي الشارط بإنكار المشروط عليه و يمينه، فيضيع حقّه، فإنّه قد ورد الأمر بالكتابة في آية الكتابة «1»، و هو أمر كلّي يستفاد منه في جميع موارد الحقوق.

______________________________

(1) البقرة (2): 282 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ

بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كٰاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لٰا يَأْبَ كٰاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمٰا عَلَّمَهُ اللّٰهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 175

فبالجملة: له حقّ المطالبة و الرجوع، و أمّا حقّ الإجبار و الإلزام مباشرة فهو ممنوع؛ لإمكان سوء الاستفادة من هذا الحكم، كما في موارد القِصاص و التقاصّ.

نعم، في موارد الغرض الفعلي في الأموال و الأعراض، يدافع بحكم الشرع و العقل؛ لأنّ مراجعته إلى الحاكم توجب تجاوز الظالم إلىٰ عرضه و ماله، و لا يجوز تأخيره، فلا يقاس ما نحن فيه بأمثال تلك المسائل بالضرورة.

و أمّا رجوعه إلى الظلمة و الحكومة الباطلة؛ لإحقاق الحقّ و إبطال الباطل، فهو مع إمكان حلّ المشكلة بغير هذا الطريق ممنوع قطعاً. و أمّا لو انحصر به ففيه بحث يطلب من مباحث البيع، و المسألة مشكلة جدّاً، و فيها التفصل، فليراجع.

و من الغريب ما في كلام بعضهم و صريح الشيخ (رحمه اللّٰه) حيث علّل جواز الإجبار: بأنّ الشارط قد ملك الشرط على المشروط عليه؛ بمقتضى العقد المقرون بالشرط، فيجبر علىٰ تسليمه «1» انتهىٰ!! فإنّ الشرط في صورة كونه فعلًا، لا يقتضي المالكيّة بالنسبة إلى الملتزم به، كما عرفت، و لا يقول هو به أيضاً. و لو أراد منه مالكيّته بالنسبة إلىٰ نفس الإلزام، فهي ليست كمالكيّته للأعيان، بل هي مجرّد التسليط على الإجبار، فلا معنىٰ لعدّه ملكاً.

و بالجملة: الضرورة قاضية بأنّه لو باع الدار التي اشترط إعطاءها

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 176

إلى المشتري في طيّ عقد النكاح، صحّ بيعه و إن كان للحاكم إجباره على التسليم.

إن قلت: فرق بين الشروط؛ فإنّ

منها: ما لا حظّ لها من الثمن، و منها: ما لها الحظّ و القسط، فما كان من قبيل الثاني، يورث الشرط تعلّق حقّ للمشروط له عليه؛ ضرورة أنّه ما كان يقدم على البيع إلّا لأجل ذلك الشرط.

نعم، في موارد اشتراط ترك المحرّم و أمثاله ممّا لا يرجع إلىٰ تقسيط الثمن عرفاً فلا حقّ له.

قلت: قد مرّ أنّ الشرط و إن لم يكن أجنبيّا عن العقد، فيكون بينهما الربط ثبوتاً و إثباتاً، إلّا أنّه داخل تقيّداً لا قيداً، فلا معنى لكونه طرف الأثمان بالضرورة، و لا يقولون به. و لو كان الأمر هكذا فهو يرجع من الشرط إلى الوصف و القيد، كما قيل به في الأحكام، و هذا ممّا لا بأس به أحياناً إذا ساعدنا الفهم العرفيّ، و لكنّه يلزم خروجه عن محطّ البحث.

الجهة السادسة: في ثبوت الخيار بعد تعذّر الإجبار أو مع تمكّنه
اشارة

بناءً علىٰ ما عرفت من جواز الإجبار في الجملة، فهل الخيار يثبت بعد تعذّر الإجبار؟

أم هو ثابت و لو أمكن الإجبار و الرجوع؟

أو لا يعتبر في ثبوت الخيار أزيد من مماطلته، فلو أمكن الإجبار و لو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 177

بالسؤال و التهديد، أو أمكن الرجوع إليه مع علمه بالوفاء، يثبت الخيار عند المماطلة و التأخير عن الحدّ المتعارف؟

وجوه بل أقوال:

فعن موضع من «جامع المقاصد»: أنّه مع تمكّنه من الفسخ لا يجوز الإجبار «1» فيعلم منه أنّه يثبت الخيار بمجرّد التخلّف.

و استضعفه الشيخ (رحمه اللّٰه) «بأنّ الخيار إنّما شرع بعد تعذّر الإجبار لدفع الضرر»!! «2» و هذا غريب منه؛ لأنّ الخيار عقلائيّ، ليس تأسيسيّاً، فلا تشريع. مع أنّه ربّما لا يكون في كثير من موارد خيار الشرط ضرر؛ حتّى يتمسّك به. مع أنّ قاعدة نفي الضرر، لا تخلو من

مناقشات محرّرة في محلّها «3».

و عن جماعة كالشهيد [الثاني]: أنّ الخيار بعد تعذّر الشرط «4»، خلافاً للعلّامة (رحمه اللّٰه) حيث قال في موضع من «التذكرة» بثبوت التخيير في صورة التخلّف بين الإجبار و الفسخ «5».

و إليه ذهب الوالد المحقّق «6» مدّ ظلّه نظراً إلى أنّه خيار

______________________________

(1) جامع المقاصد 4: 422.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 6.

(3) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 250 و ما بعدها.

(4) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 10، الروضة البهيّة 1: 386/ السطر 1 5.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 490/ السطر 23.

(6) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 220.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 178

تخلّف الشرط، لا تعذّره، و لازمه أنّه في موارد تخلّف التسليم، أيضاً يثبت خيار تخلّف التسليم، لا تعذّره.

و ربّما يمكن التفصيل بين ما إذا كان الشرط في ضمن العقد، و ما إذا كان العقد لأجل التوسّل إلى الشرط؛ لامتناع البدويّ منه، أو بطلانه، فإنّه في الصورة الثانية لا معنى للخيار، بل يكون له الإلزام فقط.

و توهّم: أنّه لا يصحّ البيع في هذه الصورة؛ لعدم الجدّ إليه، في غير محلّه؛ لأنّ الجدّ يحصل، و لكنّه جدّ في المرتبة المتأخّرة عن الجدّ إلى الشرط.

نعم، إذا كان العقد المقصود ثانياً، نقداً يعتنىٰ بشأنه عرفاً في حدّ ذاته، فلا يبعد ثبوت الخيار فيه.

و بالجملة: الخيار علىٰ خلاف الأصل، فلا يثبت إلّا بدليل.

فلو كان الوفاء بالشرط موقّتاً بوقت فتخلّف، فله الخيار، و إذا لم يكن موقّتاً بوقت، فإن كان له الوقت العاديّ و المتعارف، فالتأخير عنه أيضاً يوجب الخيار، و لا معنىٰ للإلزام قبله.

فعلى هذا تحدث مشكلة: و هي أنّ تصوير التخيير بين الخيار و الإجبار مشكل، كما أنّ تصوير الإجبار

مشكل؛ لأنّه إن كان للعمل بالشرط وقت، فإنّه لا معنى لإجباره في الوقت، و لا بعده: أمّا فيه فواضح، و أمّا بعده فهو ليس من الإجبار علىٰ الشرط؛ لأنّ الوقت قيد، فلا يعقل إجباره عليه فيه بعد مضيّه.

و إن لم يكن له الوقت، فإمّا يكون باطلًا للجهالة، أو صحيحاً، فلا يجبر أيضاً عليه؛ لما لا تخلّف عنه، فلا خيار، و لا إجبار.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 179

نعم، إذا تعذّر عليه يكون له الخيار.

و توهّم: أنّ الوقت ليس قيداً، و تكون القضيّة حينيّة، لا تقييديّة مضافاً إلىٰ أنّه غير تامّ عندنا في الاعتباريّات، كما ترى أنّه قيد في الصلاة غير صحيح عند العقلاء إجباره خارج الوقت عليه.

فعلى هذا يتبيّن أمران:

أحدهما: أنّه لا يتصوّر مورد للإجبار.

ثانيهما: أنّه لا خيار إلّا بعد التعذّر.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ الأوّل ممنوع؛ لأنّه ربّما يعرف من حال المشروط عليه، بناؤه على التخلّف باعترافه، أو بالقرائن، و لكن بعدُ في المسألة تأمّل، كما لا يخفى.

تذنيب: الإجبار في التعبّديات

في موارد التعذّر و التخلّف، ربّما يمكن الوصول بالإجبار إلىٰ الشرط، كما في التوصّليات و الأفعال الخارجيّة، و أمّا في موارد التعبّديات و الإنشاءات، فلا يمكن ذلك بنحو الإطلاق في الأُولىٰ.

و أمّا في الثواني، فربّما يتمكّن الحاكم من الإنشاء، ففي نيابته عنه في صورة التعذّر بعد فرض كون الشرط مباشرته إشكال، و إلّا إذا كان الشرط على الإطلاق، فالظاهر عدم اشتراط مباشرته؛ لأنّ الإنشاءات ليست مورد الأغراض و الأنظار المستقلّة «1».

______________________________

(1) فلو تعذّر أو امتنع فلا يبعد النيابة، نظراً إلىٰ رفع المنكر. نعم، بناءً علىٰ وجوب الوفاء تكليفاً، و عدم استتباع لشرط الفعل للمعنى الوضعيّ كما عرفت، فلا منكر حتّى ينوب عنه السلطان و الحاكم،

فافهم [منه (قدّس سرّه)].

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 180

و قال الشيخ (رحمه اللّٰه) بذلك «1»؛ نظراً إلىٰ عموم ولاية السلطان على الممتنع، فيندفع ضرر المشروط له بذلك.

و فيه: أنّه ربّما لا يكون في تركه ضرر؛ لأنّه أمر غير ماليّ، و لا مرتبط به.

نعم، مقتضى الأصل عدم ثبوت الخيار؛ إلّا بعد إحراز جميع المحتملات الدخيلة في ذلك.

الجهة السابعة: في موارد تعذّر الشرط هل يثبت الأرش، أم لا؟
اشارة

وجهان، بل قولان ناشئان عن أنّ الأرش مقتضى القاعدة، أم لا. و قد عرفت أنّ الأرش بمعنى كونه أمراً في عَرْض الخيار يكون علىٰ خلاف القواعد، و في موارد التعذّر عن العمل بالعقد، له فسخ العقد، و الرجوع إلى البدل من المثل، أو القيمة.

فما عن السيّد الفقيه اليزديّ هنا «2» و فيما سلف «3»: من أنّه مطابق للقاعدة، بعيد عنه جدّاً، و عن الصواب قطعاً؛ فإنّ الشرط من الأجزاء التحليليّة التي يكون التقيّد داخلًا و القيد خارجاً، و ما كان شأنه ذلك

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 16 17.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 130/ السطر 22.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 15.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 181

لا يلاحظ في قبال الثمن، فإنّ المعاني الحرفيّة مغفولة، و قد عرفت بما لا مزيد عليه وجه إنكار كون الأجزاء المقداريّة تتقسّط بالنسبة إليها الأثمان، فضلًا عن الشروط.

و أمّا ما أفاده الوالد المحقّق «1» مدّ ظلّه-: من عقلائيّة الأرش في الجملة، فهو في غير محلّه؛ لأنّ ما هو العقلائيّ في موارد تعذّر الوصف و الشرط و التسليم، فسخ العقد.

نعم، قد ذكرنا: أنّه لو كان البائع في موارد العيب يعطي الأرش بدواً، أو في موارد الغبن يعطي الزيادة، فثبوت الخيار مشكل، و عدمه مطابق للأصل. بل

ينفيه الأدلّة الاجتهاديّة الأوّلية؛ بعد المناقشة في الأدلّة المقتضية للخيار على الإطلاق، كما لا يخفىٰ.

فإطالة الكلام حول أقسام التعذّر الذاتيّ و الطارئ، و حول المباني من فساد الشرط المتعذّر من الأوّل و عدمه، و حول أقسام الشروط الماليّة و غير الماليّة، غير صحيحة جدّاً؛ بعد اعتراف المعظم بأنّ الأرش علىٰ خلاف الأصل، و غير ثابت عندنا حتّى في موارد خيار العيب؛ لما مرّ من المناقشة في سنده. و لو ثبت فهو مخصوص ببابه للتعبّد، و لا بأس به في الجملة، فليراجع.

بقي شي ء: حول بطلان العقد عند تعذّر الشرط

ربّما يتوهّم في موارد تعذّر الشرط، بطلان العقد.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 226.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 182

و هذا مضافاً إلى أنّه توهّم غير جائز، كما يأتي في بحثه إن شاء اللّٰه تعالىٰ يكون خارجاً عن الجهة المبحوث عنها؛ و هي فرض صحّة العقد، و أنّ تعذّر الشرط هل يوجب الأرش زائداً على الخيار؟

و لعمري، إنّ كثيراً من بحوث المحشّين، خارجة عمّا هو مورد النظر، و لأجل بنائهم علىٰ إيجاد أمر جديد في المسألة، كلّ خرجوا عنها، و أتوا بما مضى، أو بما يأتي في محلّ آخر، فإنّ ما هو محطّ الكلام هنا هو تعذّر الشرط بتعذّر طارئ، و إلّا فما كان متعذّراً من الأصل فربّما يبطل؛ لكونه مورد العجز، و قد اشترطت القدرة، كما مرّ.

كما أنّ الجهة المفروغ عنها؛ صحّة العقد حال تعذّر الشرط، فالبحث عن الصحّة أيضاً غلط.

و هكذا البحث عن أنّ الأرش مطابق للقاعدة، أم لا، و ذكر تلك الوجوه هنا أيضاً.

و غير ذلك ممّا صدر من أصحابه، غافلين عن أنّ تورّم الفقه غير سمنه، و ما هو المطلوب تسمين الفقه، لا تورّمه، فلا تخلط.

و من هنا

يظهر أيضاً: أنّ البحث حول كيفيّة الشرط، و تقسيط الثمن عليه، في غير محلّه أيضاً.

فما هو المبحوث عنه هنا: هو أنّه مع كونه شرطاً و خارجاً قيداً، و داخلًا تقيّداً، و بتعذّر طارئ، مع أنّ العقد صحيح في ذاته، و لا يبطل، هل يثبت في هذه الصورة أرش، أم لا؟ و قد مرّ التحقيق بعدم ثبوته.

و أمّا توهّم: أنّ في موارد تعذّر الشرط لا يثبت الخيار؛ لأنّه معذور عند الشرع و العرف، و ما هو الموجب للخيار هو التخلّف و الامتناع، فهو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 183

ناشئ من الخلط بين الوضع و التكليف؛ ضرورة أنّ الخيار ثابت في مورد تعذّر التسليم؛ سواء كان الثمن كلّياً، أو شخصيّاً مع أنّه معذور بالضرورة. ثمّ إنّ حديث الأرش، مخصوص بموارد شرط النتيجة و الوصف، دون الفعل؛ لما عرفت: من أنّ شرط الفعل لا يستتبع ملكيّة للمشروط له على المشروط عليه، فلا يتملّك مثلًا خياطة الثوب؛ حتّى يكون شرط الفعل يفيد شرط النتيجة، فليس في موارد التعذّر إلّا الخيار.

و غير خفيّ: أنّ التعذّر يقاس بالنسبة إلىٰ حدود سعة الشرط؛ فإن كان الشرط مباشرة المشروط عليه، فالتعذّر يقاس بالنسبة إليه، و إن كان الأعمّ فهو الأعمّ، فلو أمكن العمل بالشرط بالتسبيب فيلزم عليه، و يجب العمل بمقتضى الشرط حتّى القدرة، فما عن «تذكرة» العلّامة (قدّس سرّه) «1»: من القول بالعوض إذا فات وقت الوفاء بالخياطة! غير صحيح، و أغرب منه ما نسب إلى الصيمريّ: من القول بالأرش بمجرّد امتناعه عن الوفاء «2»!!

إفادة: إذا تلف مورد الشرط بعد تسليم المبيع

لو اشترط بنحو النتيجة أن تكون الدار الخاصّة لزيد المشتري، و كانت الدار صحيحة سالمة حين العقد، و أمّا بعد مضيّ العقد و تسلّم المبيع،

تلفت العين التي كانت مورد الشرط

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 24، تذكرة الفقهاء 1: 491/ السطر 4.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 22 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 184

فهل هو كاشف عن بطلان الشرط؛ بناءً على اعتبار القدرة إلىٰ حين التسليم، فلا يكون له الخيار فضلًا عن قيمة المشروط؛ لأنّ الشرط محكوم بالعدم، كالشرط المخالف، فيكون باطلًا؟ و قد مضى حديث اعتبار القدرة، و أنّها أجنبيّة عن صحّة الشرط، و لا يلزم علىٰ تقدير دخالتها فيها عدم ثبوت الخيار.

أم يثبت الخيار، و هو بإعطاء المثل أو القيمة؛ نظراً إلىٰ أنّ نفس التخلّف و التعذّر سبب، و ليس بناؤه على الضرر غير المنجبر، و لا سيّما في الشروط التي هي لا تلاحظ ضرريّتها، و لا ضرريّتها بالنسبة إلىٰ العقد؛ لكونها أجنبيّة عن العقد بوجه مضى أيضاً؟

أو يكون له الخيار بعد امتناعه عن التبديل و إعطاء الغرامة؟ نظراً إلىٰ أنّ الشرط و لو تعلّق بالعين الخارجيّة، إلّا أنّ الخصوصيّة ملغاة عرفاً، و يكون على المشتري جبران ما عليه، كموارد

على اليد ..

بل هنا أيضاً بعد ما صارت الدار ملكاً للبائع، من موارد

على اليد.

بناءً علىٰ أنّ مطلق اليد مضمونة، و ما هو الخارج عنه عنوان مبهم و مجمل، و يتمسّك بإطلاقه، أو يفرض صورة التلف المقرونة بالتفريط، فيثبت الضمان، و لا خيار حينئذٍ بحكم العرف و العقلاء؛ لأنّ من يريد الفسخ يعدّ لجوجاً، و لا خيار لمثله عندهم، و لا سيّما فيما إذا كان مورد الشرط مثليّا، كالمثليّات في عصرنا التي تخرج من المكائن، فإنّ الإنصاف يشهد علىٰ عدم ثبوت الخيار في أمثالها، كما لا يخفى.

أم له الخيار، و له المطالبة بالمثل

و القيمة في موارد التلف و الإتلاف؛ بشرط كون موارد التلف بحكم الإتلاف، نظراً إلىٰ تعذّر الشرط

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 185

عرفاً، و إلى أنّه أتلف عينه و ماله؛ لأنّه انتقل إليه بشرط النتيجة، كما هو المفروض؟

أو هناك تفصيل بين موارد التلف المستند إلىٰ قاعدة

على اليد.

و التلف و الإتلاف المستند إلىٰ حكم العقلاء و قاعدة الإتلاف؛ نظراً إلىٰ بطلان قاعدة

على اليد.

كما هو الأقرب عندنا، كما تحرّر في محلّه «1»؛ فإنّه في تلك الصور لا ضمان، فيكون له الخيار، أو لا خيار؛ لانكشاف فساد الشرط رأساً، ضرورة أنّه يصحّ الشرط باعتبار وجوب التسليم، و حيث لا يعقل إيجاب التسليم فلا يعقل صحّة الشرط، فلا معنىٰ للخيار؟

هذه هي الوجوه الممكنة.

و التي هي الأقرب فيما بينها ثبوت الخيار في عَرْض المطالبة في موارد الإتلاف و التلف الذي بحكمه، و الوجه واضح ممّا مرّ كما لا يخفى.

بقي شي ء: تخلّف الشرط في موارد شرط الوصف

في موارد شرط الوصف؛ و أنّه كان موجوداً حين المعاملة:

فتارة: يكون شرط وصف العين المبتاعة، كحلاوة البطّيخ، و كتابة العبد.

و أُخرى: يكون شرط وصف العين التي هي مورد شرط النتيجة، كما إذا باع أرضاً و اشترط أن تكون داره التي تكون علىٰ وصف خاصّ له، ثمّ

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 1: 186 و ما بعدها.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 186

بعد العقد تبيّن زوال وصف الدار، فإنّه علىٰ كلّ تقدير لا يبعد ثبوت الخيار؛ نظراً إلىٰ بناء العرف الممضى.

و لو أمكن المناقشة فيه، فيشكل الأمر في كثير من موارد الخيارات، فيلزم الأخذ بالقدر المتيقّن، أو بدليل لفظيّ، أو إجماع لبّي، و الكلّ عندنا غير ثابت، بل منتفٍ؛ لأنّ قاعدة

لا ضرر.

لا توجب الخيار الحقّي إلّا

بوجه بعيد عرفاً. مع أنّ شمولها لموارد الضرر المنجبر في مثل ما نحن فيه، مورد الإشكال جدّاً. مع أنّه ربّما لا يكون مورد الشرط من الأُمور الماليّة، كما مرّ مراراً، كأن اشترط ترك فعل كذا عليه، أو اشترط ما يرجع نفعه إلى المشروط عليه، مثل صلاة الليل و نحوها، إلّا أنّه خروج عن موارد شرط النتيجة و الوصف، فتأمّل.

و أمّا ثبوت الضمان نظراً إلىٰ أنّه من تلف الوصف تحت يده أو إتلافه إذا أمكن أحياناً فهو أيضاً قويّ؛ لكونه على الفرض للمشتري بعد العقد.

نعم، في موارد تلف وصف العين المبتاعة الذي هو بحكم الإتلاف، بل مطلقاً، و في موارد الإتلاف، لا خيار عندنا و لا ضمان؛ نظراً إلىٰ ما تحرّر منّا في محلّه: من أنّ حقيقة البيع هي المبادلة خارجاً في أمر من الأُمور الاعتباريّة، كالملكيّة، و السلطنة، فإتلاف وصف العين المذكورة ليس إلّا عصياناً؛ لكونه موجباً لعجزه عن الوفاء بالعقد.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 187

الجهة الثامنة: حكم البيع مع تصرّف المشروط عليه أو تلف العين عند تعذّر الشرط
اشارة

في موارد تعذّر الشرط، و تصرّف المشروط عليه في العين تصرّفاً ناقلًا، أو تلف العين.

فتارة: يكون كلّ ذلك قبل التعذّر، فإنّه يصحّ العقد، و لكن يجب في صورة فسخ البائع، ردّ العين إلى البائع علىٰ أيّ وجه أمكن؛ و لو بالاشتراء الجديد، و تصل النوبة إلى البدل إذا تعذّر ردّ العين. و مجرّد الانتقال لا يكفي، كما مرّ فيما سبق في أحكام خيار الغبن.

و توهّم بطلان العقد بتلف العين حقيقيّا، بل و حكميّاً، فلا يعقل فسخ العقد الأوّل، قد اندفع أيضاً فيما سبق. كما مرّ أنّ في موارد تمكّنه من ردّ العين في الأزمنة المتأخّرة، حديث بدل الحيلولة و أحكامه.

و أمّا دعوى ممنوعيّة المشتري عن التصرّف في

العين المبتاعة قبل الوفاء بالشرط؛ لأنّه موجب لتفويت الأمر عليه في موارد عدم تمكّنه من الردّ إذا فسخ البائع، فهي غير مسموعة؛ لأنّه خلاف الأصل، و يحتاج إلىٰ دليل.

و لا يقاس ما نحن فيه بحديث خيار ردّ الثمن، كما مرّ بتفصيل تحقيقه أيضاً، و ما في كلام بعض المحشّين (رحمه اللّٰه): من أنّه قبل التعذّر يكون بحكم خيار ردّ الثمن، و لا يشبه خيار التفليس الذي هو يحدث بمبادئه بعد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 188

العقد «1» في غاية الضعف؛ فإنّ في موارد التفليس ربّما يكون نفس البيع موجباً للتفليس، فهو أولىٰ بذلك ممّا نحن فيه.

فما هو الحجر الأساسي: أنّ الخيار و لو كان موجوداً حين العقد عند التعذّر، و يكون من قبيل الواجب المعلّق، فيكون التعذّر دليلًا علىٰ ثبوت حقّ الخيار للبائع، و ليس التعذّر شرط وجوده، بل الخيار ثابت من الأوّل حين التعذّر؛ حسب الاعتبار، و لكنّه لا يمنع هذا الحقّ عن جواز التصرّف و نفوذه؛ لعدم الدليل علىٰ أنّ كلّ حقّ مانع عن أمثال هذه التصرّفات، و لا سيّما بعد إمكان عوده إليه، و ردّه إليه البائعُ بسبب من الأسباب الممكنة.

و قد عرفت لزوم إعمال القدرة في حلّ العقد الثاني؛ جائزاً كان، أو كان فيه بالخيار، أو كان لازماً و متمكّنا من الاشتراء بالأغلىٰ؛ بشرط عدم عدّه ضرراً عرفاً.

نعم، فيما إذا كان العين المنتقلة من المثليّات في هذا العصر، فلا يجب إلّا مثلها؛ لأنّه عينها عندنا، كما مرّ تحريره، فلا يجب ردّها حتّى في صورة وجودها عنده، إلّا أنّه بعيد، فتأمّل.

و أُخرى: يكون التلف الحقيقيّ أو التصرّفات بعد التعذّر، فإنّ في صورة التلف الحقيقيّ يرجع إليه بالبدل، كما أُشير إليه،

فلا فرق بين الصورتين.

و هكذا لا فرق بين الصورتين لو قلنا: بأنّ التعذّر كاشف عن ثبوت

______________________________

(1) لاحظ منية الطالب 2: 139/ السطر 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 189

الخيار و حقّه من الأوّل؛ لأنّ وجه بطلان التصرّفات الناقلة، إمّا يكون النهي المستنبط من الأمر بردّ العين إلى البائع عند الفسخ، فيكون أمراً فعليّاً ذا اقتضاء بالنسبة إلى المنع عن الضدّ، و هذا ممنوع في محلّه كبرويّاً و صغرويّاً؛ لأنّه يتمكّن من ردّها و لو بالاشتراء.

نعم، في صورة عدم تمكّنه يكشف النهي، إلّا أنّه ليس نهياً متعلّقاً بعنوان المعاملة عندنا، بل المحرّر في محلّه؛ أنّ عنوان الضدّ الخاصّ مورد النهي، و حيث إنّه تكون النسبة بين المنهيّ عنه و النقل عموماً من وجه، لا يكشف الفساد به، فلا تخلط.

و إمّا يكون حقَّ الخيار، و قد عرفت: أنّه لم يثبت عندنا كبرى كلّية تشهد علىٰ أنّ كلّ حقّ يمنع عن الصحّة بعد إمكان البدل، و لا سيّما مثل الحقّ المذكور الناشئ من الأمر المتأخّر، فتأمّل تعرف.

نعم، لا فرق بين كون الحق متعلّقاً بالعين، كما يستظهر من أخبار خيار العيب، أو يكون متعلّقاً بالعقد، أو لم يكن العقد و لا العين موردهما، بل حقّ الخيار ليس إلّا تمكين ذي الخيار من حلّ العقد اللازم، كما هو الحقّ، و لو كان الأمر كما تحرّر عندنا، فالصحّة أولىٰ و أظهر.

و أمّا لو قلنا: بأنّ الخيار يتجدّد بعد التعذّر، و لا حقّ قبله، فالأمر أوضح، إلّا أنّه يوجّه بطلان التصرّفات الناقلة من ناحية أُخرى: و هي أنّه يجب على المشتري ردّ العين عند فسخ العقد، و ليس الفسخ شرطاً، فيكون الوجوب تعليقيّاً لا مشروطاً، فإذا كان يجب عليه ذلك

فيلزم البطلان؛ بناءً على المقدّمات المشار إليها، لكون النقل الثاني مورد النهي، أو ينطبق عليه المنهيّ عنه، و هو كافٍ لعدم الإمضاء المعتبر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 190

في صحّته.

فعلى هذا، يمكن إبطال العقد الثاني علىٰ جميع الفروض، إلّا أنّه مجرّد إمكان تخيّلي، لا واقعيّ. و لا يكفي الإيجاب التعليقيّ المذكور للنهي، بل لا بدّ من كونه تعليقيّاً أيضاً بالقياس إلى الطلب؛ لما أنّه إذا لم يطلب البائع لا يجب الردّ.

نعم، إنّ الوجوب التعليقيّ حيث يكون هو الأصل، و الوجوب المشروط يحتاج عندنا إلى اعتبار زائد من الشرع في مرحلة الإثبات، تكون جميع الواجبات تعليقيّة بالضرورة، إلّا أنّ تبعات تلك الواجبات ممنوعة كبرويّاً و صغرويّاً في خصوص ما نحن فيه؛ لما أُشير إليه آنفاً، و سيمرّ عليك بعض البحث حوله في الفرع الآتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

ثمّ إنّ حديث الفسخ من الأوّل أو الحين، من الأحاديث الباطلة، بل هو أمر باختيار ذي الخيار، فله فسخ العقد من الأوّل، أو من الحين، أو في بعض الأحيان، كما ربّما يكون العقد جائزاً في حين من الأحيان المتوسّطة، و تحقيقه في أحكام الخيار إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

بحث و تحصيل: الفرق بين تعلّق الخيار بالعقد و العين

لأحد دعوى اختلاف الأثر بين تعلّق حقّ الخيار بالعين، و بين تعلّقه بالعقد المتعلّق بالعين، فإنّ العقد المتعلّق بالعين ليس تعلّقه حقّياً، بل هو تعلّق طبيعيّ اعتباريّ، و أمّا تعلّق حقّ العين بالعقد أو العين، فحقّى شرعيّ اعتباريّ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 191

فإن تعلّق بالعقد، فلمكان نقل العين لا يبقى لإعمال الحقّ الشرعيّ محلّ؛ لانتفاء تلك الإضافة الطبيعيّة.

و أمّا إذا تعلّق بالعين، فهو باقٍ ببقاء العين، إلّا أنّه لا يمنع عن صحّة التصرّفات الناقلة؛ لقيام الضرورة علىٰ

جوازها تكليفاً و وضعاً في الجملة.

و بعبارة اخرىٰ: خروج العين عن ملك المشتري، يوجب انتفاء العقد الأوّل المستتبع للملكيّة؛ ضرورة أنّه لا يتصوّر الملكيّة المتعدّدة، فلا يبقىٰ للعقد محلّ، بخلاف ما إذا تعلّق بالعين الخارجيّة؛ و إن كان حلّ العقد المذكور، يوجب ردّ العوض و البدل عند التعذّر. بخلاف ما إذا تعلّق الخيار بالعين، فإنّه معناه أنّه له استرداد العين في جميع الأحيان، و كأنّ الشرع رخّص للبائع ذلك، فتكون العين بالقياس إلىٰ حقّ البائع، مثلَ العين المعرض عنها مالكها، و تكون من المباحات، و هذا بيد الشرع، فإذا استردّها البائع الأوّل، يرجع المشتري الثاني إلى البائع الثاني بالبدل. بل له الفسخ من غير أن ينكشف بطلان العقد الأوّل؛ لإمكان إبقائه، كما أُشير إليه، و تحرّر في محلّه.

و الذي هو المهمّ: أنّه في مرحلة التصديق مورد الإشكال، و إلّا ففي مرحلة الثبوت لا حقّ له إلّا حقّ الاسترداد و الاستملاك، و هناك (إن قلت قلتات) تُخرج الرسالة عن الإيجاز، فليلاحظ.

ثمّ إنّ إمكان فسخ العقد الثاني للبائع الأوّل، كما يجوز بحلّ العقد الثاني أوّلًا، ثمّ الأوّل ثانياً، يجوز بفسخ العقد الأوّل فقط و لو كان الفسخ من الأُمور الإنشائيّة؛ و ذلك لما تحرّر عندنا من أنّه لا يعتبر الألفاظ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 192

الخاصّة في الإنشاء، كما لا تعتبر الدلالة الخاصّة. فإذا فسخ العقد الأوّل و يجد أنّه لا يؤثّر و يكون لغواً إلّا بفسخ العقد الثاني عند العقد، يعتبر تلك الألفاظ موضوعاً لتلك الجهة؛ لاعتبار فسخ العقد الثاني أوّلًا، ثمّ يؤثّر بالدلالة المطابقيّة في العقد الأوّل ثانياً. و يكفي اختلاف الرتب لذلك، و لا يعتبر التقدّم الزمانيّ.

مع أنّه ربّما تكون تلك الألفاظ

التي يتوسّل بها إلىٰ فسخ العقد الأوّل، موضوعاً لاعتبار فسخ العقد الثاني قبل تماميّتها، و بعد ما صارت تامةً تؤثّر في الأوّل أو تصير موضوعاً للأوّل؛ على اختلاف المسلكين في هذا الباب.

و أمّا احتمال انفساخ العقد الثاني؛ فهو لأجل الفرار من اللغويّة العقلائيّة؛ لأنّه لا منع من تماميّة العلّة في برهة من الزمان، فلا يحتاج الانفساخ إلى العلّة، بل عدم المقتضي كافٍ، إلّا أنّه خلاف الأمر الواقع بين العرف و أهله.

و لو شكّ فلا بدّ من الاحتياط؛ لبقاء الملكيّة الثانية علىٰ حالها استصحاباً.

اللهمّ إلّا أن يقال: بجريان حديث الرفع «1» في أمثال المقام من غير شوب المثبتيّة، كما حرّرناه في محلّه، فإذا جرىٰ فهو مقدّم عليه؛ علىٰ إشكال تحرّر أيضاً في محلّه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 141.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 193

فرع: حكم التصرّف في دار باعها و اشترط وقفها

إذا باع داره و اشترط على المشتري أن يوقفها علىٰ نفسه، أو غيره، فالحقّ صحّة جميع التصرّفات الناقلة عندنا؛ لما عرفت من أنّ المهمّ في المسألة حدوث حقّ عقيب شرط الفعل، و قد مرّ انتفاؤه أصلًا.

و لو تعلّق الحقّ ففي البطلان أيضاً نظر؛ لما مرّ، فإنّ المبادر إلى الأمكنة المشتركة، يكون له الحقّ، و له تعويضه، و الصلح عليه، و لكنّه إذا منعه مانع و دفعه يزول حقّه، و لا يبقىٰ شي ء في المحلّ بالضرورة و إن قيل به، بل هو معروف، إلّا أنّه خالٍ من التحصيل جدّاً.

فعلى هذا، ليس كلّ حق مانعاً عن بطلان التصرّف المزاحم له وجوداً، فبالتصرّف ينتفي موضوعه لو قلنا بانتفاء العقد، و هو موضوع الحقّ، فالتصرّف و التلف الحكميّ ليس كالحقيقيّ هنا، بل هو تصرّف محتاج إلى النفوذ، و لا دليل علىٰ نفوذه في هذه الصورة.

نعم، لو

قلنا: بأنّه باقٍ، أو قلنا بأنّه متعلّق بالعين، و لا يزول كما مرّ، فللسلطان الحاكم إعماله و وقفه، أو له إعماله و إجباره على الوقف، أو إجباره على الإعمال و الوقف.

أم في صورة تعذّر الشرط بالنقل، يثبت للبائع الخيار، و لا يتمكّن حينئذٍ من الوقف الواجب شرعا؛ لأنّه وقف علىٰ نفسه، و هو باطل.

نعم، له الوقف على الغير بعد الفسخ؛ بناءً علىٰ ما تحرّر منّا من أنّ انفساخ العقد، لا ينافي وجوب الوفاء بالشرط الضمنيّ؛ لأنّ العقد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 194

واسطة في الثبوت، لا العروض.

فبالجملة: في المسألة وجوه، بل أقوال، و قد عرفت حقّها.

و أمّا توهّم بطلان التصرّفات من ناحية التكليف الإلهيّ؛ و هو وجوب الوفاء بالشرط الملازم لوجوب الوقف، المستلزم لحرمة سائر التصرّفات؛ لكونها من الضدّ الخاصّ.

أو وجوب الوفاء بالشرط المستلزم لحرمة سائر التصرّفات؛ لكونها ضدّاً خاصّاً، أو لكونها مورد انطباق الضدّ العامّ؛ و هو حرمة عدم الوقف و تركه؛ و لو بإيجاد التصرّف الآخر المنطبق عليه الترك، المستلزم لعدم رضا الشرع بالعقد، الملازم مفاده لاشتراطه بالرضا و الإمضاء.

و ليس العقد الثاني إلّا مصداقاً للمحرّم، و هو كافٍ للحرمة الوضعيّة من هذه الجهة، لا من جهة أنّ النهي عن المعاملة يوجب الفساد، حتّى يقال: أوّلًا: إنّه غير متعلّق بها.

و ثانياً: ليس كلّ نهي كاشفاً عن الفساد؛ كي يقال بعدم الفرق بين النواهي، علىٰ ما تحرّر عندنا.

و ثالثاً: إنّ النهي دليل الصحّة، كي يقال: هو دليل الصحّة العقلائيّة الباطلة شرعاً.

و بالجملة: أمّا توهّم هذه الأُمور، فكلّها ناشئة عمّا تحرر في محلّه من تخيّل أنّ الأمر بالشي ء يقتضي شيئاً من الأُمور، فإنّه غير صحيح.

و أمّا فيما نحن فيه فربّما يظهر منهم: أنّهم

يعتبرون حقّا تبعاً للشرط؛ نظراً إلىٰ أنّ في باب الإيصاء و النذر و العهد و اليمين، يعتبرون حقّا

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 195

للطرف، فيكون للموصىٰ له حقّ بالنسبة إلى العين، و هكذا في باب النذر، فإنّ المشهور علىٰ أنّ للمنذور له حقّا على المنذور بعينه؛ و لو كان ما هو الواجب و ما هو سبب الوجوب، ليس إلّا عنواناً مضافاً إلى العين؛ و هو العمل بالشرط و الوفاء به، و بالمنذور، و إعطاء الموصى به، أو العمل بالوصيّة، فعلى هذا يشكل المبادلات المذكورة و التصرّفات.

و هذا غير حقّ الخيار عند تعذّر الشرط، بل هو حقّ تبع للشرط المتعلّق بالوقف عليه، أو البيع منه، أو غير ذلك.

و ما في كلام السيّد المحقّق الوالد مدّ ظلّه-: من أنّ الحقّ متعلّق بالبيع منه، أو الوقف عليه، فلا يتعلّق الحقّ إلّا بالمعنى الكلّي المضاف إلى العين الخارجيّة؛ علىٰ نعت دخول التقيّد و خروج القيد، فلا يتعلّق الحقّ بالعين بشخصها «1»، لو كان صحيحاً يلزم حبس العين؛ نظراً إلىٰ توقّف الحقّ عليه طبعاً، للزوم لغويّة الحقّ الوضعيّ مع تجويز التصرّفات و تنفيذها، فلو وقفه علىٰ غيره، أو باعه من غيره، فقد دخل بحقّه ثانياً و بالذات، و هذا كافٍ لمنع صحّة البيع إلّا منه، و الوقف إلّا عليه.

و الذي هو الحقّ: أنّ الأمر بالوفاء بالشرط و بالكون عند الشرط و لا سيّما بعد تعقّبه بتلك الاستثناءات لا يقتضي إلّا الإطاعة، و استحقاق العقاب عند التخلّف إمّا لجهة في ذاته، أو لكونه ناظراً إلىٰ أنّ في صورة التخلّف و إعمال الخيار، تخرج العين عن سلطنته، و تدخل في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 235.

الخيارات (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 2، ص: 196

سلطان الطرف، فيكون تصرّفه فيها حراماً.

و أمّا استتباعه للحقّ مع أنّه ربّما يكون الشرط ترك فعل من الأفعال فلا يمكن دعوى استتباعه الحقّ باختلاف الإضافات، فإذا شرط إعطاء شي ء إليه، يتعلّق للمشروط له حقّ بذلك الشي ء. و لو كان الواجب عنوان «الوفاء بالشرط» المنطبق علىٰ إعطاء ذلك الشي ء، أو كان الواجب العناوين الذاتيّة التي تقع تلو الشرط، فالقواعد لا تقتضي ذلك، و لا أقّل من الشكّ.

و أمّا في الموارد المذكورة، فربّما يستظهر ذلك للقرائن الخاصّة، أو لا يكون هو أمراً ثابتاً شرعاً إلّا في مثل النذر للشهرة، أو يستشمّ من الإمضاء أنّه إبراز للملكيّة المعلّقة.

و أمّا إذا شرط في ضمن بيع الدار إعطاء شي ء إليه؛ بحيث كان المفروض شرط فعل و حدث فقط، فلا يكون له زائداً علىٰ حقّ الإلزام المشترك فيه جميع الشروط؛ فعلًا كانت أو تركاً شي ء و حقّ آخر؛ سواء تعلّق بالمضاف، أو بالمضاف إليه، أو بكليهما.

بقي شي ء: في بطلان التصرّفات المنافية للشرط

ربّما يقال: إنّ مقتضى الأمر بالوفاء بالشرط، اعتبار تعجيز المكلّف عن سائر التصرّفات المزاحمة، و قضيّة ذلك تحديد سلطنته و بطلان تصرّفاته؛ إذ أنّ مقتضى الأمر بالشي ء إبراز المبغوضيّة للمالك الحقيقيّ لمنافياته، و نتيجة ذلك فساد المنافيات في حدود سلطان

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 197

المالك الحقيقيّ المنوط نفوذ التصرّفات برضاه، كما أشرنا إليه و فصّلناه في الأُصول، و لا يعقل الجمع بين المبغوضيّة بالبيع و الرضا به. و ما فيهما واضح ظاهر، فلا تغترّ.

تذنيب: في صحّة التصرّفات المنافية للشرط بالإجازة

لو فرضنا الحقّ ففي كونه مانعاً عن التصرّفات إشكال آخر مضى منّا، إلّا أنّ الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) ذهب إلىٰ صحّة التصرّفات منوطةً بإجازة ذي الحقّ «1»؛ نظراً إلىٰ رفع المانع بعد تماميّة المقتضي.

و قيل: بعدم كفاية الإجازة؛ لأنّها بالنسبة إلى الفضوليّ صحيحة، و رفع المانع منوط بإسقاط الحقّ، و لا تقتضيه الإجازة؛ ضرورة أنّ الإجازة ارتضاء بالبيع، فيصير الشرط حاصلًا، و هذا فيما نحن فيه أعمّ.

و قد مرّت جميع شعب البحث في مسألة بيع المرهون؛ و أنّه لو كان الحقّ متعلّقاً بالعين، لا يمنع عن البيع و صحّته، بل لو رضي المرتهن تصير العين رهناً عنده. و لو كانت للغير كما هو جائز، و لو لم يكن المشتري راضياً، يكون البيع خياريّاً؛ لأنّه بحكم العيب، فبيع العين المرهونة كبيع الدار المستأجرة، فلا يتعلّق البيع إلّا بمورد سلطنة البائع، و لا يطلّ يذهب بحقّ ذي حقّ؛ لبقائه إمّا في عين المشتري، أو رجوعها إليه بالخيار، فيبقىٰ في عين البائع المديون.

و من هنا ينكشف كلام آخر هنا: و هو أنّه لو كان الشرط بيع العين

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 33.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 198

منه،

أو وقفها عليه، فباع العين من ثالث، و هو قبِل أن يبيعها منه، أو يقفها عليه، فإنّه يصحّ؛ لما لا يكون الشرط إلّا معنى أعمّ من مباشرته بالضرورة؛ لجواز توكيله غيره في الوقف عليه.

و إذا لم يقبل تكون العين لأجل الحقّ المذكور معيبة عرفاً و خياريّة. فإن أعمل الخيار فلا محذور، و إن لم يعمل الخيار فله إلزامه على الوقف، أو البيع بنفسه أو بمراجعة الحاكم، نظراً إلىٰ حقّه، من غير دخالة كون متعلّق الحقّ ملك المشتري الأوّل أو الثاني أو الثالث، فإنّه مال متعلّق به يدور مع العين أينما دارت، فلا يلزم علىٰ هذا بطلان التصرّفات؛ بعد كون العين ملك المشتري، و مورد حقّ الغير فرضاً.

و أمّا حديث الحاجة إلى الإجازة، فقط مرّ ما فيه رأساً؛ لعدم حقّ. و لو فرضنا الحقّ فلا حاجة أيضاً إلى الإجازة؛ لما أفدناه الآن، و ذكرناه في حقّ الرهانة.

و لو سلّمنا الاحتياج إلى الإجازة، فلا منع ثبوتاً من كون الإجازة كاشفة عن انصرافه عن حقّه، و برفع المانع يتمّ المطلوب.

و لكن المحرّر عندنا: أنّ المانعيّة غير صحيحة في المسائل الاعتباريّة، و يصير الموانع شروطاً عدميّة، فترجع إلىٰ مقتضيات صحّة البيع، فتقع الإجازة علىٰ هذا في محلّها من غير توهّم إشكال.

بقي شي ء: رهن مورد الشرط عند تعذّر الشرط

في موارد تعذّر الشرط، و تصرّف المشروط عليه في العين بجعلها

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 199

رهناً، إنّ مقتضىٰ خيار الشرط؛ جواز إبطال الرهن، أو كشف بطلانه من الأوّل، أو الأخذ ببدل الحيلولة، فيصير البدل ملكه على الإطلاق و لو فكّ الرهن أو إلىٰ حال فكّ الرهن، أو فسخ العقد و رجوع العين إلىٰ ملكه رهناً إذا رضي بذلك، و لا يعتبر رضا المرتهن؛ لأنّ حقّه

متعلّق بالعين؛ سواء كانت ملك زيد، أو عمرو، وجوه:

يظهر من الشيخ (رحمه اللّٰه) عطف الرهن على النقل «1» المحكوم بحكم التلف الحقيقيّ.

أو يقال: إنّ الواجب أداء دينه و لو بالاقتراض لفكّ الرهن، و تسليم العين إلى البائع؛ فإنّ تصرّفه كان جائزاً و صحيحاً، و إطلاق وجوب ردّ مال الغير إلى صاحبه بعد إعمال البائع خيار تعذّر الشرط يقتضي فكّه عقلًا؛ لإمكانه، و ليس للمرتهن الامتناع عن قبول دينه؛ فإنّ الرهن جائز من طرف المرتهن، و لازم من قبل الراهن، و تجوز المبادرة إلىٰ فكّه قبل مضيّ الوقت بأداء دينه، و هذا هو الأقرب من الصناعة.

و لو تعذّر عليه، يكون المشروط له بالخيار بين الفسخ و الصبر لكونه كالعين المبتاعة المستأجرة و أخذ الحيلولة، و بين الأخذ بالبدل فقط؛ لأنّ بدل الحيلولة مخصوص بموارد الحيلولة بين المالك و ملكه بامتناع ردّه إليه، مع أنّه لا يمتنع عليه ردّه بردّ مفتاحه إليه و إن كان هو ممنوعاً عن التصرّف، و لكنّه ضعيف جدّاً.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 285/ السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 200

الجهة التاسعة: حول إسقاط الحقّ الناشئ من الشرط
اشارة

بناءً علىٰ ما عرفت منّا تحقيقه و هو أنّ الشرط لا يستتبع بما هو شرط حكماً وضعيّاً، و لا حقّاً فلا مورد للبحث عن أنّ المشروط له، هل يكون له حقّ الإسقاط، و يجوز له إسقاط حقّه، و ينفذ إسقاطه مطلقاً، أو لا ينفذ مطلقاً؟

أو يفصّل بين أقسام الشروط؛ ضرورة أنّ شرط النتيجة قد أثّر أثره؛ و هي ملكيّة الدار مثلًا، فلا موضوع للإسقاط، و كذا شرط الوصف، و مثلهما شرط ترك شرب الخمر، أو ترك فعل كذائيّ، و أمّا مثل شرط الخياطة و ما يشبهها من الأُمور الماليّة فيجوز؛ لأنّه

يتملّك عليه المعنى الذي يتملّك عليه بالإجارة، فإنّه له إسقاط هذا الحقّ، أو إسقاط شرطه؟

نعم، في صورة اشتراط المشتري على البائع خياطة ثوب البائع لأنّه من العلماء الأعلام، و له فيه النظر الخاصّ، فالمشروط له بوجه هو البائع، و بوجه هو المشتري لا يكون له إسقاط حقّه.

أو في موارد اشتراط شرط النتيجة، فرق بين كون الشرط من قبيل الواجب المعلّق و المشروط، فإن كان قد أثّر أثره بمجرّد تماميّة العقد، فلا شرط حتّى يسقط، و إن كان لم يؤثّر أثره لأنّه اشترط ملكيّة داره عليه في الشهر القادم، فله الإسقاط و الانصراف و الإعراض عنه.

أو يقال: بأنّ في مثل اشتراط العتق و الصدقة لزيد و الجلّ للفرس

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 201

الذي هو ملك عمرو، لا يسقط إلّا برضا العبد، أو برضا زيد، و مالك الفرس، و وليّ الطفل و المجنون، و غير ذلك.

و قد حكي عن جماعة من الأعلام في خصوص العتق، إنكار حقّ إسقاط الشرط؛ لاجتماع الحقوق الثلاثة «1»، و منه الوقف على العلماء، كما مرّ في بحوث الوقف من كتاب البيع «2».

و أنت خبير: بأنّ جميع هذه الأُمور تخيّلات لا واقعيّة لها؛ لقصور أدلّة الشروط، و لا دليل في المسألة غيرها.

و توهّم: أنّ حق الانصراف عن شرطه دليل علىٰ ثبوت الحقّ الثاني و الملكيّة في شرط الفعل، في غير محلّه؛ لأنّ الانصراف عن الشرط، ليس إلّا كالانصراف عن الإيجاب قبل القبول، و عن الجعالة قبل العمل، فإنّ هذه الأُمور الإيقاعيّة قابلة للإعراض و العدول، و لا وجوب شرعاً بالقياس إلى المشروط له حتّى يقال: هو حكم إلهي، بل

المؤمنون عند شروطهم «3»

يستدعي وجوب الوفاء بالنسبة إلى المشروط عليه، دون

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 286/ السطر 8، تذكرة الفقهاء 1: 492/ السطر 17 و ما بعده، جامع المقاصد 4: 421.

(2) هذه المباحث من كتاب البيع مفقودة.

(3) منصور بزرج، عن عبد صالح (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّ رجلًا من مواليك تزوّج امرأة ثمّ طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعا فأبت عليه إلّا أن يجعل للّٰه عليه أن لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه باللّيل و النهار، قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: المؤمنون عند شروطهم.

الكافي 5: 404/ 8، تهذيب الأحكام 7: 371/ 1503، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 202

المشروط له.

نعم، في المثال المذكور تجوز إقالة الشرط برضا الطرفين؛ من غير أن يلزم منه شي ء، كما لا يخفى.

فبالجملة: النظر تارة؛ إلىٰ أثر الشرط، و أنّه هل يكون له إسقاط ذلك الأثر، فهو ليس من الحقوق، بل هي ملكيّة الدار و الخياطة إذا استتبع شرط الفعل ذلك.

و أُخرى: إلىٰ نفس الشرط الإيقاعيّ الإنشائيّ الذي هو موضوع حكم العقلاء، فكما أنّه بالإقالة يرتفع العقد، فتزول الملكيّة التي هي أثره، كذلك الأمر هنا، فله الإعراض عن الشرط الإنشائيّ، فإنّه و إن أثّر أثره، إلّا أنّه بوجوده الإنشائيّ باقٍ في الاعتبار، و يعدّ ذلك باقياً عرفاً، و لذلك يشار إليه، و لا نحتاج إلى الأزيد من ذلك.

و لو استشكل الأمر عليك، فله إسقاط شرطه في شرط النتيجة، و هو حقّ الرجوع إلى المشتري لتسليمه،

و حقّ مطالبة الخيّاط، و تصير النتيجة سقوط الاشتراط، و رجوع الدار إلىٰ ملك المشروط عليه.

كما أنّه في مورد شرط الوصف مع كون الوصف موجوداً حين الشرط يجوز له الإسقاط؛ لأنّ إسقاط هذا الشرط معناه عدم ثبوت حقّ الرجوع إليه لو زالت الصفة قبل تسليم العين، و نتيجة إسقاط شرط ترك الفعل عدم ثبوت الخيار له عند التخلّف، و لا يثبت له حقّ الإلزام،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 203

و لا يتحقّق بعد ذلك شكّ حتّى يقال بوجوب الإلزام؛ لانتفاء موضوعه، فما في كلام القوم من التفصيل «1»، في غير محلّه.

كما أنّ توهّم: أنّ جواز رجوعه عن الشرط، دليل علىٰ أنّه يستتبع الحقّ؛ لأنّ الحقّ يقبل الإسقاط، غير صحيح كما عرفت في الأمثلة المذكورة؛ فإنّ للإنسان أن يعرض عن ماله، و ليس هو حقّا قابلًا للإسقاط، و لا حكماً غير قابل للسلب، و لا يعوّض بشي ء.

و بالجملة: ليس هو حقّا كسائر الحقوق و إن كان يورّث، إلّا أنّه ليس من إرث الحقّ، بل هو إرث العين و ثبوت الحقّ له بعد التورّث.

فبالجملة: عدول الموجب عن الإيجاب و الجاعل عن الجعالة، إعدام للصحّة التأهّلية، و فيما نحن فيه أيضاً إعدام لموضوع دليل الوفاء الذي يتوجّه إلى المشروط عليه في ظرفه.

بقي شي ء: في جواز الخروج عن دليل الوفاء

و هو أنّه لا شبهة في أنّ للمالك أن يشترط، و ليس هو حقّا اصطلاحاً، بل هو حقّ لغة، و لا حكماً شرعاً، بل هو إباحة، و هي ليست حكماً شرعيّاً كما تحرّر.

و أمّا بعد الاشتراط، فزوال هذا الشرط يحتاج إلىٰ دليل، و إعدام موضوع وجوب الوفاء و الكون عند الشرط بالنسبة إلى المشروط عليه، بلا وجه غير ممكن، و لا شاهد من الشرع عليه،

و مقتضى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 161/ السطر 27 32.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 204

الاستصحاب بقاؤه. و مجرّد موافقة العقلاء و حكمهم بذلك، غير كافٍ؛ لأنّ المناط كونه عملهم الرائج الذي هو بمرأى و منظر من الشرع، و هو غير ثابت، فلا إمضاء إحرازاً من الشرع بالنسبة إلىٰ ذلك.

اللهمّ إلّا أن يقال: هو أيضاً من التسويلات؛ فإنّ الضرورة قاضية بإمضاء الشرع ذلك و رضاه به، فتأمّل.

رجوع إلى البحث

و بالجملة تحصّل: أنّه يصحّ اعتبار عدوله و إعراضه و انصرافه عن شرطه على الإطلاق، إلّا في مورد يكون عقداً، كما في المثال المذكور، و فيما إذا اشترط البائع في طيّ بيع داره، أن تحصل المعاوضة بين العين الكذائيّة؛ لتعلّق غرضه بذلك، و اشترط المشتري أيضاً حصول تلك المعاوضة بينها و بين العين الكذائيّة؛ سواء كانت كلّية، أو شخصيّة.

كما أنّه لا منع عن عدوله عن شرطه فيما كان الشرط متعلّقاً بالكلّي المطلق، أو الكلّي في المعيّن، أو الفرد المنتشر، أو الشخصيّ.

نعم، تصوير الكلّي في المعيّن محلّ إشكال؛ لأنّه هو الفرد المنتشر، و قد مرّت منّا الشواهد عليه، خلافاً للسيّد المحقّق الوالد، حيث انعكس الأمر عنده، فراجع محلّه «1».

و من تلك الأمثلة: ما لو اشترط في طيّ العقد على الأجنبيّ شيئاً،

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 285.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 205

و كان فيه للمشتري خير، كما إذا اشترط بيع داره من المشتري، و قبل الأجنبيّ ذلك، فإنّ في بطلان الشرط بعدول الشارط منعاً؛ بناءً علىٰ نفوذ الشرط المذكور، كما لا يبعد.

و توهّم: أنّ استفادة المشتري، لا توجب منع الشارط عن عدوله من شرطه في تلك الأمثلة، و غاية ما هنالك حصول الخيار

له بالنسبة إلى العقد؛ لأنّ رضاه به مقيّد، في غير محلّه؛ لأنّ في صورة الالتفات يصير الشارط مشروطاً عليه، فيجب عليه الوفاء، فلا يقع عدوله عن الشرط في محلّه، فليتأمّل جيّداً.

الجهة العاشرة: حول التقسيط بالنسبة إلى الشرط
اشارة

مقتضىٰ ما تحرّر منّا في المباحث السابقة؛ أنّ الأثمان لا تقسّط علىٰ أجزاء المثمن أجزاء خارجيّة مقداريّة فكّية، فضلًا عن الأجزاء التحليليّة و الأوصاف.

فما وقع مورد البحث هنا و هو تقسيط الثمن بالنسبة إلى الشروط ساقط من رأسه؛ و ذلك لأنّ المبيع لا ينحلّ إلى البيوع، و لا العقد إلى العقود، بل في مفروض البحث؛ و هو كون المبيع شيئاً واحداً عنواناً و معنوناً، كالفرس الذي هو واحد طبيعيّ أو كالدار التي هي واحدة بالوحدة التأليفيّة، أو الحذاءين و المصراعين اللذين يعدّان واحداً اعتباراً. و فيما ينحلّ البيع إلى البيوع كما إذا باع الأشياء المختلفة فإنّه يقسّط الثمن، أو باع ما يَملك و ما لا يَملك، أو يُملك و ما لا يُملك، علىٰ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 206

ما مرّ في محلّه، و تفصيله يطلب من فروع بيع الصبْرة.

و تفصيل الأصحاب هنا كلّه خارج عن حدّ البحث، و قد تعرّضنا لما في «التذكرة» «1» هنا في فروع بيع الصبرة بما لا مزيد عليه من المسائل الأربعة و غيرها «2».

فبالجملة: فيما إذا كان المبيع واحداً شخصيّاً مرفوع الغرر بالمشاهدة، تكون الأجزاء فانية غير ملحوظة، كبيع الدار، فإذا سقط بيت منه قبل التسليم، أو كان ساقطاً قبل العقد، فلا يثبت إلّا الخيار.

و توهّم ثبوت التقسيط عبارة أُخرى عن الأرش، و مجرّد كون الأرش غرامة، و التقسيط رجوعاً إلىٰ شخص الثمن، غير واقع في محلّه. مع أنّ الثمن إن كان شخصيّاً، فهو ليس عندنا بيعاً،

بل هي معاوضة، و إن كان نقداً كلّياً، فلا حقّ بالنسبة إلى الشخصيّ منه عرفاً و شرعاً.

نعم، إذا كان متاعاً كلّياً كالحنطة، و تعيّن بالتسليم، فيتصوّر التقسيط، إلّا أنّه لا أساس له، بل هو بالخيار و لا أمر زائد عليه.

و لو كان التقسيط هنا صحيحاً عرفاً، فالأرش علىٰ طبق القاعدة، كما استفاده الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «3» فإلزام أحدهما الآخر بقبول القسط، غير ثابت جدّاً.

و إن شئت قلت: الأجزاء المقداريّة بالقياس إلى العين، في حكم

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 494/ السطر 28.

(2) هذه المباحث من كتاب البيع مفقودة.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 101/ السطر 15، و 30/ السطر 22.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 207

الوصف، بل الكمّ من الأعراض و من المحمولات بالضميمة، فما هو المبيع هو الجسم الطبيعيّ المتكمّم بالجسم التعليميّ الخاصّ، و بالكيف المخصوص؛ من غير كونهما داخلين في العين التي هي المبيع، فإذا كان الأمر كذلك هنا، ففي الشرائط التي هي داخلة تقيّداً، و خارجة قيداً بالأولويّة القطعيّة.

و غير خفيّ: أنّ ارتضاء المتعاملين بالتقسيط في تخلّف الأجزاء المقداريّة، لا يوجب كون التقسيط شرعيّاً و حكماً إلزاميّاً؛ حتّى يجوز إلزام أحدهما الآخر على القبول، و المراضاةُ مبادلة جديدة، و إسقاط و إمضاء و انصراف عن الحقّ، و إلّا فما هو الثابت في صورة التخلّف ليس إلّا الخيار؛ و هو خيار تعذّر التسليم؛ لما يجب عليه تسليم المقدار الخاصّ، كما لو تعذّر تسليم مجموع الصبْرة.

و في تخلّف الوصف و الشرط، خيار تخلّفهما المفروغ عنه عند الأصحاب إجماعاً، و سيمرّ عليك مناقشة منّا في ثبوت الخيار في مطلق تخلّف الشرط في البحث الآتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

بقي ذيل: إشارة إلى ما يفيد لفهم مرام القوم

بناءً علىٰ ما عرفت منّا، يسقط

البحث عن التقسيط بالنسبة إلى الشرط، إلّا أنّ الإشارة إلىٰ بعض الكلام الناظر إلى مرام القوم، لا تخلو من إفادة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 208

فيما هو محطّ البحث

اعلم: أنّ الشرط تارة؛ يكون في حكم الجزء عرفاً، لأنّه لا يفهم العرف منه إلّا تأكيد ما شاهده، و رفع الغرر بالمشاهدة، و هذا خروج عن نطاق البحث، و النزاع حوله بوجهٍ لفظيّ، و في وجه صغرويّ، فلو شرط أن تكون الصبرة ذات كمّية كذائيّة و أمثال ذلك، يعدّ هذا من تأكيد الأجزاء المقداريّة، فلا يكون شرطاً اصطلاحيّاً، و هكذا شرط الوصف، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ النزاع هنا لا يختصّ بالبيوع الشخصيّة؛ لأنّ الشرط الذي له قسط من الثمن، أعمّ من كون المبيع كلّياً، أو شخصيّاً.

نعم، ربّما لا يمكن رفع الغرر إلّا بالمشاهدة، فيعدّ شرط المقدار الخاصّ مخصوصاً بالبيوع الشخصيّة، و إلّا فما هو المحطّ للكلام أعمّ، فما ربّما يتوهّم من الاختصاص، غير تامّ.

ثمّ إنّ من الشروط ما تعدّ عدميّة، كشرط ترك شرب الخمر، فإنّه أيضاً خارج عن محطّ البحث.

و أمّا الشروط الوجوديّة سواء كانت ماليّة نوعيّة، أو ماليّة شخصيّة، أو قابلة لاعتبارها مالًا، و يبذل بإزائها شي ء؛ لأنّ الفعل بما أنّه فعل، يبذل أحياناً بإزائه المال فإنّها داخلة في محطّ البحث، فاشتراط إعطاء شي ء إليه الذي لا يكون له بنفسه الماليّة، داخل في محطّ الكلام، و اشتراط قراءة سورة له، أو صلوات عليه، أو غير ذلك؛ سواء كان

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 209

أمراً يسيراً عرفاً، أو كثيراً، كلّه داخل في محطّ البحث.

فما يظهر من جماعة منهم؛ من إخراج تلك الطائفة من مصبّ قاعدة التقسيط، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ وجه التقسيط في الشرائط الماليّة

يشمل غير الماليّة، ضرورة أنّ ذات الارتضاء بالثمن المذكور في المعاملة، يقتضي أن يكون جزء منه حذاءه؛ لأنّه لا يكون الارتضاء به إلّا لأجله لبّا و لو كان خارجاً إنشاءً.

و من هنا يظهر: أنّه لو كان الميزان في التقسيط علىٰ مرحلة الإنشاء، و ما يقع تحت الهيئة المعامليّة بالمطابقة، و يتعلّق به الإيجاب و القبول، فلا تقسيط مطلقاً، و إن كان المدار على اللبّيّات و الدواعي و المبادئ فلا يكون كلّ شرط خارجاً إلّا الشروط العدميّة؛ لأنّ العدم لا يبذل بإزائه شي ء في مثل ما نحن فيه.

اللهمّ إلّا أن يقال: يجوز الإعطاء في قبال ترك شرب الخمر عرفاً، و هذا كافٍ لاستحقاق المشروط له على المشروط عليه إذا تخلّف، فتأمّل.

تحقيق المسألة

و الذي هو الإنصاف: أنّ قضيّة الصناعة في باب الشروط و لو كانت عدم التقسيط؛ لأنّ التقيّد داخل في محطّ الإنشاء، و المعاني الحرفيّة لا يحاذيها شي ء، إلّا أنّ بالنظر إلىٰ فهم العرف بعد التنزل عمّا سلف أنّه لا فرق بين الأجزاء المقدارية الداخلة في مصبّ الإنشاء، و بين تلك

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 210

الأجزاء إذا اعتبرت شرطاً.

فالمدار علىٰ أنّه لو كان الشرط من الأُمور التي لا تنفكّ في مقام الأداء و الوفاء و المبادلة عن المشروط كما لو شرط أن تكون الأرض مقداراً خاصّاً فإنّ تسليم المبيع و الشرط يقع عَرْضا زماناً عاديّاً، فإنّه يقسّط عليه الثمن و لو كان شرطاً اصطلاحيّاً.

و أمّا لو كان مثل شرط أجنبيّ عن المبيع و لو كان من سنخ المبيع، إلّا أنّه ليس في مقام الوفاء بالمبيع غير منفكّ، فلا تقسيط بالنسبة إليه، كما لو باع صُبرة بالمشاهدة، و شرط إعطاء صُبرة أُخرى إليه.

و سرّ

ذلك ما سلكناه و أبدعناه: من أنّ البيع حقيقته المبادلة الخارجيّة في جهة اعتباريّة، كالملكيّة، و السلطنة، و هي البيوع المعاطاتية، دون العقديّة اللفظيّة، فإذا كان الشرط و لو شرطاً اصطلاحيّاً من الأُمور التي إذا أُريد الوفاء بإعطاء المبيع إليه، يعطيه منضمّاً إليه، فيقسّط عليه، و إلّا فلا.

و لو رجع هذا الشرط إلىٰ ما ليس شرطاً اصطلاحيّاً، فلا منع عنه عرفاً، إلّا أنّ البحث صحيح علميّاً، كما هو الواضح؛ لإمكان كشف فهم العرف بإلغاء الخصوصيّة في المسائل غير المبتلىٰ بها العرف، فلا تختلط.

بقي شي ء: بحث حول رواية عمر بن حنظلة

[ما ذكرناه] مقتضىٰ ما ورد في باب (14) من أبواب الخيار بسند

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 211

لا يخلو من مناقشة «1»؛ لما فيه ذبيان «2»، و قد مرّ في السلف بعض البحث حوله، عن عمر بن حنظلة الذي هو أيضاً لم يوثّق في الأُصول الخمسة، و لكن لا يبعد عن مسلكنا اعتباره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في رجل باع أرضاً علىٰ أنّها عشرة أجربة، فاشترى المشتري ذلك منه بحدوده، و نقد الثمن، و وقّع صفقة البيع و افترقا، فلمّا مسح الأرض إذا هي خمسة أجربة.

قال

إن شاء استرجع فضل ماله و أخذ الأرض، و إن شاء ردّ البيع، و أخذ ماله كلّه، إلّا أن يكون له إلىٰ جنب تلك الأرض أيضاً أرضون، فليؤخذ، و يكون البيع لازماً عليه، و عليه الوفاء بتمام البيع، فإن لم يكن له في ذلك المكان غير الذي باع، فإن شاء المشتري أخذ الأرض و استرجع فضل ماله، و إن شاء ردّ الأرض و أخذ المال كلّه

«3». و قد رواه الصدوق «4» و الشيخ «5»، إلّا أنّ تماميّة السند ذاتاً مشكل، و عملًا

غير محرز، فليتدبّر.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 211

و توهّم بطلان البيع للغرر و الجزاف؛ ضرورة أنّ اختلاف العشرة و الخمسة، يشهد علىٰ أنّهما كانا غير مستأهلين للتخريص و التعيين

______________________________

(1) سنده في تهذيب الأحكام: محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن ذبيان، عن موسى بن أكيل، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

(2) معجم رجال الحديث 7: 148.

(3) وسائل الشيعة 18: 27 28، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 14، الحديث 1.

(4) الفقيه 3: 151/ 663.

(5) تهذيب الأحكام 7: 153/ 675.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 212

المتعارف، في غير محلّه، بل هي تشهد علىٰ أنّ الجهالة لا تضرّ بهذه المثابة، كما هو مختارنا صناعة.

و دعوىٰ دلالتها على التقسيط، غير مسموعة؛ لأنّها لو كانت تامّة دلالة و سنداً، فلا بأس بالالتزام بمفادها علىٰ خلاف القواعد. مع قوّة احتمال كون قوله: «علىٰ أنّها عشرة أجربة» خارجاً عن الشرط، بل هو أمر اعتبر في ذمّته، أو يعدّ بحسب الصغرىٰ من مصاديق الشروط الراجعة إلىٰ تأكيد المبيع، فلا يعدّ شرطاً اصطلاحياً؛ كي يكون القيد خارجاً، و التقيّد داخلًا، فلا خلاف قاعدة فيها من هذه الجهة.

و أمّا التفصيل الواقع في ذيله، فهو مشعر بوفق القاعدة، بل فيه إشعار بنكتة علميّة جدّاً؛ فإنّ مقتضى ما تحرّر منّا و هو فناء الأجزاء في المبيع أنّ المبيع هنا عشرة جربان علىٰ أنّ الأجزاء فانية فيها، و هو عنوان واحد، و إذا كان في جنب المبيع

المشار إليه حين البيع أرضون له متّصلة بما وقع البيع عليه علىٰ أن يكون عشرة، يقع البيع قهراً عليه؛ لأنّ المبيع ما أُشير إليه في الخارج على كذا، فلا يمكن أن يقع تحت الإنشاء إلّا ما هو في الخارج بخصوصيّته، و هي العشرة؛ لأنّ تلك الوحدة عرفيّة شخصيّة، فيقع البيع طبعاً حسب القواعد لازماً.

فلو باع داراً علىٰ أنّها مائة جريب فبانت تسعين، يقع البيع على الدار، و هكذا في عكسه، من غير عروض اختلاف في المبيع الشخصيّ باختلاف الحدود و الجربان؛ لأنّ المشار إليه واحد شخصيّ تحت البيع و المبادلة و التصفيق.

فما تخيّلوه محدوداً بالخمسة بعد قوله: «علىٰ أنّها عشرة» يوجب

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 213

كون البيع واقعاً على ما في الخارج؛ و هي عشرة، فإذا كان له في جنب الأرض المحدودة أرضون أُخر ينسحب ذيل البيع و الإشارة إلىٰ حدّ العشرة قهراً و طبعاً، فتكون الرواية شاهدة على ما قوّيناه في أساس البحث، و قد مرّ حولها شطر من البحث، فراجع.

و من هنا يظهر: أنّ الإشكال بكونها خلاف القاعدة، في غير محلّه. و الالتزام بالتفكيك بين الصدر و الذيل و لو أمكن، و لكنّه في خصوص هذه الرواية بل مطلقاً غير جائز؛ لعدم بناء أو لعدم دليل لفظيّ علىٰ حجّية خبر الثقة حتّى يشمل الفرض.

و ذهاب الشيخ في «النهاية» «1» و ابن إدريس «2» المعلوم مسلكه إلى العمل بمفاده، غير معلوم صغرويّاً و كبرويّا، فراجع.

و أحسن من ذلك كلّه كونه من أخبار كتاب «الفقيه» «3» و لكنّه أيضاً غير وافٍ عندنا في محلّه؛ بعد عدم حجّية الخبر ذاتاً، و عدم اشتهار العمل بمضمونها صدراً و ذيلًا.

نعم، هو في الحكم علىٰ حسب

القواعد عندنا، كما أُشير إليه، فلا نحتاج إلى السند، كما ربّما يكون العامل بالخبر من القدماء مثلنا في هذه الجهة، فكيف ينجبر ضعف السند بعمله؟!

______________________________

(1) النهاية: 420.

(2) السرائر 2: 375 376.

(3) الفقيه 3: 151/ 663.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 214

تذنيب: في الفرق بين الشروط الصحيحة و الفاسدة

بناءً علىٰ صحّة التقسيط بالنسبة إلى الشروط، فهل فرق بين الشروط الصحيحة و الباطلة؛ كي لا يقسّط بالنسبة إلى الثانية بطلانها شرعاً، أم المدار علىٰ حكم العقلاء في التقسيط، و بطلان الشرط لا يزيد علىٰ أكثر من عدم جواز الوفاء به في بعض الشروط، كشرط مخالف للكتاب؟

أو عدم وجوب الوفاء به، كبعض الشروط، مثل ما إذا كان الشرط حين العقد غير مقدور، فغفل المتعاقدان و اشترطاه، ثمّ بعد مضيّ زمان من العقد اقدر عليه، فإنّه على القول: بأنّ هذا الشرط باطل بمعنى عدم نفوذه فليس محرّماً، و يجوز فيه الاحتياط و الوفاء الاحتماليّ؟

فبالجملة: في المسألة وجهان.

و ربّما يشكل الأمر؛ من أجل أنّ الشرط الباطل إذا لم يكن موجباً للخيار، كما يأتي تفصيله، و لا موجباً للتقسيط، و كان ممّا يتموّل، يلزم منه كون الوفاء بالعقد ضرريّاً، فإن قلنا في المسألة الآتية بالخيار، فيمكن نفي التقسيط هنا.

و لكنّ الإنصاف: أنّ القائل بالتقسيط، لا بدّ و أن لا يفرّق بين الباطل و الصحيح؛ لجريان ملاك التقسيط، و لا دليل من الشرع علىٰ هدم الشرط علىٰ وجه يرغم فيه أنف المشروط له، و هذا و هو لزوم الالتزام بالتقسيط مطلقاً من شواهد عدم صحّة التقسيط على الإطلاق،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 215

و سيمرّ عليك في محلّه حديث الخيار إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و بالجملة: بناءً علىٰ أنّ فساد الشرط لا يوجب فساد العقد، يلزم القول

بالتقسيط لو قيل به في الشرط النافذ، مثلًا إذا اشترط في بيع المثلين أن يكون له مقدار خاصّ من أحد المثلين، فإنّ بطلان الشرط لكونه من الربا، أو لكونه من المخالف للكتاب يستلزم التقسيط عند العرف، و لا دليل على استثناء الشرط الباطل عن قاعدة التقسيط إذا كانت صحيحة.

نعم، هي قاعدة باطلة عندنا، كما عرفت، و يوجّه بطلانها: بأنّ تصحيح البيع بالنسبة إلىٰ بعض الثمن، لا يمكن إلّا بدليل خاصّ، و هو مفقود، و هكذا في جانب التقسيط بالنسبة إلى الأجزاء، فليتدبّر جيّداً.

أفاده: في الفرق بين البيع الكلّي و الشخصي

ربّما يتوهّم التفصيل في باب التقسيط بين البيع الكلّي و الشخصيّ؛ بالنسبة إلى الشرط، فإن وقع البيع على الكلّي؛ بشرط أن يكون المبيع على خصوصيّة كذائيّة، فإنّه لا وجه للتقسيط؛ لأنّ فقد الشرط يرجع إلىٰ عدم الوفاء بالعقد رأساً، و عدم التسليم، كما هو الواضح.

و إذا كان في الفرض المزبور شخصيّاً، يكون البيع صحيحاً؛ نظراً إلىٰ وقوعه علىٰ ما في الخارج و لو كان ناقصاً، فلا بدّ أن يقسّط الثمن بعد فرض كون الشرط التزاماً في التزام؛ أي شرطاً فقهيّا، لا أُصوليّاً، كما هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 216

المفروض.

نعم، يتوجّه إليه: أنّه ليس تفصيلًا كلّياً بالنسبة إلىٰ جميع الموارد، كما في الإجارة على الصلاة المشتملة على السورة، فإنّه لو كان اشتمالها عليها بنحو الشرط، لا يرجع ذلك إلىٰ عدم التسليم الكلّي، بل التقسيط لو كان له أصل، يكون هو متعيّناً في هذا الفرض مع أنّه كلّي، كما هو الواضح، فليتأمّل جيداً.

و لا بأس بدعوىٰ: أنّه خارج عن محطّ الخلاف، كما لا يخفى.

ذنابة: في الفرق بين التخلّف عن تعذّر و عن عمد

هل يحصل فرق بين موارد التخلّف؛ بمعنى عدم تأثير الشرط بإيجاب الوفاء في شرط الفعل، و فعل المشروط في شرط النتيجة، و شرط الوصف، كالحلاوة، و الكتابة، و المنفعة، فلو كان التخلّف عن تعذّر فهو يوجب التقسيط، و إذا كان عن عمد فلا؟

أم لا يحصل فرق أيضاً بين الفرضين؟

فلو شرط عليه في بيع داره أن يعطيه داراً اخرىٰ، و لم يفِ به مع اقتداره عليه، فهل هنا يثبت الخيار فقط، كما هو ظاهرهم، بل صريح الأكثر، أم للمشروط له الرجوع إلىٰ بعض ثمنه؛ لعدم دخالة عجز المشروط عليه تكويناً أو عجز الشرط تكويناً و شرعاً عن التأثير في المسألة؟

و هذا

أيضاً من شواهد بطلان التقسيط على الإطلاق، و إلّا فلازمه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 217

التزامهم به في هذا الفرض أيضاً.

و من هنا يظهر: أنّ خيار تعذّر التسليم أيضاً أعمّ من التعذّر و الامتناع، و لو ثبت في مورد التعذّر بالنسبة بعض المبيع، يثبت التقسيط بالنسبة إلى الامتناع عن تسليم بعضه أيضاً، فيكون له المراجعة إلى الحاكم أو إلزامه بنفسه، أو التقاصّ؛ بناءً على القول به في أمثال المقام.

فيعلم منه ما أبدعناه: من إنكار التقسيط بالنسبة إلى الأجزاء المقداريّة، فضلًا عن التحليليّة، و لا يثبت إلّا الخيار للمشروط له.

بقي شي ء: حكم تعذّر بعض الشرط

و كان ينبغي البحث عنه في السالف: و هو أنّه إذا تعذّر الوفاء ببعض الشرط، فهل يقسّط الشرط كلية، أم يؤثّر بالنسبة؛ لأنّ

الميسور لا يسقط بالمعسور «1»

فإذا كان المحلّ قابلًا لتأثير الشرط، يؤثّر في القابل، فلو باع داره، و شرط أن تكون كذا و كذا له، ثمّ تبيّن أنّ أحدهما غير موجود، أو ملك غيره، يؤثّر في المقدار الموجود؟

أو هناك تفصيل بين الشروط، ففي مثل الأُمور الوحدانيّة المتعلّقة للغرض الوحدانيّ، فلا يحصل تفكيك، و إلّا فيؤثّر بالنسبة، بل في مثل خياطة الثوب إذا تمكّن من بعضه دون بعضه، يجب عليه الوفاء إذا طلب منه المشروط له، نعم للمشروط له خيار؟

______________________________

(1) عوالي اللآلي 4: 58/ 205، مع تفاوت يسير.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 218

ثمّ هل له الرجوع إليه بالتقسيط بالنسبة إلى الشرط، فيقسّط الثمن بالنسبة إلىٰ بعض المثمن؟

الظاهر: نعم؛ لاشتراك الملاك، و وحدة المناط. و هو أيضاً يشهد علىٰ بطلان التقسيط مطلقاً، و أنّه في جميع هذه الموارد ليس له إلّا الخيار، و لا وجه لتوهّم إلزام المشروط عليه المشروط له على

الوفاء، و أخذ قسط ثمنه؛ بدعوىٰ تمكّنه من الوفاء ببعض شرطه.

نعم، إذا كان بعض شرطه باطلًا، و بعضه صحيحاً، فإمكان إلزامه له الوجه، و يأتي في بحث فساد الشرط و إفساده إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 219

بحث و تذييل في إفساد الشرط الفاسد
اشارة

لا شبهة في بطلان الشرط في موارد إجماعاً و نصّاً، فهل لا يسري بطلانه إلىٰ بطلان العقد، أم لا، أو يفصّل بين أقسام الشروط؟

فعن الشيخ «1» و الإسكافي «2» و ابني البرّاج «3» و سعيد «4» هو الأوّل.

و عن العلّامة «5» و الشهيدين «6» و ثاني المحقّقين «7» و جماعة «8» هو الثاني.

و عن ظاهر ابن زهرة «9» ثالث الأقوال.

و تمام الكلام يقع في طيّ مراحل

______________________________

(1) المبسوط 2: 149.

(2) المهذّب البارع 2: 406، مفتاح الكرامة 4: 732/ السطر 16.

(3) المهذّب 1: 389/ السطر 9 10.

(4) الجامع للشرائع: 272/ السطر 8.

(5) مختلف الشيعة: 396/ السطر 24.

(6) الروضة البهيّة 1: 385/ السطر 17.

(7) جامع المقاصد 4: 431.

(8) المهذّب البارع 2: 406، مجمع الفائدة و البرهان 8: 148، كفاية الأحكام: 97/ السطر 21.

(9) العبارة المستظهرة منها التفصيل ساقطة من الغنية ضمن الجوامع الفقهيّة: 524/ السطر 28، لاحظ سلسلة الينابيع الفقهيّة 13: 209.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 220

المرحلة الأولىٰ: في مقام الثبوت
اشارة

و أنّه هل يعقل أن يكون الشرط مفسداً للعقد، أم لا؟ وجهان، بل قولان أظهرهما عدم إمكانه؛ و ذلك لما تحرّر في المركّبات الاعتبارية: من أنّ تصوير المانعيّة فيها غير معقول؛ و ذلك لأنّ الاعتباريّات التي توصف بالصحة و الفساد، لا يعقل أن لا يتحقّق فيها المعنى الأعمّ مع وجود المانع، و حيث إنّ الألفاظ موضوعة للأعمّ، فيلزم تحقّق المركّب و المأمور به بالضرورة، و مقتضى الإطلاق لزوم الخلف؛ لأنّ المفروض مانعيّة الثوب الكذائيّ عن الصلاة، كمانعيّة الرطوبة عن الاحتراق، و حيث إنّ الصلاة متحقّقة فلا يتصوّر المانعيّة. و التعبّد بعدم التحقّق يحتاج إلى الدليل الخاصّ، و هو مفقود في المقام.

و أما المركّبات الدائر أمرها بين الوجود و

العدم، فلٰابدّ أن يرجع قيد الشرط إلى اعتبار تقيّد العقد بعدم الشرط المذكور، و هذا خلاف الفرض؛ و هو كون الشرط مفسداً، فإنّ الإفساد معناه المنع عن تحقّقه صحيحاً، لا عن أصل تحقّقه، و هو أيضاً خلف.

فبالجملة: لا معنىٰ لهذا البحث؛ و هو أنّ الشرط هل هو مفسد أم لا؟ بل البحث لا بدّ أن يرجع إلىٰ أنّه هل يعتبر في صحّة العقد و نفوذه بل في تحقّقه عدم اشتراط الشرط الفاسد، أم لا؟

و ما قد يقال: من أنّ للعدم لا يكون تأثير حتّى يعتبر دخيلًا، ففيه الخلط بين الاعتباريّات و التكوينيّات.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 221

و دعوىٰ: أنّ من هذا الباب أصل الإشكال المذكور، غير مسموعة، كما لا يخفى، و تحريره و تفصيله قد مضى في كتب الصلاة و غيرها، و في نفس هذا الكتاب في مواضع أُخر «1».

إن قلت: بناءً عليه لا يبقى للبحث مجال؛ لأنّ مصبّ الخلاف هو الشرط غير المسري إلى اختلال ركن العقد، كالعجز، و الجهالة، و السفاهة، و غير ذلك، فلو كان البحث حول أنّ العقد هل يتقيّد نفوذه بعدم الشرط الفاسد؟ فلازمه سراية الشرط الفاسد إلى الاختلال بركنه، و هو التقيّد المذكور.

قلت: نعم، إلّا أنّه يمكن الالتزام بوجود الدليل علىٰ بطلان العقد من ناحية الشرط الفاسد؛ لأجل الجهالة، دون غيرها مثلًا، و يترتّب عليه فساد ما يظهر من الشيخ و أتباعه من إخراج هذه الشروط عن مصبّ البحث هنا؛ بتوهّم أنّ الكلام حول الشرط الفاسد غير المسري إلى اختلال ركن العقد «2».

و يؤيد ما ذكرنا إطلاق كلمات القوم؛ من غير إخراج الشروط المسرية عن محطّ البحث؛ لأنّه لا معنىٰ للإسراء إلّا بمعنى اختلال ركن العقد و

قيده، و هو عدم كونه متقيّداً بالشرط الفاسد، فلا بدّ من البحث و الفحص عن حدود الدليل الناهض علىٰ هذه المسألة.

______________________________

(1) غير موجود فيما بأيدينا من الكتاب.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 287/ السطر 27 29، منية الطالب 2: 144/ السطر 21، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 164/ 5.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 222

و بعبارة اخرىٰ: ما سلكه القوم و منهم الوالد المحقق مدّ ظلّه من انحصار البحث هنا حول الشرط غير المسري، و إلّا فما يسري إلى اختلال ركن العقد فيصير العقد سفهيّاً، أو مجهولًا، أو غير ذلك ممّا يكون دخيلًا في صحّته فهو يوجب الفساد طبعاً «1»، غير تامّ من جهة أُخرى أيضاً: و هي إمكان التفصيل بين الجهالة الذاتيّة، و الجهالة التي تجي ء من ناحية الشرط؛ لعدم وجود إطلاق على اشتراط المعلوميّة على الإطلاق، و تصير النتيجة وقوع البحث في مرحلتين:

المرحلة الاولىٰ: في أنّ في الشروط المسرية، هل يبطل العقد لأجل قصور الأدلّة الناهضة على اشتراط القدرة في العقد، أو المعلوميّة؟

فيكون البحث كبرويّاً من هذه الجهة.

و المرحلة الثانية: هل الشرط غير المسري يوجب البطلان، أم لا؟ و هو أيضاً بحث كبرويّ.

و أمّا بناءً علىٰ ما تحرّر منّا، فيتمحّض البحث حول أنّ الشرط في نفوذ العقد، ربّما يكون وجوديّاً، كالقدرة مثلًا، و أُخرى يكون عدميّاً، كعدم اشتراط الشرط الفاسد في ضمنه، و مثله اشتراط عدم العجز، و عدم الجهل.

و من هنا يظهر: أنّ الجهة المبحوث عنها هنا، عين الجهة المبحوث عنها في اشتراط عدم العجز و عدم الجهل، و كان ينبغي ذكره في

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 243.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 223

ذلك المقام.

كما يظهر: أنّه يتمحّض البحث

في أنّ نفس عدم ذكر الشرط الفاسد، شرط في نفوذ العقد، أم لا؟ و أمّا إذا كان ذكر الشرط الفاسد موجباً للجهالة، فهو بعينه مثل رجوع العجز إلى الجهالة في بعض الأحيان، فلا ينبغي الخلط فيما هو المهمّ بالبحث، فافهم و اغتنم.

بقي شي ء: موضع النزاع بناءً على أنّ الشرط معنى ضمنيّاً

و هو أنّه لو كان الشرط نفس الالتزام في طيّ الالتزام الآخر، فلا يعقل رجوع البحث المذكور إلىٰ ما تحرّر.

و فيه: أنّ جوابه قد مضى؛ فإنّ نفس الالتزام الأجنبيّ على الإطلاق، غير معقول؛ فإنّه دخيل و قيد بالمعنى الحرفيّ، و خارج بالمعنى الاسميّ، فيكون التقيّد داخلًا و القيد خارجاً، بخلاف سائر الأجزاء، و هذا أيضاً يشهد علىٰ أنّ المعلومية قيد داخل، و ليس عدم الجهل شرطاً، بخلاف ما نحن فيه فإنّه لا يتصوّر إلّا أن يكون الشرط عدمَ كون العقد متضمّناً للشرط الفاسد، و لأجل ذلك اعتبر القوم القدرة و المعلوميّة في صحّة العقد «1»، فإنّه شاهد علىٰ أنّ القيد و التقيّد داخلان في الموضوع، كالأجزاء المقداريّة، فاغتنم.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 276/ السطر 4، و 282/ السطر 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 224

المرحلة الثانية: في مقام الإثبات
اشارة

و ما يدلّ على المطلوب، بعد عدم وجود الإجماع.

و لم ينهض بناءٌ من العقلاء علىٰ فساد العقد المتقيّد بالشرط الفاسد بما هو هو، فمقتضىٰ أدلّة الوفاء و اللزوم صحّة العقد، و عدم اشتراطه بعدم ذكر الشرط الفاسد في ضمنه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ قضيّة الصناعة و لو كانت ذلك، إلّا أنّ مقتضىٰ بعض الوجوه بطلانه على الإطلاق، أو في بعض الصور: و هو أنّ مقتضى الأدلّة الموجبة لبطلان الشرط المخالف للكتاب، هو فساد العقد، و الإرشاد إلىٰ دخالة عدم الاشتراط بالشرط المذكور في طيّ العقود؛ و ذلك لأنّ النواهي في باب المركّبات العباديّة و المعامليّة، ناظرة حسبما تحرّر إلىٰ توجيه دخالة قيد في ذلك المركّب؛ وجوديّاً كان أو عدميّاً.

فإذا ورد: «المؤمنون عند شروطهم إلّا الشرط المخالف»، أو ورد أشباه ذلك، فكلّه ناظر إلىٰ أنّ ذكر هذه الشروط في طيّ العقود

تمنع عن الصحّة.

و حيث أنّ المانعيّة غير متصوّرة، ترجع إلى اشتراط عدمها في صحّة العقد و نفوذه. و لو كان نفس الشرط باطلًا و حراماً، إلّا أنّه باطل لأجل بطلان العقد؛ ضرورة أنّ العقد الباطل من الناحية المذكورة، يوجب بطلان الشرط الضمنيّ طبعاً، فإسناد البطلان إلى الشرط

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 225

و الفساد إليه؛ و أنّه ليس بشي ء، و لا يجب الوفاء به؛ و لا يكون المؤمن عنده، كلّه كناية عن عدم تحقّق العقد النافذ؛ و عدم صحّته شرعاً.

فالشرط المجهول و المتعذّر و السفهيّ و غير ذلك، شرط مخالف للكتاب؛ حسبما زعمه القوم، و يكون تلك الأدلّة ناظرة إلىٰ تركها في ضمن العقد؛ لأنّ ذكره موجب لبطلانه ببطلان العقد واقعاً، و فساده حقيقة، كما في العبادات.

و من هنا يظهر: أنّ الطريق الصحيح في هذه المسألة ما سلكناه، و الوجه الوحيد ذلك، دون ما سلكه القوم، فإنّه خروج عمّا هو الحجر الأساسيّ للبحث في هذه المسألة، و سيمرّ عليك في المرحلة الآتية بعض الكلام حوله إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و مجرّد تمسّك القائلين بالإفساد: بأنّ فساد الشرط يوجب خللًا في الرضا «1»، لا يوجب صحّة استدلالهم، و عدم خروجهم عن محطّ البحث و مصبّ النزاع، كما في كلام العلّامة النائينيّ (رحمه اللّٰه) «2».

كما أنّ مجرّد ذكر الشيخ (قدّس سرّه) الوجه الأوّل و الثاني «3»، لا يستلزم ذلك.

نعم، التمسّك بالأخبار الخاصّة «4» في محلّه، و سيأتي الكلام حولها.

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 396/ السطر 27.

(2) منية الطالب 2: 145/ السطر 8.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 6 و 12.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 27.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 226

بقي تنبيه: وجه بطلان العقد باشتراط صناعة الخشب صنماً

إنّ مقتضىٰ ما تحرّر منّا

في محطّ البحث، كون شرط صناعة الخشب صنماً و أمثاله، موجباً لبطلان العقد، لا من جهة اختلال الماليّة، كما في كلام العلّامة النائينيّ (رحمه اللّٰه) «1» بل هو لأجل تضرّر العقد من ناحية الاشتراط بعدم ذكر الشرط الفاسد في طيّه و ضمنه، و لا شبهة في أنّه شرط فاسد عند الشرع.

و أمّا التمسّك بآية أكل المال بالباطل «2»، فهو في غير محلّه لو أُريد منه البطلان من جهة منع سلطنة المالك بالنسبة إلى المنافع المحلّلة شرطاً، و المحرّمة شرعاً؛ ضرورة أنّه لا حاجة إليه في ذلك.

و أمّا لو أُريد منه أنّه أكل بالباطل و بالسبب غير الشرعيّ؛ لاختلال العقد بذكر الشرط الفاسد، فهو في غير محلّه، و لا حاجة أيضاً إليه؛ لأنّ المفروض بطلان العقد من جهة أخبار المسألة المذكورة و المشار إليها آنفاً. و قد مرّ إجمال آية الأكل بالباطل في محلّها، فراجع.

فما في كلام الشيخ «3»، أيضاً في غير محلّه، و الأمر سهل.

أقول: قضيّة الإنصاف تماميّة هذا الوجه الذي أبدعناه؛ لو كانت

______________________________

(1) منية الطالب 2: 145/ السطر 2 و 3.

(2) النساء (4): 29 يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 14.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 227

روايات فساد الشرط المخالف للكتاب «1»، ناظرة إلى الشروط الضمنيّة؛ إمّا لأجل أنّ الشرط حقيقة معناه ذلك، أو لانصرافها إليه، أو للإجماع عليه.

فإنّه يستظهر بعد كونها ناظرة إلىٰ تلك الشروط المذكورة في ضمن العقد أنّ العقد باطل و لا يقع، كما لو ورد في العبادات ما يشبه ذلك، فتكون تلك الأخبار مرشدة إلىٰ عدم تحقّق السبب الشرعيّ. و السرّ كلّه أنّ الشرط تقيّد في العقد و لو لم

يكن قيداً، كما عرفت تحقيقه.

و توهّم: أنّها ناظرة إلىٰ رغم أنف المتعاملين، و إلى القهر عليهم، كما ربّما يقال في البيع الربويّ، و القرض الربويّ، غير جائز؛ لاحتياجه إلى المئونة الزائدة، فإنّ الشرع جاء لإرشاد الناس إلى الواقعيّات؛ و ما فيه المصالح و المفاسد، فلو كان العقد مشروطةً صحّته بالتراضي، فكيف يتصوّر إبطال الشرط الفاسد، و تصحيح العقد الباطل، و لا سيّما على القول بعدم التقسيط بالنسبة إلى المثمن في ناحية الشروط، كما مرّ؟! فيعلم من هنا أي يستظهر عرفاً جدّاً-: أنّها ناظرة إلىٰ بيان قيد في العقد، و إلى فساد العقد لأجل اختلال ذلك القيد و التقيّد العموميّ؛ و لو نسب في بعض الأخبار الفساد إلى الشرط و البطلان إليه، إلّا أنّه بالنسبة إلىٰ مجموع ما في الباب، و محصّل ما يفهم من أمثال هذه التراكيب، يستظهر ما ذكرناه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1 و 2 و 3 و 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 228

و أمّا لو كانت الروايات ناظرة إلىٰ تصحيح المشروط على الإطلاق، و إبطال الشروط؛ علىٰ عمومها الذي منها ما يذكر في طيّ العقود، فلا يستكشف منه القيد؛ لأنّ النسبة تصير عموماً من وجه، و قد مرّ قوّة الأخير عندنا، و خروجُ البدويّات من الشروط و العهود للإجماع و السيرة لا يضرّ بما هو المقبول عندنا، فلا تخلط.

جولة حول الأخبار الخاصّة:
رواية عبد الملك بن عتبة

فمنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الملك بن عتبة قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الرجل أبتاع منه طعاماً (أو أبتاع منه متاعاً) علىٰ أن ليس منه عليّ وضعية، هل يستقيم هذا؟ و كيف يستقيم وجه ذلك؟

قال: «لا ينبغي» «1».

و عن

«المختلف» استظهار الحرمة «2»؛ لما لا معنىٰ لكراهة الوفاء بالعقد بعد صحّته.

و إن شئت قلت: كلمة

لا ينبغي

في الأحكام الوضعيّة، ظاهرة في إفادة الشرطيّة؛ و أنّ من شرائط صحّة العقد، أن لا يكون على الوجه

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 59/ 253، وسائل الشيعة 18: 95، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 35.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 28، لاحظ مختلف الشيعة 5: 332.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 229

المذكور.

فلو قيل: إنّه سؤال عن كيفيّة إفادة الشرط في ضمن العقد، و أنّه لا ينبغي أن يذكر الشرط على الوجه المزبور، فيكون الشرط على الوجه المذكور مكروهاً، و هذا لا ينافي الكراهة الاصطلاحيّة.

فيتوجّه إليه: أنّه ظاهر في السؤال عن الاستقامة؛ و هي الصحّة و النفوذ، و حيث إنّ الشرط و لا سيّما ما في الرواية من الشروط الراجعة إلى المعقود عليه من تبعات العقد و الابتياع عرفاً و عقلًا، يكون السؤال ظاهراً في أصل الابتياع، فيصير الابتياع على الوجه المزبور ممنوعاً و باطلًا؛ نظراً إلىٰ ما ذكرناه: من أنّ ما هو المعقول اعتباره هو اشتراط كون العقد غير مذكور في ضمنه الشرط المخالف.

إلّا أنّه يتوجّه إليه: مضافاً إلى عدم تماميّة عبد الملك بحسب الأمارات الكلّية، فضلًا عن التوثيق الخاصّ أنّ هذا الشرط خارج عن محطّ النزاع؛ لأنّه راجع إلىٰ تأكيد حدود المبتاع، و إلى أنّه مجهول بحسب المكيال و الميزان، و دليل و قرينة علىٰ جهالتهما بالمقدار، فيعدّ من الشروط المتقسّط عليه الثمن لو صحّ البيع فرضاً، و يكون مثله خارجاً عمّا هو محطّ الكلام في المقام؛ و هو كون الشرط خارجاً و أجنبيّاً قيداً، و داخلًا تقيّداً.

رواية الحسين بن المنذر

و منها: ما رواه «الكافي» بإسناده عن ابن

أبي عمير، عن حفص بن

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 230

سوقة، عن الحسين بن المنذر قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) يجيئني الرجل، فيطلب العينة «1»، فأشتري له المتاع مرابحة، ثمّ أبيعهُ إيّاه، ثمّ أشتريه منه مكاني؟

قال: «إذا كان بالخيار؛ إن شاء باع، و إن شاء لم يبع، و كنت أنت بالخيار؛ إن شئت اشتريت، و إن شئت لم تشترِ، فلا بأس» «2».

فقلت: إنّ أهل المسجد يزعمون أنّ هذا فاسد، و يقولون: إن جاء به بعد أشهر صلح.

قال

إنّما هذا تقديم و تأخير، فلا بأس «3».

و الذي يظهر لي: أنّه مضافاً إلىٰ ما في حفص و الحسين من أنّهما لم يوثّقا، و لم يقم عندي الأمارات العامّة اللازمة، و مجرّد رواية ابن أبي عمير، عن حفص غير كافية. نعم الحسين بن المنذر أقوى من حفص احتمالًا تكون الرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه؛ و ذلك لعدم ذكر الاشتراط في ضمن العقد في السؤال، و لعلّه اتفاق يقع أحياناً.

و يظهر لي: أنّه كان قضيّة القاعدة، إرجاعه في هذه الصورة إلىٰ خيار المجلس بعد كونه في مكانه، و ربّما كان أهل المسجد يفسدونه لذلك، أو لكونه يشبه السفه، فحملُ الرواية على اشتراط البيع من

______________________________

(1) أي السلف (منه (قدّس سرّه)).

(2) به» كما في الكافي.

(3) الكافي 5: 202/ 1، تهذيب الأحكام 7: 51/ 223، وسائل الشيعة 18: 41 42، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5، الحديث 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 231

البائع الأوّل كما في كلمات أصحابنا «1» بلا وجه، و تكون الرواية من شواهد صحّة البيع المذكور؛ لو كان من باب الاتفاق الموجب للاختيار.

و أمّا دلالتها علىٰ فساد العقد؛ لأجل فساد الشرط

حسب المفهوم المستفاد من الجواب فهي واضحة المنع؛ لإمكان كون الفساد لأجل الأُمور الأخر، كالفرار من الربا الذي قد يتعارف بمثله، أو لأجل عدم حصول التراضي، فيكون الفساد ناشئاً من عدم الاقتضاء لصحّة العقد؛ لكون الشرط مفسداً.

و أمّا حديث الدور، فقد مضى تفصيله بما لا مزيد عليه.

هذا مع أنّه ربّما يشعر بأنّه شرط خلاف الكتاب؛ لكونه بالخيار بالنسبة إلىٰ خيار المجلس، و هذا غير إسقاطه مستقلا. أو شرط مخالف للكتاب؛ لأجل كونه خلاف السلطنة، أو غير ذلك، فلا يدلّ علىٰ إفساده للمشروط و العقد.

اللهمّ إلّا أن يقال: بظهوره في لزوم خلوّ البيع الأول من مثله، و هو إرشاد إلىٰ فساده لو كان البيع الأوّل مشروطاً بالبيع الثاني، أو الاشتراء الثاني.

ثمّ إنّ مقتضي إطلاق المفهوم، عدم صحّة الشرط المذكور و لو كان بعد أشهر، و لازمه حمله علىٰ ما يناسب القواعد؛ و هو أنّه شرط باطل،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 31، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 166/ السطر 13، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 249.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 232

و سلب للقدرة التشريعيّة، و قد مرّ أنّ من وجوه بطلان الشرط المخالف لقاعدة السلطنة: أنّه يستلزم التعجيز، و هو غير جائز.

و إذا قلنا: بأنّه ناظر إلىٰ بطلان الأُصول؛ للاختلال الحاصل في الفرع بالشرط، يتمّ المطلوب؛ و هو فساد العقد بفساد الشرط؛ لأجل ما ذكرناه من لزوم خلوّ العقد من الشرط الفاسد، فلاحظ و تأمّل «1».

رواية «قرب الإسناد»

و منها: ما رواه «قرب الإسناد» قال: سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم، أ يحلّ؟

قال

إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس

«2». و عن «كتاب عليّ بن جعفر» أنّه قال: بعشرة دراهم

إلىٰ أجل، ثمّ اشتراه بخمسة دراهم بنقد «3».

و حيث إنّ قوله (عليه السّلام): «إذا لم يشترط» ظاهر بل نصّ في عدم اشتراطه في طيّ العقد الأوّل، يكون قوله (عليه السّلام): «فلا بأس» أيضاً ظاهراً في نفي البأس بالنسبة إليه، و إثباته بالمفهوم عند الشرط أيضاً بالنسبة

______________________________

(1) فإنّ كون الشرط المذكور مخالفاً للكتاب، ممنوع كما مرّ، فتدبّر (منه (قدّس سرّه)).

(2) قرب الإسناد: 226/ 1062 (و فيه زيادة إلى أجل)، وسائل الشيعة 18: 42، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5، الحديث 6.

(3) مسائل علي بن جعفر: 127/ 100، وسائل الشيعة 18: 43، كتاب التجارة، أبواب أحكام العقود، الباب 5، الحديث 6.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 233

إليه، فتدلّ الرواية علىٰ لزوم خلوّ البيع الأوّل من الشرط الفاسد، كما يلزم خلوّه من الجهالة و السفاهة مثلًا، و تصير النتيجة: أنّ الدليل الوحيد لإثبات بطلان العقد بالشرط الفاسد، ينحصر فيما سلكناه.

و حيث إنّه ربّما يتمسّك ببعض الوجوه الأُخر، فلا بأس بذكرها في المرحلة الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

تذنيب: دلالة الأخبار الواردة في الجارية علىٰ عدم الإفساد

غير خفيّ: أنّه قد يتمسّك بطائفة من الأخبار الواردة في اشتراء الجارية «1» علىٰ عدم الإفساد بالمعنى الذي ذكرناه؛ و هو انكشاف عدم تقيّد صحّة العقد بعدم ذكر الشرط الفاسد في ضمنه، و حيث إنّ في باب النكاح، يكون الإجماع قائماً علىٰ عدم الإفساد، و ليس هذا إلّا لخصوصيّة في باب الفروج بعد عدم الفرق بين الدائم و المنقطع، كما هو الظاهر منهم، و من بعض الأخبار الواردة في خصوص المنقطع أيضاً الظاهرة في عدم الإفساد «2» فلا يمكن كشف الحكم الكلّي منها بالنسبة إلىٰ سائر البيوع و المعاملات، فالمرجع هي القاعدة دونها، فلا تخلط.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21:

161 162، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 52، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 21: 67، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32، الحديث 7.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 234

المرحلة الثالثة: لزوم الاختلال في أركان العقد بالشرط الفاسد
اشارة

في أنّ الشرط الفاسد و إن كان لا يعقل أن يكون مفسداً للعقد، كما مرّ، إلّا أنّه يلزم من الشرط المذكور اختلال في ركن من أركان العقد، و يلزم منه قصور في المقتضي؛ علىٰ سبيل منع الخلوّ.

فبالجملة: لا يعتبر حسب الأدلّة خلوّ العقد في صحّته من الشرط الفاسد، إلّا أنّه يلزم من الشرط الفاسد خلوّه ممّا هو المفروغ اعتباره في صحّته، كالمعلوميّة، و المقدوريّة، و التراضي.

و أمّا الفساد من ناحية التعليق، فهو خارج عن الشرط المقصود بالبحث هنا؛ لأنّ المبحوث عنه هو الشرط الفقهيّ لا الأُصوليّ؛ ضرورة أنّه علىٰ تقدير صحّة الشرط، يكون العقد باطلًا حسب الإجماع و لو كان صحيحاً حسب القواعد كما مرّ، و مرّ كلام في الإجماع المدّعىٰ عليه أيضاً.

الوجه الأوّل: الجهالة

فبالجملة: ربّما يقال إنّ في بعض الموارد، يلزم من الشرط الفاسد جهالة العقد، كما لو كان الشرط ممّا له قسط من الثمن، فإنّه يلزم جهالة ركن العقد؛ و هو الثمن.

و فيه أوّلًا: أنّه أخصّ من المدّعىٰ؛ لأنّ بعض الشروط له القسط لا مطلقها.

و ثانياً: أنّ جهالة العقد مانعة، أو معلوميّته شرط شرعاً، و لا دليل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 235

علىٰ وجه يكون له الإطلاق؛ بحيث يلزم بطلانه في هذه الصورة، فيرجع إلى الإطلاقات.

و ثالثاً: كون الشرط موجباً للتقسيط، ممنوع على الإطلاق كما مرّ.

و رابعاً: كون الثمن ركناً في البيع، غير واضح عندي، كما مرّ تفصيله.

و أمّا النقض بالنكاح ففي غير محلّه، و لا سيّما النكاح الدائم كما لا يخفى؛ فإنّ أبواب النكاح لها خصوصيّات.

و أمّا حديث منع جهالة ما بإزاء الشرط من العوض، فهو لا ينفع بعد عدم كونه مضبوطاً على الإطلاق، مع إمكان ترشّح الجدّ من المتعاقدين بالنسبة

إلى العقد؛ لعدم مبالاتهم بأحكام الإسلام، فمع التفاتهم إلىٰ بطلان الشرط، و إفساده، و جهالة العوض المقابل بالشرط، يترشّح منهم الجدّ إلى العقد.

و أمّا حديث منع كون الجهالة الطارئة على العوض قادحة، فغير تامّ؛ لأنّه في الصورة المذكورة يكون مجهولًا من الأوّل، كما أُشير إليه آنفاً.

فما أفاده الشيخ الأنصاريّ (قدّس سرّه) من الوجوه الثلاثة على الوجه الأوّل «1»، غير مفيد.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 7 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 236

الوجه الثاني: عدم التراضي

و أمّا الوجه الثاني: فهو أنّ الشرط الفاسد يوجب قصوراً في الطيب و التراضي المعتبر في صحّة العقد، بل في تحقّقه؛ و ذلك لأنّ الشرط و إن لم يكن أُصوليّاً، كي لا يكون التراضي متحقّقاً حين العقد بالنسبة إلى المبادلة؛ سواء كانت كلّية أو شخصيّة، و لكن كفاية مطلق التراضي محلّ منع.

و ذلك لما في صحيحة أبي ولّاد «1» الحاكمة بمراجعة أبي ولّاد إلىٰ طرفه بعد رضاه؛ معلّلًا بأنّه يرجع إليه، و يسأل عن سبب رضاه، و أنّه هل هو فتوى الفقيه الفاسد، أم هو راضٍ على الإطلاق؟

فإنّه يعلم منه: أنّه و لو كان التراضي التكوينيّ موجوداً في النفس بالنسبة إلى الكلّي و الشخصيّ، إلّا أنّه لا بدّ من ملاحظة منشأه، فإنّه إن كان منشأه أمراً فاسداً فلا يعتنىٰ به، و إلّا فلا بأس به. و حيث إنّ التراضي في المقام له المنشأ؛ و هو الشرط، و هو فاسد، فلا يعتنىٰ بالرضا الموجود بالفعل، فلا يصلح الإطلاقات و العمومات للتمسّك.

و من هنا يظهر عدم توجّه الإشكال إلى التقريب المذكور في موارد تخلّف الدواعي الصحيحة، بخلاف الدواعي الباطلة، كاشتراء آلات القمار للملاعبة دون الطبخ، أو اشتراء الخشب لصنعة تلك الآلات،

______________________________

(1) الكافي 5:

290/ 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 237

فإنّه و إن كان التراضي حاصلًا، إلّا أنّه باطل عند الشرع.

و من هنا يظهر وجه بطلان بيع المكره و إن رضي به، فإنّه رضا حاصل من منشأ باطل، كما ذكرنا تفصيله في محلّه، و استفدنا ذلك من قوله تعالىٰ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1» فإنّ التقييد بقوله تعالىٰ مِنْكُمْ فيه إفادة أنّ التراضي لا بدّ و أن يحصل عندكم بسلطانكم، لا بسلطان الآخرين، فاغتنم.

و يظهر أيضاً فساد تقريب الشيخ و أتباعه من التمسّك بتعدّد المطلوب «2»، فإنّه تقريب لا ينفع في باب المعاملات و لا العبادات لو كانت متقوّمة بالإنشاء. و قضيّة انحلال الإنشاء غير تامّة، كما مرّ في هذا الكتاب مراراً، إلّا في بعض الصور، و ما نحن فيه ليس منها، بل الانحلال لا أصل له حتّى بالنسبة إلى الأجزاء، فضلًا عن المشروط و الشرط.

و كان ينبغي أن ينكر أصل الانحلال و تعدّد المطلوب في باب الشروط؛ لكونها أجنبيّة عن العقود، و لاحقة بها، كما اختاره السيّدان: اليزديّ «3» و الوالد المحقّق «4» عفي عنهما.

فبالجملة: مقتضى التقريب المذكور؛ المناقشة في كفاية مطلق التراضي، فيكون الشرط الفاسد موجباً للبحث الكبرويّ الآخر: و هو كفاية مطلق التراضي، أم لا؟ كما عرفت في هذا الوجه، و هكذا في

______________________________

(1) النساء (4): 29.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 288/ السطر 21.

(3) حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 2: 138/ السطر 12 28.

(4) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 245 246.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 238

الوجه الأوّل، فإنّه يرجع البحث المذكور إلىٰ بحث كبرويّ آخر: و هو اشتراط مطلق المعلوميّة.

فما ربّما يقال: من أنّ البحث في هذه الوجوه صغرويّ لا كبرويّ، ناشئ من عدم الالتفات إلىٰ حقيقة الأمر.

أقول: الشروط على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما يكون دخيلًا في حصول التراضي بالنسبة إلى العقد.

و الثاني: ما يكون المتعاقدان راضيين بالعقد على الإطلاق، و يعتبرانه زائداً علىٰ ما هو السبب المنتهى إلىٰ عقدهما.

و الثالث: ما هو الأصل، و العقد تبعه في الرضا؛ و إن كان بالعكس بحسب مقام الإنشاء.

فما كان من القسم الثاني، لا يستلزم فساده فساد العقد و لو كان التقريب المزبور صحيحاً و تامّاً.

و أمّا الآخران، فمقتضى القاعدة الأوّلية و لا سيّما في البيوع الشخصيّة صحّة العقد؛ بعد كون المراد من «الشرط» ما هو الالتزام في الالتزام الموجب لتقيّد الالتزام الأوّل؛ بحيث يكون الرضا بالنسبة إلى العقد حاصلًا بالفعل، و ليس تعليق في البين الراجع إلى الشرط الأُصوليّ.

مع أنّه قد تحرّر منّا؛ رجوع جميع الواجبات المشروطة و الإنشاءات المعلّقة إلىٰ أمر واحد بحسب اللبّ، و تفصيله في الأُصول «1».

فعلى كلّ تقدير: قضيّة الصناعة صحّة العقد بالضرورة؛ لإطلاق أدلّته، و موجوديّة شرطه، بل و قوامه، و لا سيّما في موارد لم تكن الشروط

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 3: 66 67.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 239

إكراهيّة كما هو المفروض، بل يكون بطلانه لأجل التعبّدات الشرعيّة.

و أمّا مقتضىٰ صحيحة أبي ولّاد «1»، فهو و إن كان كما أُشير إليه، بعد ضمّ الفهم العرفيّ إليه عدم الخصوصيّة لمورده و هو الرضا بالنسبة إلىٰ أمر غير معامليّ، إلّا أنّ إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إلى احتمال تشديد الأمر في مورد إفتاء أمثال أبي حنيفة و شركائه، مشكل جدّاً، فيرجع بعد ذلك إلى الإطلاقات؛ لعدم سقوطها بمجرّد الاحتمال المذكور، فلئلا حظ جيّداً.

الوجه الثالث: العجز

الشروط الباطلة شرعاً مورد التعجيز الاعتباريّ عرفاً، و عجز الشرط الضمنيّ يستلزم العجز بالنسبة إلىٰ مصبّ العقد و محطّ الإنشاء.

أو يقال: يستلزم قصوراً في التراضي المعتبر في قوام المعاملة؛ ضرورة أنّ انتفاء القيد و الشرط عرفاً كان أو شرعاً يستتبع انتفاء المقيّد عقلًا؛ لوجود الربط و لو كان حرفيّا بينهما، كما مرّ؛ لامتناع كون الشرط أجنبيّا على الإطلاق حتّى يعدّ كالشرط البدويّ؛ ضرورة أنّ الضمنيّة إمّا تعتبر شرعاً، أو ماهيّة، علىٰ خلاف بين السيّدين: الفقيه

______________________________

(1) الكافي 5: 290/ 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 240

اليزديّ (قدّس سرّه) «1» و الوالد المحقّق «2» مدّ ظلّه و علىٰ كلّ تقدير يكون دخيلًا بدخول التقيّد، لا القيد، و تصير النتيجة فساد المشروط بفساد القيد المذكور الموجب لتضيّق التراضي، و لا دليل علىٰ أنّ الشرع اعتبر لزوم الوفاء رغم أنفهما، كما هو كذلك في بعض المواقف.

أقول: هذا التقريب بالنسبة إلى البيوع الشخصيّة غير تامّ؛ لأنّ تعذّر الشرط أهون من تعذّر الوصف، و ليس العجز عن تحويل الموصوف موجباً لبطلان العقد؛ حسبما هو المعروف بينهم.

هذا، و لا بأس بدعوىٰ: أنّ الشرع بعد اعتبار العجز بالنسبة إلى الشرط، أوجب الوفاء بالعقد؛ لأنّ ما هو الشرط المقوّم هو التراضي، و هو حاصل، و انتفاء القيد و إن كان يوجب انتفاء المقيّد، إلّا أنّ المتعاملين باقيان علىٰ تراضيهما بالنسبة إلى العقد و المقيّد، و الشرع فكّك بين المقيّد و القيد.

و بعبارة أُخرى: إذا عدلا عن القيد فلا بدّ أن يعدلا عن المقيّد؛ لامتناع بقاء الإرادة و الرضا الوحدانيّ المتشخّص بالمقيّد و التقيّد، دون القيد بذاته، و أمّا إذا كانا باقيين علىٰ

تراضيهما الأوّلي، فلا يلزم انتفاء المقيّد؛ لعدم انتفاء القيد تكويناً، و ما هو اللازم هو التفكيك في محيط الشرع بإيجاب الوفاء بالعقد، دون الشرط، بل و تحريمه أحياناً.

نعم، في موارد جهلهما بالمسألة، و عدولهما عن الشرط المحرّم

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 105 106.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 162.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 241

و الفاسد، لا يلزم أيضاً بطلان العقد؛ لأنّ انتفاء التراضي بعد العقد لا يضرّ بصحّته؛ لكثرة انتفائه بانتفاء الدواعي، كما ترى.

فبالجملة: العاقدان الشارطان الشرط الممنوع، إمّا غير مباليين، فهما باقيان علىٰ تراضيهما، و التفكيك من الشرع، فلا تجري قاعدة انتفاء المقيّد بانتفاء القيد.

و إمّا مباليان عالمان، فلا يترشّح منهما الجدّ بالنسبة إلى العقد في صورة دخالة الشرط، و هذا دليل يبطل به مقالة السيّدين عفي عنهما.

و إمّا مباليان جاهلان حين العقد، فلا يبطل العقد بعد علمهما ببطلان الشرط؛ لأنّ التراضي ينتفي، و القاعدة تجري، إلّا أنّه لا تنفع، فاغتنم جيّداً.

و ممّا أسّسناه يظهر: أنّه و لو كان الشرط بمعنى التقييد كما لا معنىٰ له إلّا ذلك؛ لرجوع الالتزام في الالتزام إلى التقييد، و لا معنىٰ لتعدّد المطلوب في بابي الأوامر و العبادات و المعاملات، نعم في باب الإلزامات العقليّة يتصوّر ذلك، و تفصيله في محلّه، و بالجملة: و لو كان الشرط بمعنى التقييد لا يلزم من فساد الشرط اختلال الرضا المعتبر في صحّة العقد.

الوجه الرابع: عدم التطابق بين الإيجاب و القبول

الظاهر أنّ ذكر الشروط الباطلة في طيّ الإيجاب، لا يوجب بطلان

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 242

الإيجاب، و ما هو الباطل على الفرض هو العقد الذي يكون لولا الشرط موضوعاً لحكم العقلاء، و نافذاً شرعاً، و هو الذي يوجد بعد انضمام

القبول إليه؛ سواء قلنا: إنّ القبول ركن، أو قلنا: إنّ القبول دخيل فيما هو موضوع حكم العقلاء، و ليس ركناً في الماهيّة.

فعلى هذا، يمكن دعوى بطلان العقد ببطلان الشرط؛ و ذلك لأجل أنّ الإيجاب المذكور ليس باطلًا، و القبول بالنسبة إلى الشرط باطل، و بالنسبة إلى العقد و المعقود عليه إذا كان صحيحاً، يلزم عدم التطابق بين الإيجاب و القبول، و قد مرّ اعتبار التطابق بينهما في محلّه، بل هو ضروريّ.

و إن شئت قلت: لو كان الشرط في ضمن العقد ساقطاً شرعاً، و العقد كان صحيحاً، فالتطابق حاصل رغم أنفهما، و أمّا إذا كان الإيجاب صحيحاً، و الشرط غير باطل و لا مبطل إلّا بعد انضمام القبول، فالتفكيك يوجب الاختلال في التطابق اللازم بين الإيجاب و القبول.

أقول: قد مرّ حدود اعتبار التطابق بما لا مزيد عليه في محلّه، و ليس عدم قبول الشرط موجباً لبطلان العقد في الشروط الصحيحة، فضلًا عن الباطلة؛ سواء كان الشرط قيداً، أو التزاماً؛ لأنّ القيديّة ترجع إلى اللواحق الزائدة على الأجزاء الجوهريّة المقوّمة بالنسبة إلىٰ معقد العقد.

نعم، إذا كان القيد و التقيّد داخلين، يشكل الأمر، فلا تخلط.

نعم، في الشروط الراجعة إلى المعقود عليه، يمكن حدوث الإشكال، إلّا أنّك قد عرفت: أنّها عرفاً لا تعدّ شرطاً، بل هي بمنزلة ذكر

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 243

الوصف و المقدار علىٰ صورة الاشتراط، فتكون خارجةً عن مصبّ البحث فيما نحن فيه.

و لو كانا شرطاً واقعاً بحسب إرادة المتعاملين، و قلنا بفساده، فالتطابق أيضاً حاصل قهراً؛ لكون الشرط خارجاً عن جوهر الإنشاء و المنشأ.

المرحلة الرابعة: حول ثبوت الخيار بناءً على صحّة العقد

اختلفوا في مورد بطلان الشرط فقط دون العقد، أنّه هل يثبت الخيار و هو خيار تخلّف الشرط، أم

لا يثبت؟

أو هناك تفصيل بين صورتي العلم و الجهل، كما ربّما يستظهر من الشيخ (قدّس سرّه) «1»؟

أم يفصّل بين شروط النتيجة الفاسدة و الأفعال إذا لم يأت بها، و بين غيرها، كما هو صريح السيّد اليزديّ (قدّس سرّه) «2»؟

و ربّما يقال: إنّ منشأ الاختلاف اختلافهم في سند الخيار؛ فإن قلنا: إنّه على القاعدة فهو ثابت علىٰ الإطلاق، و إن قلنا: إنّ المستند هو الإجماع أو قاعدة

لا ضرر.

ففي ثبوته إشكال، بل منع «3».

و مقتضى الشكّ عدمه، و لا بأس باستصحاب العدم النعتيّ؛ لأنّ

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 289/ السطر 18 و ما بعده.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 140/ السطر 11 و ما بعده.

(3) منية الطالب 2: 149/ السطر 14 20، و 151 السطر 1 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 244

المفروض تعذّر الشرط شرعاً، لا تكويناً.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المتعذّر شرعاً كالمتعذّر تكويناً، فكما أنّه يثبت الخيار في الصورة الثانية، يثبت في الصورة الأُولىٰ.

و بعبارة أُخرى: تارة يعتبر الشرط الفاسد بمنزلة المتعذّر التكوينيّ؛ من غير النظر إلى عنوان التخلّف و عدمه، فإنّه يثبت الخيار بثبوته في التعذّر التكويني؛ علىٰ إشكال في إطلاقه.

و أُخرى: يعتبر الشرط الفاسد بمنزلة العدم، فلا تبعة له، كالخيار و الأرش، و غيرهما. و إذا شكّ في ذلك، فلازمه الشكّ في حدوث الخيار بحدوث العقد، فلا أصل إلّا العدم الأزليّ الذي قد مرّ بعض الكلام حوله، و هو علىٰ كلّ لا ينفع لنفي الخيار.

و الذي يقتضيه التحقيق الحقيق بالتصديق: أنّ مقتضى البناءات العرفيّة ثبوت الخيار؛ لعدم دخالة فساد الشرط شرعاً أو عرفاً في الخيار الذي هو من أحكام عدم الوفاء بالشرط؛ سواء كان ذلك من باب عدم

تمكنه، أو عدم وفائه و سوء اختياره، أو عدم وجوب الوفاء به، أو عدم جوازه. و هذا في شرط الفعل و النتيجة واضح.

و في شرط الصفة أوضح؛ لما لا معنىٰ للوفاء به إلّا تأثير فسخ المشروط له.

و بعبارة اخرىٰ: لا معنىٰ لكون المؤمن ملازماً لشرطه؛ إلّا بقبول العين الفاقدة بعد فسخه، كما مرّ.

و بالجملة: التخلّف عن الشرط سبب الخيار، و المراد منه الأعمّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 245

من التخلّف حتّى في مثل شرط الوصف الذي لا يتصوّر فيه التخلّف بمعناه البدويّ، ككون البطّيخ حلواً.

و أمّا قضيّة الأخبار الخاصّة، فإن قلنا: بأنّ الشرع اعتبر الشرط الفاسد معدوماً، و لا شيئاً، و كان النظر في ذلك علىٰ وجه الإطلاق المنتهى إلىٰ سلب الخيار، كما في مثل شرط الوصف الذي لا معنىٰ له إلّا الخيار، فيمكن.

و لكنّ الأخبار غير ظاهرة في ذلك؛ حتّى ما في بعض الأخبار الذي يعبّر عنه بأنّه

ليس بشي ء «1»

لأنّ المستفاد منه أنّه ليس يعتمد عليه، و لا يلزم أن يكون المؤمن عنده.

و أمّا بالنسبة إلىٰ شرط الوصف، فالأمر أيضاً كذلك؛ لعدم اختصاص الخبر به، بل هو حكم كلّي، و يكفي كون بعض الأقسام من الشرط كشرط الفعل، بل و النتيجة مورد الآثار المختلفة التي منها الخيار عند التخلّف.

فما أفاده الوالد المحقّق «2» مدّ ظلّه غير مطابق لما ذهب إليه في الأُصول «3».

و أمّا مقتضى النظر الأخير الجامع بين الأدلّة، فهو أنّ من الممكن أن تكون أدلّة وجوب الوفاء بالعقد، رادعةً لبناء العقلاء على الخيار في

______________________________

(1) الكافي 5: 403/ 6، وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 2.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 251 252.

(3)

أنوار الهداية 2: 48، و تهذيب الأُصول 2: 222.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 246

صورة تخلّف المشروط عليه عن الشرط الفاسد الممنوع شرعاً، و لا دليل علىٰ ثبوت الخيار بمجرّد التخلّف، و ليس عنوان «التخلّف» مورد الرواية و الخبر، أو الإجماع التعبّدي الكاشف، فإذن لا خيار من باب قصور المقتضي، و قد غفل عنه الأصحاب رضي اللّٰه عنهم و قد مرّ حكم الشكّ.

و من هنا يظهر وجه ضعف مرامهم، و يظهر أنّه و لو لم يتخلّف المشروط عليه، فشرب الخمر نعوذ باللّٰه فهو بلا أثر، و لو كان ممّا في كلام الفقيه اليزديّ وجه من نفي الخيار في هذه الصورة «1» للزم كونه ممتثلًا و مثاباً و معاقباً؛ لأجل انطباق العنوانين عليه، و لا أظنّ التزام أحد به، فمنه يعلم عدم ارتضاء الشرط بمثله، فإذن لا دليل علىٰ إمضاء بناء العقلاء على الخيار في مثله، بل الأدلّة الملزمة للعقود تردع تلك البناءات بإطلاقها، فليتأمل جيّداً.

و قضيّة ما ذكرناه عدم الفرق بين كون الشرط الفاسد معتبراً كالعدم؛ في ظرف لزوم الوفاء به عرفاً أو من الابتداء و قبل أن يجي ء وقت الوفاء به، كما لا فرق أيضاً بين كونه محرّم الوفاء، أو غير واجب الوفاء، كما قد يتصوّر أحياناً في بعض الصور، فتدبّر.

المرحلة الخامسة: في تصحيح العقد بالمضيّ عن الشرط الفاسد
اشارة

بناءً على القول بالإفساد، فهل يمكن تصحيح العقد بالمضيّ عن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 140/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 247

الشرط الفاسد من غير حاجة إلى الرضا الجديد و الإجازة الخاصّة؟

أم لا يمكن ذلك على الإطلاق، فلا يصحّ بالرضا الجديد، فيكون العقد الفاسد كعقد الهازل و المجنون؟

أم هناك احتمال ثالث: و هو أن لا يصحّ إلّا بالرضا

الجديد، فيكون كعقد الفضوليّ، و عقد المكره؟

أو يفصّل بين العقود الشخصيّة و الكلّية.

وجوه و احتمالات: أمّا القول بفساد العقد؛ على الوجه الذي لا يصحّ بالإجازة اللاحقة و الرضا المتجدّد، فهو غير موجّه جدّاً؛ ضرورة أنّ الشرط غير دخيل في ماهيّة العقد و المعقود عليه، و لا داخل في هويّته، بل هو مرتبط به على الوجه المحرّر مراراً، أو أجنبيّ عنه، و مذكور لفظاً في طيّ العقد؛ على القول بصحّته، و تماميّة تصوّره، و عدم رجوعه إلى البدويّ قهراً.

و قد مرّ في بحوث الفضوليّ إمكان صدور العقد الإنشائيّ من المالك، ثمّ لحوق الرضا الجدّي به، و هذا لا يخرجه عن الفضوليّة بالمعنى الأعمّ «1».

كما قد مرّ: أنّه لا يعقل انقلاب المبادلة الصوريّة الإنشائيّة عن صفحة الاعتبار، و ليس يصلح ردّ العاقد لذلك، بل ردّه ليس إلّا كعدم الإمضاء، و لذلك قوّينا صحّة عقده بعد الرضا و لو ردّه قبله، فالشرط

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 2: 119.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 248

الفاسد المفسد ليس معناه اعتبار العقد لا عقداً عند العرف، و لا يستظهر من الأصحاب أكثر من عدم سببيّة شي ء، و أمّا عدم صلوحه فهو غير مقصود لهم هنا أصلًا.

فانتفاء القيد يوجب انتفاء المقيّد و هو العقد عن التأثير، لاعن صفحة عالم الاعتبار و الإنشاء، فما في كلام العلّامة المحشّي (رحمه اللّٰه) «1» في غير محلّه.

و أمّا القول بعدم الحاجة إلى الرضا الجديد حتّى في الكلّيات؛ نظراً إلىٰ أنّ الشرط هو الالتزام في الالتزام، و أنّه أمر خارج عنه ذاتاً، و لاحق به بالمعنى الحرفيّ، فهو صحيح و لا سيّما في الشخصيّات، و أنّه و لو كان قيداً، إلّا أنّه علىٰ وجه يكون

التقيّد داخلًا و القيد خارجاً، فالرضا متعلّق بذات العقد بالضرورة، و بذات بيع ما في الخارج قطعاً فلا معنىٰ لبطلانه و لو كان فاسداً بفساد الشرط.

و فيه: أنّه إن أُريد منه ما سلكناه في أوّل هذه المسألة «2»؛ من أنّ كون الشرط الفاسد يفسد مسألة غير معقولة و لا معنىٰ لفساد العقد بالشرط، إلّا برجوعه إلى الشرط العدميّ في صحّة العقد، كما في موانع المركّبات العباديّة، فهو حقّ، و لكنّه خارج عن محطّ البحث؛ لأنّ الكلام في أنّه هل العقد الفاسد بفساد الشرط يصحّ بانصراف الشارط عن شرطه، و أنّه بعد الاعتراف بالإفساد يمكن تصحيح العقد، أم لا؟

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 167/ السطر 1.

(2) تقدّم في الصفحة 220.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 249

و بالجملة: لا وجه لهذا القول؛ لأنّ المفروض فساد العقد بفساد الشرط؛ سواء قلنا بإفساد الشرط، أو قلنا برجوعه إلىٰ قصور في شرائط العقد، فلو كان العقد صحيحاً على الإطلاق يلزم الخلف؛ لأنّ الشرع حسب الفرض اعتبر العقد فاسداً؛ لاشتماله على الشرط الفاسد، و هذا التقريب ينتهي إلىٰ عدم الإفساد، و عدم اشتماله على ما يوجب فساده، و هو خلف، فما في كلام الشيخ و أتباعه: من احتمال تصحيح العقد على الوجه المذكور «2»، غير واقع في محلّه، كما لا يخفى.

فعلى ما تحرّر، يظهر إمكان تصحيحه على الوجه المحرّر في الفضوليّ و عقد المكره؛ من غير فرق بين العقد على الأمتعة الشخصيّة الخارجيّة، أو الكلّية الذميّة.

و يحتمل اختلاف المباني في هذه الجهة؛ ضرورة أنّه لو كان الشرط مفسداً يمكن أن يقال: بأنّه لا دليل علىٰ أزيد من سقوط العقد عن التأثير، و أمّا سقوطه عن صلاحية التأثير، فلا شاهد

عليه. مع أنّه لا يعقل بحسب الواقع و إن كان يعقل بحسب التعبّد، كما لا يخفى، فليتأمّل جيّداً.

و أمّا علىٰ ما هو الحق؛ من رجوعه إلىٰ أنّ من شرائط صحّة العقد، عدمَ اشتماله على الشرط الفاسد، فلا يكون العقد عقداً بفساد الشرط العدمي المذكور؛ لأنّه يصير كسائر الشرائط المعتبرة في صحّة العقد، كالمعلوميّة، أو عدم المجهوليّة، فكما أنّه لا يصحّ العقد بالمعلوميّة

______________________________

(2) المكاسب: 289/ السطر 25، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 164 165.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 250

المتأخّرة، و برفع الجهالة المتأخّر، و هكذا القدرة، و غير ذلك، كذلك الأمر في المقام، فإنّه مزلّة الأقدام.

و فيه: أنّه قد أشرنا إلىٰ ما هو سرّ المسألة؛ و هو أنّه إن كان ما هو الدخيل في الصحّة ركناً في تحقّق الماهيّة الإنشائيّة، فالأمر كما تحرّر، و إلا فلا.

نعم، لا بأس بأن نستفيد أحياناً من الأدلّة الخاصّة، عدمَ كفاية العلم الطارئ و القدرة الطارئة؛ و إن ناقشنا فيه في محلّه، فلا ينبغي الخلط بين مقتضى القواعد، و قضيّة الشرع.

تتمّة:

لا معنى لما عقده الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» بعنوان «المسألة الأُولىٰ» ضرورة أنّ الشرط المتقدّم ذكراً إن كان من الشرط في طيّ العقد كما هو الأظهر عندنا، و قد مرّ تحقيقه ففساده يوجب الفساد على القول به، و إلّا فلا.

و إن لم يكن من الشرط في طيّ العقد، فلا معنىٰ لكونه مفسداً؛ بعد كون الإفساد من صفات الشرط الضمنيّ؛ سواء كان الشرط البدويّ مجازاً، أو حقيقة غير نافذ شرعاً، و يعدّ خارجاً عن العقد عرفاً.

و أمّا قضيّة تقيّد الرضا المعتبر في صحّة العقد، فهو أجنبيّ عن هذه

______________________________

(1) الصحيح هو «الأمر الثالث»، لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 289/

السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 251

المسألة؛ لأنّه كالتقيّد الحاصل من الدواعي، فإنّه لا يضرّ بمرحلة الصحّة و الإنشاء؛ ضرورة أنّ الشرط المذكور، ليس داخلًا في أدلّة الشرط المفسد موضوعاً أو حكماً، و أمّا ملاكاً فأيضاً كذلك، و قد مرّ ما يتعلّق بوجه كون فساد العقد ناشئاً من اختلال الرضا المعتبر في صحّته بما لا مزيد عليه.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 252

خاتمة فيها مسائل
المسألة الأولىٰ: حكم الوفاء بالشرط المذكور طيّ العقود الجائزة
اشارة

لا إشكال عندهم في وجوب الوفاء بالشرط في طيّ العقود اللازمة، و إنّما اختلفوا فيما ذكر في طيّ العقود الجائزة، فنسب إلى المشهور بطلانه «1»، و إلى ظاهر جماعة عدم وجوب الوفاء به «2»، كالشيخ «3» و العلّامة «4» و المحقّق الثاني «5» حيث صرّحوا بالصحّة، و عدم لزوم الوفاء به.

و ذهب الفقيه اليزديّ «6» و السيّد المحقّق الوالد «7» إلى الصحّة و اللزوم.

______________________________

(1) لاحظ المهذب 1: 466، المبسوط 3: 197، جواهر الكلام 26: 342، 402، العروة الوثقى 2: 644، كتاب المضاربة: المسألة 2، مستمسك العروة الوثقى 12: 261 269، 331 334.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 124/ السطر 35.

(3) المبسوط 3: 197.

(4) تحرير الأحكام 1: 279/ السطر 22 23.

(5) جامع المقاصد 8: 56.

(6) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 124 125، العروة الوثقى 2: 644، كتاب المضاربة، المسألة 2.

(7) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 221.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 253

و منشأ الاختلاف اختلافهم في حقيقة الشرط، فإنّه إن كان معناه تعليق لزوم العقد و الالتزام به علىٰ الشرط، فهو باطل؛ لما لا لزوم في الجائز.

و إن كان معناه الالتزام في طيّ الالتزام، فهو صحيح. فإن قلنا: بأنّ المستفاد من أدلّة لزوم الشرط لزومه على الإطلاق،

فيثبت القول الثالث؛ لإمكانه.

و إن كان مفادها اللزوم غير القابل لإعدام الشرط بإعدام الموضوع، يثبت القول الثاني.

و بالجملة: فيما هو محطّ البحث هنا و هو شرط الفعل، كالخياطة و قراءة سورة و أمثالهما في طيّ العقد، لا شرط عقد جائز في طيّ العقد الجائز الآخر، أو شرط النتيجة و غيرهما يشكل الأمر من جهات:

فتارة: ممّا أُشير إليه، و كانت النتيجة بطلان الشرط.

و فيه: أنّ اللزوم من الاعتبارات العقلائيّة للعقود اللازمة، و ليس داخلًا في مصبّ الالتزامات الخاصّة بين المتعاملين، فلا يصير العقد اللازم جائزاً باتفاقهما في الواقع علىٰ عدم الالتزام غير المبرز بعنوان الخيار، و لو كان اللزوم راجعاً إلى الالتزام كي يكون الشرط تعليق ذلك الالتزام للزم ما ذكر، مع أنّ الوجدان حاكم علىٰ خلاف ما توهّم، و أنّ المتعاملين غافلان و ذاهلان عنه جدّاً، فلا تخلط.

نعم، الشرط مربوط بالعقد في مقام اللبّ و الإنشاء ربطاً خاصّاً؛ علىٰ وجه يكون التقيّد داخلًا و القيد خارجاً، و لا يعقل تفسيره بالالتزام في طيّ الالتزام من غير حصول المعنى الحرفيّ بينه و بين العقد، و إلّا فيكون

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 254

بدويّاً، و قد مرّ ما يتعلّق به.

و أُخرى: إنّ الشرط لو كان لازماً في طيّ العقود الجائزة، يلزم بعد استيفاء الشرط إعدام موضوعه، و يصير بذلك فعل المشروط عليه مجّاناً لما كان يجب الوفاء عليه، و لا يقسّط عليه الثمن، كما مرّ.

و فيه أوّلًا: لنا إنكار الوقوع مجّاناً، كما إذا شرط في ضمن العقد اللازم الخياريّ، فإنّ حرمة عمل المسلم و من بحكمه، تقتضي أن لا يقع مجّاناً، و هذا هو فهم العرف في أمثال المسألة.

و ثانياً: أنّ إقدامه علىٰ مثله يكفي

لذلك مع توجّهه و التفاته، و لو كان جاهلًا به فالخسران من قبله، لا من إيجاب الشرع وفاءه عليه. و لو كان في الإيجاب المذكور ضرر، فالمفروض أنّه في ذلك الحين لم يكن ضرر؛ لوجود العقد، و بعد الفراغ من الخياطة لا حكم للشرع، فتأمّل.

مع أنّ بعض الشروط ليس يقوّم، كما لا يخفى، فيلزم التفصيل بينها.

و ثالثة: يكفي للبطلان قصور المقتضي، و أدلّةُ الشروط بعد كونها واردة في مورد الشروط الضمنيّة ذاتاً، أو انصرافاً، أو تخصيصاً لا تشمل الشروط في ضمن العقود الجائزة؛ لكونها من اللغو عرفاً.

و فيه: أنّه يكفي للفرار من اللغويّة كون جواز العقد حكميّاً و الخيار من التخلّف حقيّا يورّث، مع وجود الأغراض الأُخر، كما هو الظاهر.

فلا وجه لبطلان الشروط بوجه من الوجوه، إلّا ذهاب المشهور

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 255

إليه، و هو غير ثابت بعد ذهاب «الجواهر» إلى الصحّة «1».

نعم، هو يقول بها مع كونه غير واجب الوفاء؛ لأنّه لا تدلّ أخبار الشرط إلّا على الصحّة، و هي تكون أجنبيّة عن حديث الوجوب و غيره، بل غاية ما في الباب دلالتها علي النفوذ، كدلالة الآية الشريفة «2» علىٰ حلّية البيع مثلًا، و أمّا وجوبه في ضمن العقد الواجب اللازم؛ فهو لأجل أنّ الشرط جزء من العقد، و من تبعاته، فيكون بحكم العقد وجوباً و ندباً.

و قد مرّ فساد هذا المسلك بما لا مزيد عليه؛ ضرورة أنّ الوفاء بالعقود و لو كان معناه الوفاء بالقرار المعامليّ، لا يكون الشرط بما هو هو و لا سيّما في موارد لا يعدّ مالًا، و لا يقوّم عرفاً داخلًا فيه.

هذا مع أنّ ظاهر قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «عند شروطهم»

«3» هو اللزوم كنايةً، كما عرفت، و قد مرّ في بعض الأخبار «4» الأمر بالوفاء بالشرط، و في ذيلها هذا العامّ المنطبق عليه، فتكون شاهدة قويّة علىٰ ذلك، فليراجع.

و لو صحّ ما أفاده يلزم التقسيط، و يبعد التزامه بذلك.

إذا تبيّن فساد القولين يبقى القول الثالث: و هو لزومه، إلّا أنّ القائلين به ذهبوا إلىٰ أنّه بإعدام العقد و هو الموضوع ينعدم

______________________________

(1) جواهر الكلام 26: 342، 402.

(2) البقرة (2): 275 أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

(3) تقدّم في الصفحة 201.

(4) نفس المصدر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 256

الشرط «1».

و فيه: أنّ الشرط إن كان بحسب الماهيّة و المفهوم متقوّماً بالضمنيّة كما هو ظاهر السيد المحقّق الوالد «2» مدّ ظلّه فله وجه، و أمّا إذا كان المفهوم أعمّ، فلا وجه للانحلال بانحلال العقد؛ بعد إطلاق دليل الشرط، و خروجه عن مصبّ أدلّة التخصيص؛ لفظيّاً كان أو لبيّاً؛ ضرورة أنّ القدر المتيقّن من الشرط غير النافذ، هو البدويّ منه، و هذا ليس من البدويّ، فما ذهب إليه الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «3» في غير محلّه.

و حيث قد عرفت: أنّ الشرط بحسب الماهيّة أعم، يلزم القول الرابع: و هو صحّة الشروط في ضمن العقود الجائزة، و وجوب الوفاء بها على الإطلاق، و لا ينحلّ بانحلال العقد، كما أُشير إلىٰ وجهه آنفاً، و قد أوضحنا في كتاب «الإجارة» «4»؛ أنّ شرط ضمان العين المستأجرة صحيح، مع أنّ الإجارة تبطل في صورة انعدام العين، و لا يبقىٰ للشرط موضوع، و مع ذلك ذهب جمع إلىٰ خلاف المشهور هناك «5»، و لا يتمّ هو إلّا لما أشرنا إليه، فاغتنم.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 124/ السطر 26، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5:

221.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 89، 143.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 124/ السطر 26.

(4) ممّا يؤسف له أنّ هذا الكتاب فقد و لم يصل إلينا.

(5) مجمع الفائدة و البرهان 10: 69، الروضة البهيّة 2: 3/ السطر 16 (حاشية جمال الدين الخوانساري). و لاحظ جواهر الكلام 27: 216، الإجارة، المحقّق الرشتي: 52.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 257

بقي شي ء: سراية لزوم الشرط المذكور في ضمن العقد الجائز إلى العقد

لأحد دعوى: أنّ الشرط لازم، و يسري لزومه إلى العقد عقلًا، فيكون هناك احتمال خامس؛ و ذلك لأنّ ما هو الواجب بالشرط ليس عنوان «الشرط» أو عنوان «المشروط» بما هو مشروط، كي يقال بامتناع كفاية دليل الشرط لوجوب حفظ موضوعه و ما هو المتوقّف عليه؛ و هو العقد، بل الواجب به هو ذات الشروط في طيّ العقد، و هي الخياطة مثلًا، و دليل الشرط يوجب إيجاب الشرع العمل بها و إيجادها على الإطلاق، و مقتضى هذا الإطلاق عدم جواز الفسخ بحكم العقل.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه لا يوجب عدم انحلال العقد بالفسخ، بل غايته هي الممنوعيّة العقليّة أنّ الشرط إن كان سبباً باقياً، فيمتنع أن يكون إطلاق دليله وافياً لوجوب حفظه، فإذا انفسخ العقد ينعدم السبب، و يرتفع وجوب الخياطة من هذه الناحية.

و إن كان غير باقٍ، و يكون من قبيل الوساطة في الثبوت الممكن بقاء المعلول بعلّة أُخرى، فهو يرجع إلى الوجه الرابع، كما لا يخفى.

تكميل: حكم الشرط إذا انفسخ العقد الجائز

إذا كان الشرط في طيّ العقد الجائز من قبيل شروط النتيجة، أو كان من قبيل شروط الفعل و قد عمل به المشروط عليه، مثلًا في بيع الدار الخياريّ، أو في هبة الدار، اشترط استملاك ثوبه؛ و أن يكون

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 258

ثوبه له، أو اشترط خياطة الثوب فخاطه المشتري، ثمّ فسخه البائع أو الواهب، فهل يرجع الثوب إلىٰ مالكه، و لا تقع الخياطة مجّاناً، أم لا؟

أو فيه تفصيل بين علم المشتري و جهله؛ نظراً إلىٰ أنّه مع علمه يكون هو المقدم، فلا ضرر من الشرع بالنسبة إليه، بخلاف صورة جهله، كما هو الواضح.

قيل: بأنّه بعد الانفساخ يرجع العقد، و يبطل مع تبعاته، و منه

الشرط، فيرجع الثوب إلىٰ مالكه، و لا تقع الخياطة مجّاناً؛ لإمكان نظره إلىٰ أنّه محترم ماله و صنعه، و لا يقع هدراً «1».

و فيه: أنّ الشرط قد أثّر أثره، و لا بقاء له في شرط النتيجة، و في الفعل في الفرض المذكور، و لا حكم لمثله بعد ذلك، و لا حكم له عند الشرع و العرف، فيكون العقد راجعاً بلا تبعاته.

و حكي أنّ السيّد الوالد المحقّق مدّ ظلّه يلتزم بذلك، و هو غير موافق لبناء العقلاء بالضرورة.

و يحتمل التفصيل بين المثالين؛ ففي مثل الخياطة لا سبيل إلىٰ تضمين المشروط عليه، حتّى في صورة الجهل؛ لأنّه بحكم الشرع لا بدّ و أن يقع مجّاناً، و أمّا في مثل الثوب، فقد مرّ أنّه في شرط النتيجة يجب الوفاء أيضاً، إلّا أنّه بالقياس إليه معناه ردّ الثوب إلىٰ مالكه،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 135/ السطر 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 259

و يكون معنى «المؤمن عند شرطه» في هذه الصورة، هو وجوب ردّه إليه، فإذا لم يكن وجوب بعد فسخ العقد، فلا يعتبر الملكيّة لمالكه؛ فإنّ الوضع في مثل المقام يتبع التكليف.

نعم، في صورة تلف الثوب تحت يد المشروط عليه، لا يثبت الضمان و هو بمثابة الخياطة المنعدمة.

و غير خفيّ: أنّه ربّما يختلف الحكم بين صورة كون الشارط هو الفاسخ، و صورة اختلافهما، فإنّه إذا فسخ المشروط عليه، فربّما يعدّ هو المقدم على الضرر و المجّانية، بخلاف عكسه، كما يختلف صورة التلف و الإتلاف؛ بناءً علىٰ عدم ضمان اليد في مثله، أو مطلقاً.

و علىٰ كلّ تقدير: المسألة مشكلة؛ لأنّ مقتضى الصناعة مختلف مع مقتضى بناء العرف، و ربّما يكون هو شاهداً علىٰ أنّ أساس الشرط الذي

توهّموه غير صحيح و أنّ شرط النتيجة باطل و شرط الفعل المذكور يقتضي التقسيط عرفاً بالنسبة إلى المثمن أو مثله، فليلاحظ جيّداً.

و يمكن أن يقال: إنّ قضيّة الصناعة تردع مقتضىٰ بناء العقلاء.

كما يمكن دعوى: أنّ بناء العرف يوجب صرف أدلّة الشروط عن شرط النتيجة.

نعم، مقتضىٰ بعض أخبار المسألة «1»؛ صحّة شرط النتيجة، إلّا أنّه ربّما يختصّ بموارد العقود اللازمة غير الخياريّة، فلا تكن غافلًا.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 201.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 260

المسألة الثانية: في كيفية ثبوت الخيار بتخلّف المشروط عليه

لو تخلّف المشروط عليه، فهل الخيار ثابت بنفس التخلّف علىٰ نهج القضايا الشرطيّة، أم الخيار في العقد المشروط ثابت عند التخلّف، فيكون علىٰ نعت الواجبات المعلّقة؟ فيه وجهان.

و ما هو الأظهر هو الثاني؛ علىٰ ما تحرّر في محلّه من رجوع جميع الواجبات المشروطة إلى المعلّقة لبّا «1»، و جواز ترتيب آثار الوجوب المشروط عليها إذا قام عليه الدليل إثباتاً.

و علىٰ هذا، هو خيار باقٍ إلىٰ زمان التخلّف، و يجوز له هدمه و إسقاطه، من غير لزوم إشكال إسقاط ما لم يجب، فتأمّل.

ثمّ بعد التخلّف، و صيرورته فعليّة متنجّزة ذات أثر حاليّ، فهل هو فوريّ، أم متراخٍ؟

لم يصرّح به الأصحاب إلّا السيّد الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «2» و قد أحال الأمر إلىٰ كيت و كيت، و حيث لا دليل على التراخي يلزم الشكّ، و قضيّة القواعد قد مرّت في مسألة خيار الغبن «3»، و قد عرفت سقوط الاستصحاب و العامّ، بل العامّ الفوقانيّ، فلا يبقىٰ دليل لبقاء الخيار. إلّا أنّه يرجع بعد ذلك إلىٰ مقتضى الأُصول الأُخر المنتهية إلىٰ نتيجة الفور، كاستصحاب

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 3: 64 67.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 134/ السطر 35.

(3) ممّا يؤسف له أنّ

هذه المباحث فُقدت و لم تصل إلينا.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 261

عدم التأثير، أو بقاء الملكيّة و المال في ملك مالكه، و غير ذلك.

و غير خفيّ: أنّ مستند خيار التخلّف ليس الإجماع، و لا قاعدة نفي الضرر؛ لأنّ من الشروط ما لا يعدّ تخلّفه من الضرر، و لا القواعد، بل هو حكم عرفي ممضى ظاهراً. و لا يبعد أن يسقط الخيار عند التأخير الكثير حتّى عند العقلاء، فليلاحظ جيّداً، فما في كلام الفقيه السابق آنفاً، غير متين أصلًا.

المسألة الثالثة: حكم الخيار لو استند عجز المشروط عليه إلى المشروط له

هل في موارد تعذّر الوظيفة على المشروط عليه بتعجيز المشروط له إيّاه، يثبت الخيار، أم لا، أو يفصّل بين صورتي التعجيز بتقصير، و التعجيز بقصور؟ وجوه:

فقال السيّد اليزديّ (رحمه اللّٰه): إنّ في موارد الإتلاف العمديّ لا يثبت الخيار، و أمّا في مورد التعذّر لاعن تقصير من المشروط عليه، كما لو أتلف ثوبه غافلًا، أو فيما إذا لا يتمكّن من اشتراء داره المشروط بيعه منه، ففيها وجهان. و هكذا في مورد خروج الشرط عن الماليّة، كردّ مقدار ماء إليه في حال عزّة وجوده، فصار بالطبع كثيراً لا قيمة له «1».

و الذي هو مدار المسألة: أنّه لو كانت القدرة شرطاً في صحّة العقد، و كان ذلك شرطاً في تمام الظرف المضروب للعمل به، فطروّ العجز يكشف عن بطلانه، و قد مرّ حكم الشرط الباطل من جهة تبعيّة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 134/ السطر الأخير.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 262

الخيار و عدمها.

و أمّا لو كان الشرط في موارد العجز صحيحاً إمّا من الأوّل؛ أي و لو كان عاجزاً من حين العقد، أو صار عاجزاً، أو قلنا بأنّ الميزان لثبوت الخيار ليس عنوان «التخلّف عن

الشرط» بل هو الأعمّ منه و من عدم العمل علىٰ طبقه؛ سواء كان ذلك لتعذّر، أو عن عمد، فيكون الشرط صحيحاً في موارد طروّ العجز؛ نظراً إلىٰ إطلاق دليله، كما مرّ في أوائل بحوث الشرط، فإنّه يثبت الخيار على الإطلاق؛ و ذلك لأنّ اعتبار صحّة الشرط يستلزم بحكم العقلاء خيار المشروط له في جميع الفروض و لو كان يمنعه قهراً و غصباً عن العمل به.

و حيث قد عرفت: أنّ العجز فيما نحن فيه لا يقاس بالعجز في موارد التكاليف، و لا بالعجز في موارد الوضعيّات في غير باب العقود و الإيقاعات، يلزم بطلان الشرط؛ لكونه من قبيل العجز في موارد النذر و العهد و اليمين، ضرورة أنّه لا يعتبر الصّحة و العذر.

نعم، ربّما يكون من قصد الشارط مع التفاته إلىٰ عجز المشروط عليه الغافل اعتبار الخيار في العقد، فلا يبعد ثبوته، علىٰ تأمّل مضى.

فبالجملة تحصّل: أنّ الأمر بحسب الصناعة يدور مدار شيئين: إمّا الصحّة مطلقاً و هو لازم مقالة السيد الأُستاذ الوالد مدّ ظلّه- «1» أو البطلان مطلقاً، كما هو الأظهر، و أمّا التفصيل فلا وجه له.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 224.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 263

نعم، في موارد بطلان الشرط، هل يثبت الخيار؟ فهو بحث مضى بتفصيل.

فتبيّن مبنى المسألة فيما نحن فيه، و وجه فساد مقالة السيّد الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «1» فليراجع.

المسألة الرابعة: ضمان المقبوض بالشرط الفاسد

المقبوض بالشرط الفاسد ليس كالمقبوض بالعقد الفاسد؛ فإنّ المحرّر منّا عدم الضمان في العقد إلّا في بعض المواضع «2».

و أمّا في الشرط فحيث إنّه ليس له قسط من الثمن، لا يكون تصرّف المشروط له في المعقود عليه بحسب حكم العقلاء في الشرط الفاسد منوطاً برضا المشروط عليه

المتعلّق بالمعقود عليه؛ و ذلك لما تبيّن من أنّ وجه عدم الضمان، حصول الرضا الثاني بالتصرّف في كلّ من العوض و المعوّض، فلا ضمان، و أمّا حصول رضاه بالنسبة إلىٰ تصرّف المشروط له في العين المقبوضة، فهو بلا مقابل، فيكون هو مضموناً.

فما يظهر من الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه) «3» من الملازمة، ناشئ من الغفلة عن سبب عدم الضمان في العقد الفاسد.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 134/ السطر 35.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 1: 182 و ما بعدها.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 141/ السطر 10.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 264

هذا فيما إذا كان الشرط فاسداً في طيّ العقد المعاوضيّ الصحيح أو الفاسد.

نعم، إذا توقّف حصول الرضا الثاني الخارج عن التراضي المتعلق بالمعاملة، على الرضا بالتصرّف في المقبوض بالشرط الفاسد، فالملازمة ثابتة، و ليس التوقّف المذكور بعد كونه من باب تعدّد المطلوب دائميّاً، و تعدّد المطلوب في المسائل اللبّية مورد الأثر، دون الإنشائيّات، و ما نحن فيه من قبيل الأوّل؛ لسقوط الشرط الإنشائيّ عن الأثر فرضاً، فلا تغفل.

و فيما إذا كان الشرط ماليّاً في طيّ العقد غير المعاوضيّ، فالضمان أقرب.

و أمّا حديث الهبة المعوّضة الباطلة، فحيث إنّه عندي باطل من رأس، و أنّ الهبة المعوّضة من المناقضة المغفول عنها، فلا بحث حولها، فما أفاده العلّامة اليزديّ «1» هنا مع ما فيه من الإشكال من بعض جهات أُخر غير تامّ.

المسألة الخامسة: هل يشترط في صحّة شرط النتيجة ما يشترط في شرط الفعل؟

بناءً علىٰ صحّة اشتراط حصول أحد العناوين المعامليّة علىٰ نعت

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 141/ السطر 13 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 265

شرط النتيجة، كما مرّ، فيجري أحكام تلك المعاملة عليها، و أمّا الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) فقال:

لو اشترط في البيع أن يكون درهم معيّن أو كلّي من مال أحدهما للآخر في مقابل درهم، لا يجب فيهما القبض في المجلس، و كذلك لو اشترط في السلف على المشتري شيئاً، لا يجب فيه ذلك، و هكذا لو اشترط ملكيّة حيوان لا يجري فيه الخيار الخاصّ به «1»، انتهىٰ محصّله.

و فيه: أنّ في المثال الثاني و الثالث حيث لا يكون من التعاوض، و لا تحصل معاوضة، فلا معنىٰ لجريان الحكم.

و أمّا في المثال الأوّل، فالأمر يدور مدار دليل اشتراط القبض، فإذا كان المستفاد منه الاشتراط في المعاوضة؛ فهي حاصلة بالضرورة، سواء كانت بعنوان «البيع» أو بالشرط. مع أنّ حقيقة البيع عندنا تمنع عن الانطباق علىٰ موارد المعاوضة بين الشخصيّات، و لا سيّما فيما إذا كانت مماثلة، فالأظهر اعتبار القبض علىٰ ما هو الظاهر عندي عجالةً، و القول المذكور في نهاية الضعف جدّاً.

هذا بناءً علىٰ ما هو الحقّ؛ من أنّ الشرط تقيّداً داخل، و قيداً خارج، و المشروط خارج على الإطلاق لبّا و إنشاء، و لا ينبغي الخلط بين الشرط و المشروط، كما يظهر ذلك منه (رحمه اللّٰه).

و لو كان بحسب اللبّ للشرط قسط من الثمن، و وصلت النوبة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 141/ السطر 35.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 266

إلى التقسيط، كما اختاره (رحمه اللّٰه) «1» بتوهّم: أنّ هناك مبادلة لبّية، فلا بدّ من التزامه بأحكام السلف و خيار الحيوان؛ بعد وجود الإطلاق في أدلّته، فالتفكيك في بعض الآثار دون بعض، خروج عن فهم العرف و طريقة العقلاء.

المسألة السادسة: حول القبول في العقد المشروط

لو لم يكن تقاول على المعاوضة و الاشتراط، لا يبعد لزوم قبول الشرط، و عدم كفاية قبول أصل البيع عن قبول الشرط،

فلو باع داره علىٰ أن يخيط له ثوباً، و قال: «قبلت» و أنكر قبوله الشرط، لا يبعد كون الظاهر مؤيّده.

و له أن يقبل البيع و الشرط، و يشترط في ضمن القبول أن يعلّمه البائع سورة. و لو سكت فالأمر كما مرّ، و لو قبل فلا يبعد لزومه.

و له أن يشترط في طيّ قبوله؛ أنّه يعلّمه سورة خاصّة من السور القصيرة، أو يعلّمه علىٰ أن يفعل له كذا، فقبله و هكذا، فإنّه لا يبعد اللزوم ما دام لم يخرج بذلك أصل المعاملة عن الجدّ إلى الهزل.

و لو شكّ في ذلك، فلاحتفاف الكلام بما هو الهزل يشكل صحّة أصل البيع. و لو كانا غير هازلين إلىٰ أثناء هذه الشروط، فسراية الهزل إلىٰ أصل البيع ممنوعة، و لا ينبغي الخلط بين مرحلتي الثبوت و الإثبات الموجودة في أمثال هذه المسائل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 141/ السطر 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 267

المسألة السابعة: حكم الشروط الفاسدة في العقود الإذنية

قد تحرّر منّا في محلّه: أنّ من الأُمور غير الصحيحة، تقسيمَ العقود إلى الإذنيّة، و غير الإذنيّة؛ ضرورة أنّ العقد بما هو هو يحتاج إلى التراضي في تحقّقه، و حيث إنّ الشرط في مفروض البحث ليس من الشرط الأُصوليّ فلا يضرّ، كما مرّ فساده في صحّة العقد، و لو أضرّ فلا فرق بين أقسام العقود المعاوضيّة و غير المعاوضيّة، فما عن جمع من فساد العقود الإذنيّة بالشروط الفاسدة «1»، أو في كلام الفقيه اليزديّ «2» و غيره «3» من التقسيم المذكور، في غير محلّه.

نعم، ربّما يأذن صاحب المال في بيع ماله على الإطلاق، و لا يكون نظره إلىٰ خاصّ يقبله، فإنّه لو قام أحد لبيعه لا يعدّ وكيله، و لا يكون ذلك عقداً،

بل هو إذن، و ليس مجرّد الإذن توكيلًا، و لا يعتبر في انتزاع مفهوم «الوكالة» في صورة الإذن بالنسبة إلىٰ شخص خاصّ شي ء آخر، و لو اعتبر الأزيد منه فلازمه عدم تحقّق العقد، فلا يكون هناك عقد إذنيّ، فلا تخلط.

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 142/ السطر 2.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 142/ السطر 2 7.

(3) منية الطالب 1: 33/ السطر 13.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 268

هذا آخر ما تيسّر لي في هذه البحوث، مع كثرة الصوارف الشخصيّة و الحوزويّة، فإنّ حكومة العراق الفاسدة قد سرت مفسدتها إلىٰ كافّة الجوانب؛ حتّى زعماء الأديان الفاسدة، إلىٰ أن شملت أذيال ذلك بعض جوانب الحوزة في النجف الأشرف، فوقع الأمر معطّلًا، و ذهبت عقول الفضلاء كلّ إلىٰ موقف، و ما هو إلّا لفقدهم الشعور السياسيّ و الرشد الفكريّ المنطبق علىٰ مقتضيات هذه العصور في مثل ذلك القطر.

و نرجو من اللّٰه أن يمنّ علينا بظهور الحجّة عجل اللّٰه فرجه أوّلًا، و بقيام الصالح من عباده لإصلاح الشباب و الطلّاب؛ كي لا يقعوا في حيص و بيص أشدّ و أكثر، و اللّٰه هو المؤيّد الموفّق.

(25) شعبان المعظّم أوقات تسفير طلبة النجف الأشرف، عام (1395)

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 269

الخاتمة في أحكام الخيار

اشارة

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 271

الأوّل إرث الخيار

الدليل على إرث الخيار

أنواع الخيار بأجمعها ممّا يورث؛ حسب الشهرة المحقّقة، و الإجماع المحكيّ عن «الغنية» في خصوص تورّث خيار المجلس «1».

و في «التذكرة»: «أنّ الخيار عندنا موروث؛ لأنّه من الحقوق كالشفعة، و القصاص في جميع أنواعه» «2» انتهىٰ.

و حيث إنّ المحرّر في محلّه ضعف إجماعات «الغنية» «3» مع أنّ إجماع «التذكرة» معلّل، فلا يثبت به شي ء.

مع أنّ مورد النظر أنواعه، لا أفراد كلّ نوع، فلا يثبت العموم

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 17، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 254، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 526/ السطر 5.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 536/ السطر 39.

(3) تحريرات في الأُصول 6: 363 365.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 272

الأفراديّ، فما في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) من الاتكاء عليه «1»، في غير محلّه.

كما أنّ ما في «حاشية اليزديّ (رحمه اللّٰه)» من تفسير معقد الإجماع «2»، في غير مقامه؛ لأنّ المنصوص به هو الفرع، فلا تغفل.

فالمهمّ في المسألة هو الكتاب.

و أمّا السنّة فهي غير ثابتة؛ فإنّ قوله

ما تركه الميّت أو ميّت فهو لوارثه

من قوله

ما تركه الميّت من مال أو حقّ فهو لوارثه «3».

و الانجبار غير معلوم، بل ممنوع بعد كون الكتاب مورد الاستدلال، و قد تحرّر في محلّه؛ أنّ الشهرة العمليّة جابرة في صورة حصر الدليل بالرواية المستدلّ بها، و إلّا فجابريّتها ممنوعة «4»، كما لا يخفى، فيكون المرجع هي القواعد و الكتاب؛ لما ليس في السنّة ما يفي بعموم المرام في المقام.

إذا تبيّن ذلك فنقول: إنّ من الممكن دعوى بناء العقلاء علىٰ تورّث الأموال و الحقوق، و كانت هي بمرأىٰ و منظر من الشرع، فما كان عند العقلاء قابلًا للنقل

يورّث، و من الواضح أنّ الخيار لمّا يقبل النقل فيورث؛ من غير فرق بين أنواع الخيار الشرعيّة و العرفيّة؛ لأنّ ما هو الخيار تعبّداً و تأسيساً، اعتبر كالخيار العرفيّ. و كونه تأسيساً شرعيّاً،

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 17.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 142/ السطر 7 و 32.

(3) لم نعثر على هذه الرواية في المجامع الروائية، نعم وردت في مسند ابن حنبل 4: 133، «من ترك مالًا فلوارثه»، لاحظ رياض المسائل 1: 527/ السطر 22 23، جواهر الكلام 23: 75، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 20.

(4) تحريرات في الأُصول 6: 390.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 273

لا يستلزم كونه غير قابل للنقل.

و ربّما يخطر بالبال: أنّ أصل تورّث المال و الحقّ في الجملة عقلائيّ، و أمّا الإطلاق القابل للاعتماد عليه في موارد الشكّ، فهو غير محرز في طريقتهم علىٰ وجه يكون ممضى و مورد الرضا و الارتضاء. و مجرّد كون الاقتدار على الفسخ خياراً عند الشرع، لا يكفي لكشف النقل؛ لاحتياجنا إلى الدليل علىٰ أنّ كلّ ما كان حقّا يورث، أو كلّ ما كان خياراً يورث؛ ضرورة عدم تورّث بعض الخيارات، و عدم الملازمة بين الحقّية و التورّث، فالاتكاء علىٰ بناء العرف و العقلاء محضاً في خصوص المسألة، غير جيّد.

و لأجل ذلك التجأوا إلى الكتاب العزيز، و قد تمسّك به الأُستاذ المحقّق الوالد مدّ ظلّه- «1» بأنّ مقتضىٰ الإطلاق لقوله تعالىٰ لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ. «2» إلىٰ آخره، و قوله تعالى مِمّٰا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ «3» أنّ جميع المتروكات التي هي الأُمور التي يفارقها الميّت، و ينتقل هو إلىٰ دار السلام عنها فهي بين الأقرباء و الأولاد.

و إذا كان حكمه حسب

الكتاب النقل، يتبيّن أنّه الحقّ القابل للنقل؛ للملازمة المحرّرة في محلّها، فإنّه كما يستكشف من إطلاق

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 254 256.

(2) النساء (4): 7.

(3) نفس المصدر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 274

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» مثلًا صحّة العقد للملازمة، كذلك فيما نحن فيه يستكشف أنّ جميع ما يتركه و يفارقه، و يبقى بعده بقاء جوهريّا، أو عرضيّاً حقيقيّا، أو اعتباريّاً، قابل للنقل؛ من الأموال كان، أو من غيرها.

نعم، لو دلّ دليل على المنع فهو المتّبع.

فعلى هذا يتبيّن بذلك أيضاً الحقّية، فما سلكه الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) من الحاجة أوّلًا إلىٰ إثبات الحقّية، و ثانياً إلىٰ إثبات قابليّة النقل «2»، في غير محلّه، بل يستكشف من الحكم المزبور بطريق الإنّ قابليّة النقل و حقّية المنقول؛ للملازمة، و تصير النتيجة أنّ كافّة الخيارات بما أنّها ممّا تركها عرفاً تكون حقّا شرعاً، و قابلةً للانتقال أيضاً.

بقي شي ء: في إمكان بقاء الحقِّ بعد الموت

و هو القول: بامتناع كون الحقّ ممّا يتركه الإنسان بموته، بل هو يزول به، بخلاف المال؛ و ذلك لقيام الحقّ بالمستحقّ، و أنّه مجرّد إضافة تضمحلّ بالموت، كما تضمحلّ الملكيّة به، و تصير الأموال ملكاً جديداً للوارث، من غير أن تنقل الملكيّة؛ لقيامها بالشخص، و من غير كون التورّث هو نيابة الوارث عن المورّث، كما قد يتوهّم «3»؛ ضرورة أنّ النائب ليس أصيلًا في تصرّفاته، فيلزم أن يبيع نيابة، و هو واضح البطلان،

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 21 23.

(3) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 142/ السطر الأخير.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 275

و يكون الولد نائباً عن الجدّ الأعلى، أو نائب النوّاب، فالآية قاصرة عن شمول الحقوق، انتهىٰ ملخّص ما يمكن إفادته

في المقام بحسب مقام الثبوت.

و فيه: أنّ الحقّ اعتبار وضعيّ عرفيّ أو شرعيّ، و كثيراً ما يبذل بحذائه الأموال، فالحقوق كالأملاك أُمور خارجيّة، إلّا أنّها اعتبار في الخارج؛ سواء كان قائماً بالميّت، أو بالمال، أو بالإنسان الحيّ، و يعتبر بينها و بين المستحقّ إضافة الملكيّة، كالإضافة التي تعتبر بين المال و صاحبه؛ لأنّ الحقّ مال جدّاً، و يعبّر عنه «بأنّه ملك» و «أنّ حقّ تحجير الأرض الكذائيّة ملك زيد» أو «ماله».

فلا فرق بين الحقوق و الأموال؛ في أنّ الميّت يفارقه و يتركه و يذهب إلىٰ دار السلام، و لا يلزم من تركه زواله، بل بالموت ينتقل المال إلى الورثة، و الحقّ مثله و إن كان موضوع الملكيّة هو الجوهر الخارجيّ، و موضوع الحقّ العقد أو الميّت، فكما أنّه إذا مات ينتقل منفعة الدار المستأجرة إلى الورثة بالضرورة، مع أنّها ليست جوهراً، كذلك الأمر في الحقّ.

و استيفاء الميّت من الحقّ المتعلّق بالعين أو العقد، لا يضرّ بنقله إلى الورّاث بالموت، كما في الديون و الكليّات في الذمّة، فإنّه يملك الوارث على الطرف ذلك الكلّي بالضرورة بملكيّة علىٰ حِدة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 276

تحقيق: حول عدم بقاء الحقّ في ملك الميّت

قضيّة القاعدة الأوّلية بقاء الحقوق و الأموال في ملك الميّت؛ ضرورة جواز مالكيّته حدوثاً، فضلًا عن البقاء، فالتورّث الموجود بين كافّة الناس و الملل و النحل، تعدٍّ و تجاوز في ملك الآخر، فيصرف في وجوه برّ الميّت، إلّا أنّه ربّما كان من الأوّل حكم الأنبياء، و اعتقد به الملاحدة، أو كان أمراً بين العقلاء الأوّلين، و ارتضىٰ به الرسل (عليهم السّلام). فعلى كلّ تقدير هو علىٰ خلاف الموازين، إلّا في صورة ارتضاء المورّث به.

و إذا كان الأمر كذلك فبالموت تزول الملكيّة،

و يصير جميع ما تركه من المباحات، و لا وجه للإضافة بينها و بين الأقرباء و الأولاد؛ لاستواء النسبة بعد عدم ارتضائه، بل و مع رضاه و عدم نقله في زمان حياته علىٰ وجه غير عنوان الإرث، كعنوان الوصيّة التمليكيّة التي هي ترجع إلى إعمال السلطنة، كما مرّ في قاعدة السلطنة بعض الكلام حوله «1»، فلا فرق في كون المتروك حقّا أو ملكاً في امتناع التورّث؛ لكونه من الترجيح بلا مرجّح، بل لكونه من التسبّب إلىٰ ما ليس سبباً، و لا صالحاً للسببيّة.

و حيث إنّ الأمر ليس كذلك بعد مضيّ الدهور و الأزمان، فالوارث يتلقّىٰ من الميّت شيئاً و خيراً و موجوداً اعتباريّاً، أو واقعيّاً بعد الموت؛

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الفقه، البيع 1: 54.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 277

سواء اعتبر الموت سبباً، أو موضوعاً، أم كان قانون العقلاء الممضى شرعاً هو اعتبار الملكيّة لما تركه بالنسبة إلى الوارث علىٰ سبيل سائر القوانين الكلّية المجعولة علىٰ نهج القضايا الحقيقيّة.

فالمحصول ممّا مضى: أنّه لا قصور في تورّث الحقوق و الخيارات من هذه الجهة الراجعة إلىٰ مرحلة الثبوت.

عدم جواز التمسّك بالعمومات عند الشكّ هنا

نعم، لنا مناقشة في إطلاق الآية و مرجعيّتها عند الشكّ؛ و ذلك لأنّ ما تركه الميّت أعمّ من الأموال، و الحقوق، و الأحكام، كالعبادات المتروكة، و ما يشبه ذلك، و لازمه تقسيمها بين الورّاث.

و لو كان المراد ما فيه الخير للوارث، فلا يشمل الأُمور الموجبة لتضييق الأمر عليه، أو الأُمور التي ليست فيها الخير و الفضل، فلازمه عدم شمولها لطائفة من الخيارات التي ليس للوارث فيها الخير، كإرث الزوجة الخيار المتعلّق بالأُمور المحرومة عنها، و هكذا بالنسبة إلى الحبوة، أو في مواضع الحجر.

و لو كانت الأحكام خارجة عنها

تخصيصاً، فيلزم الإشكال في التمسّك إذا كان الخارج عنواناً بسيطاً مجملًا؛ للزوم سراية الإجمال عندنا إلى العمومات في مثل المسألة.

و لو كان الخارج واحداً واحداً من الأحكام، فلازمه تورّث بعضها، و هو غير قابل للتصديق؛ ضرورة أنّ كلّ ما كان حكماً لا يورّث.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 278

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ في موارد الشكّ في التورّث، لا ملاذ و لا مرجع لفظيّ أو لبّي.

و ما في كلام الشيخ الأنصاريّ (قدّس سرّه): من كفاية ثبوت الخيار حقّا، و أنّه قابل للنقل في القول بتورّثه «1»، غير واقع في محلّه؛ لإمكان كون شي ء موصوفاً بهما غير مورَّث، كطائفة من الحقوق غير المورَّثة بالاتفاق و الإجماع، فالتورّث يحتاج إلىٰ الدليل إثباتاً، و القدر المتيقّن من الحقوق المورثة هي التي يعتبر فيه النصيب و الحظّ، و الخيارات التي ليست فيها الخيرات يشكل تورّثها.

اللهمّ إلّا أن يقال: بجواز الصلح عليه، بل و بيعه؛ بناءً علىٰ عدم اعتبار كون المبيع عيناً، كما هو الأظهر، أو يكفي كونه منشأً للنصيب و الحظّ و إن لم يكن مصبّه موردهما؛ لعدم الفرق بين الأعيان و الحقوق من تلك الجهة في ذلك، فبإلغاء الخصوصيّة يتبيّن عموم المدّعىٰ؛ و هو تورّث جميع الحقوق إلّا ما خرج بالنصّ أو الإجماع.

و هم و دفع: حول التفصيل في تورّث الخيار

لأحد دعوى: التفصيل في تورّث الخيارات، فإن كان الوارث أكثر من واحد فلا تورّث، و في صورة الانحصار يتورّثها؛ و ذلك لأنّ الحقّ المذكور أمر واحد بسيط لا ينقسم، فكما أنّ المورِّث لا يصحّ له إعمال خياره بالنسبة إلىٰ بعض الأعيان أو العقود، كذلك الوارث.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 21 22.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 279

و توهّم: أنّ قضيّة أدلّة الإرث، تورّث

كلّ واحد خياراً علىٰ نعت العامّ الأُصوليّ و المفهوم الاستغراقيّ، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ ما هو المورَّث أمر شخصيّ جزئيّ خارجيّ اعتباريّ، و ليس طبيعيّاً مجرّداً من التشخّص؛ حتّى يتكرّر بتكرّر الوجودات.

و القول: بأنّ أحدهم وارث، و يتعيّن بالقرعة، أو هو لمن سبق إلى الفسخ، أو غير ذلك، غير تامّ؛ ضرورة أنّه مضافاً إلىٰ لزوم حصر التورّث بالواحد أيضاً، أنّه بلا وجه.

نعم، لو ثبت في نصّ أنّ الخيار يورَّث، كان لما أُفيد وجه، و إلّا فالإطلاق و العموم لا يقتضي ذلك. مع أنّه خلاف الإجماع و الاتفاق، كما لا يخفىٰ.

أقول: قد تحرّر فيما مرّ «1»؛ أنّ الأصحاب قد اشتبه عليهم الأمر في حديث الحقّ، و تبيّن أنّه بمنزلة الأعيان التكوينيّة؛ في كونها مورد الملكيّة و تلك الإضافة، و ليس في عَرْض الملكيّة حتّى ينعدم بانعدام طرف الإضافة؛ و هو المورِّث، كما يستظهر من العلّامة الخراسانيّ (رحمه اللّٰه) «2» أنّ وجه إنكاره للتورّث رأساً ذلك.

فعلى هذا، إذا مات الرجل فقد ترك الموجودات العينيّة كالدار، و الأعراض الاعتباريّة كمنفعة الدار المستأجرة، و الحقوق التي هي أيضاً وجودات إمّا قائمة بنفسه، أو بالغير، كما سيمرّ تحقيق البحث حول حقّ الخيار الثابت للأجنبيّ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 274 275.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 253.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 280

فقوله تعالىٰ مثلًا لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ. «1» إلىٰ آخره، يقتضي أن تكون هي مثل تلك الأعيان و الأعراض في الانتقال إلى الورّاث بالموت، فلا يختصّ واحد به، و لا يتكثّر بتكثّر الورّاث، بل هو واحد شخصيّ لمجموع الورثة، مثل الدار علىٰ نعت الاشتراك و الإشاعة، و تكثّر هذا الأمر الاعتباريّ اعتبار الكثرة و الشيوع، فيكون النصف للذكر، و

الربع للأُنثىٰ و هكذا.

هذا في مرحلة تصوير نقل الحقّ، و كيفيّة إضافة الورّاث إليه.

و أمّا في مرحلة الاستيفاء، ففرق بين مالكيّة حقّ الخيار، و مالكيّة الدار علىٰ نعت الإشاعة، فإنّ من له نصف الدار يجوز له بيعه و الإعراض عنه و نقله مجّاناً و هكذا. و أمّا مالكيّة نصف حقّ الخيار، فلا تستدعي جواز المبادرة إلى الفسخ بالنسبة إلى العين لو كان له نسبة إليها تبعاً للعقد؛ لأنّه ذو نسبة إلى العين و ذلك لأنّ المالك أيضاً كان كذلك، و المورّث لا يورّث إلّا ما هو له.

نعم، له الإعراض بالنسبة إلىٰ سهمه؛ بمعنى أنّه لا حاجة بعد ذلك إلىٰ إمضائه العقد و فسخه، لا بمعنى لزوم العقد بالنسبة إلىٰ حصّته. فعلى هذا يكون الخيار لمجموع الورّاث، كما أنّ مجموع الأملاك لمجموعهم على النظام الإلهيّ.

نعم، ربّما يوجد في مورد يكون لكلّ واحد خيار علىٰ حِدة إرثاً، كما إذا اعتبر بالشرط خياراً لنفسه في ضمن بيع داره بالنسبة إلىٰ جميع

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 280

______________________________

(1) النساء (4): 7.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 281

كسور العين؛ من النصف، و الثلث، و هكذا، فإذا كان نصف الدار لابنه، يكون له خيار مستقلّ بالنسبة إلىٰ حصّته؛ بناءً علىٰ عدم ثبوت الخيار للأجنبيّ عن الأملاك، فتأمّل.

فتحصّل: أنّ الحقّ قائم بذي الحقّ، و مضاف إلى العقد المضاف إلى العين القابلة للتجزية في الاعتبار؛ و لو كانت العين معدومة حين الفسخ، و لا منع من القول بأنّ نتيجة إعراضه عن حقّه لزومه بالنسبة كما في بيع ما يملك

و ما لا يملك، و يلزم منه خيار التبعّض في بعض الصور أحياناً.

و بالجملة: يظهر حال حقّ الخيار بمقايسة حقّ التحجير في التقسيم و النقل من جهة، دون مطلق الجهة كما عرفت.

و يتبيّن أنّ ابتناء المسألة على الاختلاف في حقيقة التورّث تارة، و علىٰ أنّ الخيار حقّ متعلّق بالعقد، أو العين، أو هما معاً عَرْضاً، أو طولًا ثانياً، غير تامّ علىٰ ما يتراءىٰ في كلمات القوم (رحمهم اللّٰه).

مع أنّك عرفت منّا: أنّ الخيار حقّ لذي الخيار علىٰ هدم العقد اللازم بطبعه و ذاته، و أنّ التورّث ليس إلّا نقل الموجودات الثلاثة المذكورة إلى الورثة؛ بانعدام الملكيّة و الإضافة السابقة، و حصول الإضافة بالأدلة الشرعيّة و العقلائيّة الممضاة ثانياً، من غير تغيّر فيما يتورّث، فلا تغفل.

و من الغريب توهّم تبادل المالك في الإرث «1»!! ضرورة أنّ

______________________________

(1) منية الطالب 2: 151/ السطر الأخير.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 282

الإضافة الشخصيّة تتبادل بتبادل الملك و المالك، و لا داعي إلى الانحراف و توهّمِ الابتكار بمثل هذه الدعاوي المضحكة.

و هذا التوهّم يرجع إلىٰ توهّم: أنّ الوارث نائب عن المورّث، و لازم ذلك تكرّر النيابة بتكرّر التورّث، كما هو الواضح، و تفصيله في كتاب الإرث. كما أنّ البحث حول موروثيّة سائر الحقوق كحقّ الشفعة، و القِصاص، و غير ذلك موكول إلىٰ محالّه، و لا ينبغي الخلط بين الجهات المبحوث عنها؛ حذراً من الإطالة.

شبهات: علىٰ وراثة حقّ الخيار
الشبهة الاولىٰ: في كيفية انتقال الملك إلى الورثة بعد الفسخ

إنّ من المعروف بين أبناء الفضل؛ أنّ الفسخ هو حلّ العقد «1» برجوع العوضين في صورة وجودهما إلىٰ محالّهما الاولىٰ، و ليس الفسخ عقداً جديداً، بل و لو كان جديداً يكون أثره كحلّ العقد، فعلى هذا المبنىٰ يمتنع التورّث؛ و ذلك لأنّ العاقد هو الميّت،

و فسخ الوارث إن اقتضىٰ رجوع المعقود عليه إلىٰ ملكه مستقيماً، فهو ليس بفسخ؛ حسبما أُشير إليه.

و إن اقتضىٰ رجوعه إلى الميّت، ثمّ إلى الوارث، فهو مضافاً

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 122/ السطر 10، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 4: 332 333، مصباح الفقاهة 7: 414.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 283

إلىٰ أنّه لا يكون للفسخ اقتضاء إلّا الحلّ، و هو إنشاء واحد لا يمكن أن يترتّب عليه الأثران الطوليّان: دخوله في ملك الميّت، و خروجه إلىٰ ملك الورثة و لو أمكن ذلك بدعوىٰ: أنّه ينحلّ به العقد، فيرجع بحكم العقلاء إلى الميّت، و بدليل الإرث إلىٰ الوارث أنّ دليل الإرث يقتضي أنّ بالموت ينتقل الأملاك إلى الورثة، و أمّا بعد الموت فإمّا لا يملك الميّت شيئاً، كما هو المعروف، أو لا يورّث إلّا بدليل خاصّ.

و ما ورد من النصّ في قصّة تقسيم الدية «1» فهو تعبّد، و ليس فيه شهادة علىٰ أنّه الإرث؛ و لو كان تقسيمه علىٰ نهج الإرث، فعلى هذا يمتنع تورّث حقّ الخيار.

و دعوىٰ: أنّه يورّث حقّ الخيار؛ باعتبار أنّه لا يجوز بعض التصرّفات في بعض الخيارات إلّا بعد الإمضاء، و هذا يكفي لتورّثه، غير تامّة؛ ضرورة أنّه ليس خياراً و اختياراً لهدم العقد، و قد مرّ منّا أنّ قضيّة القاعدة جواز التصرّف في عصر الخيار؛ لأنّ الملكيّة تامّة لازمة، كما تحرّر، و المنع عن بعض التصرّفات في بعض الخيارات خصوصاً، لا ينفع في المقام.

فتحصّل: أنّ الفسخ على الوجه الصحيح غير ممكن، فانتقال الخيار ممنوع مطلقاً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 26: 35، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 10 و 11، و 28: 208، كتاب الحدود و التعزيرات،

أبواب حدّ القذف، الباب 22، الحديث 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 284

أقول: قد تحرّر عندنا أنّ اتحاد المخرج و المدخل، غير معتبر في البيع «1»، و لا يلزم أن يدخل العوض مكان المعوّض و بالعكس، و لا يدلّ عليه شي ء إلّا توهّم أنّه حكم العرف و العقلاء. مع أنّ إطلاق تعاريف «البيع» يشمل الصورة غير المتّحد فيها المدخل و المخرج.

و بناء العقلاء علىٰ الأعمّ؛ ضرورة أنّ الآباء كثيراً ما يشترون للأبناء أمتعة خاصّة، و بالبيع يملكها الأبناء من غير رجوعه إلى الهبة، أو غير ذلك، فلو باع الجدّ دار حفيده الصغير من الأب، فاشترى الأب تلك الدار لصغير آخر، و ادّى ثمنها من أموال الصغير الآخر لكون الأب جائز التصرّف مع شرائطه صحّ البيع بالضرورة، و لا يدخل المعوّض مقام العوض و بالعكس، فيكون الخطّ الموهوم مورّباً، لا مستقيماً.

و لذلك نقول: إن فسخ بيع الأب بالخيار المورّث، يورث نقل العين إلى الورثة مستقيماً، و لا تقتضي طبيعة الفسخ إلّا حلّ العقد، و أمّا رجوع العوض إلىٰ محطّ المعوّض و بالعكس، فهو غير لازم و لو كان المعوّض موجوداً، فضلًا عمّا إذا كان معدوماً مع أنّه في الصورتين يعتبر نقل العوضين.

فبالجملة تحصّل: أنّ منشأ الشبهة اشتهار ما لا أصل له، فمنع تورّث حقّ الخيار من هذه الجهة أيضاً في غير محلّه، و قد مضت شواهد هذه المسألة في البحوث السابقة، فلا نعيد خوفاً من الإطالة.

و ربّما يتوهّم: أنّه في هذه المواريث الثابتة شرعاً، نلتزم بأنّ الفسخ

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 1: 312 314.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 285

المذكور يشبه فسخ العقد الواقع على العين المنقولة بالعقد اللازم، الموجب لغرامة الطرف بالنسبة

إلى الفاسخ، و لازمه هنا عدم وجوب ردّ العين الموجودة إلى الوارث، بل له ردّ مثلها أو قيمتها، فيكون الفسخ هنا كفسخ العقد الذي تلف المعقود عليه حين الفسخ حكماً، لا واقعاً.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّه لا نصّ من الشرع علىٰ تورّث حقّ الخيار حتّى لا بدّ من الالتزام به و بتوجيهه. بل هناك إطلاق، و إجماع: أمّا الأوّل فمنصرف إلىٰ غير حقّ الخيار، للشبهة، و أمّا الثاني فهو ليس تعبّدياً؛ لوجود الوجوه المقتضية للقول به، فإنكار تورّث الخيار ممكن حسب القواعد أنّ ما تخيّله مجرّد وهْم غير عقلائيّ، و الضرورة قاضية بأنّ الواجب ردّ العين الموجودة إلى الورثة الفاسخين، فيعلم منه صحّة ما سلكناه و أبدعناه في أصل البيع و في فسخه هنا.

و دعوىٰ: أنّ حقّ الخيار قائم بالعين، فالوارث يستردّ العين و يتملّكها، فلا نلزم الشبهة المذكورة، غير مسموعة؛ بداهة أنّه أوّلًا: يرجع إلىٰ دعوى أنّ الفسخ معاوضة جديدة، أو يشبه التعاوض، و هو خلاف التحقيق. و لو كان الحقّ متعلّقاً بالعين، فالعقد ينحلّ بتبع استرداد العين، و تلزم الشبهة كما لا يخفىٰ.

و ثانياً: ربّما يكون حقّ الخيار من قبيل حقّ خيار العيب و الغبن، فلا بدّ من دعوى اخرىٰ: و هي أنّ حقّ الخيار في صورة قائم بالعين باستردادها، و أُخرى: بها بردّها إلى المالك الأوّل و إلزامه بقبولها، و إلّا فلا يستحقّ الثمن، و هذا أيضاً من شواهد أنّه ليس إلّا حقّ هدم العقد

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 286

و إبطاله، و في خيار المجلس قائم بهما.

و من الغريب إصرار الشيخ (رحمه اللّٰه) هنا و بعضهم علىٰ أنّه حقّ مربوط بالأعيان «1»!! مع أنّه و كثيراً منهم قائلون ببقاء

الخيار في موارد تلف العين في بعض الصور و الخيارات «2».

الشبهة الثانية: عدم تورّث الخيار لاختصاصه بالبائع
اشارة

و هناك أيضاً شبهة في أصل تورّث الخيار؛ سواء كان من الخيارات الشرعيّة، كالمجلس، و الحيوان، أو كان من العرفيّة، كالغبن، و العيب: و هي أنّ الأدلّة الناهضة علىٰ تورّث الأموال، توجب نقل الأملاك و الأعيان و المنافع إلى الورثة بالموت؛ لأجل كونها مضافة إلىٰ أشخاص المورّثين، دون العناوين المنطبقة عليهم، و ما كان للشخص فهو للوارث، و ما كان للعنوان فلا.

و يؤيّد ذلك رواية ابن أبي راشد، حيث قال فيها

إنّ ما كان للإمام (عليه السّلام) بسبب الإمامة فهو للإمام من بعده، و ما كان غير ذلك فعلى كتاب اللّٰه يورث «3».

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 26 29، و: 296/ السطر 17.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 255/ السطر 23، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 98/ السطر 22.

(3) هذه الرواية مع اختلاف يسير فيها هكذا:

عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث (عليه السّلام): إنّا نؤتى بالشي ء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه السّلام) عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي (عليه السّلام) بسبب الإمامة فهو لي، و ما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّٰه و سنّة نبيّه.

الكافي 7: 59/ 11، تهذيب الأحكام 9: 234/ 915، الفقيه 2: 23/ 85، وسائل الشيعة 9: 537، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 2، الحديث 6.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 287

و قد ذهب المشهور في صورة كون الحقّ لعنوان «العادل» و «الأعلم» و «حاكم البلد» إلىٰ عدم تورّثه «1». و انتقاله إلى الولد المعنون بها ليس لأجل الإرث.

فعلى هذا، يشكل تورّث خيار المجلس؛ لكونه للبيّع، و الوارث ليس بيّعاً، و يشكل خيار

الحيوان و غيره؛ لظهور الأدلّة الخاصّة و بناء العرف علىٰ أنّه للعاقد و المشتري أو البائع في خيار الحيوان و التأخير، و ليس الشخص موضوع الخيار بالضرورة؛ لدخالة عنوان «العقد» و «البيع» في ذلك. و كونه سبباً و واسطة في الثبوت خلاف المتفاهم، كما ترى ذلك في خبر ابن أبي راشد، فإنّه و إن عبّر بالسببيّة، و لكن مع ذلك ما هو الموضوع هو عنوان «الإمام» في الرواية المشار إليها.

فتحصّل: حصول الفرق بين مالك الدار و الحقّ، فإنّ مالك الدار هو زيد، و ينتزع عنه عنوان «المالكيّة» بعد ذلك، بخلاف مالك حقّ الخيار، فإنّه العاقد و البائع و المستأجر و هكذا، و تلك العناوين أجنبيّة عن الورثة بالضرورة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 143/ السطر 4، منية الطالب 2: 152/ السطر 15، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 168/ السطر 15.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 288

أقول: هذه العويصة ممّا لا يمكن حلّها إلّا علىٰ أساس استظهرناه في محلّه؛ و هو أنّ حقّ الخيار يورّث حتّى في مورد التقييد بالقيود غير المنطبقة على الورّاث، ك «الأعلم» و «الحاكم» و «الوالي الكذائيّ» خلافاً لما هو المعروف عنهم؛ و ذلك لأنّ أدلّة الإرث كما مرّ علىٰ خلاف الأُصول الأوّلية؛ ضرورة أنّ ملك كلّ إنسان ما دام حيّاً يكون له، و إذا مات يصرف في خيراته؛ لبقائه في ملكه، و إذا وردت تلك الأدلّة من الكتاب و السنّة، فلا تفيد هي إلّا نقل ما تركه الميّت إلىٰ الوارث:

قال اللّٰه تعالىٰ لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ. «1» إلىٰ آخره.

و في الرواية

ما تركه الميّت من مال أو حقّ فهو لوارثه

«2» هكذا في بعض النسخ.

و علىٰ كلّ تقدير:

التقييد و العنوان بعد الانطباق على الميّت خارجاً، لا يمنع عن صدق عنوان «ما تركه» و تقييد العنوان و لو كان من قبل المالك، و يكون نافذاً لا يزاحم ظواهر أدلّة الإرث، و لو شرط أن يكون لزيد حقّ التولية علىٰ وجه لا ينتقل إلىٰ ورثته، فهو شرط خلاف الكتاب، فالتقييد المذكور نافع بالنسبة إلىٰ إخراج الأحياء دون الورثة بعد موت الأعلم و العادل و هكذا، و إلّا فهو باطل و فاسد؛ لما أُشير إليه.

______________________________

(1) النساء (4): 7.

(2) تقدّم في الصفحة 272.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 289

فعلى ما تحصّل: يكون مقتضى الأدلّة تورّث ما تركه الوالدان، إلّا إذا قام دليل خاصّ علىٰ عدم تورّث حقّ المضاجعة، و التولية، و الوصيّة، و القبول، و غير ذلك ممّا يمكن أن يعدّ من الحقوق دون الأحكام، فما سلكه الأصحاب قديماً و حديثاً في هذه المرحلة من البحث، بعيد عن الصواب جدّاً.

تذنيب: هل يتورّث ورثة الوكيل أو المالك؟

ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ القول بتورّث الحقّ يورث أن يرث من الوكلاء و أولياء الأُمور في موارد كون الخيار لهم كما مرّ في بحوث خيار المجلس و غيره ورثتهم، دون ورّاث صاحب المال و المالك الأصليّ؛ ضرورة أنّ الخيار حسبما تحرّر، ثابت لطائفة من الوكلاء و المتصدّين للأُمور، من غير أن يثبت للمالك الأصليّ، كما في الوكيل المفوّض، و وليّ الطفل، كالأب، و الجدّ، و الحاكم، و هكذا، و نقله بالموت إلىٰ ورثة المالك الأصليّ غير جائز؛ لأنّه ليس له الخيار، فكيف بالوارث؟! و القول بتورّث ورثة الوكيل المذكور و الأولياء باطل، و الالتزام بالتفصيل و إن كان ممكناً، إلّا أنّ دعوى شهادة ذلك على انصراف أدلّة الإرث عن تورّث حقّ الخيار، غير

بعيدة.

و من هنا يظهر: أنّ الخيار الثابت للأجنبيّ لا يورّث، و يندرج في سلك الشواهد علىٰ ممنوعيّة تورّث حقّ الخيار على الإطلاق.

أقول: قد عرفت أنّ الخيار كالمال من الأُمور التي يبذل بإزائها

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 290

الأموال و النقود، و تعتبر الحقوق خارجاً و موجوداً، و هناك اعتبار آخر: هي ملكيّة الحقوق لصاحبها، كملكيّة الأموال لأربابها.

فعلى هذا كما أنّ الأعيان و المنافع للأطفال، و التصرّف حقّ الأولياء دونهم، كذلك الحقوق في الأمثلة المذكورة، فهي موروثة.

نعم، في خصوص حقّ خيار الأجنبيّ، إشكال يأتي في المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

هذا مع أنّ ممنوعيّة تورّث بعض الخيارات لجهات عارضيّة، لا توجب صرف أدلّة الإرث ما دامت لم تكن كثيرة جدّاً، كما لا يخفىٰ.

مسائل
المسألة الأُولى: هل تورّث الحقوق المتعلّقة بالأعيان غير المورّثة؟

في موارد المحروميّة عن إرث المال، كمحروميّة الزوجة عن إرث العقار مثلًا، أو محروميّة غير الولد الأكبر عن الحبوة، أو محروميّة مجموعهم؛ لاستيعاب الدَّين، هل تكون الحقوق المتعلّقة بمورد الحرمان موروثة، أم هي تابعة المال، أو يفصّل بين الصور؟ وجوه، بل أقوال.

و حيث إنّ المسألة ليست تابعة للتعبّد الخاصّ من إجماع و نحوه، فلا بدّ من الغور فيها بفهم مقتضى القاعدة.

و قبل الخوض فيها نشير إلىٰ مسألة: و هي أنّ الظاهر عندهم عدم استيعاب الدّين لحقّ الخيار، و هذا ممّا لم يظهر لي وجهه؛ ضرورة أنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 291

حقّ الخيار من الأموال بالمعنى الأعمّ، كحقّ التحجير، و لا شبهة في أنّه ممّا يستوعبه الدين في عَرْض استيعاب سائر الأموال، و يكون الوارث محجوراً و غير نافذ تصرّفه فيه بالإسقاط أو النقل بالصلح و غيره.

و من الغريب أنّ وجه توريث حقّ الخيار، انطباق عنوان «ما ترك» عليه،

و مع ذلك قال الشيخ (رحمه اللّٰه): «فلو فرض استغراق دَين الميّت لتركته، لم يمنع انتقال الخيار إلى الوارث» «1» انتهىٰ!! و أيضاً يظهر منهم: أنّ في موارد سقوط الوارث عن قابليّة التورّث كالكفر و القتل يمنع من إرث الحقّ أيضاً، و هذا يحتاج إلى الدليل، و لا يكفي لممنوعيته عن إرث المال بالنسبة إلى إرث الحقوق، كما هو الواضح.

و علىٰ كلّ تقدير: لأحد المناقشة في تورّث المحروم عن إرث المال لإرث الخيار المربوط بذلك المال مستقيماً أو غير مستقيم؛ على الخلاف في أنّه حقّ الردّ و الاسترداد، أو هو حقّ متعلّق بالعقد، و لا يقاس مثله بخيار الأجنبيّ؛ سواء كان كخيار الشرط، أو المجلس؛ و ذلك لأنّه برضا الأجنبيّ، بخلاف ما نحن فيه، فإنّه حيث لا ثمرة في تورّثه، لا معنىٰ لكونه موروثاً؛ ضرورة أنّه لا يعدّ له النصيب و الحظّ، و لا ممّا تركه الوالدان و الأقربون له. و لا فرق بين مثل الزوجة، أو غير الولد الأكبر، أو الورثة في مورد التحجير.

و لو صحّ أن يقال: بأنّه ممّا فيه النصيب و الحظّ بالواسطة في

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 290/ السطر 26.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 292

بعض الصور، مع إمكان أن يعوّض هذا الحقّ أو يؤخذ بإزاء الفسخ شي ء، فلازمه تورّث أولاد الأجنبيّ إرث خياره، كما مرّ.

و الإنصاف: أنّه و إن أمكن تصوير تورّث المحروم خيار الوارث بالنسبة إلىٰ مورد حرمانه، إلّا أنّه خروج عن الفهم البدويّ، و الحكم العقلائيّ.

نعم، في خصوص صورة الفسخ المنتهى إلىٰ تورّث العين، غير بعيد، فتأمّل.

ثمّ إنّ ممّا لا يخفىٰ: أنّ الجهات العرضيّة الموجودة، و الأُمور اللّاحقة و الخصوصيّات، المشاهدة بين الورثة في موارد التحجير و

الزوجة في مورد نقل العين عن الميّت، أو غير الولد الأكبر في مورد اشتراء الوارث حبوة، كلّها لا تقتضي تورّث الخيار، و لا يمنع انتفاؤها عن تورّثه في غير تلك الموارد؛ ضرورة أنّ التورّث من القوانين العامّة الكليّة الفانية في جنبها هذه الخصوصيّات، و ربّما يكفي ملاحظة خصوصيّة في ضرب القانون العامّ، فالتفصيل حسب التخيلات من غير حجّة شرعيّة، و لو كان من الأعلام غير تامّ.

و قد عرفت: أنّه يكفي للتورّث عند العرف و العقلاء، و حسب القانون الإلهيّ كون شي ء ممّا تركه المورِّث؛ سواء كان معه شي ء آخر، أم لا، فلو مات و لم يكن له إلّا خيار في بيع فيورّث؛ لعموم القانون، و لفناء الموارد الجزئيّة النادرة في جنبه، نظير ما إذا مات و لم يكن عنده إلّا ثوب خلق، أو نعل عتيقة.

و من هنا تحصّل وجه فساد الخلاف في مورد إرث الزوجة خياراً،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 293

و عدم الخلاف في عدم تورّث الورثة المحجورين، أو في عدم خلافهم في مورد وجود الموانع، كالعتق، و الكفر، و القتل، فانّ في الكلّ نظراً و محلّ إشكال، و حلّ الجميع بعد اقتضاء العموم تورّث ما تركه و لو بإلغاء الخصوصيّة، و العلم الخارجيّ بعدم الفرق بين أنواع ما تركه يدور مدار المخصّص الشرعيّ، دون التخيّلات الباردة و الاستحسانات الممنوعة في الفقه الجعفريّ صلوات اللّٰه و سلامه عليه.

المسألة الثانية: عدم الفرق في كيفيّة التورّث بين الحقّ و الملك و لا بين الحقوق

قد تبيّن في السابق كيفيّة تورّث الحقوق، و اتضح ما هو الحقّ الذي لا محيص عنه، و لا سبيل إلىٰ توهّم اختلاف كيفيّة تورّث الأموال معها، كي يكون البحث حوله راجعاً إلىٰ وجه صحيح.

و قد عرفت: أن البحث كان على الوجه المزبور أليق و أحقّ،

و أنّ من مناشئ ممنوعيّة تورّث الحقّ إشكالًا في كيفيّة تورّثه؛ لأنّ ما هو الوجه الوحيد: هو أن يورّث الحقّ بوحدته الشخصيّة غير القابلة للتجزّؤ حتّى بالقياس إلىٰ مورده أحياناً، فلا بدّ من اختيار ممنوعيّة تورّثه، فما سلكه الشيخ «1» و أتباعه هنا في غير محلّه.

و غير خفيّ: أن حديث تورّث صِرْف وجود الوارث و طبيعيّ الوارث

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 291 292.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 294

الذي يرىٰ في كلمات القوم «1»، غير واقع في محلّه، كما تحرّر منّا في الأُصول؛ فإنّ صِرْف الوجود يعتبر في موارد لا يتكرّر الموضوع أو المتعلّق؛ لا عَرْضاً و لا طولًا، أو لا يتكرّر ادعاءً و اعتباراً، و إلّا فلو كان أوّل الوجود متكرّراً فهو ينافي الصرْفيّة، فلا تغفل، فليس من المحتملات هنا احتمال صِرْف الوجود، و قد مضى ما هو الحقّ فلا خير في إطالة الكلام حوله.

و أمّا توهّم اختلاف الخيارات في هذه المرحلة، كما ربّما يستظهر من اختلاف فتاوى العلّامة، فهو غير جائز، و اختلاف فتاويه ليس أمراً عزيزاً كي يدلّ على اختلاف الخيار عنده.

نعم، يجوز أن يتوهّم في خصوص خيار العيب كونه أمراً متعلّقاً أوّلًا بالخارج، و ثانياً بالعقد، و لكنّك عرفت أنّه علىٰ كلّ تقدير، يقبل الخيار التجزّي الاعتباري حسب الآثار، و ليس تجزّي الأمر الاعتباري من القسمة الفكّية؛ كي يتوهّم منعها في الحقّ، فلا تخلط.

المسألة الثالثة: لو فسخ أحد الورّاث و أمضى الآخر

لو سبق أحدهم إلى الفسخ، و الآخر إلى الإمضاء، فمقتضىٰ ما هو الحقّ أنّه لا يلزم مشكلة؛ لأنّ مجموعهم بما هو المجموع مورد الأثر فسخهم و إمضاؤهم.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 171/ السطر 11، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 264.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2،

ص: 295

نعم، في صورة كون الوارث من سبق إلى الفسخ أو الإمضاء، فسبق أحدهم إلىٰ أحدهما، و الآخر إلى الآخر، يشكل الأمر علىٰ مبنى القوم في باب الخيارات؛ من كون العقد متزلزلًا، و بالفسخ ينحلّ، و بالإمضاء يلزم.

و أمّا على ما هو الحقّ عندنا من: أنّ العقد لازم في عصر الخيار، إلّا أنّه يعتبر انحلاله بفسخ ذي الخيار، فالإمضاء بلا أثر.

و علىٰ كلّ تقدير: لا مشكلة علىٰ ما هو الحقّ في كيفيّة تورّثه، كما هو مختار جمع، و فيهم الشيخ العلّامة الأنصاريّ (قدّس سرّه) إلّا أنّه ظنّ عدم قابليّته القسمة «1»، مع أنّ الأمر ليس كذلك؛ فإنّ من أنواع القسمة هي القسمة الوهميّة، و لا بأس بها في باب التشريعيّات المبنيّة على التفكيك بين المستلزمات و البسائط، فاغتنم.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 291/ السطر 27، و: 292/ السطر 23.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 297

الثاني احتياج الفسخ إلى الآلة و السبب

اشارة

إنّ العقد سواء كان لازماً في زمن الخيار أو متزلزلًا، يحتاج فسخه إلى الآلة و السبب، فكما أنّ العقد المتزلزل يلزم بالالتزام النفسانيّ المستلزم ذلك لسقوط الخيار خارجاً، و يلزم بإسقاط الخيار خارجاً الملازم للالتزام النفسانيّ و الطيب العقلانيّ، و كان ذلك الالتزام النفسانيّ موجباً لسقوط الخيار خارجاً بينه و بين ربّه و إن لم يصدر منه قول أو فعل، و كان الخيار يسقط بالقول و الفعل الذي أراد بهما سقوط الخيار بينه و بين ربّه من غير اشتراط كون الفعل عقلائيّاً، أو القول متعارفاً، فهل في ناحية فسخ العقد و هدمه يكون الأمر كذلك، كي يكون بناؤه القلبيّ علىٰ هدم العقد و كراهته الباطنيّة بالنسبة إليه، موجباً لفسخ العقد خارجاً؟

و هكذا يكون كلّ فعل و قول و كلّ

مبرز و مظهر منه بينه و بين ربّه، كافياً لسقوط العقد و هدمه و حلّ العقد و إعدامه؟

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 298

أم لا يكون الأمر كذلك في هذه الناحية على الإطلاق؟

أو يكون هناك تفصيل؟

و غير خفيّ: أنّ في جميع موارد الشكّ بحسب مقام الثبوت، يرجع إلى الاستصحاب الحكميّ أو الموضوعيّ، بل يكفي مجرّد الشكّ في كفاية ترتّب أثر الاستصحاب؛ من غير حاجة إليه إلّا بالنسبة إلىٰ بعض الآثار.

كما أنّه ممّا لا ينبغي أن يختفي: أنّ الخلط بين مقام الثبوت و الإثبات في هذه المباحث، كثير الاتفاق؛ فإنّ صلاحية الفعل و قابليّة القول العامّة و العقلائيّة معتبرة في موارد التداعي و الخلاف، و في موارد الشكّ في الحال.

و أمّا احتمال اعتبار القول الخاصّ في سقوط الخيار، أو الأعراض الخاصّ في سقوط الملكيّة، أو الإبراز بالآلات الخاصّة في فسخ العقد، فهو ممنوع جدّاً، إلّا في موارد خاصّة تعبّداً، فهذه الآلات أوسع ممّا تخيّله القوم، فلو قال غافلًا: «أنكحت بيعي» مريداً به فسخ عقد بيعه ينفسخ البيع بالضرورة.

نعم، ربّما لا يتأتّىٰ منه القصد و الجدّ، فإنّه لا ينفع.

فما أفاده القوم هنا في غير محلّه، و من الخلط بين المراحل، و لذلك لو سُئل عن فسخ عقده، فأشار برأسه مصدّقاً ذلك، و مريداً به الفسخ حين الإشارة و التصديق يؤخذ به حتّى عرفاً.

إذا عرفت ذلك، فالحقّ في الصورتين عدم كفاية الكراهة الانفعاليّة، و عدم الطيب النفسانيّ الثبوتيّ للفسخ و الحلّ؛ و ذلك لأنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 299

العقد لازم عندنا، و موجود اعتباريّ خارجيّ يحتاج إلىٰ الآلة الهادمة و السبب المقتضي له في الاعتبار على كلّ تقدير، و تلك الأُمور النفسانيّة غير كافية؛

لا هنا، و لا في باب إسقاط الخيار.

نعم، يكفي في البابين اقترانهما بالمبرز المقصود به هدم ذلك العقد، أو تثبيته، و لا خصوصيّة في تلك الآلة الإبرازيّة.

فما في كلمات القوم من تعيين المبرز الخاصّ كالعرض للبيع، و الهبة غير المعوّضة، و أمثال ذلك «1» كلّه ناشئ من الخلط بين مرحلتي الثبوت و التداعي، فإنّ في مرحلة الثبوت أي بينه و بين ربّه يكفي كلّ شي ء أبرز به إرادته المتعلّقة بالفسخ، و أمّا في مرحلة الدعوىٰ و الادعاء فلا يسمع قول المدّعى؛ لكونه من الأسباب غير الموضوعة لغة، و من الأفعال غير المأنوسة عادة في أمثال هذا المقام، و عندئذٍ يختلف الآراء في آليّة الأُمور المذكورة في «المكاسب» للشيخ (رحمه اللّٰه) «2» و قد أطال الكلام حول ما لا ربط له بالمسألة.

و أمّا ما مرّ في مباحث سقوط الخيار بالرضا، فهو يؤيّد مسلكنا من أنّه لا بدّ من مبرز هو رضا منه ادعاء، أو هو محمول علىٰ صورة التداعي، ليكون عمله المتعارف المالكيّ ملازماً عاديّاً للالتزام المستلزم لسقوط الخيار، بخلاف المقام المذكور غير المحتاج إلىٰ مثله، و هو

______________________________

(1) لاحظ تذكرة الفقهاء 1: 538/ السطر 3، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 293/ السطر 33.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 293 294.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 300

كونه متعارفاً و عقلائيّاً.

حكم التصرّف بقصد الفسخ وضعاً

و علىٰ هذا يعلم: أنّ التصرّف فيما انتقل عنه تصرّفاً خارجيّاً بعنوان الفسخ، و بقصد حلّ العقد يوجب الانفساخ؛ سواء قلنا: بأنّه تصرّف محرّم، أو جائز؛ لأنّ حرمة التصرّف أجنبيّة عن الحكم الوضعيّ المترتب عليه.

نعم قد ذكرنا في الاصول: أنّ ترتّب هذا الحكم الوضعيّ على الفعل المحرّم، منوط بارتضاء الشرع؛ لإمكان منع الشرع عن التسبّب بمثله، و أنّه لا

يكفي المحرّم لفسخ العقد، و لا يصلح لذلك.

و علىٰ هذا يمتنع الجمع بين مبغوضيّة المحرّم، و مرضيّة التسبّب به. اللهمّ إلّا أن يقال بالترتّب، فيكون الحكم الوضعيّ مترتّباً على العصيان، و هذا غير موارد الترتّب المعروف بين الواجبين، أو المحرّم و الواجب التكليفيّين، و حيث إنّ الترتّب باطل، ففي جميع الموارد المشابهة يشكل إمضاء الشرع ما هو السبب المحرّم، فافهم.

أو يقال: بأنّ النسبة عموم من وجه؛ ضرورة أنّ المحرّم هو التصرّف، و المرضيّ للفسخ به هو العنوان العامّ المنطبق علىٰ بعض مصاديقه المحرّم، و حيث يجوز الجمع بين العنوانين المذكورين في واحد خارجيّ، فلا بأس به.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 301

بقي شي ء: حكم التصرّف بقصد الفسخ تكليفاً

و هو أنّ التصرّف المذكور هل هو حرام، أم لا؟ نظير تصرّف الواهب في الموهوب بعنوان الاسترجاع؛ ضرورة أنّ قصد الاسترجاع، غير كافٍ إلّا بعد لحوق الفعل الخارجيّ به، فيلزم ابتلاؤه بالمحرّم؛ لكونه في مال الغير.

نعم، في صورة ارتضاء الموهوب له و المشتري، لا يلزم حرام.

و ما في كلام بعضهم: من أنّ دليل حرمة التصرّف في مال الغير، منصرف عن الموردين و أشباههما، غير تامّ، و لا سيّما بعد نصّ المشتري و الموهوب له بعدم رضاه.

نعم، هنا وجه آخر: و هو أنّ التصرّف مقدّم رتبة على الفسخ، فيكون بحسب الزمان تصرّفاً في ماله قهراً.

و بعبارة أخرى: ربّما يكون التصرّف الفاسخ زمانيّاً، فيكون أوّله محرّماً؛ لأنّ الفسخ يحصل بما ينطبق على الزمان، فيترتّب عليه ترتّب الحكم علىٰ موضوعه، أو المسبّب و المعلول الاعتباريّ على سببه و علّته الاعتباريّة.

و أُخرى: يكون آنيّاً عرفاً أو عقلًا، فيشترك زمان الفسخ و التصرّف و لو كان طوليّين رتبةً، فإنّه في هذه الصورة لا يلزم حرام، نظير البيع

المعاطاتيّ، فإنّ الارتضاء بالبيع غير الرضا بالتصرّف في العين، ففي موارد المبادلة و أخذ العين، يكون الأخذ متعلّقاً بمال البائع، إلّا أنّه في

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 302

رتبة الأخذ لا تحصل ملكيّتها للمشتري، و لكن أخذه بحسب الزمان متّحد مع زمان الملكيّة، فيكون تصرّفه في ملكه، و قد مرّ شطر من الكلام حوله في المعاطاة، فتأمّل جدّاً.

و غير خفيّ: أنّه كما يقع بحسب الزمان تصرّفه في ملكه، يقع حين الفسخ تصرّفه في ملك المشتري؛ لأنّ الفسخ المتخلّل بين ملكيّة البائع الطارئة و ملكيّة المشتري الموجودة، ليس زمانيّاً، و لازمه كون الواحد ملكاً لنفرين، و هو مشكل آخر.

و يمكن دعوى: أنّ ما هو المحرّم هو التصرّف، و هو التحوّل الحاصل من التماسّ المستمرّ في الجملة، و الفسخ يحصل من أوّل وجود التماسّ، فإنّ العقد متعلّق بفعل ما هو الفاسخ، فاغتنم.

أو يقال: إنّ الفاسخ هو القصد المتعقّب بالفعل؛ أي ما يتعقّبه بحسب واقع التعقّب، لا الفعل المحض، و لا القصد الخالص كي يشكل، و علىٰ هذا يحصل الفسخ بالقصد المذكور، فتأمّل.

مسألة: حكم التصرّف الاعتباري بقصد الفسخ وضعاً

لو تصرّف البائع ذو الخيار بالتصرّفات الاعتباريّة، كالبيع و نحوه، مريداً به الفسخ و البيع، فهل يقع به العنوانان: الفسخ، و البيع، أو لا يقع به كلاهما، أو يقع الفسخ دون البيع، أم البيع دون الفسخ، إلّا أنّه يصير شبه الفضوليّ، و يكون من مصاديق «من باع ثمّ ملك»؟ وجوه، بل أقوال.

و الأوّل أشبه؛ ضرورة أنّ البيع المسبّبي لا يحصل إلّا بتمام السبب،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 303

و الفسخ يحصل بالقصد و الإبراز بذلك القول، و هذا هو حكم العرف و العقلاء، و أنّهم يرون في مثله و أشباهه أنّه فسخ

عقده الأوّل بمجرّد الشروع في بيع مورد الخيار و العقد الثاني، و قد عرفت كفاية مطلق المبرز المتسبّب به إلى الفسخ «1».

و لعلّ مرام صاحب «الإيضاح» أيضاً ذلك «2» قدّس اللّٰه نفسه الزكيّة-، و قد سلكنا مسلكه في موارد عديدة في هذا الكتاب، و حينما وصلنا إلىٰ هذه المسألة التفتنا إلىٰ مقالته، و هو أحسن شاهد لنا في التأكيد لهذه المقالة.

و في قبالنا من يدّعي بطلانهما؛ نظراً إلىٰ أنّ الفسخ لا يحصل إلّا بالأسباب العرفيّة العقلائيّة، كما هو مرام القوم فيما مرّ «3»، و علىٰ هذا يصير البيع في غير محلّه، و لا يمكن الفسخ بعد ذلك؛ لظهور فعله التسبّبي في إسقاط الخيار، فإنّ المتعارف عند العقلاء الفسخ أوّلًا بألفاظه، ثمّ التصرّف ثانياً، فالتصرّف المذكور شاهد علىٰ أنّه كان يرى نفسه منقطعاً عن العين، فيعلم سقوط خياره. و الحمل على الغفلة علىٰ خلاف الأصل.

و ربّما يقال: إنّ الفسخ بصيغة البيع القابلة لإنشاء الفسخ بها مجازاً ممكن، و يعدّ من المجاز الجائز و لو لم يكن متعارفاً. و الكلام

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 299.

(2) إيضاح الفوائد 1: 488.

(3) تقدّم في الصفحة 299.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 304

ليس حول الشكّ في مراد البائع ذي الخيار، فإنّه بحث آخر يأتي إن شاء اللّٰه تعالىٰ «1»، و البيع بصيغة جائز، و يقع علىٰ نعت الحقيقة، فهناك إنشاءان و منشآن باستعمال واحد: مجاز، و حقيقة.

نعم، حصول الملكيّة عقيب البيع بحكم العقلاء، منوط بحصول النقل إلى البائع بالفسخ في الرتبة المتقدّمة، و حيث إنّ عمل البائع الذي هو ذو الخيار و لو كان واحداً، و لكن حكم العقلاء بحصول الملكيّة مراعى بالحكم الآخر، و هذا ممّا لا يستلزم المحال؛

و هو استعمال الواحد في المعنيين الطوليّين، كي يقال بامتناعه هنا.

و أمّا صحّة البيع، فليست هي منوطة بتقدّم المالكية عليه زماناً، بل يكفي التقارن؛ لعدم دلالة الأخبار الخاصّة المعروفة ك «لا بيع إلّا في ملك» «2» أو «لا عتق إلّا في ملك» «3» و هكذا إلّا على المقارنة، دون السبق الزمانيّ، كما هو الظاهر من جملة منهم، كالشيخ و غيره «4».

فالفسخ يحصل بتمام البيع، كما أنّ البيع كذلك. و لو كان ماهيّة البيع مركّبة من الإيجاب و القبول، فيكفي بالقطع صيغة الإيجاب

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 307.

(2) عوالي اللآلي 2: 247/ 16، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 22: 31، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 12، الحديث 1، و 23: 16، كتاب العتق، الباب 5، الحديث 6.

(4) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 294 295، منية الطالب 2: 166/ السطر 7 8.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 305

للفسخ، دون الجزء الأوّل و هو «الباء» أو الجزء المتجزّئ.

أقول: لو كان الجزء الأوّل غير عقلائيّ، و غيرَ كافٍ للفسخ، فالبيع مثله؛ لأنّه من الغلط، لا المجاز، كما هو الواضح، فعليه لا يحصل به الفسخ، فلا يصحّ البيع.

و أمّا جعل البيع كاشفاً عن الفسخ السابق بالآلات الصالحة، فهو خروج عن محطّ البحث هنا، بل هو يقع في صورة الشكّ في مراد البائع، كما سيمرّ عليك.

و في المقام بعض دقائق أُخر غير لائقة بالفقه، مثل حديث الجزء غير المتجزّئ، و الجوهر الفرد الواقع في كلام الشيخ «1»، مع أنّه في غير محلّه أساساً؛ ضرورة أنّ ما هو الجزء المتجزّئ بالقسمة الفكّية، أو غير المتجزّئ بها، يصلح لأن يكون

مدار التفصيل بين حصول الفسخ و عدمه، لا القسمة الوهميّة كما نحن فيه، فإنّ الزمان و ما ينطبق عليه لا يقبل القسمة الفكّية، فألفاظ البيع من الحركة المنطبقة عليه، فلا تخلط.

هذا مع أنّ مبدأ هذه الحركة إن كان كافياً للفسخ، لا يكون كافياً لحصول الملكيّة إلّا بعد تمام الكلام، فلا فرق بين المتجزّئ و عدمه فيما هو المقصود.

فبالجملة تحصّل: أنّ الأمر إمّا دائر بين حصول الفسخ و الملكيّة، و بين بطلانهما، و الأوّل متعيّن، و وجه تعيّنه ما عرفت، دون الوجه الأخير

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 295/ السطر 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 306

الذي كان مبتكرة السيّد المحقّق الوالد مدّ ظلّه- «1».

و ممّا ذكرناه يظهر: أنّ الدور المتوهّم «2» و لو كان بشكل الدور الحقيقيّ؛ نظراً إلى امتناع حصول الجدّ إلى إحداث الملكيّة بالبيع، مع توقّفها على الفسخ المترتّب عليه مالكيّة البائع، و لكنّه غير تامّ من وجوه، أظهرها أنّ النقل بالفسخ يحصل في الزمان السابق على الوجه الذي عرفت، و إذا كان البائع ملتفتاً إلىٰ حصول الملكيّة به يتمكّن من الإرادة الجدّية.

هذا مع أنّه لو كان النقل إلى البائع مقارناً لصحّة البيع، يكون شرط الصحّة حاصلًا حين البيع، و هو كافٍ.

بقي شي ء: في مقارنة الملكية و النقل

و هو أنّ الفسخ بالجزء المتقدّم زماناً ممّا لا بأس به، فتحصل الملكيّة في الزمان المتقدّم على البيع.

و أمّا لو كان حصول الملكيّة مقارناً مع حصول النقل، فهو مستحيل؛ لأنّ مالكيّة البائع بالفسخ، و لا مالكيّة البائع بالبيع، لا يعقل أن يكونا في زمان واحد؛ سواء قلنا: بأنّ البيع و صيغته سبب الملكيّة، أو قلنا: إنّهما

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 285.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 294/ السطر 31،

البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 283.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 307

موضوع حكم العقلاء؛ فإنّه لا يعقل الحكم بالمالكيّة و اللّامالكيّة بالنسبة إلىٰ شي ء واحد في زمان واحد.

و يمكن حلّه: بأنّ مالكيّته حقيقة في ذلك الزمان، و لا مالكيّته إنشائيّة فيه، و يصير حقيقيّا بعده، و ليس هذا من الفضوليّ، و لا من مصاديق «من باع ثمّ ملك» و لا يعتبر أكثر من ذلك في صحّة البيع، فتأمّل.

و من هنا يظهر حكم الإيقاعات، كالوقف، و العتق، و بعض صور العقود علىٰ بعض المباني، فإنّه و إن أشكل الإيقاع لأجل أنّ التحرير و الوقف، لا بدّ و أن لا يكون متوقّفاً علىٰ شي ء في الأثر، أو في حكم العقلاء يترتّب الأثر، إلّا أنّه ينحلّ ذلك بأنّ الملكيّة المعتبرة تحصل بعد الإنشاء قهراً، و تخرج بحكم العقلاء.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّه لا يعتبر البقاء في الإيقاع، بخلاف العقد، فإنّه لإمكان حلّه و لو بالإقالة يعتبر بقاؤه، و أمّا الإيقاع فلا بقاء له، و لا خصوصيّة للإيقاع في مسألتنا هذه، فعليه لا تنحلّ المشكلة فيها إلّا علىٰ ما سلكناه من حدوث النقل بمجرّد التلبّس بالإيقاع، و يحصل التحرير بعد الفراغ عنه، فاغتنم.

تتميم: حكم الشكّ في قصد ذي الخيار من التصرّف

لو باع ذو الخيار، أو آجر العين التي باعها قبل ذلك، و كان له الخيار، و شكّ في أنّه أراد بالبيع الثاني الفسخ، أم باع فضولًا، أو فسخ قبل ذلك ثمّ باع، ففيه وجوه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 308

فمن جهة، كون الفسخ بالبيع غير عقلائيّ و عاديّ.

و من جهة أنّ الفضوليّ غير صحيح، يلزم القول بالكشف.

و يحتمل أن يقال: بأنّ الفسخ بالبيع و لو كان غير عقلائيّ، إلّا أنّ أصالة الصحّة

لا تقتضي كون البيع جامعاً لجميع الشرائط اللازمة بعد ما يكون صورة البيع و هو بيع العين المذكورة معلومة، نظير الصلاة نحو جهة خاصّة يشكّ في أنّها قبلة، فإنّه لا تجري قاعدة الفراغ و أصالة الصحّة.

و لو استشكل في ذلك من جهة جريان القاعدة؛ نظراً إلىٰ أنّ ما هو المعلوم هي الصلاة نحو تلك الجهة، أو بيع العين المعيّنة، و لكن لمّا كان البائع و المصلّي حسب الفرض و الاحتمال ملتفتاً إلىٰ تطبيق الشرائط اللازمة في الخارج، فلا بدّ من كشف الفسخ من حيث صحّة البيع المستكشف به الملكيّة، كما يكشف به صحّة الصلاة المأتيّ بها، و لا يكشف به القبلة.

يمكن المناقشة في أنّ أصالة الصحّة، ليست إلّا أصلًا عقلائيّاً، و بيع الفضوليّ و إن لم يكن صحيحاً فعليّاً، و لكن لا برهان علىٰ بناء العقلاء على الصحّة الفعليّة التي يكون منشأ الشكّ فيها الشكّ في الإرادة مع كثرة الفضوليّات.

و ما قيل: من أصالة الظهور في غير الفضوليّة «1»، أو أصالة عدم

______________________________

(1) لاحظ البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 277، الخيارات، المحقّق الأراكي: 561.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 309

الفضوليّة كما في كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» و بعض آخر «2» تقتضي الفسخ؛ لدلالة الاقتضاء العقلائيّ، غير واضح كبراها. و لو أُريد بها الاستصحاب فهو عندهم أهون. مع معارضته بمثله لو سلّم جريانه الذاتيّ، فلا تغفل.

هذا في صورة احتمال الكشف؛ كي تكون الاحتمالات ثلاثة.

و أمّا لو احتملت الفضوليّة أو الأصليّة، و أراد بالبيع فسخ العقد الأوّل، فإن قلنا بالامتناع فلا سبيل، و إن قلنا بالإمكان فتأتي فيه الوجوه المشار إليها، و القولان: من الحمل علىٰ الإرادتين الفسخ و البيع أو البيع فقط فيكون

فضوليّاً.

و أمّا دعوى: أنّه يلزم عليه في مرحلة التداعي و الاختلاف، أنّه أراد المعنيين؛ للظهور، حيث إنّ في بيع الفضوليّ يعتبر القيد الزائد، و عند الإطلاق محمول على الأصيل، فهي باطلة في المسألة؛ لأنّ المفروض أنّه قد باع ملك الغير، و أراد أن يصير به ملك نفسه، فالقول بأنّه يعتبر القيد الزائد هنا في إفادة الأصيليّة أولىٰ.

و لو لم يمكن كشف الفضوليّة و الأصلية بمقتضىٰ الأُصول العقلائيّة و الشرعيّة، فهل تقع هذه الصيغة باطلة بالمرّة، أم يمكن أن تصير صحيحاً بالإجازة بعد ما فسخ؟ وجهان لو لم نقل: بأنّ البيع المذكور دليل علىٰ إسقاط الخيار، كما أُشير إليه فيما سلف، فإنّه عندئذٍ قابلة للتصحيح بناءً علىٰ صحّة «من باع ثمّ ملك» كما مرّ تفصيله، و قوّينا صحّته

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 294/ السطر 8.

(2) جامع المقاصد 4: 310 311، المكاسب، الشيخ الأنصاري: 294/ السطر 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 310

حسب الصناعة.

و ممّا لا ينبغي أن يخفىٰ: أنّ في كلام بعض المشايخ نقل الإجماع في بعض فروض هذه المسائل، و هو من الإجماعات المبتنية علىٰ القواعد المحرّرة عند مدّعيها، كما نرىٰ في كثير من الإجماعات المدّعاة في المسائل الأُصوليّة و الفروع النادرة، أو هو من الإجماع المنقول غير المؤيّد بما يدرجه في الحجج الشرعيّة، فلا تخلط.

هذا كلّه حول بيع ذي الخيار بالصيغة.

تذنيب: حكم بيع ذي الخيار معاطاة

و أمّا لو باع معاطاة، فهل يمكن دعوى: أن قضيّة حمل فعل المسلم على الصحّة و صيانته عن المحرّم، هي صحّة البيع و أصالته، أم لا يمكن؛ لأنّ الحرام يقع علىٰ كلّ تقدير، كما هو مختار الوالد المحقّق مدّ ظلّه- «1» أو أنّه و لو يمكن أن لا يقع الحرام، إلّا أنّ

تلك الأخبار «2» لا تدلّ علىٰ أكثر من عدم الحمل على الفساد بترتيب آثاره، كما تحرر في الأُصول «3»؟

و يجوز دعوى: أنّه و إن كان في غير الأفعال الاعتباريّة من الإيقاعات و العقود و أمثالهما لا تجري أصالة الصحّة الموجبة

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 281.

(2) لاحظ حول الأخبار الدالّة على أصالة الصحّة إلى الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 359 360.

(3) تحريرات في الأُصول 7: 367.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 311

لترتّب آثارها عليها، و ما هو الجاري في الأفعال الخارجيّة هو أصل عدم الفساد، و لكنّ المفروض هنا إرادته التسبيب بالمعاطاة التي تجري فيها أصالة الصحّة بالضرورة، و هو القدر المتيقّن من موردها و من جريانها، فإن قلنا: بأنّ الحرام ممّا لا بدّ منه، فلا يمكن كشف شي ء بأخبار الحمل علىٰ عدم الفساد.

و إن قلنا بإمكان عدم وقوع الحرام منه، فربّما يمكن توهّم: أنّ حمل فعله علىٰ عدم الفساد، يستلزم صحّة تصرّفه وضعاً.

اللهمّ إلّا أن يفكّك بين الآثار، فتبقى مثلًا عدالته علىٰ حالها، و مع ذلك لا يكشف به صحّة البيع المعاطاتيّ، و هذا التفكيك جائز في مرحلة التعبّد.

نعم، لو قلنا: بأنّ مفاد تلك الأخبار التعبّد بالأمارة علىٰ عدم الفساد، فلازمه ذلك، كما لا يخفىٰ.

و بالجملة: تصير النتيجة بقاء العين في ملك المشتري، و عدم صحّة الفسخ و لا البيع؛ لعدم دليل علىٰ إحراز اشتغاله بالتصرّف بعنوان الفسخ و المعاطاة. مع أنّ مقتضى الاستصحاب، عدم إرادته ذلك أيضاً.

فرع: إذا وقف أحد المتعاملين كلا العوضين معاً
اشارة

فيما إذا تبادل زيد و عمرو كتابيهما «التهذيب» و «الاستبصار» و كان لزيد خيار فسخ المبادلة، فإنّه كما يجوز له في هذه الصورة وقف «الاستبصار» مريداً به أيضاً إمضاء البيع و سقوط خياره؛

و إن لم يكن

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 312

إليه حاجة في صحّة الوقف، لما لا يعتبر أكثر من الملكيّة المذكورة فيها، و لا سيّما علىٰ ما أبدعناه؛ من أنّه ليس للملك المتزلزل أساس إلّا ما يتصوّر في البيع اللازم القابل للإقالة و البيع الخياريّ، كالبيع الإقاليّ، فإنّه بيع لازم يمكن هدمه، و لكن لا يعتبر رضا الطرف؛ لحكم الشرع به تأسيساً أو إمضاء.

كذلك يجوز له وقف «التهذيب» مريداً به فسخ المبادلة؛ لأنّه بمجرّد إرادة الفسخ و إبراز ذلك بالوقف، تحصل الملكيّة المعتبرة في صحّة الوقف.

و إنّما الكلام في المقام حول ما إذا أوقفهما معاً في زمان واحد، أو أوقف زيد كتاب «التهذيب» و وكيله كتاب «الاستبصار» و كان فسخ وكيله نافذاً؛ لكونه وكيلًا له على الإطلاق، فإنّ هناك مناقضة في الصورة؛ ضرورة أنّ مقتضىٰ وقفه و إرادته الإمضاء بقاء العقد، و مقتضى وقف وكيله انحلاله، فهل يقعان باطلين، و يقع وقف «الإستبصار» أيضاً باطلًا زائداً علىٰ بطلان الفسخ و الإبرام، أم يقع الوقف صحيحاً، أو يقع الفسخ و وقف «التهذيب» صحيحين، دون الإبرام و وقف «الاستبصار» أم بالعكس؟

أو المسألة تختلف حسب اختلاف المباني؟ ضرورة أنّه لو قلنا بلزوم الأسباب الخاصّة العقلائيّة في بابي الفسخ و الإمضاء، فلا يقع كلّ منهما؛ لأنّ ألفاظ الوقف غير صالحة، فيكون وقف «الاستبصار» صحيحاً كما مرّ.

و إن قلنا بذلك كبرويّاً، و اخترنا أنّها صالحة صغرويّاً؛ لكونه من المجاز الجائز مع القرينة، دون بعض الألفاظ، فإنّه غير جائز، فإنّه

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 313

عندئذٍ يشكل الأمر؛ لامتناع صلاحية كلّ من الوقفين للصحّة و الموضوعيّة للأثر المطلوب امتناعاً ناشئاً من الوحدة في مصبّهما؛ و هو التبادل

المذكور، لأنّه لا يمكن أن يكون باقياً و منحلا في زمان واحد، فلا بدّ من اختيار أحدهما ترجيحاً لجانب واحد منهما على الآخر، أو اختيار بطلانهما.

تحرير المسألة
اشارة

و حيث إنّ المسألة قليلة الجدوى و إن كانت تحتاج إلى التحرير المنتهى أحياناً إلىٰ رسالة علىٰ حِدة؛ لما فيها من الجوانب المختلفة، و لاشتمالها علىٰ إمكان المداقّات العقليّة و الذوقيّة العرفيّة فنشير إلىٰ ما هو الأشبه بالقواعد؛ بعد عدم وجود حجّة خاصّة في البين:

جواز وقوع الفسخ و بقاء العقد ثبوتاً

اعلم: أنّه يجوز بحسب مقام الثبوت أي التصوّر الالتزام تعبّداً بالفسخ و البقاء؛ لاختلاف الموقوف عليهم في الاجتهاد و التقليد، نظير المبادلة الواقعة بين شيئين، المحرّمة عند أحدهما، و الصحيحة عند الآخر، فإنّ كلّ واحد من المتعاقدين يذهب إلىٰ مرامه، و يترتّب عليه الآثار؛ علىٰ إشكال محرّر في كتاب التقليد و الاجتهاد «1»، و هكذا في مسألة

______________________________

(1) لاحظ تحرير العروة الوثقى: 26 27، و تعليقة على العروة الوثقى للمؤلّف (قدّس سرّه): 34.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 314

عتق العبد و الجارية؛ لإمكان كون الوكيل مقلّداً لمن أوجب عليه الوفاء بالوقف بتسليم «التهذيب» و الجارية.

نعم، في صورة اتفاق النظر، أو وحدة الواقف و الموقوف عليه، يلزم الإشكال علىٰ وجهٍ لا يمكن حلّه؛ حتّى بالاعتبار الذي كان يمكن به حلّ مشكلة الفضوليّ، فإنّه هناك كان العقد في زمان واحد معدوماً، و بعد لحوق الإجازة ينقلب في الاعتبار من الأوّل، إلّا أنّه كان في الزمان المتأخّر.

و هذا هنا أيضاً غير متصوّر إلّا بحسب التعبّد بالآثار؛ و هو أنّ الوقف في الجانبين صحيح ممضى، إلّا أنّه يجب على الواقف تحصيل ملكيّة الموقوف و تسليمه، كما تحرّر منّا في الفضوليّ «1»، و ذكرنا أنّ بيع الفضوليّ جزئيّاً شخصيّاً كبيع الأصيل، و كبيعه الكلّي، فإنّه كما يجب هناك تحصيله و تحويله، كذلك الأمر هنا.

نعم، لا يدري أنّه يجب عليه تحصيل «التهذيب» أو «الإستبصار» كما

لا يخفىٰ، فيحتاج إلى المصالحة مع عمرو في حلّ المشكلة من هذه الجهة، فالعقد ليس معلوم الحال، و لا نحتاج إلىٰ معلوميّة حاله بعد صحّة الوقف علىٰ كلّ حال، و صحّة العتق على التقديرين، و لزوم الوفاء به بتحصيل الشرائط الدخيلة في اتفاقهما و وقفهما؛ على الوجه القابل للتسليم إلى الموقوف عليه. هذا بحسب التصوّر.

حكم المسألة بحسب مقام الإثبات

و أمّا بحسب الموازين العرفيّة و الفقه الساذج البسيط المتبع

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 2: 113.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 315

فتقع المزاحمة، إلّا أنّ المزاحمة هنا غير المزاحمة في باب التكاليف؛ فإنّ المزاحمة هنا ترجع إلىٰ الشكّ في صحّة الإيقاع المذكور؛ لعدم دليل عليها علىٰ وجه يشمل المقام، فيكون العقد باقياً علىٰ حاله و وقف «الاستبصار» صحيحاً قطعاً.

و لا تصل النوبة إلى الشكّ في بقاء العقد؛ لحكم العقلاء بالصحّة و اللزوم، و إلّا فجريان الاستصحاب محلّ المناقشة حكمّياً و موضوعيّاً؛ و لو كان جارياً في ذاته، و لكنّه غير محتاج إليه، فما تمسّك به الشيخ «1» و أتباعه رضي اللّٰه عنهم في مثل المقام غير صحيح، و غير تامّ.

و توهّم بقاءِ الخيار بعد كونه مريداً به الإمضاء، بلا وجه؛ لما تحرّر من كفاية مطلق الآلات للإنشاء في مرحلة الثبوت.

نعم، في مرحلة التداعي و المرافعة ليس الأمر كذلك، كما تحرّر تفصيله مراراً.

و لو كانت المزاحمة هنا من قبيل ما هو المصطلح عليه في باب التكاليف، فكما تكون المنافاة و عدم إمكان الجمع، موجودة بين الحلّ و الإبرام، تكون موجودة بين الحلّ و صحّة الوقف.

و مجرّد كون الوقف و العتق في عَرْض الإبرام، أثراً مترتّباً علىٰ صيغة وقف «الاستبصار» دون الوقف و الفسخ؛ فإنّ الوقف في جانب «التهذيب» في

طول الفسخ؛ لما لا يمكن إلّا بعد حصول الملكيّة، بخلاف

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 295/ السطر 24.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 316

جانب الإمضاء، فإنّ الملكيّة الكافية حاصلة، غير كافٍ و إن أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه- «1» مع أنّ ظاهر بعضهم اعتبار الملكيّة المستقرّة في العتق، خلافاً لصريح الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «2» و لإطلاق «لا عتق إلّا عن ملك» «3».

و أمّا وجه عدم الكفاية، فلما أُشير إليه من أنّ المناط واحد، و حديث الحيثيّة الذاتيّة و العرضيّة «4» هنا غلط؛ فإنّ الكلّ عرضيّة، ضرورة أنّ ما هو المتنافي حقيقة هو المتناقضان، و ما هو المراد من المتنافيين ما لا يمكن الجمع بينهما، و هو هنا حاصل.

مقتضى الأُصول العمليّة

و أمّا التمسّك بالاستصحابين: استصحاب عدم تحقّق الفسخ، و عدم تحقّق الإبرام المتعارضين، فتصل النوبة إلى استصحاب بقاء الملكيّة في جانب «الاستبصار» فيصحّ الوقف و العتق، فهو في غير محلّه.

أمّا عندنا؛ فلما عرفت من الحكم بالبطلان، لقصور الأدلّة عن شمول مثل هذا المورد، فيكون العلم الإجماليّ مفقوداً، فلا يجريان حتّى

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 288.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 156/ السطر 3.

(3) وسائل الشيعة 22: 31، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 12، الحديث 1، و 23: 16، كتاب العتق، الباب 5، الحديث 6.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 176/ السطر 36.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 317

يتعارضا؛ لا هما، و لا استصحاب الملكيّة.

و أمّا على القول بصحّة أحدهما من الفسخ، أو الإبرام فاستصحاب عدم تحقّق الفسخ كما يعارض استصحاب عدم تحقّق الإبرام، يعارض عدم تحقّق وقف «الاستبصار» و لا يعتبر في معارضة الأصلين وحدة المضمون و المصبّ مع أنّ

جريان كلّ واحد منهما في حدّ ذاته محلّ مناقشة.

فبالجملة: جميع الأُصول المتوهّمة هنا الطوليّة غير نافعة؛ بناءً على المزاحمة. و بناءً علىٰ بطلان الفسخ و الإبرام كما هو الأظهر و الأشبه تجري أصالة صحّة الوقف و العتق من ناحية زيد الذي هو مالك «الاستبصار» و لا تزاحمه أصالة الصحّة في وقف «التهذيب» لأنّه علىٰ كلّ تقدير فضوليّ.

بقي شي ء: في كلام السيّد اليزدي (رحمه اللّٰه)

قال الفقيه اليزديّ: «إنّ العتق بالنسبة إلى الجارية و العبد صحيح» «1».

و نتيجة كلامه (رحمه اللّٰه) صحّة وقف «التهذيبين» فيما اخترناه مثالًا للمسألة؛ و ذلك لأنّ شرط صحّة الوقفين و هي الملكيّة حين صيغة الوقف حاصل؛ ضرورة أنّ في زمان السبب محلّ العقد و الإبرام واحد، و زمان الانفساخ و ملكيّة زيد «للتهذيبين» واحد، و الترتّب عقليّ، فشرط

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 156/ السطر 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 318

صحّتهما حاصل، إلّا أنّه بالنسبة إلىٰ وقف «الاستبصار» ضامن؛ لأنّه يشبه التلف حين القبض.

و غير خفي: أنّه يلزم علىٰ صحّة هذا اجتماع العوض و المعوّض في البيع، و اجتماع المالكين علىٰ ملك واحد؛ ضرورة أنّ البيع سبب النقل، أو موضوع، فإذا تمّ البيع يحصل النقل المسبّبي في زمان واحد، فيكون كلّ من العوضين في ذلك الزمان، ملكاً لكلّ من المتعاقدين بالضرورة؛ قضاءً لحقّ الترتّب العقليّ الخارج عن الزمان بين السبب و المسبّب، فيكون المسبّب من الطرفين مجتمعين في الزمان الأوّل، و متفرّقين في الثاني، و لازمه ما ذكرناه.

و الحلّ: أنّ الملكيّة من الاعتبارات العقليّة المبنية على الأفهام العرفيّة، لا التأثير و التأثّر العقليّين، فلا تعتبر ملكيّة العوضين معاً لهما عَرْضاً على الوجه الذي يلزم ذلك، بل البيع: زمان الخروج و الدخول و لو كان واحداً،

و لكن لأعلى وجه يكون كلّ منهما مالكاً في الزمان الأوّل حتّى يشكل الأمر و إن لم يمتنع.

و لا يقاس ما نحن فيه بالإتلاف حين الفسخ؛ لأنّ الفسخ علىٰ كلّ تقدير جائز و لو بعد الإتلاف، إلّا في موارد التعبّد؛ حسبما هو المعروف عنهم، و ذكرناه مراراً، و أمّا في موارد التعبّد فيشكل الأمر؛ حيث إنّ الإتلاف يقتضي الإبرام، و الفسخ خلافه، و حيث هو خلاف القاعدة، فأدلّة اقتضاء الإتلاف لا تشمل المورد، كما هو الظاهر، فتدبّر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 319

و غير خفيّ: أنّ ما أفاده الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «1» و إن كان مربوطاً ببعض صور المسألة، إلّا أنّه يأتي في هذه الصورة الرئيسيّة.

و ممّا ذكرنا يظهر حكم سائر الصور، و لا نطيل الكلام بذكرها، أو ذكر المباني المختلفة في المسألة؛ فإنّه من الإطالة المنهيّة.

بقي شي ء آخر: عدم الفرق في المسألة بين كون أحدهما ذا الخيار أو كليهما

إنّ ما هو مورد كلام القوم؛ صورة كون زيد له الخيار، فلو كان لعمرو خيار، أو لهما الخيار، فتأتي في هاتين الصورتين الصور المذكورة على المباني المختلفة، و قد تبيّن لمن هو أهله ما هو حلّ لمشكلة المسألة، و أيضاً ما هو مشكلة ثبوتاً و إثباتاً. مع أنّ التصرف في مورد خيار الطرف في عصر الخيار، محلّ بحث يأتي من ذي قِبَل إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 156/ السطر 2.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 321

الثالث ممنوعيّة غير ذي الخيار في مورد العقد عن التصرّف

اشارة

و حيث إنّ محلّ النزاع يحتاج إلى التحرير، نشير إليه في الجملة.

تحرير محلّ النزاع

لا بحث هنا في سببية العقد لحصول النقل و الملكيّة، و لا في اشتراط سببيته بمضيّ مدّة الخيار، كي يقال: بأنّ الممنوعيّة حسب القاعدة، بل المفروض حصول الملكية بالمعاطاة، أو العقد اللفظيّ، و سيأتي حكم سببيّة العقد و تماميّته لموضوعيّة حكم العقلاء بحصول الملكيّة في البحث الآتي.

و كان ينبغي البحث الآتي مقدّماً علىٰ هذه المسألة، كما هو

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 322

الواضح، كي لا يقع السيّد المحشي (رحمه اللّٰه) «1» في الإطالة، و لا الشيخ «2» في المخمصة أيضاً، فالبحث ممحّض في أنّ الخيار و حقّه يمنع عن التصرّف، أم لا. هذا أوّلًا.

و ثانياً: لا يختصّ في الجهة المبحوث عنها هنا بتصرّفات غير ذي الخيار في العين، بل تصرّفات ذي الخيار في موارد لا توجب سقوطَ الخيار مورد الكلام؛ لأنّ بعض الوجوه المانعة للأوّل عن التصرّف يمنع الثاني أيضاً؛ و ذلك لأنّ إبطال مورد العقد، ثمّ الفسخ علىٰ وجه لا يتمكّن من ردّ العين، إجحاف ممنوع.

تحقيق المسألة

ثمّ إنّ المسألة خلافيّة غير إجماعيّة، فلو وصلنا فيها إلىٰ إبداع نظر جديد حسبما عندنا فلا بأس به؛ فإنّ الأقوال كثيرة؛ فجماعة على المنع «3»، و جماعة على الجواز «4»، و إن كان المعروف عن السابقين هو الأوّل، و جماعة مفصّلون بين أنحاء التصرّفات الخارجيّة و الاعتباريّة، أو التفصيل بين الخيارات، بل ربّما يكون خيار ردّ الثمن خارجاً عن محطّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 157/ السطر 17.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 269.

(3) المبسوط 2: 96، الجامع للشرائع: 248، قواعد الأحكام: 144/ السطر 9.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 514/ السطر 17، الدروس الشرعيّة 3: 302.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 323

الحث؛ للاتفاق نصّاً و رأياً و

غرضاً و جعلًا «1»، و التفصيل بين التصرّفات المتلفة و غيرها «2»، أو بين الناقلة اللازمة و الجائزة وضعاً أو حكماً، و من ذلك العتق، بل و الوقف علىٰ بعض الوجوه، فإنّه الفكّ، كالمسجد و نحوه، أو القول باختصاص العتق بالمنع فقط، كما عن بعضهم «3».

إذا عرفت هذه الجهات الوجيزة، فالذي يظهر لي و هو الأشبه إلىٰ نظر العقلاء و العرف: أنّه بعد ثبوت الملكيّة فالمنع يحتاج إلىٰ دليل، و إلّا فقضيّة القواعد العقلائيّة و الشرعيّة جواز جميع التصرّفات؛ لعدم الحالة المنتظرة.

إن قلت: لا نسلّم ذلك؛ لأنّ الملكيّة عندهم متزلزلة، و إذا كانت كذلك فلا دليل علىٰ جواز التصرّف في المتزلزل على العموم؛ لأنّ البناء العرفيّ العقلائيّ لبّي، و هو له القدر المتيقّن بعد ما لا إطلاق له ظاهراً، و لا أقلّ من الشبهة و الشكّ، فالقاعدة تمنع.

نعم، خصوص إطلاق أمثال أخبار خاصّة في مثل

لا بيع إلّا في ملك «4»

أو «لا هبة إلّا عن ملك» أو

لا عتق إلّا في ملك «5»

و لا «وقف إلّا عن ملك» و هكذا، تشهد على الإطلاق؛ لصحّة هذه الأُمور. مع إمكان دعوى

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 296/ السطر 28.

(2) لاحظ نفس المصدر: 296/ السطر 16.

(3) لم نعثر على هذا القول، لاحظ منية الطالب 2: 167/ السطر 2.

(4) تقدّم في الصفحة 304.

(5) نفس المصدر.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 324

إجمالها؛ لاحتمال كون «الميم» مضموماً، كي يشتمل تصرّفات الأولياء و الحاكم الشرعيّ، و يكون ذو الخيار مورد الشكّ في أنّ له الملك و السلطنة.

قلت: نعم، هذا علىٰ ما هو المعروف عنهم، و أمّا ما هو الثابت عندنا فإنّ الملكيّة لا معنى لتزلزلها الحقيقيّ، و التزلزل الاعتباريّ بمعنى قابليّتها

للهدم فهو في جميع العقود اللازمة؛ لإمكان الإقالة أوّلًا، و لزوالها بالتورّث و النقل ثانياً و ثالثاً، فلا أساس للملكيّة المتزلزلة، و لا العقد الموصوف بالخياريّة.

إلّا أنّ للعاقد هدم العقد و إعدامه بالاختيار الثابت له شرعاً، كالإقالة المشروطة برضا الطرف، فالعقد في زمان الخيار لازم، كالعقد في زمان لا خيار فيه و هكذا؛ لحصولها و هي السلطنة في بعض الأحيان، و الملكية في بعض الأحيان، أو هما معاً في الثالث، بل ربّما لا يعتبر جميع هذه الأُمور، كما عرفت في كتاب البيع «1».

فعلى هذا، لا بدّ من تحرير جهة تؤدّي إلى المنع، و إلّا فقاعدة السلطنة العقلائيّة الممضاة محكّمة.

وجوه المنع عن التصرّف
اشارة

و ما يمكن أن يعدّ وجهاً للمنع أُمور

______________________________

(1) انظر تحريرات في الفقه، البيع 1: 11 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 325

الأوّل: الوجه العقليّ
اشارة

و هو أنّ التصرّف المتلف في عصر الخيار تلفاً خارجيّاً، أو اعتباريّاً غير قابل للحلّ يوجب سقوط خيار ذي الخيار؛ ضرورة أنّ متعلّق الخيار و موضوعه إمّا العين بلا وساطة، كما هو الظاهر من جمع «1»، و هو المستفاد من أدلّة خيار العيب، أو هو متعلّق بالعقد المتعلّق بها، فإذا انعدمت ينعدم الخيار طبعاً، و هو ممنوع عقلًا و شرعاً، و تعجيز لصاحب حقّ عن حقّه، و تصرّف في متعلّق حقّ الغير، و لا سيّما إذا تعلّق بالعين بلا واسطة.

و من هنا يظهر ما في كلام الشيخ و أتباعه: من أنّ الخيار متعلّق بالعقد «2»؛ ضرورة أنّ العقد متعلّق به، و لا يعقل بقاء العقد المتعلّق بالعين، فلا خيار بعد التلف أو الإتلاف؛ لأنّ تعلّقه بها إضافة خارجيّة، لا ذهنيّة، و لا ملكوتيّة، فكيف يعقل بقاء المتعلِّق بالكسر مع فناء المتعلَّق؟! كما لا يعقل بقاء الحكم بلا موضوع في الاعتبار، و بقاء العرض بلا موضوع في التكوين.

و أعجب من هذا التوهّم دعوى: أنّ العقد متعلّق أوّلًا و بالذات

______________________________

(1) منية الطالب 2: 167/ السطر 17.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 214/ السطر 2، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 143، حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 2/ السطر 4.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 326

بالشخص، و ثانياً بالنوعيّة، و ثالثاً بالماليّة «1»!! و هذا مضافاً إلىٰ عدم حلّ المشكلة به لامتناع انتقال العرض و التعليق من شي ء إلىٰ شي ء، و ليست المسألة عرفيّة مسامحيّة أنّه كلام أشبه بالشعر و التخيّلات، كما مرّ تفصيله بحدوده في

باب الضمانات «2».

و لعلّ ما أفاده الوالد المحقّق «3» في أمثال هذه المواقف، كما مرّ، و استند إليه هنا لحلّ المشكلة، و لتجويز جميع التصرّفات أقرب بافق التحقيق.

و لكنّه مع الأسف غير تامّ؛ لأنّ البيع الإيقاعي المشترك فيه الفضوليّ و الأصيل، ليس يتوقّع منه إلّا النقل الإنشائيّ، دون النقل الواقعيّ الاعتباريّ، فإنّ موضوعه البيع الواقعي، و هو البيع الملحوق به رضا الطرف، و الفسخ و الخيار المتعلّق بمثل هذا العقد الإنشائيّ، ليس إلّا الفسخ الإيقاعيّ غير المنافي لملكيّة أحد و حقّ ذي حقّ، كما أنّ بيع الفضوليّ لا ينافي ملكيّة مالك العين، فعلى هذا لا يلزم هدم متعلّق حقّ الغير؛ و هو العين الخارجيّة؛ لأنّ بيع الفضولي كما لا ينافي حقّ الغير حلّ فسخ العقد إيقاعاً لا واقعاً أيضاً مثله، و بهذا تنحلّ المشاكل علىٰ عمومها، و يجوز التصرّف علىٰ أنحائه.

و فيه: مضافاً إلىٰ أنّ هناك سؤالًا باقياً عن نحو إضافة العقد إلى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 179/ السطر 12.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 1: 220 234.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 292 293.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 327

العين الشخصيّة الخارجيّة باقياً؛ ضرورة أنّ المعدوم المطلق كما لا يقبل تلك الإضافة الإيقاعيّة حدوثاً، لا يعقل بعد هدم العين بقاؤها أنّ ما أفاده يستتبع كون الفسخ من الأوّل؛ لأنّه يريد بذلك أنّ العقد في ظرف وجوده باقٍ، فلا وجود استمراريّ إلّا إلىٰ حدّ استمرار العين مثلًا، فيلزم الفسخ من حين انهدام العين، لأمن الأوّل، و لا من الحين في هذه الصورة، مع أنّه غير ملتزم به.

و أنّ الفسخ من المالك و ذي الخيار لا يقاس بالفضوليّ؛ فإنّ الفضوليّ غير مالك، فلا

ينتقل بعقده شي ء، و لكنّ الفاسخ أصيل، و لازمه حلّ العقد الإيقاعيّ الموضوع للوقوع، و هو غير ميسور.

و لو صحّ ما أفاده (قدّس سرّه) فالمسألة تشبه هدم العقد الفضوليّ بالردّ من قِبل المالك، و قد مرّ أنّه قد أنكره «1»، بل لا يعقل إعدام الاعتبار الحاصل من عمل الفضوليّ.

و بالجملة: ما هو أساس الشبهة غير منحلّ بعدُ، مع ما يتوجّه إلىٰ تقريبه، و لعلّه أفاد ما لا يصل إليه فهمي القاصر، فراجع.

في التسبيب إلى إفناء خيار الغير

ثمّ إنّه لو سلّمنا جميع ذلك، هل يجوز التسبيب إلىٰ إفناء حقّ الغير بحكم العقلاء و إن لم يكن فسخه تصرّفاً في حقّ الغير، و لكنّه تسبيب إليه قهراً و طبعاً، و هو إجحاف ممنوع ظاهراً؟

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 211.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 328

و الذي يظهر لي أوّلًا: أنّ ممنوعية التصرّف في متعلّق حقّ الغير، غير ثابتة على الإطلاق، و لا سيّما في مثل المقام الذي يرجع إلىٰ إعدام موضوعه، فتارة: يتصرّف في حقّ الغير كحقّ التحجير، فإنّه باقٍ، و لا يضمحلّ بتصرّفه، بخلافه، فلا دليل كبرويّاً على الممنوعيّة في أمثال المسألة.

و بعبارة اخرىٰ: كان حقّه استرجاع ملك المشتري إلىٰ ملكه، و لا موضوع و هو ملك المشتري، و لو عدّ ذلك أيضاً من التسبيب فلا كبرىٰ علىٰ ممنوعيّة مثله.

و ثانياً: أنّ حقّ الخيار غير متعلّق إلّا بذي الخيار؛ و أنّ العقد لازم، و لذي الخيار هدم العقد من الأوّل، أو من الوسط، أو من الحين، و لا تعيّن قهريّ عليه إلّا بدليل شرعيّ، كما أنّ الأمر من هذه الجهة كذلك في باب إجازة الفضوليّ.

و أمّا فناء العقد بفناء العين و عدمه، فهو أمر آخر أجنبيّ على

مسلكنا بالمرّة؛ لأنّ الخيار غير متعلّق بالعقد و بالعين، و إلّا فلا يورّث، بل هو لذي الخيار و قائم به، و ليس له طرق إلّا حين الفسخ، فإنّه في تلك البرهة يحتاج إلىٰ ملاحظة العقد لفسخه، فلا تخلط.

و حديث خيار الأجنبيّ، ليس إلّا خيار المتعاقدين و فسخ الأجنبيّ، فيكونان كالمحجورين عن مالهم و ملكهم و حقّهم فاغتنم، و لذلك ذكرنا تورّثه حسب القاعدة، خلافاً للأكثر «1».

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 293/ السطر 19.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 329

و قد تحرّر في محلّه «1»؛ أنّ حديث بقاء العقد لجواز إقالته بعد فناء العينين، فضلًا عن العين الواحدة صحيح باعتبار من العقلاء بالنسبة إلىٰ إمكان إشارتهم إلى العين؛ لوجودها في خزانة أنفسهم، كما في البيوع الكلّية، و لكنّها إشارة إلىٰ ما في الخارج، غافلين عن انعدامه حين الإشارة، كي لا يلزم الفسخ من الأوّل مثلًا، فيعتبر نحو بقاء لهما في الاعتبار؛ نظراً إلى الآثار المترتّبة عليه، فإنّ وعاء الاعتبار أوسع من وعاء الخارج.

فعلى ما تحصّل إلىٰ هنا تبيّن: أنّ ما هو الوجه الأصيل للمنع غير وجيه، و اتضح أنّ جميع التصرّفات جائزة، حسب القواعد.

نعم، يبقى البحث حول مسائل بعد فسخ ذي الخيار، فإنّه لا منع من التفكيك بين جواز التصرّف في العين بالهبة مثلًا، و وجوب الاسترداد بعد فسخ ذي الخيار، و هكذا بالنسبة إلىٰ سائر التصرّفات الاعتباريّة اللازمة و غير اللازمة، فلا تخلط.

الثاني: عدم ثبوت دليل على جواز التصرّف

أنّ مجرّد السلطنة الاعتباريّة و الملكيّة الثابتة بالعقد، لا تستلزم جواز التصرّف؛ ضرورة أنّ الوليّ يشتري للمولّىٰ عليه شيئاً، و يصير ملكاً له، و لا يجوز للمحجور التصرّف فيه. فعلى هذا يمكن دعوى قصور دليل جواز التصرّف في زمان الخيار؛ لأنّ قاعدة

السلطنة لا

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، البيع 1: 138 139.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 330

أساس لها شرعاً، و من المبتكرات الأخيرة، و ليست عليها الحجّة، و بناء العقلاء لبّي، و القدر المتيقّن منه غير المقام، فتصرّف غير ذي الخيار في العين أيّام الخيار، يحتاج إلىٰ دليل و لو كان مالكاً بالملكيّة التامّة.

و توهّم شهرة قاعدة

الناس مسلّطون علىٰ أموالهم «1»

بين الأقدمين، في غير محلّه، كما تحرّر في كتاب البيع «2»، فليراجع.

قلت: لو سلّمنا ذلك، و أنكرنا التلازم العقلائيّ بين جواز التصرّف و الملكيّة، و أنّ التفكيك يحتاج إلىٰ دليل، كما في موارد الحجر، فلا منع من التمسّك بأدلّة إباحة التصرّف «3»، و قاعدة الحلّ «4»، و حديث الرفع «5»، إلّا أنّها لا تفي بصحّة التصرّفات الاعتبارية، و لكن بعد جواز

______________________________

(1) بحار الأنوار 2: 272/ 7.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 1: 63 64.

(3) مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة.

الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(4) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه.

الفقيه 3: 216/ 1002،

وسائل الشيعة 17: 87 88، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1، و أيضاً من هذا الباب الحديث 4.

(5) قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ و النسيان، و ما اكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكّر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، الباب 56، الحديث 1.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 331

التصرّف ظاهراً، يمكن تصحيح التصرّفات الاعتباريّة بإطلاق أدلّتها؛ في صورة ثبوت الإطلاق، نظراً إلىٰ قاعدة الملازمة بين صدق «البيع» و «الصلح» و «الهبة» و بين نفوذها حسب إطلاق أدلّتها مثلًا.

و ربّما يتخيّل أنّ دليل قاعدة اليد «1»، يقتضي جواز التصرّف الخارجيّ و الاعتباريّ، فإنّ قوله (عليه السّلام)

من استولىٰ علىٰ شي ء فهو له

«2» بصدد ذلك عرفاً.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّها قاعدة مضروبة لظرف الشكّ في الملكيّة؛ بعد ثبوت الاستيلاء العرفيّ.

و أمّا حديث جواز التصرّف في الملك، فهو أجنبيّ عنه؛ و إن كان لازم التعبّد بكونه له جواز التصرّف، إلّا أنّه لا إطلاق له حتّى ينفعنا في

______________________________

(1) حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له؟ قال: نعم، الحديث.

الكافي 7: 387/ 1، تهذيب الأحكام 6: 261/ 695، وسائل الشيعة 27: 292، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم و أحكام الدعوى، الباب 25، الحديث 2.

(2) عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في امرأة تموت قبل الرجل، أو رجل قبل المرأة، قال:

ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، و ما كان من متاع الرجال و النساء فهو بينهما، و من استولى على شي ء منه فهو له.

تهذيب الأحكام 9: 302/ 1079، وسائل الشيعة 26: 216، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 8، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 332

المقام، فلا تخلط.

ثمّ إنّ ما هو المفروض؛ هو تصرّف غير ذي الخيار في عصر الخيار، فلا يشمل البحث مثل خيار المجلس، إلّا إذا أسقط أحدهما خياره.

و أمّا مثل خيار العيب و الغبن و الرؤية، فربّما يتوهّم عدم انطباق عنوان البحث عليه؛ ضرورة أنّه يثبت بعد اطلاع ذي الخيار، و إذا اطلع عليه و يكون فوريّا، يصير البحث قليل الجدوى.

و فيه: مضافاً إلىٰ ما مرّ من ثبوته علىٰ الإطلاق أنّه لا تنافي الفوريّة وقوع تصرّف غير ذي الخيار في زمان الخيار؛ لأنّ الفوريّة عرفيّة، لا عقليّة، و سيجي ء إن شاء اللّٰه تتمّة البحث حوله.

الثالث: ظهور جعل الخيار هو الممنوعيّة عن التصرّف

هذا يختصّ بخيار الشرط، فإنّ الظاهر من اشتراط الخيار إلىٰ مدّة كذا؛ هو أن يكون الشارط مقتدراً على استرداد العين و ماله إلىٰ ملكه بردّ الثمن مثلًا، فكما لو اشترط ممنوعيّة تصرّفه يمنع عنه، كذلك الأمر هنا و فيه أوّلًا: أنّ الاستظهار المذكور لا يفيد إلّا في مرحلة الدعوىٰ، دون الواقع؛ لعدم الملازمة بين شرط الخيار و الرضا بالتصرّف في العين، لتمكّنه من الرجوع إليه بالبدل.

و ثانياً: لا يستلزم الاشتراط إلّا الخيار، و لا يتبع الخيار إلّا الاقتدار علىٰ حلّ العقد، و أمّا الممنوعيّة عن التصرّف في العين علىٰ وجه التكليف، فلا معنىٰ لها إلّا برجوعها إلى الوجه الأوّل، و هو ممنوع؛ لأنّ

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 333

المفروض اشتراط

الخيار في العقد.

و أمّا علىٰ وجه الوضع، فمع التصريح بمنع التصرّف، لا يلزم منه بطلان التصرّفات الاعتباريّة، كما مرّ تفصيله في البحوث الماضية.

نعم، التصرّف الخارجيّ يصير في صورة التصريح، ممنوعاً شرعاً أو عقلًا، إذا قلنا: بأنّ اشتراط منع التصرّف لا يستتبع إلّا الوفاء بالشرط، و هو لا يحصل إلّا بترك التصرّف، فنفس التصرّف جائز ذاتاً، كما مرّ بعض الكلام حوله.

و علىٰ ما أوضحناه يظهر وجه ضعف ما في كلام الأصحاب، و فيهم الشيخ (رحمه اللّٰه) حيث قال: «و أمّا الخيارات المجعولة بالشرط، فالظاهر من اشتراطها إرادة إبقاء الملك ليسترد عند الفسخ.» «1» إلىٰ آخره.

كما يظهر وجه ممنوعيّة التصرّف في أيّام الخيار في خيار اشتراط ردّ الثمن؛ لأنّ المفروض فيه و المفروغ عنه هناك، وجود العين حين الفسخ. و لكن بطلان التصرّفات الاعتباريّة، محلّ مناقشة؛ بعد كون العين مملوكة الطرف و التصرّف على الإطلاق.

أو يقال: إنّه لا حاجة في صحّة البيع و أمثاله إلىٰ أكثر من مطلق الملكيّة، و لا يعتبر الملكيّة المطلقة، و قد مرّ منّا في تصرّف الراهن أنّ حقّ الرهن لا يمنع عن صحّة البيع و نحوه، كما لا تمنع الإجارة، و تصير النتيجة انتقال العين القابلة للعود إلىٰ صاحب الخيار مثلًا، فلا فرق بين قصور المقتضي، و وجود المانع و حقّ الغير؛ في إمكان تصحيح

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 296/ السطر 29.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 334

التصرّفات الاعتباريّة، دون الخارجيّة، فلا تخلط.

و من هنا يظهر: أنّه لا يحصل فرق بين كون العقد مورد حقّ الخيار، أو العين من هذه الجهة.

مع أنّ التحقيق: أنّ الخيار ليس إلّا اعتباراً ثابتاً لذي الخيار، و مورد إعماله العقد حقيقة، و العين مجازاً و مسامحة،

و أخبار المسألة تشهد علىٰ ما ذكرنا؛ فإنّ قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

البيّعان بالخيار «1»

أو

صاحب الحيوان بالخيار «2»

و هكذا في بعض الخيارات الأُخر «3»، ظاهر بل صريح في أنّ الخيار بيد المتعاقدين، و حقيقة الخيار هو الاقتدار في الاعتبار على هدم معنى لازم ذاتاً، كما عرفت، فما في كلام جماعة هنا و فيهم العلّامة الإيروانيّ «4» خالٍ من التحصيل جدّاً.

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيّعان بالخيار حتّى يفترقا.

الكافي 5: 170/ 4، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 2، و أيضاً في هذا الباب الحديث 1.

(2) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): البيّعان بالخيار حتّى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام.

الكافي 5: 170/ 5، وسائل الشيعة 18: 5، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 18: 27، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 14، الحديث 1.

(4) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 75/ السطر 7.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 335

بقي شي ء: الفرق بين الخيارات

إنّ في مثل خيار العيب في صورة علم الطرف بالعيب، و جهل الآخر به؛ و أنّه ثابت له الخيار و لو كان جاهلًا، لا منع عن تصرّف الطرف في العين و النقود مثلًا، لأنّ ظاهر أخبار خيار العيب و لو كان رجوعه إلىٰ ثمنه، أو الأخذ بالأرش، إلّا أنّ المراد فيها هي النقود المتعارفة، و هي كلّية أوّلًا، و متشخّصة ثانياً، و ما كان كذلك لا يوجب خيار المشتري، منعَه عن التصرّف التكليفيّ و الخارجيّ و الوضعيّ

الاعتباريّ حسب فهم العقلاء، و هكذا في مثل خيار الغبن.

فالتفصيل بين أنحاء البيع؛ بأن لا يجوز التصرّف في المعاوضات، و يجوز التصرّف في صورة كون الطرف كلّياً، و هكذا على الثاني بين كون الثمن من النقود، أو من الأجناس و الأمتعة، فيجوز في الأوّل؛ لأنّ النظر فيه إلى الأعمّ، و لا يجوز في الثاني؛ لتشخّص الثمن بالقبض، فلو باع الحنطة بالشعير كلّياً، و كانت الحنطة معيبة، و الشعير صحيحاً، لا يجوز التصرّف فيه؛ لتشخّص الثمن فيه، و تصير كالمعاوضة، و هكذا سائر التفصيلات فكلّها خالٍ من التحصيل و لو كانت ذات صورة صناعيّة علميّة، إلّا أنّها خارجة عن أُفق الاعتبار و العرف قطعاً.

و من هنا يظهر حكم الغابن العارف بالغبن، و أيضاً يظهر إمكان تجويز التصرّف الخارجيّ فضلًا عن الاعتباريّ في صورة اشتراط منع الطرف عن التصرّف، إذا كان المتاع من الأمتعة التي لها المثل

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 336

و المماثل في السوق؛ علىٰ وجه لا يكون بينه و بينها فرق أيّ فرق، كما في الأمتعة العصريّة الخارجة من المكائن، فإنّ بناء العقلاء علىٰ إلغاء الشخصيّة في الملكيّة، و قد مرّ شطر من البحث حول ذلك في باب الضمانات، و الالتزام به لا يخلو من إشكال.

تذنيب: في عدم الفرق بين الخيارات

قد عرفت إمكان تجويز التصرّف حتّى في صورة كون الخيار منجّزاً فعليّاً، كالمجلس، و الحيوان، و بعض الشروط. كما عرفت وجه إمكان المنع حتّى في موارد الخيارات التي توجد بعد العقد و القبض؛ من جهة قصور المقتضي، كما تحرّر في الوجه الثاني، و ذلك مثل خيار الغبن و الرؤية و العيب على القول بأنّ الاطلاع سبب، و ليس كاشفاً و منجّزاً.

و هكذا ما كان من قبيل

خيار التفليس، فإنّه يكشف بعد وقوعه فسادُ التصرّفات الاعتباريّة، و الضمانُ بالنسبة إلى التصرّفات الخارجيّة.

و لكن كلّ ذلك مجرّد توهّم وقع في كلام بعض من قارب عصرنا؛ ضرورة أنّ اشتراط الخيار في الوقت المتأخّر، يكون من قبيل الواجب المعلّق، فيكون الخيار فعليّاً، و الاشتراطُ علىٰ نحو الوجوب المشروط، يستلزم الجهالة. مع أنّ الوجه الأوّل و الثاني الراجعين إلىٰ وجود المانع و قصور المقتضي غير تامّين صناعة، ففي هذه الموارد جواز التصرّف أوضح و أقرب.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 337

و أمّا في مثل خيار الغبن و العيب و أمثالهما، فيمكن دعوى السببيّة الراجعة إلىٰ إحداث الخيار من الأوّل، كما مرّ تفصيله، و هذا غير الكشف في الفضوليّ علىٰ ما يتوهّم أحياناً. هذا كلّه حسب الصناعة العلميّة.

و أمّا حسب الأفهام البدويّة و الروايات الخاصّة، فبالنظر إلى الثانية فالأظهر أنّ المتعارف في عصر تلك الأخبار، هو كون الثمن من النقود، و من لا خيار له حسب المتعارف صاحب النقود، فالروايات علىٰ فرض ظهورها في شي ء يرجع إلى المنع يكون موضوع مسألتنا خارجاً عنها.

و أمّا بالنظر إلى الأُولىٰ، فربّما تختلف الخيارات؛ ففي مثل خيار الشرط و لو كان في زمان متأخّر، و خيار العيب و الغبن و غيرهما، إذا كان الطرف عالماً بالعيب و الغبن، و في خيار المجلس و الحيوان في صورة كون أحدهما ذي الخيار، دون الآخر؛ إمّا لإسقاطه، كما في خيار المجلس، أو لكون أحد العوضين حيواناً يكون المنع قويّاً، و في غيرها يكون الجواز أقرب و أشبه؛ من غير فرق بين أنحاء التصرّفات الخارجيّة و الاعتباريّة، فليتدبّر جيّداً.

و لو تصرّف علىٰ وجه الإتلاف، فبهذه النظرة أيضاً لا يبعد سقوط الخيار عرفاً؛ لما لا

موضوع له باقٍ.

و ما عرفت فهو مجرّد تصوير الإمكان لإبقاء العقد مع تلف العين، و إلّا فالخيار هو اختيار ذي الخيار في حلّ العقد و هدمه، و حيث لا عين فلا عقد عرفاً.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 338

و لو تصوّرنا العقد فالفسخ من الأوّل، لا من الحين؛ كلّ ذلك حسب الأفهام البدويّة البسيطة، و الأمر إليك.

تنبيهات
التنبيه الأوّل: حكم إتلاف غير ذي الخيار الممنوع عن التصرّف

لو أتلف غير ذي الخيار مورد العقد، مع كونه ممنوعاً مثلًا عن التصرّف شرعاً و عرفاً، فهل هو مأخوذ عقاباً و تكليفاً، و لا وضع، أم هو ضامن للعين مع أنّها ملكه، أم عليه جبران ما يردّ علىٰ ذي الخيار علىٰ فرض الفسخ؟

و يظهر من موضع من كلام الشيخ (رحمه اللّٰه) «1» نقلًا عن ابن سعيد «2»، ما يرتبط بهذه المسألة.

فبالجملة: هل القائلون بالمنع يقولون بضمان المثل أو القيمة؛ بعد إقرارهم بتصرّفه في ملكه، إلّا أنّه يشبه تصرّف الراهن، فيكون البدل بحكم المبدل منه في صورة فسخ العقد، و يكون العقد الأوّل باطلًا من وجه، و باقياً باعتبار بقاء البدل في ذمّته، فيردّ إليه إذا فسخ ذو الخيار، كما يكون البدل رهناً؟

و الإشكال العقلي مشترك في البابين، و ينحلّ بالنظر العرفيّ؛

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 295/ السطر 34، و: 296/ السطر 11.

(2) الجامع للشرائع: 248.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 339

ضرورة أنّ العين في عقد الرهن ركن و متعلّق في الإيجاب و القبول، و مع هذا ذهب المشهور إلىٰ عدم بطلانه بإتلاف العين و إلى تعلّق الرهن بالبدل و الثمن «1».

أم القائلون بالمنع يمنعون عن التصرّف تكليفاً فقط؟

أو هم يعتقدون بطلان العقد بالإتلاف، دون النقل و لو كان لازماً، فلا يكون بعد التلف مورد لفسخ العقد؛ حتّى

يكون غير ذي الخيار، ضامناً بالفسخ بالنسبة إلى البدل؟

و الذي هو الأظهر إلىٰ فهم العرف و إن كان مخالفاً لمقتضى الصناعة، أنّ العقد المتعلّق بالعين الشخصيّة و إن كان يبطل ببطلان العين و تلفها، إلّا أنّ ما هو المبيع في صورة وجود المماثل الوحيد هو المماثل عرفاً، و في صورة تعدّده أو عدم وجوده يكون كلّياً، فيكون العقد باقياً ببقاء المماثل.

و بهذا تنحلّ المشكلة التي مرّت في أوّل الوجوه الثلاثة في هذه المسألة «2»، و يقبل الفسخ، فإذا فسخه يرجع إليه العين، و يكون الفسخ من الحين.

فالقائل بالمنع يقول بالفسخ حتّى بعد الإتلاف، كما أشرنا إليه آنفاً، حيث قالوا به في إتلاف العين المرهونة، و ما ذلك إلّا لأجل توافق العرف و الارتكاز، دون العقل غير الصالح للمرجعيّة في المسائل

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 5: 196/ السطر 11 12، جواهر الكلام 25: 248.

(2) تقدّم في الصفحة 325.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 340

العقلائيّة، و الأحكام الشرعيّة.

و لو قيل: لا فرق بين القوانين في أنّ الفسخ يوجب ضمان البدل بعد تعذّر العين، فعلى هذا يكون القول بالمنع ناظراً إلى التكليف الصرْف.

قلنا: نعم، إلّا أنّه على القول بالمنع يمكن دعوى الضمان قبل الفسخ، و مقتضى القول المذكور، نقل حقّ الخيار المتعلّق بالمبيع الشخصيّ إلىٰ مماثله، كما في الرهن، و لا يلزم ذلك على القول بالجواز، فلا تغفل.

التنبيه الثاني: حكم ما إذا نقل العين مع بقاء الخيار
اشارة

في موارد نقل العين و بقاء الخيار؛ سواء قلنا بالمنع، أو الجواز، فإن قلنا بنقل حقّ الخيار إلى العين الموجودة المماثلة، فتردّ هي بعد الفسخ.

و إن قلنا بنقله إلى الكلّي، فيردّ البدل، و لا وجه لإلزام ذي الخيار من تصرّف في العين باسترداد العين المبتاعة الشخصيّة إليه بعد الفسخ، كما

هو الواضح.

و أمّا على القول الآخر و هو بقاء حقّ الفسخ؛ لبقاء العقد، و لا ينتقل حقّ الخيار إلى المماثل خارجاً ففي المسألة وجوه و أقول:

من وجوب ردّ العين و لو بالابتياع، و إذا تعذّر فيردّ البدل.

و من انكشاف بطلان العقود المتأخرة؛ لازمة كانت، أو جائزة، فتردّ العين بعد الفسخ إلىٰ ذي الخيار.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 341

و من انفساخ العقود المذكورة و لو كانت لازمة.

و من التفصيل بين النقل اللازم، و الجائز؛ بوجوب استرداد العين في الثاني بفسخ العقد الخياريّ، أو الجائز الحكميّ، و وجوب البدل.

و من وجوب البدل من أوّل الأمر، دون العين.

و من وجوب ردّ العين، و كفاية النقل و لو كان جائزاً للعذر، فيردّ البدل، و يكون المدار علىٰ قيمة يوم الأداء، و قد مرّ شطر من البحث حول المسألة في خيار الغبن «1»، و في باب ضمان اليد «2».

و الذي هو التحقيق عندي حسبما تحرّر: أنّ العقد في عصر الخيار لازم، و ذا الخيار يجوز وضعاً أن يهدم العقد و تلك العقدة الاعتباريّة، و أنّ حقيقة الفسخ و إعمال الخيار ليس إلّا هدم العقد، و حلَّ تلك العقدة و المبادلة في الاعتبار؛ من غير الحاجة إلى التصرّف الخارجيّ. بل لا يجوز للفاسخ بعد الفسخ التصرّف في العين، كما كان الأمر كذلك بعد العقد؛ لأنّ لكلّ منهما حقّ حبس العين ما دام الآخر لا يردّها، فاسترداد العين ليس إلّا استرداداً إنشائيّاً و اعتباريّاً.

فما يظهر من جمع و منهم الفقيه اليزديّ؛ من أنّ حقيقة الفسخ حلّ العقد علىٰ وجه يقتضي ردّ العين «3»، في غير محلّة؛ لأنّ الفسخ ليس له الاقتضاء، بل هو تخريب العقد و حلّ العقدة فقط، و

أمّا ردّ العين أو البدل

______________________________

(1) من المؤسف له أنّ هذه المباحث من الكتاب مفقودة.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 1: 246 و ما بعدها.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 159/ السطر 30.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 342

فهو من الأحكام العقلائيّة الكلّية المترتّبة عليه، كسائر القضايا العقلائية الاعتباريّة.

و الذي هو من تلك الأحكام؛ هو أنّه كما في العقد يكون الحكم العقلائيّ الكلّيّ، أنّ من باع شيئاً من زيد، يكون ذلك الشي ء لزيد بعد استجماع البيع لشرائطه، كذلك في الفسخ يكون الفسخ موجباً لحلّ العقد، و إذا حلّ العقد يجب بحكم العقلاء ردّ العين إلىٰ مالكها الأوّلي في صورة الإمكان، إلّا أنّه ليس نقل العين الشخصيّة؛ و لو كان نقلًا لازماً عذراً إذا تمكّن من الاشتراء و الردّ.

نعم، إذا لم يتمكّن من ذلك، كما في العتق و الوقف عندنا؛ حتّى الوقف الخاصّ، أو في موارد لا يمكن تحصيلها، فعليه البدل، و المدار علىٰ قيمة يوم الطلب، كما مرّ في باب الضمانات.

و أمّا حديث انكشاف بطلان العقود الطارئة، أو انفساخها، أو الفسخ أوّلًا، ثمّ فسخ العقد الأوّل ثانياً، فكلّه من الأباطيل و لو أمكن ثبوتاً.

و غير خفيّ: أنّ صاحب «الجواهر» عليه الرحمة «1» إن كان يقول بالكشف، فهو من قبيل الكشف الانقلابيّ؛ لقوله بجواز التصرّف واقعاً في العين، لا ظاهراً، فلا تغفل.

و بالجملة: في موارد نقل العين، لا تردّ العين حتّى تلزم الإشكالات، و لا يعتبر وجودها الثاني، أو الماخوليائيّ و الحور قليائيّ، بل يعتبر لزوم ردّ العين التي وقع عليها ذلك العقد المنفسخ، و في صورة التمكّن

______________________________

(1) جواهر الكلام 22: 286 287، و 23: 48 و 70.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 343

العاديّ

لا يردّ البدل.

نعم، في صورة التعذّر تصل النوبة إلىٰ بدل الحيلولة، أم لا؟ فيه احتمالان، و ما في كلام الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) «1» لا يفي لإحداث الفرق بين ما نحن فيه، و باب الغصب و التلف الحكميّ، كالغرق في البحر إذا كان يرتجىٰ عوده، و بناء العقلاء على الأعمّ، فلو باع من لا خيار له، ثمّ فسخ ذو الخيار، و كان البيع الثاني فيه الخيار للبائع يفسخه، و عليه بدل الحيلولة إلىٰ أن تردّ العين، و إذا تعذّرت عرفاً على الإطلاق فعليه البدل، و هكذا إذا يرتجىٰ تمكّنه من الاشتراء.

و كلّ ذلك لاتحاد ما نحن فيه و باب الغصب؛ في أنّ منشأ الحكم ببدل الحيلولة، هو حكم العقلاء بوجوب ردّ العين الشخصيّة إذا تمكّن؛ سواء كانت هي ملكاً للأجنبيّ، أو ملكاً لمن له البدل، فتأمّل.

ثمّ إنّه ممّا لا يخفى: أنّ حديث كون الفسخ من الحين لا من الأصل، بحث يحتاج إلىٰ عقد مستقلّ، و لو لا الإجماع أو الدليل فالأقرب أنّ الأمر بيد الفاسخ، كما كان الأمر كذلك في مسألة إجازة الفضوليّ عندنا «2».

فرع: لو كان العقد الثاني بين من لا خيار له و بين ذي الخيار

فقضيّة الصناعة عدم الفرق بينه و بين الأجنبيّ، و لا يستلزم علم ذي الخيار بتصرّفه الناقل سقوط خياره، و لا رضاه بذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 297/ السطر 5 9.

(2) تحريرات في الفقه، البيع 2: 129.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 344

و تظهر الثمرة في الثمن؛ و اختلاف قيمة العين في زمان البيع الثاني و زمان اشترائه من ذي الخيار لنقله ثانياً إليه.

اللهمّ إلّا أن يقال: أمثال هذه الأُمور تشهد علىٰ عدم بقاء الخيار بمجرّد تلف العين موضوعاً و حكماً مطلقاً؛ حتّى في مثل خيار الشرط في

صورة استفادة اقتضائه بقاءَ العين مدّة الشرط، أو إلىٰ زمان الشرط و انقضائه لأنّ تخلّفه لا يورث إلّا الإثم، فافهم.

التنبيه الثالث: في صحّة إجارة من لا خيار له
اشاره

في جواز إجارة من لا خيار له و صحّتها خلاف، فمن قائل بالبطلان من الأوّل، و من قائل بالبطلان بعد فسخ ذي الخيار، و من قائل بالصحّة مطلقاً.

و يحتمل التفصيل بين الموارد؛ حيث إنّه ربّما تقتضي الإجارة تسليط المستأجر و تسليم العين إليه، و ربّما لا تكون كذلك، كما هو المعروف عنهم في الأكثر، فيصحّ في الثاني دون الأوّل.

و قيل: لا يحتمل صحّة الإجارة، إلّا أنّ المؤجر إلىٰ زمان الفسخ، هو المشتري مثلًا، و بعد الفسخ هو البائع الفاسخ، فيكون المسمّى بينهما على التقسيط.

و قيل: بضمان من لا خيار له بالنسبة إلى المنفعة و قيمة المثل، دون المسمّى.

و يحتمل قويّاً عدم الضمان و صحّة الإجارة مطلقاً؛ أي من الأوّل إلى

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 345

انتهاء زمان الإجارة؛ من غير انفساخ الإجارة بالفسخ، أو انكشاف البطلان كشفاً انقلابيّاً، لا واقعيّاً.

و هذه وجوه من الكلام نشير إليها إجمالًا، و إلى ما هو الأشبه.

و غير خفيّ: أنّ اختصاص الإجارة من بين العقود بالبحث، يومئ إلىٰ إمكان التفكيك؛ ضرورة إمكان صحّة سائر التصرّفات، دون هذا التصرّف الناقل، كما يمكن العكس و نقول بعدم صحّة التصرّفات الناقلة إلّا الإجارة و ما يشبهها، و يظهر وجه ذلك في طيّ البحث القادم إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

تحقيق المسألة

و هو حديث بطلان الإجارة خصوصاً و لو كانت سائر النواقل صحيحة؛ و أنّها باطلة من الأوّل و لو لم يفسخ ذو الخيار؛ و ذلك لأنّ مالكيّته بالنسبة إلى المنفعة غير معلومة، بخلاف العين؛ ضرورة أنّه مع فقد العين يردّ المثل في الفسخ، و أمّا مع وجودها فتردّ العين، و المنفعة تابعتها، و حيث إنّ الفسخ غير معلوم فالملكيّة المعتبرة في الإجارة غير

معلومة.

و التعليل بأنّها متزلزلة، عليل؛ لما تحرّر من أنّ الملكيّة المتزلزلة لا معنىٰ لها، و أنّ الإجارة لا تتقوّم بالملكيّة المستقرّة، بخلاف مسألة جهالة الملكيّة، فالفسخ لو وقع و إن كان حلّاً للعقد من الحين، إلّا أنّ صحّة الإجارة منوطة بالملكيّة المعلومة في مدّة الإجارة.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 346

و لو قلنا: بأنّ ثمرة الفسخ عود العين بجميع خصوصيّاتها إلىٰ ذي الخيار، تكون الإجارة هنا أسوأ حالًا من إجارة البطن الأوّل للوقف، مع أنّ الإجارة هناك صحيحة عندنا؛ لأنّها تابعة لكيفيّة الوقف، و لا شبهة في إمكان الوقف علىٰ وجه يكون الطبقة المتأخّرة متلقّية من الطبقة المتقدّمة، كما في الإرث، فلا تخلط.

أقول: الإجارة سواء كانت مشتملة علىٰ نقل المنفعة، إمّا لكون ماهيّتها هي نقل المنفعة، أو تكون مستتبعة لها إيقاعاً و عقداً، أو شرعاً و عرفاً، أو لم تكن مشتملة عليه رأساً كما هو الأشبه، و تكون ثمرة إجارة العين انتقال حقّ إليه، و تفصيله في محلّه «1» لا تبطل بتلك الجهالة؛ لأنّها كالجهالة الناشئة عن بقاء العين تكويناً، و كما أنّها مرفوعة بأصالة السلامة، كذلك هنا مرفوعة باستصحاب بقاء الملك، أو الأصل السببيّ؛ و هو عدم طروّ الفسخ لو لم يكن مثبتاً.

و يجوز دعوى: أنّ تصرّف المؤجر كتصرّف سائر الملّاك، فكما لا يبطل بموتهم إجارتهم؛ لكون الملكيّة مرسلة و لو لم يكن المالك مرسلًا، و تنتقل العين إلى الوراث مسلوب المنفعة، كذلك الأمر هنا.

و توهّم: تنافي الإجارة مع مقتضى الفسخ بالمطابقة، أو بالاستلزام، في غير محلّه؛ لأنّ من الممكن عدم طروّ الفسخ خارجاً، فالدليل أخصّ. مع أنّ من الإجارات ما لا يقتضي تسليم العين؛ كي يقع التهافت بينهما، فلا

______________________________

(1) كتاب الإجارة

من تحريرات في الفقه مفقود.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 347

يتمّ الوجه المزبور من هذه الجهة أيضاً.

مع أنّ ماهيّة الفسخ لا تقتضي إلّا انهدام العقد؛ من غير استتباعه أمراً آخر إلّا حكم العقلاء، و لا شبهة في جواز كون حكمهم هنا ردّ العين مسلوبة المنفعة؛ لأنّه به يجمع بين ملك الملكيّة المرسلة و هذا الفسخ مع وجود العين.

فتحصّل لحدّ الآن: أنّ الفسخ و الإجارة متلائمان، فلا تلزم الجهالة في ملكيّة المنفعة، فلا قصور في ناحية الاقتضاء لصحّة الإجارة، و لا مانع يمنع، كما في كلمات الشيخ «1» و أتباعه «2»، بل قضيّة الجمع بين الأُمور المذكورة؛ صحّة الإجارة و الفسخ، و ردّ العين بعد مضيّ وقتها، و القول باستتباع المنفعة لملكيّة العين باطل عاطل؛ لأنّ دليله لبّي، و هو حكم العقلاء في غير أمثال المقام.

بقي شي ء: في مالك المنافع و الأُجرة عند فسخ البيع و صحّة الإجارة

و هو أنّ بالفسخ تردّ العين بحكم العقلاء مسلوبة المنفعة، أم تردّ و هي مستأجرة بالإجارة الصحيحة إلىٰ حين الفسخ و بعده، فتكون الأُجرة المسمّاة تمامها لذي الخيار، أم هي أي المنفعة مضمونة مطلقاً بالبدل، أو مضمونة من حين الفسخ؟ وجوه، بل أقوال.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 297/ السطر 33.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 182/ السطر 36 39، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 76/ السطر 12، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 303.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 348

و الأشبه هو القول الحديث: و هو عدم الضمان على الإطلاق؛ ضرورة أنّ معنىٰ تصرّفه في ملكه المرسل لا يناسب الضمان، و من الغريب ذهاب جمع إلى الصحّة الواقعيّة و الضمان «1»!! نعم، لا بأس بدعوى الصحّة الظاهريّة، و بعد الفسخ تكون الإجارة باطلة، فيكون حينئذٍ للقول بالضمان وجه، و

هو في السعة و الضيق تابع لمقتضى الفسخ؛ و أنّه يوجب البطلان من الأوّل، أو من الحين.

و يمكن أيضاً دعوى الضمان علىٰ مبنى الكشف الانقلابيّ.

نعم، في صورة وقوع ذي الخيار بعد الفسخ في الضرر؛ لتعذّر الانتفاع من العين كما إذا فسخ، ثمّ التفت إلىٰ أنّ الإجارة ذات مدّة طويلة باقية فربّما يتوهّم لزوم التدارك بوجه من الوجوه؛ و منها: استئجار العين من المستأجر، و ردّها إلى المالك، أو تسليطه علىٰ بدل الحيلولة، و لكنّه غير مناسب للصناعة، و لا يأتي الضرر إلّا من سوء تدبيره.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ إطلاق سلطنة من ليس له الخيار في زمان الخيار، مرفوع بحديث نفي الضرر «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 183/ السطر 1، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 303.

(2) زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: لا ضرر و لا ضرار.

الكافي 5: 292/ 2، وسائل الشيعة 18: 32، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 17، الحديث 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 349

و فيه إشكال محرّر منّا في محلّه؛ فإنّ المرفوع به هي الأحكام التأسيسيّة الإسلاميّة، دون الإمضائيّة العقلائيّة. و حديث إشكال مورد حديث نفي الضرر و حلّه، يطلب من رسالتنا المعدّة لبحوثه «1».

تذنيب: حول كلام السيّد اليزدي

ربّما يوجد في كلمات بعض الأجلّة «2» تبعاً لما في «حاشية الفقيه اليزديّ (قدّس سرّه)»: إنّ قضيّة الفسخ رجوع كلّ من العوضين علىٰ حالهما حين العقد، و من تلك الشؤون و الأحوال كونها ذات المنفعة، فيتدارك ذلك بنفسها أو ببدلها «3».

و فيه: مضافاً إلى الانتقاض بموارد الإقالة، فتأمّل أنّ التصرّف بعد ما كان في ملك المؤجر، لا يجتمع مع اعتبار

الضمان رأساً، و أنّ الفسخ ليس له اقتضاء إلّا انهدام العقد و انعدامه، و أمّا رجوع العين بجميع شؤونها أو بعضها بلا فصل أو مع الفصل، فهو من الأحكام العقلائيّة التي تختلف أحياناً حسب الموارد، و من ذلك لو تقايلا في البيع بعد الإجارة غافلين عنها، ترجع العين المسلوبة المنفعة إلى المالك من غير ضمان، فالفسخ و التفاسخ من باب واحد.

______________________________

(1) رسالة المصنّف (قدّس سرّه) في «قاعدة لا ضرر» مفقودة.

(2) منية الطالب 2: 170/ السطر 19 20.

(3) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 165/ السطر 9.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 350

التنبيه الرابع: حكم بقاء الخيار لو لم يمنع ذو الخيار عن تصرّف الآخر
اشارة

في موارد اطلاع ذي الخيار علىٰ تصرّف من لا خيار له، مع إمكان المنع، و إبلاغ ذلك إليه:

هل يسقط خياره سواء كان ذلك الاطلاع غير مقرون بشي ء آخر، أو كان مقروناً برضاه بالتصرّف الاعتباريّ، أو بالتصرّف التكوينيّ و إذنه فيه بعد الاستيذان، أو بدواً، أو كان طرف التصرّف الاعتباريّ أو التكوينيّ نفسه، أو الأجنبيّ؛ بأن آجر العين لذي الخيار، أو باع منه أو ضيّفه بما اشتراه، فأكله أو أتلفه و هو عالم بالواقعة، أو غير ذلك من موارد النقل و التلف و الإتلاف الجائز و المحرّم؟

أم لا يسقط إثباتاً بعد الفراغ عن إمكان عدم السقوط ثبوتاً؛ لما مرّ بتفصيل من بقاء الخيار و العقد عقلًا في جميع هذه الصور و ذلك لأنّ في صورة الخيار، ليس لذي الخيار إلّا القدرة الوضعيّة الاعتباريّة علىٰ حلّ عقدة النكاح و عقد البيع، مع أنّه لازم عرفاً و شرعاً، ذاتاً و حقيقة، لا مسامحة و مجازاً، و لا يتعلّق حقّ له بالعين، و لا بالعقد، بل له القدرة علىٰ هدمه، كما له القدرة التكوينيّة علىٰ تلف الأشياء

الخارجيّة أحياناً؟

فحديث إذنه في النقل و الاستئذان منه، لا يرجع إلى الإذن المالكيّ، أو الاستئذان من ذي الحقّ بالنسبة إلىٰ العين و التصرّف فيها؛ لأنّه أجنبيّ عنها بالضرورة. و إمكان رجوعها إليه بتسبيب منه هنا،

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 351

كإمكانه بالاشتراء ثانياً و الإقالة، إلّا أنّه يشبه الإقالة غير الموقوفة علىٰ رضا الطرف.

و ممّا يؤيّدنا: ممنوعيّة ذي الخيار عن التصرّف في العين المذكورة؛ حتّى بعنوان الاسترداد لأجل الفسخ و إرادة الحلّ عملًا، كما مرّ.

فعلى هذا لا معنىٰ لإذنه، و لا يعتبر الاستئذان منه، كي يقال بامتناع اجتماع الإذن في التصرّف على الإطلاق، مع إرادة بقاء العقد و خياره، كما يستظهر من كلام بعضهم «1»، أو يقال بإمكان الجمع بينهما، كما يظهر من جماعة آخرين «9»، ففي مرحلة الثبوت لا يكون إعضال.

نعم، إنّ المشكلة في مرحلة الإثبات، كما يستظهر إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

لو أذن ذو الخيار في التصرّف المحتاج إلى إذنه

بقي في المسألة أنّه لو فرضنا أنّه كان التصرّف شرعاً منوطاً بإذنه؛ لاحتمال من الاحتمالات الموجودة في البين؛ عقليّاً، أو شرعيّاً، فهل إذنه بالتصرّف و النقل أو طرفيّته للعقد أو لغيره، بأن يرضىٰ بجعل العين مثلًا جعلًا في الجعالة، أو مهراً في النكاح؟

فربّما يقال: بامتناع صدور الرضا المذكور مع عدم التزامه بالعقد،

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 298/ السطر 3.

(9) حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 76/ السطر 15، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 183/ السطر 8 12.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 352

أو عدم إسقاطه للخيار؛ للزوم الجمع بين الوجود و العدم، ضرورة أنّ الرضا بالتصرّف، يرجع إلى رضاه بعجز الطرف عن الردّ بعد الفسخ، و عندئذٍ لا معنى لعدم التزامه بالعقد المذكور.

و بعبارة اخرىٰ: الأمر يدور بين شيئين:

إمّا عدم اعتبار

إذنه مطلقاً في التصرّف، أو عدم اجتماع إذنه المعتبر مع عدم رضاه و التزامه؛ لأنّ منشأ اعتبار إذنه تعلّق حقّ منه بالعقد، أو بالعين مستقلا، أو لأجل العقد المتعلّق بها، و إذا رضي به يلزم مضيّه عنه و انصرافه منه.

و حديث رضاه بالبدل، أو تبديل موضوع حقّه، من الأغلاط؛ لأنّ الأمر ليس بيد ذي الخيار حتّى يتبدّل موضوع حقّه، و كفاية رجوعه إلى المتصرّف بالبدل بعد الفسخ لإمكان الجمع، ترجع إلىٰ عدم تعلّق حقٍ منه بالعين مستقلا، أو مع الواسطة، فما ترى في كلام القوم «1» خالٍ من التحصيل ظاهراً.

و أمّا توهّم: أنّ مجرّد الإذن لا يوجب سقوط الحقّ؛ ما دام لم يلحقه التصرّف و التلف الموضوعيّ، أو الحكميّ، فإذا كان التلف دخيلًا في سقوط الحقّ فالحقّ باقٍ إلىٰ حينه، فيكون كالتلف بلا إذنٍ قابلًا للاجتماع مع الضمان، فيجوز الجمع بين حدوث الإذن و بقاء الخيار؛ نظراً إلىٰ أنّ سقوط الحقّ بالتلف قطعيّ، سواء كان إذن، أم لم يكن؛ ضرورة أنّه

______________________________

(1) لاحظ حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 165/ السطر 16 23، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 5: 304.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 353

لا يعقل بقاء الحقّ بالنسبة إلى العين التالفة، و لا سيّما التلف التكوينيّ.

و عندئذٍ يحدث الضمان في عَرْض سقوط الحقّ، فكما أنّ التلف سبب سقوط الحقّ؛ بمعنى انتفاء موضوعه، كذلك التلف سبب الضمان، فإذا كان ذو الخيار عالماً بذلك، يتمكّن ثبوتاً من الإذن و عدم الالتزام بالعقد لتلك الجهة، كما لا يخفى.

و دعوىٰ: أنّه لا معنى للضمان بمعنى الانتقال إلى البدل إلّا بعد الفسخ، غير مسموعة؛ لأنّ المقصود من «الضمان» هو أنّه لو فسخ العقد فعليه البدل، و هذا الأمر

التعليقيّ في عَرْض سقوط الحقّ بالتلف، فكيف يمكن حصول ذلك الأمر التعليقيّ، مع أنّه لا بدّ و أن يكون بعد سقوط الحقّ، الذي هو بعد التلف، و هو بعد التصرّف، الذي هو بعد الإذن، الذي هو بعد حلول الحقّ الحاصل بالخيار في طيّ العقد؟! و بالجملة: فهو أي التوهّم المذكور لا يثبت إلّا لأجل بقاء العقد بعد التلف، و أنّه لو فسخه فعليه البدل، فيعلم منه أنّ الإشكال المذكور خلاف المفروض، و في صورة انتفاء العقد رأساً بالتلف فلا خيار، و لا ضمان.

و ممّا ذكرناه و حصّلناه يظهر مواضع ضعف كلمات القوم، و لا سيّما الفقيه المحشّي «1»، و العلّامة الأصفهاني (قدّس سرّهما) «2» و كون الضمان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 165/ السطر 16 23.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 183/ السطر 8 و ما بعده.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 354

و السقوط عَرْضيّين محلّ منع، بل التلف باعتبار اقترانه مع موضوعيّة العين للحقّ، يورث الضمان، و أمّا سقوط الحقّ فباعتبار قيامه بالعين في الاعتبار، كقيام العرض بالموضوع، فلا تخلط. هذا كلّه ثبوتاً.

و أمّا إثباتاً فربّما تختلف الموارد؛ لأجل الاقتران بالقرائن الخاصّة، و لا يبعد عرفاً تلازم الإذن المذكور مع إعراضه عن حقّه، و هذا هو التعبير الصحيح دون «الإسقاط» أو «إنشاء السقوط» و تصير النتيجة التزامه بالعقد، كما لا يخفى.

فبالجملة: ما هو الحقيق في المسألة؛ هو أنّ الآذن أجنبيّ، و ليس ذلك إلّا لأجنبيّة الخيار عن العين فيما هو طبع الخيار، و مجرّد إذنه في تصرّف المالك في ملكه، غير مربوطٍ بما هو حقّه و قدرته؛ و هو هدم العقد.

مع أنّ الفسخ و الهدم لا يقتضي شيئاً مطلقاً، كما مرّ، فضلًا

عن اقتضائه النقل إلى البدل فعلًا أو تعليقاً.

نعم، في بعض الخيارات الموجبة لتحديد مالكيّة من لا خيار له، يمكن كشف سقوط الخيار و إعراضه عنه عند الالتفات، إلّا أنّ التحقيق في موارد خيار ردّ الثمن أو اشتراط ردّ العين خصوصاً؛ هو صحّة النقل و التصرّف، و حرمة التخلّف عن العهد و الشرط مثلًا، فتأمّل. و ربّما ينفعك للمقام ما يأتي ذيلًا لمسألة «التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له» «1».

______________________________

(1) لم نعثر على مكتوبات الشهيد (قدّس سرّه) في هذه المباحث.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 355

و لو غفل عن الخيار عند ردّ الثمن فأذن، لا شي ء على الطرف علىٰ الأشبه.

التنبيه الخامس: حكم بقاء الخيار عند تصرّف ذي الخيار في العين و صحّة تصرّفه و حليته

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 355

تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه من العين، مورد الكلام أيضاً تكليفاً و وضعاً، و ملازمة؛ لالتزامه بالعقد ثبوتاً، و لإعراضه عن الخيار إثباتاً. و لا يختصّ البحوث المذكور بمن لا خيار له، خلافاً لما يستظهر من الأصحاب (رحمهم اللّٰه).

و ذلك لأنّ من لا خيار له و لو لم يكن صاحب حقٍّ بالنسبة إلى العين و مورد العقد، إلّا أنّه بعد الفسخ يستحقّ العين، فلو كان في نفسه الإتلاف، ثمّ الفسخ و ردّ البدل، فهو إجحاف و ظلم بالنسبة إلى الطرف عرفاً؛ و إن لم يكن فعلًا غير متعدّ بالنسبة إلىٰ مال الغير، فيمكن منعه عن التصرّف في هذه الصورة؛ لتفويت محلّ حقّ الغير المتعلّق به بعد الفسخ الآتي، و يكفي حكم العقلاء بذلك.

نعم، إذا كان من نيّته عدم الفسخ، أو لم يكن من نيّته

الفسخ، بل لو تصرّف و عدل عن الفسخ فلا شي ء؛ لانكشاف أنّه لم يكن متعدّياً و لو كان متجرّياً.

و يؤكّد الإجحاف المذكور في صورة انحصار العين، و عدم وجود المثل لها، و لزوم ردّ القيمة إليه مع أنّه مثليّ، فهو نحو تعجيز عن

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 356

التكليف المعلّق، لا المشروط، بل و لو كان مشروطاً بشرط يعلم تحقّقه؛ لبنائه علىٰ إيجاده و أوجده، فإنّه ممنوع صناعة، فضلًا عن العرف و العقلاء؛ علىٰ ما تحرّر منّا في الأُصول، و أنّ جميع الواجبات المشروطة معلّقة واقعاً، و ليست مشروطة، فليطلب من مظانّه.

و علىٰ هذا يتبيّن: أنّ التفصيل المحكيّ عن الشيخ أسد اللّٰه (رحمه اللّٰه) «1» من الممنوعيّة في أصل المسألة بالنسبة إلى التصرّف التكوينيّ، دون الاعتباريّ، يجري هنا، كما أنّ التفصيل المحكيّ عن العلّامة الخراسانيّ «2» علىٰ فرض صحّته، مع بُعده جدّاً آتٍ أيضاً، و هو عكس التفصيل الأوّل.

و ما في صدر عبارة الشيخ الأعظم (رحمه اللّٰه) في أصل المسألة: «من أنّ من أحكام الخيار؛ عدم جواز تصرّف غير ذي الخيار تصرّفاً يمنع من استرداد العين عند الفسخ» «3» انتهىٰ، يقتضي المنع هنا أيضاً، كما هو الظاهر.

فالأشبه عدم الفرق بين تصرّف الطرفين بالنسبة إلىٰ بعض الوجوه، و هو كافٍ، نعم الأظهر جوازه في الناحيتين.

كما أنّ من المحتمل دعوى: أنّ تصرّف ذي الخيار أظهر في إعراضه عن خياره و حقّه الوضعيّ عن إذنه في التصرّف؛ متأكّداً بما ورد في أخبار

______________________________

(1) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 296/ السطر 15 16، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 179/ السطر 31.

(2) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 260، لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 179/ السطر 30.

(3) المكاسب، الشيخ الأنصاري:

295/ السطر 31.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 357

خيار الحيوان «1» و غيره، و لا سيّما في خيار ردّ الثمن فيما إذا كان الثمن من غير النقود و أشباهها. و المراد من «الثمن» هو العوض الشخصيّ، فلا تخلط.

كما لا ينبغي الغفلة عن أنّ إنكار إمكان الجمع بين التصرّف المذكور و بقائه على الخيار هنا أقرب؛ ضرورة أنّ إذنه إذا كان عن التفاتٍ غير مجتمع مع بقائه على الخيار و عدم إعراضه عنه، فتصرّفه مع التوجّه أوضح في عدم الجمع. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بهذه المسألة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 10، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 3.

الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 358

و قد فرغنا منه في أيّام العطلة؛ لأجل تسفير حكومة العراق خذلها اللّٰه تعالىٰ طلّابَ العلوم الدينيّة، و هدم أساس الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، و قد كانت من الأيّام السالفة أعداء الدين مريدين أمثال هذه الجنايات و الكوارث المهلكة، إلّا أنّ اللّٰه تعالىٰ من ورائهم محيط؛ فإنّ الإسلام يبلغ حدّ الشعرة و لا ينقطع.

و كلّ ذلك ممّا يرجع إلىٰ فتور مراجع العراق، و مستند إلىٰ عدم رشدهم، و لو كان مرجع العراق في هذه الأيّام حسبما يتراءىٰ من أشباه المسائل العصريّة السيّد المحقّق الخمينيّ الوالد مدّ ظلّه لما كان الأمر كما وقع، و في المسألة تفسيرٌ يحتاج إلىٰ بسط البحث حول شرائط زعيم المذهب (و تو خود حديث مفصّل بخوان از اين مجمل).

تحرّر ليلة الاثنين من شهر محرّم الحرام في اليوم السابع عشر من سنة (1396).

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الخيارات (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.